ب ـ التشيع العقيدي .
في ضؤ حديثنا عن التشيع السياسي , يتحدد موقع التشيع العقيدي ايضا.
و بـناا على ما ذكرنا سابقا, فان الحدالفاصل بين التشيع و بين التسنن كان متميزا منذ القرن الاول و يـعـود ذلـك الـى بعده السياسي و كان اتجاهه العقيدي في قسم من المسائل الفقهية و بعض الاصول الاعتقادية متبلورا.
و هذا الموضوع يخص اتباع الائمة الذين يعرفون في الكتب الرجالية باصحاب الائمة .
اما في القرن الثاني فقد اتسع نطاق الهوية العقيدية كثيرا الى الحد الذي كانت فيه الهوية الثقافية اهم مسالة في نطاق ((الامامية )).
اما الزيدية فقد ظلت هويتهم السياسية في القرون التالية .
يقدم لنا ((ابان بن تغلب )) احد اصحاب الامامين : الباقر, والصادق ـ عليهماالسلام ـ (العصر الذي كان فـيه الحد العقيدي والفقهي متميزا تماما((85))) تعريفا للتشيع العقيدي في غاية الروعة , فيقول : ((الـشيعة الذين اذا اختلف الناس عن رسول اللّه اخذوا بقول علي ـ عليه السلام ـ و اذا اختلف الناس عن علي ـ عليه السلام ـ اخذوا بقول جعفربن محمدـ عليه السلام ـ ((86)) )).
يـبـين لنا هذا التعريف ان قول الامام علي ـ عليه السلام ـ وحده يعول عليه عندالشيعة و اذا ماطرا خـلاف في هذا المجال , فان قول ((جعفر بن محمد ـ عليه السلام ـ )) هو المقبول فحسب و يعود ذلك الى ان لاهل السنة ايضا طرقا لنقل روايات الامام علي ـ عليه السلام و هذه الطرق ـ كما مر بنا ـ لا يـقـر بـهـا الـشيعة لاسباب مختلفة فالشيعي ـ اذن ـ هو من ياخذ الاحاديث النبوية عن طريق الامام علي ـ عليه السلام ـ و بعده عن طريق الائمة ـ عليهم السلام ـ فحسب لذلك نجد في عصر ابان ان الامـام جـعـفـر الصادق ـ عليه السلام ـ كان امامه و هكذا فان ائمة الشيعة ينقلون الاحاديث عن آبائهم دون غيرهم .
و مـن هـذا المنطلق فان منهل المعارف و العلوم الشيعية هم الائمة ـعليهم السلام ـ ليس غيرهم , و هم المتصلون بمعدن الوحي والرسالة .
وكـان هـنـاك مخطط عقيدي و فقهي للشيعة بنحو محدود منذالبداية اذ كان متميزا ان اتباع علي ـ عليه السلام ـ هم وحدهم يتفاعلون مع افكاره و آرائه الفقهية و اتسع نطاق هذا المخطط سياسيا و ديـنـيـا على مر العصور, بخاصة عندما استطاع ائمة الشيعة عرض فقههم المفصل في ظل الاجوا الـمـسـاعدة و كان للامام علي ـعليه السلام ـ كيان تنظيمي مستقل منذ عصر الخلفا, بل منذ عصر الـنـبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ و حاول الاخرون ضربه و هذه المفردة قد كبر حجمها في عصر الـخـلـفـافي ضؤ ما كان يتمتع به الامام من تفوق علمي على سبيل المثال , عندما طرحت مسالة حول ((87)) و يـعـبـر هـذا الـموضوع عن وجود الخلاف في الرؤية والمنهج و من الطبيعي ان انصار علي ـ عـلـيه السلام ـ كان لهم مخطط محدود يميزفقههم عن الاخرين , لا سيما عن الذين كانوا يصرون على تطبيق فتاوى الخلفا واثبتنا في الاقسام التمهيدية لكراسنا المشار اليه ادناه ((88)) ان الايمان بـامـامـة اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ كان مشهورا بين الصحابة منذ البداية و كثير منهم كانواعلى هذاالخط و جئنا بادلة ايضا في المجال .
و فـيـمـا يلي ادلة شعرية اخرى , نذكرها هنا ليستبين لنا ان هذا الاستقلال الفكري والسياسي كان مـتـمـيزا منذالبداية عبر عقائد اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ,و لم يكن من مخترعات المتاخرين و مصطنعاتهم فقد جا في شعر انشد في معركة صفين :.
وصي رسول اللّه من دون اهله ـــــ و وارثه بعد العموم الاكابر ((89)) .
و نـقرا في الشعر الذي انشده عمار بن ياسر في معركة صفين ايضا ان اصطدام التيارين المتحاربين اصطدام فكري يحوم حول تاويل القرآن و احد هذين التيارين هو الاسلام الاموي , و الاخر اسلام علي ـ عليه السلام ـ الذي يمثل التشيع .
كان هذا المقاتل الواعي يخاطب جيش الشام قائلا:.
نحن ضربناكم على تنزيله ـــــ فاليوم نضربكم على تاويله ((90)) .
و جا في بيت آخر يحوم حول مفهوم الوصية :.
فيكم وصي رسول اللّه قائدكم ـــــ و اهله و كتاب اللّه قد نشرا ((91)) .
و نقرا في واقعة كربلا ان احد اصحاب الحسين ـ عليه السلام ـ وهو نافع بن هلال كان يرتجز, و يقول : انا الجملي انا على دين علي ((92)) .
و يدلنا هذا على ان دين علي ـ عليه السلام ـ كان خطا فكريا متميزا في واقعة كربلا.
و مـن الـطريف في تلك الفترة ان تعبير ((دين يزيد بن معاوية )) كان متداولاايضا ((93)) و قد افـضت كربلا ايضا الى تميز الموقف الشيعي في الفروع تدريجا,لا نها رسمت للشيعة حدا سياسيا يـفـصـل بـيـنـهم و بين الذين وقفوا امامهم بوصفهم مسلمين و هذا لا يعني ان الخلافات كانت غير مـوجـودة , بل يعني ان الشيعة حتى تلك الفترة ـ بغض النظر عن خلافاتهم ـ كانوا لا يزالون يرون وجـودهـم الـى جـانـب جـمهور المسلمين مشروعا, بيد ا نهم وجدوا فيما بعد ان من الضروري تنظيم انفسهم للمحافظة على الاسلام و ثقافته الغنية الثرة .
و من ثم دخول الحلبة في كافة الابعاد لا سيما البعد الديني ((94)) و فشااصطلاح ((الترابية )) معبرا عن الشيعة في عصر ابن الزبير ليجسد مواصلة خط ابي تراب , وهو الامام علي ـ عليه السلام ـ مـن قـبـل اتـبـاعـه و جـا قـولـهـم فـي الـذين بايعواالمختار : ((فانما بايعه شرذمة من هؤلا الترابية ((95)) )).
((96)) و )) كان رفاعة بن شداد ـ وهو احد المقاتلين مع المختار ـ يقول مرتجزا:.
انا ابن شداد على دين علي ـــــ لست لعثمان بن اروى بولي ((97)) .
فهذا هو التشيع العقيدي الذي كان مطروحا في مقابل التيارات المناهضة له .
ثم تميز في ما بعد اكثر فاكثر.