الشيعة يتولون نشر الاسلام
رأينا أن الادارسة هم الذين نشروا الاسلام في شمال إفريقيا وأدخلوا فيه القبائل البربريّة العظيمة التي قدّر لها بعد ذلك أن تكون من أكبر الدعائم الاسلاميّة.
في الديلم:
وكما حال الحكم الغاشم دون انتشار الاسلام في المغرب فقد حال كذلك دون انتشاره في المشرق ففي كل العهود الامويّة والعباسيّة لم يستطع الاسلام أن ينفذ إلى قلوب الشّعوب.
يقول فاضل الخالدي متحدثاً عن الديلم: «اِن الديلم قاوموا الفتح الاسلامي، وعلى الرغم من أن قسماً من بلادهم قد فتح عنوة من قبل الجيوش الاسلاميّة، إلاّ أنّهم لم يدخلوا الاسلام، كما اخفقت كل المحاولات العسكريّة التي بذلها الامويون والعبّاسيون لحملهم على اعتناق الاسلام».
أجل، لقد أخفق القواد وأخفق الحكام في إدخال الديلم في الاسلام، لانّ اُوليك القواد واُولئك الحكام كانوا آخر من يحق له التّكلّم باسم الاسلام ويدعو إليه.
ثم يفرّ بعد ذلك إلى بلاد الديلم ثائر علوي، فيصل إليهم شريداً طريداً خائفاً، ذلك هو يحيى بن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن عليّ بن أبي طالب الّذي لاذ بالديلم فراراً من هارون الرشيد([1]). فلم يشغله الذعر والخوف والحرمان عن واجبه، ولم ينسه ذلك أنّه سبط محمد وحفيد عليّ، وأن من كان كذلك فهو مسؤول عن الاسلام مهما كانت الظّروف، فعمل على نشر الاسلام في الديلم فبدؤوا يدخلون فيه، ثم تتابع لجوء العلويين اليهم وتتابعت دعوتهم لهم إلى الاسلام، حتى توّج ذلك كله بقدوم الحسين بن علي الاطروش، هذا الثائر العلوي الّذي دخل بلاد الديلم سنة 301هـ وأقام بينهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الاسلام حتى لبّوا دعوته وأسلموا بمجموعهم.
في اندونيسيا:
واذا كان الشيعة قد حملوا الاسلام إلى المغرب الاقصى والادنى، ثّم حملوه الى المشرق الادنى، فانّهم كذلك حملوه إلى المشرق الاقصى، والّذين حملوه إلى هناك هذه المرة كان الكثير منهم من الايرانيين، فانتشر في أندونيسيا وعمّ الاكثرية من سكانها.
يقول العالم الاندونيسي حسين جاجاد ننغراث: نعتقد بأن الاسلام بصورته التي كان معروفاً بها في جاوه جاء عن طريق فارس، ومن هناك عبر الهند الغربيّة وسومطرا.
وعلى سبيل المثال ـ يقول العالم الاندونيسي ـ نذكر أنّه في اليوم العاشر من المحرم ـ وهو الذي يحتفل فيه الشيعة بذكرى استشهاد الحسين ـ تقوم عائلات عديدة باعداد طعام خاص، يدعونه بـ «برسورا» وهي كلمة مأخوذة من عاشوراء الّتي تعني العاشر من المحرم وكذلك يدعى شهر المحرم بالجاوية (سورا)، ونجد أيضاً آثار نفوذ الشيعة في (اتجه) شمالي سومطرا، إذ يدعى شهر المحرم باسم «شهر الحسن والحسين». وفي (مينانج كابو) على الساحل الغربي لسومطرا يدعى شهر المحرم «شهر النعش» إشارة لعادة الشيعة واحتفالها بذكرى وفاة الحسين عندما يحملون نعشاً رمزياً يسيرون به في الشوارع، ثم يلقونه في نهر أو مجرى مائي.
وثمة دليل آخر على أن الاسلام جاء إلى اندونيسيا عن طريق فارس، وهو العادة المتبعة في استعمال الاسماء الفارسية لا العربية لتسمية حروف العلة في اللغة الغربية عند تعلّم الطريقة الصحيحة في تلاوة القرآن.
وهناك أدلة اُخرى من السهل تمييزها تثبت التأثير الفارسي في لغة الكتابة المستعملة في الدراسات الاسلامية.
ويقول الكاتب الاندونيسي محمد أسد شهاب: إن الاضطهاد المتوالي للعلويين حملهم على الهجرة البعيدة، فهاجر أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق إلى جنوب الجزيرة العربية عام 313 واستقر هناك، ثم واصل أبناؤه وأحفاده الهجرة للدعوة إلى الاسلام، فكانت الهند اُولى وجهاتهم، فمنهم من استقر في مدينة ملبار، ومنهم من واصل الهجرة إلى هذه الجزر المعروفة اليوم باسم مالايا، وأندونيسيا، والفلپين، وسائر جزر سليمان. ولا تزال سلالاتهم معروفة فيها إلى اليوم; ومن أحمد هذا تحدّر سلطان موزمبيق محمد الذي حاربه البرتغاليون وتغلبوا عليه.
ثم يقول: إن أول الدعاة المسلمين الّذين وصلوا لنشر الاسلام إلى هذه الديار هم من الشيعة، وهذا أمر معروف مسلّم به، فهذه الاثار من شواهد القبور والكتابات عليها والوثائق تدلّ دلالة صريحة على ذلك، كما أن عادات الشيعة لا تزال معمولاً بها إلى اليوم في كثير من البلدان، على الرغم مما طرأ على هذه العادات والطقوس من تغييرات بمرور الزمن وانقطاع الصلات بين مسلمي هذه الديار والعالم الخارجي عدة قرون، لا سيما أيام الاستعمار الهولندي الذي استمر ثلاثة قرون ونصف قرن في أندونيسيا.
وحتى اليوم لا يزال شهر المحرم وشهر صفر محترمين عند الكثيرين من الاندونيسيين، فلا يقيمون فيهما أفراحاً ولا يعقدون زواجاً ولا يجرون زفافاً.
ويوجد حتى اليوم مدفع قديم في مدينة بانتن القديمة بجاوا الغربية مكتوب عليه «لا فتى إلاّ علي ولا سيف إلاّ ذو الفقار». كما أن كل السيوف القديمة المحفوظة تحمل تلك العبارة، وعلى كثير من القبور القديمة منقوش كلمات: «الله، محمد، علي». وعلى بعضها: «لا اله إلاّ الله محمد رسول الله علي ولي الله».
ويزيد البحاثة الاندونيسي قائلاً: وحل الاستعمار الهولندي فأذاق الشيعة أنواعاً من التعذيب وأهوالاً من التنكيل بسبب مقاومتهم لهذا الاستعمار. وبلغ التنكيل أوجه عام 1642 ميلادية، ففي هذا العام شرّدت هولندا الشيعة تشريداً بعد أن عذبتهم تعذيباً. وأباد الاستعمار الهولندي الكتب والوثائق التاريخية، بل كل ما له علاقة بالشيعة. وقد امتدت هذه المرحلة ثلاثة قرون ونصف القرن.
ويقول المؤرخ الاندونيسي محمد تمين إبراهيم في محاضرة له: إن أول مملكة إسلامية هنا يرأسها شخص بلقب «شيخ» كانت بأيدي العرب من الهاشميين، فهم رؤساء الدين والدنيا.
وعدا هذا فقد ذكر هجرة العلويين إلى جزر الشرق الاقصى كل من: فن دن بيرخ الهولندي، وفرين ميس في كتاب (سيجاره تانه جاوا)، وبيخمان، ونور الدين محمود عوفي.
ويقول فن دن بيرخ في كتابه (حضرموت والمستوطنات العربية في الجزائر الهندية) الصادر باللغة الفرنسية: إن نجاح الدعوة الاسلامية في جاوا كان لان الدعاة من ذرية النبي.
ويقول المؤرخ الهولندي سبات في كتابه (الاسلام في الهند الهولندية): إنّ حمَلَة الاسلام إلى هذه البلاد هم (الاسرة العلوية) آل علي.
في الصين وكامبوجا وسيام:
يقول نور الدين عوفي عن انتشار الاسلام في الصين: إن الاشراف العلويين هربوا من الاُمويين إلى بلاد الصين ونشروا الاسلام فيها.
ويذكر محمد تمين في محاضرته: أن الاشراف العلويين انتشروا في كامبوجا والصين وسيام وغيرها، ومن الواصلين إلى كامبوجا: الحسين، الملقب بجمال الدين الاكبر.
وكان للحسين هذا ولدان، أحدهما ابراهيم، وتقول الروايات الجاوية: إن إبراهيم هذا قد وصل مع أبيه الحسين إلى سيام وجاوا، وأنه تزوج أميرة من جامبا اسمها بالد، أو ولاق، فولدت له ابنين: علياً واسحاق، كانا من أنجح العاملين على نشر الاسلام، وأن أعظم نجاح لاسحاق كان في بانيو، وانغى.
ومما يذكر أن سلالات الدعاة العلويين امتزجوا بالشعب واندمجوا به وتسمّوا بأسمائه، وبقيت منهم بقية محتفظة بأنسابها، فنرى مثلاً اسم كياهي أحمد بن كياهي ماس مجيد وهكذا إلى أن تنتهي السلسلة إلى السيد الشريف علي بن السيد الشريف عبدالله ابن السيد الشريف أحمد بن عيسى المهاجر.
في الفلپين:
وقدم العلويون إلى الفيليپين التي كانت تعرف باسم (صولو) فاستوطنوا بها ونشرو الاسلام وتناسلوا، ثم أقاموا بها ملكاً. واستمر حكم العلويين حتى سنة 885هـ ـ 1465م، وقيل إلى عام 1521م حين هاجم الاسبان المسلمين وفشل السلطان عبدالقاهر في صد هجومهم.
وفي تاريخ الفيليپين ذكر مجيء أولياء بسفينة طافت في تلك الجُزر لنشر الاسلام.
وجاء في كتاب (دراسات عن المسلمين المورو وتاريخهم) المطبوع بمانيلا سنة 1905: أن مجيء الاسلام إلى الفيلپين كان بواسطة شريف اسمه حسن بن علي، من ذرية أحمد بن عيسى المهاجر، وقد عمل هذا الشريف العلوي على نشر الاسلام أول الامر في جزائر (بوايان) الفلپينية فأسلم ملكها على يديه.
وانتشر الاسلام في مينداناو، ومافيندانا، وسبيو، وسولو، وكوتابارو، وتمبارا، وليبونغان، وباكمبايان.
وجاء في ذلك الكتاب: أن هؤلاء الاشراف كانوا أول من علم الاهلين الكتابة العربية.
في أفريقيا الشرقية:
ومن آسيا إلى افريقية مرة ثانية، فالشيعة هم الّذي نشروا الاسلام في مشرق افريقيا بالذات، ويرى السيد سعيد أختر، في بحث له نشر باللغة الانكليزية، أن التشيع وصل إلى افريقيا الشرقية في القرن الاول للهجرة حين فشا الظلم وسفك الدماء في البلاد الاسلامية على يد الحجّاج بن يوسف فاضطر فريق من الشيعة إلى الهجرة البعيدة; فكان من الاماكن التي وصلوا اليها: افريقيا الشرقية.
ويذكر أن زعيمين: أحدهما يسمى سليمان، والاخر سعيد، كانا هما طلائع هذه الهجرة، ولكن التفاصيل عنهما وعن رحلتهما مجهولة.
ويستند السيد سعيد، فيما يستند، إلى ما جاء في كتاب (المتكلمون بالسواحلية من أهل زنجبار وساحل افريقيا الشرقي) الذي نص على أن هذين الزعيمين جاءا مصحوبين باتباعهما في السنة السابعة والسبعين من الهجرة 695م.
ويقول المستر پرنس، مؤلف الكتاب المذكور: «ومن الممكن أن هجرات مماثلة حدثت، ولكننا لم نسمع عنها».
ويقول أيضاً: «وهكذا نجد اعتقاداً في جزيرة كيوايو بأنّ الاسلام دخل إلى تلك الديار على يد رجل يسمى حمزة، ورجل يسمى جعفر» ثم يقول: إنه يظن أن الاول هو ابن عبدالملك بن مروان، والثاني أخو عبدالملك، ولكن المؤلف پرنس يعود فيرد على هذا الظن قائلاً: «ولكن ذلك يشير إلى تقليد شيعي بقدر ما يوحي هذان الاسمان».
ويضيف السيد سعيد أختر إلى ذلك قائلاً: «لم يكن لعبدالملك ابنٌ يسمى حمزة، ولا أخ يسمى جعفر، ويمكن أن يكون صاحبا هذين الاسمين من الشيعة اللاجئين إلى تلك البلاد».
ويتأكد وصول الشيعة إلى افريقيا الشرقية في وقت مبكر وتأثيرهم التأثير العميق في الحياة الافريقية بما ورد في الملحمة السواحلية المسماة «النظم في أحوال سيدنا الحسين بن علي» التي نشرها سنة 1960 الاديب الافريقي (بورو) مع تعليقات وترجمة «ألن».
وهذه الملحمة كتبها في القرن التاسع عشر محمد عبدالله البحري، ويظهر أنها إعادة لكتاب سابق، وتحتوي هذه الملحمة على ألف ومائتي بيت وتسع مقطوعات شعرية.
ويشير برنس بعد ذلك إلى تأثير وصول الشيرازيين الاقدمين إلى السواحل الافريقية الشرقية، وكيف انطبع الشعب بالطابع الشيعي حتى الان فهو يقول: «أثرَ هؤلاء لا يزال ظاهراً في قالب من المودة العميقة لاهل البيت التي تعدّ من مميزات المسلمين الافريقيين».
ويضيف إلى ذلك: «إن هؤلاء الافريقيين يضيفون إلى أسماء سلالات الرسول كلمة «شريف» التي انقلبت في اللغة السواحلية إلى كلمة (شريفو) كما أنهم يكرمون الصالحين من أموات هؤلاء الاشراف.
ويقول: «على طول هذه الشواطىء تقوم مزارات هؤلاء الاشراف الصالحين. وفي لامو أهم مركز للزيارة، حيث يؤمها في اُسبوع الزيارة عشرات الالوف كل عام. وتعتبر زيارة الشريف صالح بن عبدالله العيدروس في لامو أفخم الزيارات وأهمها».
ويقول السيد سعيد اختر: «وهذه الدرجة من الاكرام لاهل بيت الرسول لايوجد لها مثيل في بلد من البلاد الاخرى».
إلى أن يقول: «وإنني أعرف كثيراً من الشيوخ في لاموا وزنجبار ممّن يصرحون باعتقادات تعتبر في البلاد الاخرى من اعتقادات الشيعة».
التشيّع واللغات الاسلامية
أغنى التشيع اللغة العربية بالشعر والنثر وحمى ملوكُه آدابَها وعلماءَها وشعراءَها، ونهضوا بهم إلى حيث ينبغي لهم أن ينهضوا.
وكان فحول شعراء اللغة العربية من الشيعة، منذ الفرزدق، إلى أبي تمام، والبحتري والمتنبي، وأبي فراس، والرضي، وابن هاني الاندلسي، ولايشذ عن ذلك المعرّي، القائل:
أليس قريشكم قتلت حسيناً وصار على خلافتكم يزيدُ([2]) والقائل:
وعلى الدهر من دماء الشهيـ ـدين علي ونجله شاهدان([3]) ثم إن الشعراء الشيعة أوجدوا الشعر الملحمي والشعر القصصي في الادب العربي. ولا يزال مؤرخو هذا الادب ومدرّسوه يتجاهلون ذلك، ويأسفون أنْ لا ملاحم في الشعر العربي ولا قصص، في حين أنهم لو رجعوا إلى الشعر الشيعي لوجدوا فيه القصة والملحمة. فشعر السيد الحميري هو الشعر القصصي العربي، وقصيدته البائية هي القصة بعينها([4]).
وشعر كاظم الازري هو الشعر الملحمي العربي، وقصيدته الهائية المعروفة بالازرية هي كذلك الملحمة بعينها([5]).
وفي إيران نشأ في أصفهان شاعر باللغة العربية، هو أحمد بن علوية الاصفهاني المتوفّى سنة 320هـ، نظم باللغة العربية في سيرة أمير المؤمنين ملحمة شعرية في ألف بيت.
وإذا كنا نحتاج لدراسة هذا الموضوع إلى الكثير من البحث والكثير من الوقت فإننا نجتزىء ذلك إلى ظاهرة اُخرى في تاريخ التشيع، هي تأثيره في آداب الامم الاسلامية غير العربية، وما خلقه فيها من تيارات لم تكن لتعرفها لولا التشيع.
وقد كان من أثر ذلك أن نهض بتلك اللغات ومشى بها في أساليب وفنون رفيعة، بل لقد كان التشيع سبباً في تدوين لغات ما كانت لتدوّن لولا التشيع وكان مقدوراً لها أن تظل لغة تَخاطُب فقط.
ومن أمثلة ذلك: اللغة الاردية، لغة الباكستان الرسمية، واللغة التي تتكلمها مئات الملايين في غير الباكستان. فقد تجمعت هذه اللغة من لغات المعسكر (اُوردي) الذي أقامه الامبراطور محمد أكبر لجيوشه المؤلفة من الترك والفرس والهنود، مضافاً إلى لغة الدين العربية. إذ كان من أثر اختلاط تلك العناصر أن تكلمت لغةً كانت مزيجاً من مجموع لغاتها. وظلّت هذه اللغة لغة تخاطب لا لغة تدوين، شأنها في ذلك شأن الكثير من اللغات الافريقية. ولكن لطول العهد أخذ الموهوبون من الشيعة ينظمون الشعر بتلك اللغة فتتداوله الاسماع دون تدوين، وما كان ذلك ليستمر طويلاً إذ كان لابد من بروز من يفكّر بتدوين هذا الشعر الذي صار مدار إعجاب الناس وزينة محافلهم. وهكذا دوّن أول كتاب في اللغة الاُردية، وكان هذا الكتاب كتاب (ده مجلس)([6]) في مدح أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)، ثم تتابع التدوين ومشى من جيل إلى جيل فإذا باللغة الاردية تصبح لغة أدب حيّ وشعر خالد. وإذا بها تنجب من الشعراء أمثال: غالب، وأنيس، ودبير، ممن سموا بها إلى أعلى منزلة بمنظوماتهم الحسينية والعلوية.
وما يقال في اللغة الاُردية يقال مثله في غيرها من اللغات الباكستانية التي تزيد على عشر لغات، كاللغة المولتانية مثلاً، التي يتكلم بها الملايين، والتي كان أول ما دوّن فيها مدائح عليّ(عليه السلام)ومراثي الحسين(عليه السلام). ومن أعلام شعرائها: غلام حيدر فدا، صاحب ملحمة (ذو الفقار) المؤلفة من خمسمائة وخمسين بيتاً، والشاعران الاخَوان: فداء حسين جهندير ونذر حسين جهندير، والثاني منهما نظم باللغة الملتانية خطبة زينب بدمشق في مائة وعشرين بيتاً.
ويعتبر الشاعر سيد علي شاه مجدداً للشعر الحسيني في هذه اللغة، ومن أشهر شعرائها.
ومن مدينة سركودها إلى ديره إسماعيل خان إلى ما قبل مدينة مولتان بعشرين ميلاً على ضفة نهر السند تسكن جموع من المتكلمين باللغة المولتانية ومنهم خرج كبار شعراء المراثي الحسينية والمدائح العلوية الذين يبلغ شعرهم المدوّن ما يقرب من ثُلثي شعر اللغة المولتانية عدا الشعر غير المدوّن. وقد كان هؤلاء الشعراء السبب في تدوين هذه اللغة وجعلها لغة أدب حيّ. وشعرهم في عليّ والحسين وآل البيت عامة يجعل الادب المولتاني في مصاف الاداب العالمية بما فيه من روعة التعبير وعمق المعنى وتدفق العاطفة وسرد القصص.
وكذلك القول عن بقية اللغات الباكستانية كاللغة السندية وغيرها.
الخاتمة:
ولعل خير ما يختتم به حديثنا هذا هو السؤال التالي:
إذا كانت هذه حقيقة التاريخ الاسلامي وتاريخ التشيع، فهل هي كذلك في أذهان الناس، العامة منهم والخاصة؟
وهل دوّنت وأوضِحَ واقعها في سجلاّت الحضارة كما هي فعلا؟
وهل تُقَيَّم، حركةً وأشخاصاً، على اُسس صحيحة مستمدّة من الحقيقة بالذات؟
ولا يحتاج المرء إلى كبير جهد وعظيم معرفة للتأكيد بأنّ ما كتب ويكتب عن الشيعة بأقلام غير شيعية، وحتى في بعض الاحيان ببعض أقلامها، وما يُزعَم أنه تاريخهم وأنه عقيدتهم وأنه سيَر رجالاتهم وأعلامهم، إن كل ذلك لايعدو كونه بأبسط التعابير تشويهاً وطمساً للحقيقة وصرفاً للاذهان والفكر عنها إلى ما لا يمتّ بصلة اليها.
ونحن نجزم أن التصميم القديم الذي اعتمده الذين انحرفوا عن الاسلام في مطلع الاسلام للنيل من التشيع وتشويهه لمّا يزل هو هو، وتكاد أكاذيبه تصبح من المسلّمات!
ذكرت الانسكلوبيديا الاميركيّة في طبعتها الاخيرة تحت عنوان «شيعة» ما ترجمته حرفياً: «انقسم المسلمون بعد موت محمد إلى فرقتين: الاولى، وهي المسماة الشيعة، تضع علياً على مستوى واحد مع محمد...».
هذا نموذج مما يكتب عن الشيعة، ولستُ اُغالي مطلقاً إذا قلت إن الغالبية الساحقة لما يكتب عن المسلمين والاسلام وفيما يتعلق منهم بشكل خاص بالشيعة، إنّما هو مجرد تحريف وتشويه وطمس للحقائق.
وأمام هذا الواقع لابدّ من إعادة كتابة التاريخ الاسلامي بشكل عام، والتاريخ الشيعي بشكل خاص، لكي يستطاع جلو الصدأ الذي تراكم على الحقائق حتى كاد يقضي عليها.
لقد آن الاوان لكي تقال الحقائق وتُعرف على مستوى عالمي وإنساني، ولابد من عمل طويل وشاق، بأساليب جدية وحديثة، بأيد أمينة وضليعة، للكشف عن وجه الحقيقة وإظهارها للعالم لكي تقيّم على أساسه، ولا يسوغ في أيّ حال من الاحوال أن يترك الظلام يسطو على الحقيقة في وضح النهار..
([1]) البداية والنهاية: 10/177 ـ 180 حوادث سنة 175.
([2]) لزوم مالا يلزم 1: 337.
([3]) سقط الزند: 92.
([4]) والتي يقول فيها:
وبخمٍّ اذ قال الاله بعزمةِ قم يا محمدُ في البرية فاخطبِ وأنصب ابا حسن لقومك إنّهُ
هاد وما بلغت إن لم تنصبِ فدعاه ثم دعاهم فأقامهُ
رسائل الشريف المرتضى ـ المجموعة الرابعة / 132.
([5]) وهو الشاعر محمد كاظم الازري البغدادي التميمي، ولد في بغداد عام 1143هـ قال ذلك السيد محسن الامين في أعيان الشيعة مجلد 9: 11 وقال: وهو صاحب الهائية التي تنوف على أكثر من خمسمائة بيت ويعرفها الناس بقرآن الشعر وبالملحمة الكبرى، وقد كان السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي لا يسمعها إلاّ قائماً اذا أُنشدت أمامه، وينقل عن الشيخ صاحب الجواهر أنه كان يتمنى أن يُكتبَ في ديوان أعماله القصيدة الازرية مكان كتابهِ العظيم في الفقه (جواهر الكلام).
أما وفاة الازري ففي سنة 1211هـ، ودفن في الكاظمية داخل مقبرة السيد المرتضى.
وإليك أبياتاً من قصيدتهِ الازرية يمدح فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهي الابيات: 47 ـ 52، حيث أن القصيدة كلها تبلغ 580 بيتاً:
كلَّ يوم للحادثات عواد ليس يقوى رضوى على ملتقاها
كيف يُرجى الخلاص منهنّ إلاّ بذمام من سيد الرسل طه
معقل الخائفين
من كل خوف أَوفر العرب ذمة أَوْفاها
مصـدر العلـم ليـس إلاّ لديـه خبرُ الكائناتِ من مبتداها
مَلِك يحتـوي ممالـك فضـل غير محدودة جهات عُلاها
لو أُعيرت من سلسبيل نَداه كرةُ النار لاستحالت مياها
([6]) أي عشرة مجالس.