الوراثة:
مفهوم (الوارث) من ابرز المفاهيم الواردة في هذه الزيارة، وقدعرّفت به الزيارة، ونقف هنا قليلاً عند كلمة (الوراثة).
الوراثة البايولوجية:
وهي انتقال الخصائص الشخصية والاجتماعية من جيل اءلي جيل اومن فئة اءلي فئة او من شخص اءلي شخص.
الوراثة الحضارية:
وكما تنتقل بالوراثة الخصائص الحياتية والعضوية من جيل اءلي جيلكذلك تنتقل الخصائص الحضارية والثقافية من جيل اءلي ا´خر، ومن فئةاجتماعية اءلي فئة اجتماعية اُخري.
والوراثة والتكامل الحضاريان هما سُلَّم الكمال في تاريخ الاءنسان،والاءنسان يتكون بالتدريج، وتتكون فيه خصائصه ومكوناته خلالتاريخ طويل.
اءنّنا عندما نلاحظ سلوكاً اجتماعياً معيّناً اونموذجاً معيناً من الناس فاءنّنانلاحظ فيه اختزالاً شديداً لتاريخ طويل من حياة الاءنسان وحضارتهوفكره وجهده ومعيشته، وكل منا يرث من حيث يشعر او لا يشعر اجيالاًمن اسلافه.
التاريخ الحضاري للاءنسان:
فالاءنسان: مجموعة من المواريث الحضارية التي ينقلها كلّ جيل اءليالجيل الذي ياتي من بعده، بعد ان يتلقاها من الجيل السابق وينمّيهاويطوّرها.
وهكذا تتحرّك الحضارة الاءنسانية عبر الاجيال، وتنتقل من جيل اءليا´خر، وتنمو وتتطور بموجب قانون الوراثة. وتنتقل الافكار والعقائدوالتصورات والاعراف والتقاليد والاخلاق من جيل اءلي ا´خر، ولا يمكنان تكون الحضارات مرّة واحدة وفجاة وخلال جيل واحد، واءنّما تتكونبصورة تدريجية عبر قرون طويلة وخلال التاريخ.
المواريث الحضارية بين الاءسلام والجاهلية:
هناك مجموعتان من المواريث الحضارية يتوارثهما الناس جيلاًبعد جيل في جهتين متقابلتين: المواريث الحضارية الاءلهية والمواريثالحضارية الجاهلية.
ومواريث الحضارة الربّانية في حياة الاءنسان هي التي تلقاها الاءنسانجيلاً بعد جيل من الانبياء والمرسلين والصدّيقين، وترسّخت وتاصّلتخلال هذه المسافة الزمنية الطويلة في حياة الاءنسان.
اءنّ الاءيمان بالله تعالي والتسليم المطلق له تعالي وتعبيد الناس لله عزّوجلّ وتحكيم شريعته في حياة الاءنسان، ورفض الطاغوت والتمرّد عليهوكسر شوكته وسلطانه ومجابهته بالنفس والمال وافلاذ الاكباد ليسظاهرة جديدة في حياة الاءنسان، ولا تخصّ مرحلة من مراحل حياة هذاالاءنسان، واءنّما هو ميراث اجتماعي ضخم يتوارثه الاءنسان جيلاً بعد جيلفي تاريخه، ويتصل هذا الميراث الحضاري بانبياء الله:، ويمتد فيحياة الاءنسان عبر جهاد الانبياء ودعوتهم وتبليغهم له.
وفي حياة كل نبي من الانبياء والمرسلين يزداد هذا الميراثالحضاري عمقاً واصالة ونضجاً عبر الصراع المستمر القائم بين هاتينالحضارتين، وعبر الجهود التي يتحملها الانبياء وانصارهم في حملالدعوه وتبليغها اءلي الناس؛ فتتبلور عبر هذه المسيرة الحضارية المفاهيمالرسالية اكثر من ذي قبل، ويتاصّل الجهاد والدعوة اءلي الله واُصولهاواساليبها في حياة الاءنسان في خطّ تصاعدي.
كما يصحّ العكس ايضاً فتتصاعد الذنوب والمعاصي والاءسرافوالتكبّر والاستكبار في الطرف الا´خر، ويتعمق هذا الحقد في نفوسهم،وتتطور اساليبهم في مواجهة الدعاة اءلي الله كلّما تتسع الحضارة الجاهلية،وتنمو وتتطور بصورة تصاعدية مستمرة.
الحسين(ع) وارث الانبياء:
وسيّد الشهداء ابو عبدالله الحسين(ع) وارث هذه المسيرة الحضاريةالربّانية الضخمة التي تمتد عبر حياة وجهود ودعوة الانبياء والمرسلينوالشهداء والصدّيقين:، وتاتي واقعة الطف امتداداً لهذا الجهادالتاريخي المستميت مع الجاهلية.
اءنّ الحسين(ع) يوم الطف كان امتداداً واختزالاً وتاصيلاً لهذه الحركةالربّانية الممتدة في عمق التاريخ.
وتاتيالخصائص الحسينية التي جسّدتها واقعة الطف يوم عاشوراءامتداداً لهذه المواريث الحضارية والاخلاقية التيورثها الحسين(ع) مناسلافه الطاهرين ـ الانبياء والمرسلين والشهداء والصدّيقين ـ فالاءخلاصلله والتضحية والبذل والعطاء والشجاعة والصمود والصرامة والصبر وعزّةالنفس واءباء الضيم، والاستقامة في الدعوة اءلي الله والتمرّد علي الطاغوتوالرفض والتسليم لله، وغير ذلك من الخصائص الحسينية التي تجسّدتفي معركة الطف؛ ليست خصائص وظواهر فردية، واءنّما هي مواريثحضارية ورسالية عريقة ورثها الحسين(ع) من ا´بائه الطاهرين في هذهالمسيرة الربّانية من ا´دم صفوة الله، ونوح نبي الله، واءبراهيم خليل الله،وموسي كليم الله، وعيسي روح الله(ع)، ومن المصطفي رسول الله(ص)،ومن علي بن ابي طالب(ع) ولي الله.
فالحسين(ع) حصيلة هذه المسيرة الحضارية الاءلهية ونتيجتها وثمرةهذه الشجرة المباركة.
وهذا هو سرّ اصالة وعراقة وقوّة وقعة الطف وما تجلّي فيها منخصائص الحركة الربّانية في التاريخ وسرّ اءستمرار وبقاء هذه الوقعة فيالتاريخ.
كما ان الجيش الاُموي كان يرث في ساحة الطف خصائص الجاهليةمن الظلم والاستكبار والتهافت علي حطام الدنيا والقهر والقسوةوالاءرهاب والاضطهاد.
الشجرة الخبيثة والشجرة الطيّبة في كتاب الله:
وهذه المسيرة الحضارية هي الكلمة والشجرة الطيّبة التي تضرباُصولها في عمق التاريخ، وتمتد فروعها اءلي اعماق المستقبل، وهي ذاتقرار مكين في الارض، تؤتي ثمارها باءذن الله كل حين، وهذه الشجرةثابتة قوية لا تهزّها الاعاصير والعواصف.
اما الحضارة الجاهلية فهي الكلمة الخبيثة والشجرة الخبيثة التياجتثت من فوق الارض مالها من قرار، ورغم قدمها فهي ضعيفةومهزوزة وعلي ارض رخوة وغير ذات قرار مكين تقتلعها الاعاصيروتلقي بها علي قارعة الطريق، يقول تعالي:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةًطَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّماءِ* تُؤْتِي اُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِاءِذْنِ رَبِّهَاوَيَضْرِبُ اللَّهُ الاْمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْمِن فَوْقِ الاْرْضِ مَالَهَا مِن قَرَارٍ).
ومن العجب انّ هاتين الحضارتين تمتدان معاً اءلي اعماق التاريخ،اءلي هابيل وقابيل، وتتكونان معاً عبر الاجيال، ومع ذلك فهما تختلفان فيالعراقة والاصالة والثبات، فالحضارة الاءلهية اصيلة عريقة ذات جذورقوية ثابتة وراسخة لا تحرّكها الاعاصير الهوجاء، والحضارة الجاهليةمهزوزة ضعيفة مبتورة الجذور مالها من قرار. وهذا هو الفارق بين هاتينالحضارتين اللتين يتوارثهما الاءنسان.