سرّ القوة والثبات في الشجرة الطيّبة:
والسرّ في ذلك: ان الحضارة الاءلهية تستمد حيوتها من العقلوالضمير والقلب، والحضارة الجاهلية تستمد وجودها من الاهواءوالشهوات، تلك تستمد كيانها من الاءيمان والعقيدة، وهذه تستمدوجودها من الاحقاد والاهواء، تلك تستمد وجودها من الاءيمان والتسليملله، وهذه تستمد وجودها من اتّباع الشيطان، تلك تختزل كل ما فيحضارة الاءنسان من قيم واخلاق وفضائل، وهذه تختزل كل ما في تاريخالاءنسان من احقاد وضغائن وشهوات .
وهذا الفارق هو الذي يهب الاُولي القوة والمتانة والثبات في وجهالاعاصير والهزّات والابتلاءات، ويسلب الثانية القرار والثبات، ويدعهامهزوزة غير ذات قرار.
ولذلك فاءنّ الا´ية الكريمة تعقّب علي هذا الاختلاف في الاُصولوالجذور بقوله تعالي: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ا´مَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَفِي الا´خِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).
فاُولئك يمنحهم الله الثبات في القولفي الحياة الدنيا وفي الا´خرة،وهؤلاء يسلبهم الله تعالي الثبات والهدي ويدعهم في الضلالة.
لماذا التاكيد لمفهوم الوارث في زيارة الحسين(ع)؟
لقد ورد في هذا المفهوم في اكثر من زيارة، وكانّ هناك عناية خاصةلدي اهل البيت: في اءبراز هذا المفهوم في حياة الحسين(ع)؛ ذلك لانّمعركة الطف من اصدق مشاهد صراع الحضارات في التاريخ، لقد جسّدالحسين(ع) الصراع بين الحق والباطل في كربلاء، فكانت معركة الطفتبلوراً حقيقياً لهذا الصراع التاريخي بين الحق والباطل، ولذلك نجد فيهذه المعركة انبل القيم والمفاهيم الربّانية في طرف، واخسّ الرذائلوالاهواء الشيطانية في طرف ا´خر، وياتي تاكيد الوراثة في زيارةالحسين(ع):
اوّلاً ـ للتنبيه علي عراقة واصالة الجهاد الحسيني، وانه ليس ظاهرةفردية في حياة الاءمام الحسين(ع)، واءنّما هي خاصية عريقة للمسيرةالاءلهية علي وجه الارض، ورثها الحسين(ع) عمّن كان قبله من الانبياءوالائمة الدعاة اءلي الله، وهذا هو سرّ قوة وصلابة الموقف الحسيني فيكربلاء رغم عدم التكافؤ الواضح بين معسكر الحسين ومعسكر بني اُميةفي كربلاء.
وثانياً ـ اءذا كانت هذه الحركة بهذه الدرجة من الاصالة والعراقةوالعمق والقوة والمتانة التاريخية فلابدّ ان تنتصر علي الجبهة المناوئةالتي كان يتزعمها الحاكم الاُموي يزيد بن معاوية.
وليس الانتصار هنا بمعني الانتصار العسكري في ساحة القتال، فقدكان الجيش الاُموي هو المنتصر في ساحة القتال اءذا فسّرنا الانتصار بهذاالمعني الظاهري.
واءنّما الانتصار هنا بمعناه الرسالي وانتصار خط علي خط، ولاشك انّالمعكسر الحسيني هو المعسكر المنتصر بهذا المعني من النصر، فاءنّالعمق التاريخي والاصالة والعراقة والمتانة التي يملكها هذا الخط لابدّوان يؤهله لنصر الله تعالي.
اءنّ المعركة بين هاتين الجبهتين في كربلاء كانت معركة ميدانيةوحضارية بالمعني العميق لهذه الكلمة، والفئة التي تنتصر هي التي تثبتامام الزوابع والاعاصير، وهي الفئة التي تستمد دوافعها من العقيدةوالاءيمان، وتمتد جذورها اءلي اعماق التاريخ في حياة الانبياء والمرسلينوجهادهم ودعوتهم، وهذا هو سرّ انتصار الثورة الحسينية.
ثالثاً ـ لا تتوقف هذه المعركة عند وقعة الطف، فهي حلقة واحدة منسلسلة من المواقف الجهادية والتضحيات والبذل والعطاء في سبيل الله،تبدا منذ ايام نوح(ع) وقبله، وتمتد اءلي ان ياذن الله تعالي بالاضمحلالالكامل للجاهلية علي وجه الارض.
وسرّ دوام واستمرار هذه الحركة هو اصالتها وعراقتها وامتدادهاالعميق في الحضارة الاءنسانية الصالحة، وليست هذه الحركة نبتة اجتثّتمن فوق الارض مالها من قرار، واءنّما هي شجرة طيّبة ممتدة الجذوروالاُصول اءلي اعماق تاريخ الاءسلام والاءيمان.
وكما ورث الحسين(ع) هذا الميراث من ابيه المرتضي(ع) وجدّهالمصطفي(ص) واسلافه الطاهرين من الانبياء المرسلين؛ فاءن اجيالالمؤمنين والمجاهدين والدعاة اءلي الله تعالي سوف يرثون من الحسينهذا الميراث، ويتحركون علي خطاه (ع)، ويرثون منه الخصائصوالمواريث التي تجلّت يوم عاشوراء في كربلاء.
وهذا هو سر استمرارية الثورة الحسينية في كربلاء.
ا´لية الارتباط ومادة الارتباط:
الحسين وارث الانبياء والصالحين: ونحن ورثة الحسين(ع)،وميراثنا الذي نرثه من الحسين هو مواريث الانبياء، وواسطة العقد فيهذا الارتباط هو يوم الطف، فلابدّ لهذا الارتباط من ان يمر بمحطّاتتفعيل في التاريخ، تحافظ علي حرارة الخط وحيويته لئلاّ تضعف وتبرد،ويوم الطف عقد الواسطة وحلقة الارتباط، ولابد من هذه الحلقات فيالتاريخ لئلاّ ينقطع الخط.
وهنا نواجه سؤالين :
الاوّل: كيف نرتبط وماهي ا´لية الارتباط؟
الثاني: ماهي المواريث التي نرثها من الانبياء عبر يوم الطف؟
والسؤال الثاني غير السؤال الاوّل.
1 ـ ا´لية الارتباط:
ماساة الطف هي حلقة الارتباط، ولولا امثال هذه الايام لانقطع الخط،فهي تستقطب عواطف الجمهور واحاسيسهم وحبّهم و... وهذه العواطفوالمشاعر هي ا´لية الارتباط والمحافظة علي قوة وحيوة وفاعلية الارتباط.
والاءحياء السنوي لذكري الحسين(ع) والبكاء واءقامة مجالس العزاء،وخروج مواكب العزاء في الشوارع ماهي اءلاّ وسائل تعبير عن هذهالعاطفة القوية التي يشعر بها المسلمون تجاه سيد الشهداء(ع)، ولابدّ منهذه العاطفة ولابدّ من التعبير عن هذه العاطفة للاءبقاء علي ارتباط الاُمّةبكوكبة شهداء كربلاء، ولولا هذا الزخم العاطفي القوي لم تبق الثورة قويةوفاعلة في وجدان الاُمة اءلي اليوم، ولذلك اكّد اهل البيت: اهمية اءقامةمجالس العزاء وتشجيع المسلمين علي البكاء علي مصاب الحسين(ع)...ولكن ذلك كلّه ـ ورغم اهميته الكبيرة ـ ليس هو الميراث.
اءنّ طريقة التعبير عن عواطفنا تجاه مصاب الحسين(ع) شيء، ومادةالارتباط والمواريث التي نرثها من الحسين(ع) شيء ا´خر، ولئن كانتالاُولي تُعدّ للثانية وتؤهل الاءنسان لها فهي بالتاكيد غير الثانية، وهذهالعواطف والمجالس وسيلة واداة لتحقيق وتفعيل تلك المواريث فيحياتنا وتاريخنا، واءن كان بعض المؤمنين يتصورون ان الارتباطبالحسين(ع) هو في اءقامة المجالس والبكاء وخروج المسيرات الحسينية.
اءنّ زيارة (وارث) تبيّن لنا ان واقع وحقيقة الارتباط بالحسين(ع)بالمواريث التي نرثها منه(ع)، كما ان ارتباط الحسين(ع) بالانبياءبالمواريث التي ورثها من ا´دم ونوح واءبراهيم وموسي وعيسي:والمصطفي(ص) والمرتضي(ع)، وهذا هو ميراث الحسين(ع) منالانبياء: وميراثنا من الحسين(ع)، فكما ورث ابو عبدالله الحسين(ع)مواريث الدعوة والجهاد من سلفه الطاهر كذلك نرث نحن هذا الميراثالاءلهي الكبير من الحسين.
وهي هي حقيقة الارتباط وحقيقة الوارثة.
ويوم الطف هو واسطة العقد بيننا وبين هذه المسيرة الحضاريةالربّانية الكادحة علي وجه الارض، وبقدر ما نحمل من رسالة الحسين(ع)ودعوته وجهاده ومواقفه الشامخة الصلبة يكون ارتباطنا بالحسينوعلاقتنا بيوم الطف؛ وعند ذلك يسهل قياس الارتباط والعلاقة بكربلاء،فاءن المقاييس واضحة لا تقبل الخطا.
2 ـ ماهي المواريث؟
وها نحن نقرا في هذه الزيارة المواريث التيورثها الحسين(ع) منسلفه لنقيس انفسنا بها وعلاقتنا بكربلاء.
«اشهد انّك قد اقمت الصلاة، وا´تيت الزكاة، وامرت بالمعروف، ونهيت عنالمنكر، واطعت الله ورسوله حتي اتاك اليقين».
وتاتي هذه الشهادة للحسين(ع) باءقامة الصلاة عقيب التحية له بعنوانالوارث، وكان هذه الشهادة تاتي تاكيداً لوراثة الحسين، وتشخيصاًللمواريث التي ورثها الحسين(ع) من سلفه: وهي: اءقامة الصلاة، اءيتاءالزكاة، الامر بالمعروف، النهي عن المنكر، والطاعة للهورسوله حتياليقين، هذه مواريث الحسين(ع) من سلفه: ومواريثنا نحن منالحسين(ع).
وترد هذه الشهادة للحسين: في اكثر الزيارات الحسينية المطلقةوالمخصوصة، وكان هناك عناية خاصة باءبراز هذا البعد الموروث منابعاد حركة الاءمام الحسين(ع) والتنبيه اءلي ان الارتباط به(ع) يتم بموجبهذه النقاط، ونورد بعض هذه الفقرات من الزيارات المطلقةوالمخصوصة الواردة فيهما، ففيالزيارة المطلقة الثانية:
«اشهد انك قد بلّغت، ونصحت، ووفيت، واوفيت، وجاهدت في سبيل الله».
والتبليغ والتضحية والوفاء للرسالة والاءيفاء بالمسؤولية والجهاد فيسبيل الله، وقريب من هذا المضمون في الزيارة المطلقة الثالثة والرابعةوالسادسة والسابعة.
وفي مخصوصة الليلة الاُولي من رجب:
«اشهد انّك قد امرت بالقسط والعدل، ودعوت اءليهما، وانك صادق صدّيق،صدقت فيما دعوت اءليه».
وفي مخصوصة ليلة النصف من رجب قريب من المضامين السابقة،وفي مخصوصة ليالي القدر ويومي العيدين:
«اشهد انك قد اقمت الصلاة، وا´تيت الزكاة، وامرت بالمعروف، ونهيت عنالمنكر، وتلوت الكتاب حقّ تلاوته، وجاهدت في الله حقّ جهاده، وصبرت عليالاذي في جنبه محتسباً حتي اتاك اليقين».
وتضاف هنا اءلي قائمة المواريث الحسينية تلاوة الكتاب حقّتلاوته، والجهاد في سبيل الله حقّ الجهاد، والصبر علي الاذي في جنبالله محتسباً حتي اليقين، وقريب منه في مخصوصة ليلة العيدينومخصوصة ليلة عرفة ويومها.
وبهذه الطريقة الاءيحائية الرائعة تجعل هذه الزيارات الزائر فيالاجواء الرسالية لكربلاء، والتي ورثها الحسين(ع) من سلفهالطاهرين: واورثها لخلفه الذين ياتون من بعده علي هداه وخطه.