عربي
Tuesday 15th of October 2024
0
نفر 0

دراسة‌ عسكرية‌ للثورة‌ الحسينية‌

دراسة‌ عسكرية‌

 

للثورة‌ الحسينية‌

 

 

 

 

 

 

عباس‌ ذهيبات‌

 


 

 

 

 

 

 


المقدمة‌:

كُتب‌ الكثير من‌ المواضيع‌، التي‌ تتناول‌ جوانب‌ مختلفة‌ من‌ واقعة‌الطف‌، واحتل‌ الجانب‌ المأساوي‌ منها حيزاً كبيراً، لكن‌ الجانب‌العسكري‌ لم‌ يحتل‌ من‌ تلك‌ المواضيع‌ سوي‌ حيز يسير، ولم‌ يتم‌ التطرق‌اءليه‌ اءلاّ بصورة‌ هامشية‌.

وعلي‌' الرغم‌ من‌ كون‌ واقعة‌ الطف‌ من‌ حيث‌ الاساس‌ انتفاضة‌عقائدية‌ وثورة‌ مبدئية‌، اءلاّ انها انتهت‌ بمعركة‌ حربية‌، قد أفرزت‌ علي‌'قصرها دروساً قتالية‌ تستحق‌ البحث‌ والدراسة‌.

ونحن‌ في‌ هذه‌ الدراسة‌ الموجزة‌، نحاول‌ تسليط‌ الاضواء علي‌' بعض‌تلك‌ الدروس‌ والمواقف‌، وندعو أصحاب‌ الاختصاص‌ العسكري‌ بأن‌يولوا اهتماماً أكبر بالجانب‌ العسكري‌ من‌ واقعة‌ الطف‌، لكي‌ تستفيد منهاالاجيال‌.

 

الموقف‌ العام‌

وجد الحسين‌ (ع) نفسه‌ بعد وفاة‌ معاوية‌ وتسلم‌ يزيد ابنه‌ مقاليدالسلطة‌ الاءسلامية‌ أمام‌ خيارين‌: أحلاهما مرّ، اءما السِلَّة‌ والمهادنة‌ والذِّلة‌، أوالمواجهة‌ والتصدي‌ مع‌ قلة‌ العدد والعُدة‌، لكن‌ مع‌ اءصرار السلطة‌ الحاكمة‌علي‌' مبايعته‌، وبما عُرف‌ عنه‌ من‌ شهامة‌ واءباء، اختار المواجهة‌ والثورة‌ورفع‌ شعاراً تعبوياً هو: (هيهات‌ منا الذلة‌)، وقرّر الخروج‌ من‌ المدينة‌المنورة‌ خوفاً علي‌' ثورته‌ من‌ أن‌ يُقضي‌' عليها وهي‌ في‌ المهد. وتوجه‌ في‌أول‌ الامر اءلي‌' مكة‌ المكرمة‌ لثلاث‌ من‌ شعبان‌ سنة‌ ستين‌ للهجرة‌، واختارفي‌ مسيره‌ الطريق‌ العام‌، ولم‌ يسلك‌ الطرق‌ الفرعية‌ الوعرة‌ مما يغلب‌ علي‌'الظن‌ بأن‌ الحسين‌ (ع) كان‌ يبتغي‌ اءعلان‌ دعوته‌ علي‌' الرأي‌ العام‌، وهذاالامر لايتحقق‌ علي‌' الوجه‌ الاكمل‌ لو سلك‌ الطرق‌ الجانبية‌ التي‌ قد تُؤمن‌ له‌الاستتار لاغير.

يذكر الشيخ‌ باقر شريف‌ القرشي‌ أنه‌ (ع): سلك‌ الطريق‌ العام‌ الذي‌يسلكه‌ الناس‌ من‌ دون‌ أن‌ يتجنب‌ عنه‌، واشار عليه‌ بعض‌ أصحابه‌ ان‌ يحيدعنه‌ مخافة‌ أن‌ يدركه‌ الطلب‌ من‌ السلطة‌ في‌ يثرب‌، فاجابهم‌ (ع) وكله‌ ثقة‌في‌ النَّفس‌ قائلاً:

«لا والله لافارقت‌ هذا الطرّيق‌ أبداً، أو أنظر اءلي‌' أبيات‌ مكة‌، أو يقضي‌ الله في‌ذلك‌ مايحب‌ ويرضي‌'..».

ثم‌ ان‌ عدم‌ اتجاه‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) اءلي‌' العراق‌ بصورة‌ مباشرة‌ وهومقصده‌ الرئيسي‌ وذهابه‌ اءلي‌' مكة‌ في‌ موسم‌ الحج‌ يعطينا قناعة‌ راسخة‌ بانه‌يريد اءعلان‌ دعوته‌ علي‌' الملا، وخاصة‌ في‌ هذا الوقت‌ الذي‌ يكون‌ عادة‌ًوقتاً مناسباً لتجمع‌ الحجيج‌ من‌ كل‌ فج‌ٍّ عميق‌.

مهما يكن‌ من‌ أمر فاءنه‌(ع) توجه‌ اءلي‌' مكة‌ لثلاث‌ مضين‌ من‌ شعبان‌سنة‌ ستين‌ للهجرة‌، فأقام‌ بها وقضي‌' فيها عدة‌ أشهر: شعبان‌ ورمضان‌وشوال‌ وذي‌ القعدة‌.

ولابد من‌ التنويه‌ علي‌' أن‌ مكة‌ اصبحت‌ القاعدة‌ الرئيسية‌ للمعارضة‌ضد السلطة‌ الاموية‌، وفيها تحصن‌ عبد الله بن‌ الزبير المعارض‌ الثاني‌ من‌حيث‌ الاهمية‌ بعد الحسين‌ بن‌ علي‌ (ع). وكان‌ باءمكان‌ الاءمام‌ أن‌ يتحصن‌في‌ مكة‌، ويستفيد من‌ موقعها الديني‌ المقدّس‌ وطبيعة‌ أرضها الوعرة‌الصالحة‌ لخوض‌ حرب‌ العصابات‌، لكن‌ الاءمام‌ (ع) غادرها خوفاً علي‌'قدسيتها من‌ الدَّنس‌ وخشية‌ً من‌ اءراقة‌ الدماء فيها.

فبادر بالخروج‌ منها قبل‌ أن‌ يبادر الطرف‌ المعادي‌ ويسعي‌'لمحاصرته‌ أو اغتياله‌، حتي‌' أن‌ الفرزدق‌ الشاعر عندما لاقي‌' الحسين‌(ع)في‌ الطريق‌ سأله‌ باستغراب‌ قائلاً له‌: ماأعجلك‌ عن‌ الحج‌؟!...فأجابه‌الحسين‌(ع): «لو لم‌ أعجل‌ لاخذت‌».

أما السلطة‌ الاموية‌، فبعد أن‌ تبين‌ لها بان‌ الحسين‌ (ع) ـ وهو الذي‌تحسب‌ له‌ ألف‌َ حساب‌ ـ قد رفض‌ البيعة‌ وغادر المدينة‌، ثارت‌ ثائرتهاووضعت‌ قوّاتها في‌ المدينة‌ ومكة‌ والكوفة‌ في‌ حالة‌ استنفار دائم‌ لمراقبة‌تحركات‌ الاءمام‌ في‌ حلّه‌ وترحاله‌.

وقد زاد من‌ توجسها وصول‌ سفير الحسين‌ (ع) مسلم‌ بن‌ عقيل‌ اءلي‌'الكوفة‌ وقيامه‌ بأخذ البيعة‌ للحسين‌ (ع) وتهيئته‌ للمقدمات‌ اللاّزمة‌ لمقدم‌الاءمام‌ (ع)، وسعيه‌ للسيطرة‌ علي‌' بيت‌ الاءمارة‌ في‌ الكوفة‌.

وكانت‌ الاستخبارات‌ الاموية‌نشطة‌ وفعّالة‌ في‌ الكوفة‌، فقامت‌ باءرسال‌التقارير الدورية‌ عن‌ تحركات‌ مسلم‌ بن‌ عقيل‌ (رض‌)، وكذلك‌ عن‌ حالة‌أمير الكوفة‌ «النعمان‌ بن‌ بشير» الذي‌ كان‌ ـ حسب‌ تقييمهم‌ ـ ضعيفاً أومتضاعفاً لعدم‌ تصديه‌ الحازم‌ لنشاطات‌ مسلم‌ بن‌ عقيل‌2، ولعدم‌سيطرته‌ علي‌' الاوضاع‌ المضطربة‌ في‌ هذه‌ الاءمارة‌ ذات‌ الاهمية‌الاستراتيجية‌.

درست‌ القيادة‌ الاموية‌في‌ الشام‌ الموقف‌ من‌ جميع‌ جوانبه‌؛ فقد عقديزيد بن‌ معاوية‌ مجلساً استشارياً بحضور أحد كبار مستشاريه‌ ويدعي‌':سرجون‌ النصراني‌، وكان‌ الاخير قد أشار علي‌' يزيد بتولية‌ عبيد الله بن‌ زيادوالي‌ البصرة‌ علي‌' الكوفة‌ بما عُرف‌ عنه‌ من‌ قسوة‌ لامتناهية‌ وسعة‌حيلة‌، فأصدر يزيد بن‌ معاوية‌ أمراً عسكرياً مقتضباً تقدح‌ عباراته‌ ناراًوشَرَراً، ومما جاء فيه‌: «فسر حين‌ تقرأ كتابي‌ الكوفة‌، فتطلب‌ ابن‌ عقيل‌ طلب‌الخرزة‌ حتي‌' تثقفه‌ فتوثقه‌ أو تقتله‌ أو تنفيه‌، والسلام‌» .

لقد وجدت‌ القيادة‌ الاموية‌بان‌ّ مرور الوقت‌ ليس‌ في‌ مصلحتها، فكل‌تأخير أو تهاون‌ سوف‌ يؤدي‌ اءلي‌' وصول‌ الحسين‌ (ع) اءلي‌' العراق‌، ومن‌يُهيمن‌ علي‌' هذا البلد الحيوي‌ فسوف‌ يتمكن‌ من‌ تهديد معقل‌ القيادة‌وخطوط‌ مواصلات‌ الشام‌، وربما يجدّد العراق‌ علي‌' الشام‌ حرب‌ صفين‌،في‌ وقت‌ تخلو أرض‌ الشام‌ من‌ الداهيتين‌ معاوية‌ وابن‌ العاص‌.

وصل‌ عبيد الله اءلي‌' الكوفة‌ ليلاً متخفياً وعليه‌ عمامة‌ سوداء، وهو متلثم‌،والناس‌ قد بلغهم‌ اءقبال‌ الحسين‌ (ع) فهم‌ ينتظرون‌ قدومه‌، فظنوا حين‌ رأواعبيد الله أنه‌ الحسين‌، فأخذ لايمر علي‌' جماعة‌ من‌ الناس‌ اءلا سلموا عليه‌وقالوا: مرحباً يابن‌ رسول‌ الله، قدمت‌ خير مقدم‌، فراي‌' من‌ تباشرهم‌بالحسين‌ ماساءه‌. ولما أدرك‌ خطورة‌ الموقف‌، قام‌ بالسيطرة‌ علي‌'المراكز الحساسة‌ في‌ الكوفة‌، وعزل‌ أميرها«النعمان‌ بن‌ بشير» ، واتبع‌أسلوب‌ «الترغيب‌ والترهيب‌» مع‌ أهلها، وأخذ باعتقال‌ واءعدام‌ كبارالزعماء الموالين‌ للحسين‌ (ع)، وتمكن‌ بواسطة‌ مخابراته‌ من‌ تحديدمكان‌ اءقامة‌ «مسلم‌ بن‌ عقيل‌»(رض‌) في‌ دار هاني‌ء بن‌ عروة‌ ، فسارع‌ اءلي‌'اعتقاله‌ واءعدامه‌، كما اتخذ تدابير عسكرية‌ عاجلة‌ منها اءرسال‌ مجموعة‌من‌ دوريات‌ الاستطلاع‌ لمراقبة‌ حدود الحجاز وسد الطرق‌ منها واءليها، كماأرسل‌ دورية‌ قتالية‌ مؤلّفة‌ من‌ الف‌ فارس‌ بقيادة‌ الحر بن‌ يزيد الرياحي‌، لتحول‌دون‌ وصول‌ الحسين‌ (ع) اءلي‌' الكوفة‌ أو الاقاليم‌ القريبة‌ منها، اءذ كان‌التخوف‌ الاموي‌ شديداً من‌ وصول‌ الدعوة‌ الحسينيّة‌ اءلي‌' ماوراء الفرات‌وحدود بلاد العجم‌.

 

المعلومات‌

يقرّر القائد خطته‌ وفقاً للمعلومات‌ التي‌ يتمكن‌ من‌ الحصول‌ عليها،وكلما كانت‌ المعلومات‌ أوثق‌ وأدق‌ كلما كانت‌ الخطة‌ محكمة‌، ويجب‌ أن‌تتضمن‌ المعلومات‌ نية‌ العدو، وعدد قواته‌ وتنظيمها، وأنواع‌ اسلحتهاوتجهيزاتها، وأسلوب‌ قتالها، وطبيعة‌ الارض‌ التي‌ سوف‌ تدور رحي‌الحرب‌ عليها.

والاءمام‌ الحسين‌ (ع) كقائد ميداني‌ كان‌ يسعي‌' جاهداً للحصول‌ علي‌'المعلومات‌ أولاً بأول‌ عن‌ عدوّه‌ ، والملاحظ‌ أنه‌ اتبع‌ ثلاثة‌ أساليب‌أساسية‌:

الاسلوب‌ الاول‌: استنطاق‌ المسافرين‌ والاستفسار منهم‌:

ومن‌ أمثلة‌ ذلك‌ أن‌ الاءمام‌ (ع) لما بلغ‌ منطقة‌ «ذات‌ عرق‌» تلقي‌' بشر بن‌غالب‌ قادماً من‌ العراق‌، فسأله‌ عن‌ أهلها، فقال‌: خلفت‌ القلوب‌ معك‌ والسيوف‌مع‌ بني‌ أمية‌، فقال‌ الحسين‌ (ع) حينئذ: «صدقت‌ يااخا بني‌ أسد». وكنا قدتطرقنا اءلي‌' مقابلة‌ الحسين‌ (ع) للفرزدق‌ الشاعر. والشي‌ء الجديد هنا أن‌الفرزدق‌ يذكُر أن‌ الحسين‌ (ع) بادره‌ بالسؤال‌ التالي‌ مستفسراً: «أخبرني‌ عن‌الناس‌ خلفك‌» فقال‌: الخبير سألت‌، قلوب‌ الناس‌ معك‌ وأسيافهم‌ عليك‌، والقضاءينزل‌ من‌ السماء، والله يفعل‌ مايشاء. فقال‌ الحسين‌ (ع) للفرزدق‌: صدقت‌ لله الامر،وكل‌ يوم‌ ربنا هو في‌ شأن‌» .

فالاءمام‌ (ع) يطلع‌ علي‌' الموقف‌ بنفسه‌ أولاً بأول‌، وينقله‌ اءلي‌' أصحابه‌حتي‌' يتعرفوا علي‌' المستجدات‌ ويكونوا علي‌' بصيرة‌ من‌ أمرهم‌.

 

الاُسلوب‌ الثاني‌: المكاتبات‌:

كان‌ الحسين‌ (ع) يكتب‌ باستمرار اءلي‌' أنصاره‌ وشيعته‌ في‌ الولايات‌والبلدان‌ ، وخاصة‌ اءلي‌' اليمن‌ والكوفة‌ والبصرة‌، وهي‌ المناطق‌ المعروفة‌بحب‌ آل‌ البيت‌: وموالاتهم‌، ينقل‌ تعليماته‌ اءليهم‌ ويطلع‌ علي‌' كل‌المستجدات‌، ولكن‌ وسيلة‌ المكاتبات‌ هذه‌ لايمكن‌ الاعتماد عليها كلياً في‌الحصول‌ علي‌' المعلومات‌ ونقلها؛ وذلك‌ لان‌ حامل‌ الكتاب‌ في‌ بعض‌الاحيان‌ يقع‌ في‌ فخ‌ مخابراتي‌، ويُكتشف‌ أمره‌ ويتعرض‌ ـ بالتالي‌ - اءلي‌'العقوبة‌ القاسية‌ أو يتعرض‌ للعذيب‌ من‌ أجل‌ الكشف‌ عن‌ الجهة‌ المكلف‌باءرسال‌ الكتاب‌ اءليها. كما حصل‌ مع‌ قيس‌ بن‌ مسهر الصيداوي‌ الذي‌ كلّفه‌الحسين‌ (ع) باءيصال‌ كتاب‌ سري‌ للغاية‌ اءلي‌' سليمان‌ بن‌ صرد الخزاعي‌والمسيب‌بن‌ نجبة‌ ورفاعة‌ بن‌ شداد وجماعة‌ الشيعة‌ بالكوفة‌، فلما قارب‌ دخول‌الكوفة‌ اعترضه‌ الحصين‌ بن‌ نمير ـ صاحب‌ عبيد الله بن‌ زياد ـ ليفتّشه‌ فأخرج‌(قيس‌) الكتاب‌ ومزّقه‌، فحمله‌ الحصين‌ بن‌ نمير اءلي‌' عبيد الله، فلما مَثُل‌بين‌ يديه‌ قال‌ له‌ من‌ أنت‌؟ قال‌: أنا رجل‌ من‌ شيعة‌ أمير المؤمنين‌ علي‌ بن‌أبي‌ طالب‌ (ع) وابنه‌، قال‌: فلماذا خرَّقت‌ الكتاب‌؟ قال‌: لئلا تعلم‌ مافيه‌.فحاول‌ (عبيد الله) التحقيق‌ معه‌ وأخذ الاعتراف‌ منه‌. وقال‌ له‌: وممن‌الكتاب‌ واءلي‌' من‌؟ قال‌: من‌ الحسين‌ (ع) اءلي‌' جماعة‌ من‌ أهل‌ الكوفة‌ لاأعرف‌ أسماءهم‌، فغضب‌ ابن‌ زياد وقال‌: والله لاتفارقني‌ حتي‌' تخبرني‌بأسماء هؤلاء القوم‌، أو تصعد المنبر فتلعن‌ الحسين‌ بن‌ علي‌ وأباه‌ وأخاه‌واءلا قطّعتك‌ اءرباً اءرباً، فقال‌ قيس‌: أما القوم‌ فلا أخبرك‌ بأسمائهم‌ وأما لعن‌الحسين‌ وأبيه‌ وأخيه‌ فأفعل‌.

فصعد المنبر فحمد الله وأكثر من‌ الترحم‌ علي‌' علي‌ والحسن‌ والحسين‌ثم‌ لعن‌ عبيد الله بن‌ زياد وأباه‌، ولعن‌ عُتاة‌ بني‌ أمية‌ عن‌ آخرهم‌، ثم‌ قال‌:

«ايها الناس‌ أنا رسول‌ الحسين‌ اليكم‌ وقد خلفته‌ بموضع‌ كذا فأجيبوه‌» فأمرعبيد الله باءلقائه‌ من‌ أعالي‌ القصر.

من‌ هذا الموقف‌ يظهر لنا جلياً بأن‌ الاءمام‌ يختار حملة‌ كُتبه‌ من‌ ذوي‌الخبرة‌ والكفاءة‌ والشجاعة‌ والامانة‌ للتقليل‌ من‌ الا´ثار السِّلبية‌ للمكاتبات‌التحريرية‌.

 

الاسلوب‌ الثالث‌: الاستطلاع‌:

اتبع‌ الحسين‌ القائد (ع) هذا الاسلوب‌ في‌ مسيره‌ نحو العراق‌، فكان‌يستطلع‌ بنفسه‌ وأحياناً يؤلّف‌ دورية‌ استطلاع‌ قليلة‌ العدد، تكون‌ في‌ طليعة‌قواته‌، ليحصل‌ من‌ خلالها علي‌' المعلومات‌ عن‌ مدي‌' اقتراب‌ دوريات‌العدو التي‌ تحاول‌ صده‌ عن‌ الوصول‌ اءلي‌' هدفه‌، ويحاول‌ التعرف‌ علي‌'الطُرق‌ ومصادر المياه‌، ومن‌ مصاديق‌ ذلك‌ أن‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) عندماوصل‌ منطقة‌ «الثعلبية‌» ونزل‌ بها، نظر اءلي‌' سواد مرتفع‌، فقال‌ لاصحابه‌:ماهذا السواد؟ فقالوا: لاعلم‌ لنا بذلك‌. فقال‌: انظروا ثانية‌. فقالوا: خيل‌ٌ مقبلة‌. فقال‌:اعدلوا بنا عن‌ الطريق‌. لانه‌ لايريد المواجهة‌ العسكرية‌ قبل‌ الوصول‌ اءلي‌'الكوفة‌. قال‌ وهو واقف‌ للاستطلاع‌: «فلما رأونا عدلنا..عدلوا الينا».

واءذا هم‌ ألف‌ فارس‌ يقدمهم‌ الحر بن‌ يزيد الرياحي‌. وهذه‌ الحادثة‌مفادها : أن‌ الحسين‌ (ع) عندما بلغ‌ منطقة‌ «ذي‌ حسم‌» كبّر رجل‌ٌ من‌أصحابه‌ تكبيرة‌ الاءعجاب‌، وكان‌ ضمن‌ قوات‌ الاستطلاع‌ التي‌ وضعهاالاءمام‌ في‌ طليعة‌ الرَّكب‌، فقد تصور هذا الرجل‌ أنه‌ رأي‌' نخيل‌ الكوفة‌؛فلذلك‌ أخذ يُكبر بأعلي‌' صوته‌، مبشراً بالوصول‌ اءليها، ولكن‌ الجماعة‌المكلّفة‌ بالاستطلاع‌ لم‌ تقتنع‌ بذلك‌، وبعد التدقيق‌ في‌ صحة‌ الخبر تبين‌ لهم‌أنها رؤوس‌ رماح‌، تحكي‌ عن‌ قدوم‌ قوة‌ عسكرية‌، فتحيز الحسين‌ (ع)برحله‌ اءلي‌' هضاب‌ (ذي‌ حسم‌)، واتخذ وضعاً دفاعياً مرتجلاً، وأصدرتعليماته‌ العسكرية‌ فقد «خرج‌ اءلي‌' أصحابه‌ فأمرهم‌ أن‌ يقرّبوا بعض‌بيوتهم‌ من‌ بعض‌، وأن‌ يدخلوا الاطناب‌ بعضها من‌ بعض‌ وأن‌ يكونوا هم‌بين‌ البيوت‌ اءلاّ الوجه‌ الذي‌ يأتيهم‌ منه‌ عدوّهم‌».

ومهما يكن‌ من‌ أمر فاءن‌ الحسين‌ (ع) كان‌ يستطلع‌ أكثر الاوقات‌بنفسه‌، أو بواسطة‌ مفرزة‌ استطلاع‌ من‌ أجل‌ الحصول‌ علي‌' المعلومات‌المتيسرة‌ ـ ولو علي‌' وجه‌ السُّرعة‌ ـ عن‌ العدو وعدد قواته‌ وتجهيزاته‌وتحركاته‌.

 

تطهير القوات‌:

سعي‌' الاءمام‌ (ع) لتطهير قواته‌ من‌ عناصر الفتنة‌ والخذلان‌ وأصحاب‌الاهواء والمصالح‌، اءدراكاً منه‌ بان‌ قوة‌ الجيش‌ لاتُقاس‌ بعدد جنوده‌، بل‌بمدي‌' تحليهم‌ بعناصر الضَّبط‌ الذي‌ هو أساس‌ الجندية‌، و مدي‌' درجة‌اءيمانهم‌ بحقانية‌ الحرب‌ التي‌ سوف‌ يخوضونها.

ومعني‌' الضبط‌: هو اءطاعة‌ الاوامر وتنفيذها بحرص‌ وأمانة‌ واءخلاص‌وعن‌ طيب‌ خاطر. وهذه‌ الامور يفتقد اءليها بعض‌ من‌ التحق‌ بجيش‌ الاءمام‌طلباً للمنصب‌ أو المَغْنم‌. فهؤلاء ـ أقصد أهل‌ الاهواء والمطامع‌ ـ بدأوابالتفرُّق‌ سرّاً وعلانية‌ً، ليلاً ونهاراً بمجرّد سماعم‌ بشهادة‌ مسلم‌ بن‌ عقيل‌(سلام‌ الله عليه‌)، الذي‌ تناهي‌' اءلي‌' أسماعهم‌ في‌ منطقة‌ زبالة‌.

والحسين‌ القائد لم‌ يخف‌ِ هذا الامر الجلل‌ عن‌ جنده‌؛ فقد عقد مؤتمراًعاماً لاهل‌ بيته‌ وأصحابه‌، وقام‌ خطيباً فاطلعهم‌ علي‌' ذلك‌ الخبر المؤسف‌حول‌ شهادة‌ عميد بيته‌ مسلم‌ بن‌ عقيل‌ (سلام‌ الله عليه‌)، ولم‌ يبدِ من‌ مظاهرالحزن‌ سوي‌' الاءكثار من‌ الاسترجاع‌، وأخفي‌' كل‌ مشاعر حزنه‌ في‌ سويداءقلبه‌؛ لان‌ العيون‌ لدي‌' الشدائد شاخصة‌ اءلي‌' قائدها، فاءن‌ بدا عليه‌ لائحة‌ حزن‌عم‌ الغم‌ الجميع‌، وضعفت‌ المعنويات‌ وخارت‌ العزائم‌. مع‌ ذلك‌ فاءن‌ ثلّة‌ من‌الملتحقين‌ به‌ بدأوا بالتخلي‌ عنه‌ اءيثاراً للراحة‌ وطلباً للعافية‌.

يذكر الشيخ‌ المفيد 1 أنه‌ لما تناهي‌ لهم‌ في‌ منطقة‌ «زبالة‌» خبر مقتل‌مسلم‌ (سلام‌ الله عليه‌) أخرج‌ الحسين‌ (ع) للناس‌ كتاباً فقرأه‌ عليهم‌، وجاءفيه‌:

«بسم‌ الله الرحمن‌ الرحيم‌، أمّا بعد: فاءنه‌ قد أتانا خبر فظيع‌ قتل‌ مسلم‌ بن‌ عقيل‌،وهاني‌ء بن‌ عروة‌، وعبد الله بن‌ يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن‌ أحب‌ منكم‌ الانصراف‌فلينصرف‌ غير حرج‌، ليس‌ عليه‌ ذمام‌». فتفرق‌ الناس‌ عنه‌ وأخذوا يميناًوشمالاً، حتي‌' بقي‌ مع‌ خلّص‌ أصحابه‌.

بعدها دعا الحسين‌ (ع) أصحابه‌ للتفرُّق‌، وبيّن‌ لهم‌ أن‌ طرق‌ النجاة‌مفتوحة‌ أمامهم‌. وليست‌ هذه‌ المرّة‌ الاولي‌' التي‌ يطلب‌ فيها الحسين‌ (ع)من‌ أصحابه‌ بالتفرُّق‌ عنه‌، فقد جدَّد ذلك‌ الطلب‌ قبل‌ معركة‌ عاشوراء،عندما جمع‌ قواته‌ وقال‌ لهم‌: اءن‌ القوم‌ يطلبونني‌ ولايريدون‌ بدلاً عني‌، وطلب‌منهم‌ ان‌ يتخذوا من‌ اللَّيل‌ جملاً ليستر انسحابهم‌ ويحفظ‌ ماء وجوههم‌،قال‌ لهم‌: «وقد نزل‌ بي‌ ماقد ترون‌، وأنتم‌ في‌ حل‌ عن‌ بيعتي‌، ليس‌ لي‌ في‌ أعناقكم‌بيعة‌، ولا لي‌ عليكم‌ ذمة‌، وهذا اللّيل‌ قد غشيكم‌ فاتخذوه‌ جملاً، وتفرّقوا في‌ سواده‌،فاءن‌ القوم‌ اءنما يطلبونني‌، ولو ظفروا بي‌ لذهلوا عن‌ طلب‌ غيري‌»، فتفرَّق‌أصحاب‌ الاهواء والمصالح‌، وبقي‌ معه‌ خلّص‌ أصحابه‌ الَّذين‌ بايعوه‌ علي‌'الموت‌ وأظهروا من‌ السَّمع‌ والطاعة‌ لقيادته‌ مايصلح‌ أن‌ يكون‌ نموذجاًيُحتذي‌' به‌..كانوا يتسابقون‌ اءلي‌' الموت‌، ويقونه‌ من‌ السِّهام‌ والرِّماح‌بأبدانهم‌. يذودون‌ عن‌ قائدهم‌ كما تذود اللّبوة‌ الجريحة‌ عن‌ أشبالها.

 

الاصطدام‌ المبكّر:

سار الحسين‌ (ع) مع‌ أهل‌ بيته‌ وخُلّص‌ أصحابه‌ سيراً حثيثاً نحوالعراق‌، ولم‌ يفت‌ من‌ عضده‌ مقتل‌ سفيره‌ مسلم‌ بن‌ عقيل‌ (سلام‌ الله عليه‌)،وخذلان‌ أهل‌ الكوفة‌ له‌؛ فقرر المضي‌ اءلي‌' آخر الشوط‌. فلما وصل‌ علي‌'بعد مرحلتين‌ من‌ الكوفة‌، ظهرت‌ ـ كما أسلفنا ـ طلائع‌ دورية‌ الحر بن‌ يزيدالرياحي‌ القتالية‌ المؤلفة‌ من‌ ألف‌ فارس‌، فقال‌ الحسين‌ (ع) للحر مستفهماً:«ألنا أم‌ علينا؟». طرح‌ الاءمام‌ (ع) هذا السؤال‌ لان‌ بعض‌ القوات‌ كانت‌ تلتحق‌في‌ صفوف‌ جيشه‌ اثناء تقدمه‌، فقال‌ الحر الرياحي‌: بل‌ عليك‌ ياأباعبدالله!.

وبعد مناقشات‌ ومشادّات‌ كلامية‌ بين‌ الجانبين‌، حاول‌ الاءمام‌ (ع) اءقناع‌الحر بالسماح‌ له‌ بالمسير نحو الكوفة‌، وعرض‌ عليه‌ الكتب‌ المرسلة‌ اءليه‌من‌ زعمائها وأهل‌ الرأي‌ فيها. لكن‌ الحر أصرّ علي‌' رفض‌ هذا الامر،وتمخض‌ النقاش‌ عن‌ حل‌ وسط‌ يُرضي‌ الطرفين‌؛ وهو أن‌ يسلك‌ الاءمام‌ (ع)طريقاً لايدخله‌ اءلي‌' الكوفة‌ ولايُرجعه‌ اءلي‌' المدينة‌. وكانت‌ قوات‌ الحرالرياحي‌ تواكب‌ سير قافلة‌ الحسين‌ (سلام‌ الله عليه‌) حتي‌' لاتحيد عن‌الخطة‌ المرسومة‌ لتحركها.

استمر الحال‌ علي‌' هذا المنوال‌ فترة‌ من‌ الزمن‌ ثم‌ انقلب‌ الموقف‌ رأساًعلي‌' عقب‌ بصدور أمرٍ عسكري‌ صارم‌ٍ من‌ عبيد الله بن‌ زياد يطلب‌ فيه‌ من‌الحر الرياحي‌ أن‌ يُضيّق‌ الحصار علي‌' قوات‌ الاءمام‌، ويوقف‌ حركة‌مسيرتها. وعيّن‌ ابن‌ زياد ضابط‌ استخبارات‌ عسكرية‌ كلّفه‌ بمراقبة‌ مدي‌'التزام‌ الحر الرياحي‌ بهذا الامر الصادر اءليه‌، وكان‌ النَّص‌ الحرفي‌ للامر هو:

«أمّا بعد، فجعجع‌ بالحسين‌، حين‌ يبلغك‌ كتابي‌، ويقدم‌ عليك‌ رسولي‌، ولاتنزله‌اءلاّ بالعراء في‌ غير حصن‌ وعلي‌' غير ماء، وقد أمرت‌ رسولي‌ أن‌ يلزمك‌، ولايفارقك‌حتي‌' يأتيني‌ باءنفاذك‌ أمري‌ والسلام‌».

قاوم‌ الحسين‌ (ع) هذا الامر الصارم‌ بكل‌ قوة‌ وعزم‌، لكنه‌ ابقي‌' باب‌الحوار مع‌ الحر مفتوحاً، فكلما أراد الاءمام‌ المسير كانوا يمنعونه‌ تارة‌ويسايرونه‌ أُخري‌' حتي‌' بلغ‌ كربلاء في‌ اليوم‌ الثاني‌ من‌ المحرم‌.

ولم‌ يكتف‌ ابن‌ زياد بالقوة‌ الضاربة‌ المؤلّفة‌ من‌ ألف‌ فارس‌ التي‌أرسلها في‌ طليعة‌ قواته‌ مع‌ الحر الرياحي‌، حتي‌' أرسل‌ قوة‌ً أُخري‌' اءضافية‌لتشديد الحصار المضروب‌ علي‌' قوات‌ الاءمام‌ (ع)، وقد بلغت‌ هذه‌ القوة‌خمسة‌ آلاف‌ مقاتل‌ بقيادة‌ عمر بن‌ سعد، وكانت‌ مكتملة‌ التسليح‌ والتجهيز،وتملك‌ مواد الاءعاشة‌ ووسائل‌ التمويل‌ من‌ غذاء وماء.

وعندما أخذ الحل‌ السِّلمي‌ يتضاءل‌ رويداً رويداً، وباتت‌ احتمالاته‌شبه‌ معدومة‌، اقترح‌ بعض‌ قادة‌ جيش‌ الحسين‌ الميدانيين‌ المبادرة‌ بالقتال‌،وفي‌ هذا الصدد قال‌ زهير بن‌ القين‌: «لن‌ يكون‌ بعد الذي‌ ترون‌ اءلا أشد مماترون‌، يابن‌ رسول‌ الله، اءن‌ قتال‌ هؤلاء البغاة‌ أهون‌ من‌ قتال‌ من‌ يأتينا من‌ بعدهم‌،فلعمري‌ ليأتينا بعدهم‌ مالاقبل‌ لنا به‌»،

فقال‌ الحسين‌ (ع): «ماكنت‌ لابدأهم‌ بالقتال‌».

وتجدر الاءشارة‌ اءلي‌' أن‌ ابن‌ القين‌ لم‌ يصل‌ اءلي‌' قناعته‌ بالحرب‌ اءلاّ بعد أن‌بالغ‌ في‌ النُّصح‌، بحيث‌ وصل‌ الامر اءلي‌' ان‌ يُرمي‌' بسهم‌ من‌ قبل‌ الشمر بن‌ ذي‌الجوشن‌ الذي‌ عنّفه‌ علي‌' المبالغة‌ في‌ نصحه‌، وقال‌ له‌:

«اسكت‌ أسكت‌ الله نأمتك‌ أبرمتنا بكثرة‌ كلامك‌».

وهكذا نلاحظ‌ بأن‌ الاءمام‌ (ع) قد بالغ‌ مع‌ أصحابه‌ في‌ الدعوة‌ اءلي‌' السِّلم‌مع‌ الحرص‌ الشديد علي‌' مَدّ جسور الفهم‌ والتفاهم‌ مع‌ اعدائه‌، وعليه‌ كان‌يحجم‌ عن‌ اءصدار أوامر القتال‌ علي‌' الرغم‌ من‌ تدفق‌ القوات‌ المعادية‌ من‌حوله‌ كالسيول‌، حرصاً منه‌ علي‌' حقن‌ دماء المسلمين‌ وحل‌ النِّزاع‌ بالطرق‌السِّلمية‌، لاسيما وانه‌ اتبع‌ وسائل‌ سلمية‌ عديدة‌ منها: تذكيرهم‌ بالكتب‌المرسلة‌ اليه‌ والعهود التي‌ قطعت‌ له‌ بالولاء والنصرة‌، كما انه‌ عرّفهم‌ بنفسه‌وحسبه‌ ونسبه‌ وقربه‌ من‌ رسول‌ الله6، زد علي‌' ذلك‌ انه‌ عقد مباحثات‌مطولة‌ مع‌ اركان‌ وقادة‌ الجيش‌ المعادي‌ له‌.

يذكر ابن‌ مخنف‌ في‌ مقتله‌: بان‌ الحسين‌ (ع) كان‌ يجلس‌ مع‌ ابن‌ سعدليلاً، ويتحدثان‌ طويلاً حتي‌' يمضي‌ من‌ اللّيل‌ شطره‌، قال‌: «فتكلّما فأطالاحتي‌' ذهب‌ من‌ اللّيل‌ هزيع‌، ثم‌ انصرف‌ كل‌ واحد منهما اءلي‌' عسكره‌ بأصحابه‌ ».

وكانت‌ أساليب‌ الحسين‌ (ع) السِّلمية‌ تتقابل‌ بنزعة‌ حربية‌ طاغية‌،ورغبة‌ ملحّة‌ بتعجيل‌ القتال‌ من‌ قبل‌ بعض‌ قادة‌ الجيش‌ المعادي‌ كالشمرابن‌ ذي‌ الجوشن‌ الذي‌ كان‌ يصر علي‌' القتال‌، ووضع‌ الحد للحوار الدائربين‌ الجيشين‌، وقد استغرب‌ الحر الرياحي‌ من‌ اندفاع‌ الشّمر للقتال‌، وتعجله‌للشر، فالتفت‌ الحر الرياحي‌ لابن‌ سعد، وقال‌: «أمقاتل‌ أنت‌ هذا الرجل‌؟!»،فقال‌ ابن‌ سعد : «اي‌ والله قتالاً ايسره‌ ان‌ تقطع‌ الايدي‌ وتطيح‌ الرؤوس‌» عندئذانعقدت‌ الدهشة‌ لسان‌ الحر واصابه‌ مثل‌ الافكل‌ ـ أي‌ الرِّعدة‌ ـ ثم‌ التحق‌بصفوف‌ الحسين‌ (ع) .

تجدر الاءشارة‌ اءلي‌' أن‌ موقف‌ ابن‌ سعد القائد الميداني‌ كان‌ متردداً في‌البداية‌ بالقتال‌، وكان‌ بين‌ الاءقدام‌ والاءحجام‌، ويلتمس‌ العذر في‌ بداية‌الامر، ولكن‌ المغريات‌ التي‌ قُدمت‌ اليه‌ كالحصول‌ علي‌' ولاية‌ الرّي‌ قدقلبت‌ قناعته‌ رأساً علي‌' عقب‌؛ فرَّجح‌ خِيارَ الحرب‌ِ علي‌' السِّلم‌، واطلق‌اءشارة‌ بدء القتال‌ بسهم‌ من‌ قوسه‌.

 

 

 

الاعمال‌ التمهيدية‌:

أدرك‌ الحسين‌ (ع) ان‌ القتال‌ أصبح‌ خياراً لامفرّ منه‌، بعد أن‌ تلاشت‌آماله‌ في‌ السَّلام‌ المشرِّف‌، وواجه‌ الحقيقة‌ المرّة‌ من‌ حيث‌ كونه‌ محاصراًمن‌ جميع‌ الجهات‌، ومصدوداً عن‌ الماء ووسائل‌ التموين‌ والاءعاشة‌.

مع‌ كل‌ ذلك‌ لم‌ يقف‌ مكتوف‌ اليدين‌ بل‌ أعد قواته‌ للدفاع‌ المستميت‌،وقام‌ بجملة‌ من‌ الاعمال‌ التمهيدية‌، كان‌ من‌ أبرزها مايلي‌:

1ـ انتخب‌ موضعاً بني‌' فيه‌ مقرّ قيادته‌: أمر بفسطاط‌ فنصب‌ عند الصباح‌.

2ـ رتّب‌ موضعه‌ الدفاعي‌ بالعمق‌: بعد أن‌ وجد معسكره‌ في‌ أجرد البقاع‌عن‌ مزايا الدفاع‌، فقد سبرَ غور الوهاد والانجاد، وأشرف‌ علي‌' سلسلة‌هضاب‌ وروابي‌ تليق‌ حسب‌ مزاياها الطبيعية‌ بأن‌ تتخذ للحرم‌ والخيم‌،و(كانت‌) الرَّوابي‌ والتلال‌ متدانية‌ علي‌' شاكلة‌ الهلال‌ وهو المسمي‌' «الحير»أو «الحائر»..ثم‌ أن‌ الحسين‌ (ع) رأي‌' بجنب‌ هذه‌ وجنوبها رابية‌ مستطيلة‌أصلح‌ من‌ اختها للتحصن‌؛ لان‌ المحتمي‌ بفنائها يكتنفه‌ من‌ الشمال‌والغرب‌ ربوات‌ تقي‌ من‌ عاديات‌ العدوّ برماة‌ قليلين‌ من‌ صحب‌الحسين‌(ع)، اذا اختبأوا في‌ الرَّوابي‌، وتبقي‌' من‌ جهة‌ سمتي‌ الشرق‌والجنوب‌ جوانب‌ واسعة‌، تحميها أصحاب‌ الحسين‌ ورجاله‌، ومنهايخرجون‌ اءلي‌' لقاء العدو أو تلقي‌ الرُّكبان‌، فنقل‌ اءلي‌' هذا الموضع‌ حرمه‌ومعسكره‌ ويُعرف‌ الا´ن‌ (المخيم‌).

فصارت‌ منطقة‌ الحائر منطقة‌ حرام‌ (بالاصطلاح‌ العسكري‌ المعاصر)فاصلة‌ بينه‌ وبين‌ معسكر الاعداء، وأمر أصحابه‌ ان‌ يقرّبوا البيوت‌ بعضها من‌بعض‌، حتي‌' تتمكن‌ قواته‌ من‌ خوض‌ المعركة‌ بقوة‌ أقل‌، ولتوقع‌ بالعدوخسائر أكثر. قال‌ أبو مخنف‌:

«فقال‌ الحسين‌: اما لنا ملجأ نلجأ اءليه‌ لنجعله‌ في‌ ظهورنا ونستقبل‌ القوم‌في‌ وجه‌ واحد، فقلنا له‌: بلي‌' هذا ذو حسم‌ (اسم‌ جبل‌) اءلي‌' جنبك‌ تميل‌ اءليه‌عن‌ يسارك‌، فاءن‌ سبقت‌ القوم‌ اءليه‌ فهو كما تريد، قال‌: فاخذ اءليه‌ ذات‌اليسار، قال‌: وملنا معه‌ فما كان‌ بأسرع‌ من‌ ان‌ طلعت‌ علينا هوادي‌ الخيل‌فتبيناها وعدلنا، فلما رأونا وقد عدلنا عن‌ الطريق‌ عدلوا علينا، كأن‌ اسنتهم‌اليعاسيب‌، وكأن‌ راياتهم‌ أجنحة‌ الطير. قال‌: فاستقبلنا اءلي‌' ذي‌ حسم‌فسبقناهم‌ اءليه‌، فنزل‌ الحسين‌ فأمر بأبنية‌ فضربت‌، وجاء القوم‌ وهم‌ ألف‌فارس‌ مع‌ الحر بن‌ يزيد التميمي‌».

وهذا النص‌ يثبت‌ لنا بأن‌ الحسين‌ (ع) كان‌ يفكر تفكيراً عسكرياًراقياً، و كان‌ لايستبد برأيه‌ بل‌ يستشير أصحابه‌، ويسأل‌ دائماً عن‌ المكان‌المناسب‌ لكي‌ يُتخذ كموضع‌ دفاعي‌، والنص‌ صريح‌ ـ أيضاً ـ بأن‌ كل‌طرف‌ كان‌ يتسابق‌ مع‌ الطرف‌ الا´خر ويسعي‌' للحصول‌ علي‌' المكان‌المناسب‌ لخوض‌ الحرب‌.

3 ـ قام‌ بمحاولات‌ جريئة‌ للوصول‌ اءلي‌' شاطي‌ء الفرات‌، المحروس‌ بقوات‌محصنة‌ تحصيناً جيداً، وموزعة‌ كمائنها علي‌' المشرعة‌ بصورة‌ شبكة‌يصعب‌ اختراقها، ولكن‌ المراسلين‌ الحربيين‌ ـ كأبي‌ مخنف‌ ـ قد اعترفوا بان‌العباس‌ (سلام‌ الله عليه‌) تمكن‌ من‌ اختراق‌ صفوف‌ القوات‌ المكلّفة‌بحراسة‌ المشرعة‌، وجلب‌ الماء، ولكن‌ في‌ محاولته‌ الثانية‌ لجلب‌ الماءتمكنت‌ الكمائن‌ المنصوبة‌ في‌ طريقه‌ من‌ منعه‌ من‌ اءيصال‌ ماء القربة‌ اءلي‌'العيال‌ والاطفال‌، بواسطة‌ قنّاصيها المنتشرين‌ بين‌ النَّخيل‌؛ فقد أمطروه‌بسيل‌ من‌ السِّهام‌، نفذ احدها اءلي‌' القربة‌ وأراق‌ ماءها، ثم‌ أن‌ أحد أفراد هذه‌الكمائن‌ تمكن‌ من‌ اءصابة‌ العباس‌ (سلام‌ الله عليه‌) بعمود من‌ حديد علي‌'هامته‌.

ضمن‌ هذا السياق‌ يُروي‌' أن‌ الحسين‌ (ع) قام‌ ـ أيضاً ـ باختراق‌تحصينات‌ وحشود العدو المنتشرة‌ علي‌' المشرعة‌، ودخل‌ الفرات‌، وأرادأن‌ يشرب‌ الماء لولا الخدعة‌ التي‌ منعته‌ من‌ ذلك‌، وهي‌:

مناداة‌ القوم‌ عليه‌ بان‌ الاعداء قد هجموا علي‌' حريمه‌ وخيمه‌ فكيف‌يهنا بشرب‌ الماء وقد هتكت‌ حُرمة‌ حَريمه‌؟

4 ـ حفر خندقاً حول‌ المخيم‌، وملاه‌ حطباً، وأضرم‌ فيه‌ ناراً لاجل‌ أن‌تكون‌ جبهة‌ الحرب‌ ضيقة‌ ومن‌ جهة‌ واحدة‌؛ ويبدو أن‌ «الشمر بن‌ ذي‌الجوشن‌» كان‌ يخطّط‌ لتطويق‌ قوات‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) ، وكان‌ يحاول‌الالتفاف‌ علي‌' هذه‌ القوات‌ من‌ الخلف‌، ولكن‌ خبرة‌ الاءمام‌ (ع) بشؤون‌الحرب‌ وتحسبه‌ لكل‌ الاحتمالات‌ قد أحبطت‌ هذه‌ المحاولة‌. ومما يعزّزذلك‌، نقل‌ أبو مخنف‌ عن‌ الضحاك‌ المشرقي‌، قال‌: «لما اقبلوا نحونا فنظروااءلي‌' النار من‌ ورائنا لئلا يأتونا من‌ خلفنا، اءذ أقبل‌ الينا منهم‌ رجل‌ يركض‌علي‌' فرس‌  فلم‌ يكلّمنا حتي‌' مر علي‌' أبياتنا، فنظر اءلي‌' أبياتنا فاءذا هو لايري‌'اءلا حطباً تلتهب‌ النار فيه‌، فقفل‌ راجعاً. فنادي‌' بأعلي‌' صوته‌: ياحسين‌،استعجلت‌ النار في‌ الدنيا قبل‌ القيامة‌؟ فقال‌ الحسين‌: من‌ هذا كأنه‌ شمر بن‌ ذي‌الجوشن‌، فقالوا: نعم‌ أصلحك‌ الله هو هو، فقال‌: يابن‌ راعية‌ المعزي‌' أنت‌ اولي‌' بهاصِلياً.

وفي‌ موقف‌ آخر يكشف‌ أبو مخنف‌ تفاصيل‌ أكثر عن‌ خطة‌ الدفاع‌التي‌ وضعتها القيادة‌ الحسينيّة‌ عند نشوب‌ المعارك‌ الحربية‌، فيقول‌: «وكان‌الحسين‌ (ع) اتي‌' بقصب‌ وحطب‌ اءلي‌' مكان‌ من‌ ورائهم‌ منخفض‌ كأنه‌ساقية‌ فحفروه‌ في‌ ساعة‌ من‌ اللّيل‌ فجعلوه‌ كالخندق‌، ثم‌ القوا فيه‌ ذلك‌الحطب‌ والقصب‌ وقالوا: اءذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه‌ النار كيلا نؤتي‌'من‌ ورائنا، وقاتلنا القوم‌ من‌ وجه‌ واحد، ففعلوا وكان‌ لهم‌ نافعاً ، وأيضاً مارواه‌أبو مخنف‌ من‌ أن‌ (جبيرة‌ الكلبي‌) وقيل‌ (ابن‌ حوزة‌) قال‌ للحسين‌ (ع) بعدان‌ وقف‌ باءزاء الخندق‌: «اتعجلت‌ بالنار في‌ الدنيا قبل‌ الا´خرة‌؟!»..

فدعا عليه‌ الحسين‌ (ع) قائلاً: ابشر بالنار.

5 ـ عقد الحسين‌ (ع) مؤتمراً حربياً لقادته‌ وقواته‌: واختار اللّيل‌ وقتاًلانعقاده‌، حتي‌' لاتنكشف‌ استعداداته‌ من‌ قبل‌ مراصد العدو، فقد اطلعهم‌علي‌' الموقف‌ العصيب‌ الذي‌ يواجهونه‌، وبيّن‌ لهم‌ بان‌ الحرب‌ وشيكة‌الوقوع‌، وسمح‌ لمن‌ أراد الانسحاب‌ منهم‌ بالذهاب‌ واحلّه‌ من‌ بيعته‌، وأمرالباقين‌ بالصبر والجهاد حتي‌' يقضي‌ الله أمراً كان‌ مفعولا .

6ـ جمع‌ الحسين‌ (ع) قواته‌ وقسّمها حسب‌ التقسيم‌ التقليدي‌ السائد:

اءلي‌' ميمنة‌ وميسرة‌ وقلب‌، فجعل‌ زهير بن‌ القين‌ ومعه‌ عشرون‌ فارساًعلي‌' الميمنة‌، يقول‌ أبو مخنف‌: «وعبّأ الحسين‌ أصحابه‌ وصلّي‌' بهم‌ صلاة‌الغداة‌ وكان‌ معه‌ اثنان‌ وثلاثون‌ فارساً، وأربعون‌ راجلاً، فجعل‌ زهير بن‌القين‌ في‌ ميمنة‌ أصحابه‌، وحبيب‌ بن‌ مظاهر في‌ ميسرة‌ أصحابه‌، واعطي‌'رايته‌ العباس‌ بن‌ علي‌ اخاه‌، وجعلوا البيوت‌ من‌ ظهورهم‌ ،وأدخل‌الاطفال‌ والحرم‌ اءلي‌' الخيمة‌. وتمكن‌ من‌ ترتيب‌ قواته‌؛ بحيث‌ تبقي‌' تحت‌تصرّفه‌ قوة‌ عسكرية‌ احتياطية‌ يعالج‌ بها المواقف‌ الطارئة‌.

7- أجّج‌ معنويات‌ جنوده‌: اءلي‌' درجة‌ أصبحوا يستأنسون‌ بالموت‌والشهادة‌، ويستبشرون‌ بالجنة‌ ويعدّون‌ الساعات‌ اءليها؛ حتي‌' أن‌ البعض‌منهم‌ كبُرير كان‌ يضحك‌ ويهازل‌ وكأن‌ شيئاً لم‌ يكن‌.

كانت‌ الميزة‌ الاساسية‌ لقوات‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) تتمثل‌ بالقوة‌المعنوية‌ العالية‌، التي‌ أثبتت‌ كل‌ الحروب‌ في‌ جميع‌ أدوار التاريخ‌ أهميتهاالبالغة‌ في‌ الصمود، وحول‌ هذه‌ النقطة‌ يقول‌ القائد الفرنسي‌ (نابليون‌بونابرت‌): «اءن‌ العامل‌ المعنوي‌ في‌ الحرب‌ أكثر أهمية‌ من‌ العامل‌ المادي‌ بنسبة‌ ثلاثة‌اءلي‌' واحد».

ولعل‌ من‌ أبرز العوامل‌ التي‌ عملت‌ علي‌' شحذ معنويات‌ القوات‌الحسينيّة‌ هو اءحساسهم‌ بعدالة‌ القضية‌ التي‌ يقاتلون‌ من‌ أجلها، وكذلك‌حقانية‌ ومظلومية‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع)، كما لعبت‌ العبادة‌ وخاصة‌ الصلاة‌ دور(الداينمو) الذي‌ يشحن‌ العزائم‌ والهمم‌..يقول‌ الرواة‌: اءن‌ الحسين‌ (ع) بات‌وأصحابه‌ ليلة‌ عاشوراء ولهم‌ دوي‌ كدوي‌ النحل‌، وكانوا بين‌ راكع‌ وساجدوقائم‌ وقاعد، فعبر اءليهم‌ في‌ تلك‌ الليلة‌ من‌ عسكر عمر بن‌ سعد اءثنان‌وثلاثون‌ رجلاً. ويبدو أن‌ المعنويات‌ العالية‌ التي‌ كان‌ يتحلي‌' بها أفرادالجيش‌ الحسيني‌ جعلت‌ بعض‌ أفراد جيش‌ يزيد يتيقن‌ من‌ صدق‌ وحقانية‌جبهة‌ الحسين‌؛ فالتحقوا بجبهته‌. كما نقل‌ الرواة‌ أيضاً بان‌ الحسين‌ (ع)طلب‌ من‌ أخيه‌ العباس‌ أن‌ يحاول‌ تأجيل‌ القتال‌ مااستطاع‌ اءلي‌' ذلك‌ سبيلاً،قال‌ له‌:

«فاءن‌ استطعت‌ أن‌ تؤخّرهم‌ اءلي‌' غد، وتدفعهم‌ عنا العشية‌ لعلنا نصلي‌ لربنا الليلة‌وندعوه‌ ونستغفره‌، فهو يعلم‌ أني‌ كنت‌ احب‌ الصلاة‌ له‌، وتلاوة‌ كتابه‌، وكثرة‌ الذكروالاستغفار».

يبدو أن‌ الحسين‌ (ع) يريد بذلك‌ اءضافه‌ اءلي‌' الجانب‌ العبادي‌ أن‌ يُؤجّج‌العامل‌ المعنوي‌ في‌ نفوس‌ مقاتليه‌ القليلي‌ العدد والعُدة‌، ليصمدوا في‌المعركة‌ غير المتكافئة‌ التي‌ يخوضونها. وهذا النص‌ يثبت‌ ضرورة‌ الاءكثارمن‌ الصلاة‌ والذكر كأساليب‌ ضرورية‌ لجند الاءسلام‌ عند خوض‌ الحرب‌.

 

سير القتال‌:

يمكن‌ تقسيم‌ واقعة‌ الطف‌ ـ حسب‌ التعبير العسكري‌ المعاصر ـ اءلي‌'صفحتين‌ قتاليتين‌ هما:

اوّلاً: صفحة‌ القتال‌ الاولي‌' : القتال‌ الجماعي‌:

ابتدأت‌ المعركة‌ عندما تقدم‌ عمر بن‌ سعد نحو معسكر الحسين‌ (ع)وأطلق‌ سهماً باتجاهه‌ وقال‌: «اشهدوا لي‌ عند الامير اني‌ أول‌ من‌ رمي‌'، فقال‌الحسين‌ (ع): قوموا اءلي‌' الموت‌ الذي‌ لابد منه‌، فنهضوا جميعاً والتقي‌' العسكران‌الرَّجالة‌ مع‌ الفُرسان‌ واشتد الصراع‌».

ثم‌ اقبلت‌ السهام‌ ترشق‌ اصحاب‌ الحسين‌ (ع) كأنها المطر، عندها قال‌الاءمام‌ القائد لاصحابه‌: «اءن‌ السهام‌ هي‌ رسل‌ القوم‌ اءليكم‌. فاقتتلوا ساعة‌ من‌ النهارحملة‌ وحملة‌».

بعدها أصدر الشمر بن‌ ذي‌ الجوشن‌ ـ وهو من‌ أبرز قادة‌ أركان‌الجيش‌ الاموي‌ ـ أوامره‌ بالهجوم‌ الجماعي‌ عندما قال‌:«احملوا عليهم‌ حملة‌رجل‌ واحد..وافنوهم‌ عن‌ آخرهم‌».

وصف‌ ابو مخنف‌ ـ المراسل‌ الحربي‌ بلغة‌ اليوم‌، ضراوة‌ المعركة‌،فقال‌:«..وقاتلوهم‌ حتي‌' انتصف‌ النهار أشد القتال‌، وأخذوا لايقدرون‌ علي‌' أن‌يأتوهم‌ اءلاّ من‌ وجه‌ واحد لاجتماع‌ أبنيتهم‌ وتقارب‌ بعضها من‌ بعض‌،قال‌: فلما رأي‌' ذلك‌ (عمر بن‌ سعد) أرسل‌ رجالاً يقوّضونها ـ أي‌ يهدمون‌البيوت‌ - عن‌ ايمانهم‌ وعن‌ شمائلهم‌ ليحيطوا بهم‌، قال‌: فأخذ الثلاثة‌والاربعة‌ من‌ أصحاب‌ الحسين‌ يتخللون‌ البيوت‌ فيشدون‌ علي‌' الرجل‌ وهويقوّض‌ وينتهب‌ فيقتلونه‌ من‌ قريب‌ ويعقرونه‌، فأمر بها (عمر بن‌ سعد)عند ذلك‌ فقال‌: أحرقوها بالنار ولاتدخلوا بيتاً ولاتقوّضوه‌، فجاءوا بالنارفاخذوا يحرقون‌. فقال‌ الحسين‌ (ع): دعوهم‌ فليحرقوها فاءنهم‌ لو قد حرقوها لم‌يستطيعوا أن‌ يجوزوا ـ أي‌ يصلوا ـ اءليكم‌ منها، وكان‌ ذلك‌ كذلك‌. ويضيف‌ أبومخنف‌: وأخذوا لايقاتلونهم‌ اءلا وجهاً واحداً، لاحظ‌ كيف‌ أن‌ الحسين‌القائد كان‌ يخطّط‌ بمنتهي‌' الحكمة‌، ويضع‌ بنظر الاعتبار معالجة‌ خطط‌وأفكار الشمر (لعنه‌ الله)، وكيف‌ أنه‌ أراد أن‌ يكون‌ اتجاه‌ المعركة‌ من‌وجه‌ واحد، مراعياً قلة‌ عدد قواته‌، وحماية‌ لنسائه‌ وأطفاله‌ من‌ أن‌ يُعتدي‌'عليهن‌، أو يقعن‌ رهينة‌ً بيد عدوّه‌.

ومع‌ النقص‌ الشديد في‌ عددهم‌ قاتل‌ جند الحسين‌ ببسالة‌ منقطع‌النظير، وبالنتيجة‌ سقطوا في‌ ساحة‌ الوغي‌' بين‌ شهيد وجريح‌؛ وذلك‌ لشدة‌قصف‌ السهام‌ وكون‌ ميدان‌ القتال‌ بالنسبة‌ لاصحاب‌ الحسين‌(ع)المحاصرين‌ ضيّقاً لايتسع‌ للانتشار والتبعثر الذي‌ يقلل‌ ـ عادة‌ـ من‌الخسائر في‌ الارواح‌.

 

ثانياً: صفحة‌ القتال‌ الثانية‌: المبارزة‌ الفردية‌:

ابتدأت‌ بتوجه‌ الحر الرياحي‌ بعد التحاقه‌ بصفوف‌ قوات‌ الاءمام‌الحسين‌(ع) يطلب‌ الاءذن‌ له‌ بالبراز، قال‌ للحسين‌ (ع):

«اذا كنت‌ أول‌ من‌ خرج‌ اليك‌ وجعجع‌ بك‌ فأذن‌ لي‌ بأن‌ أكون‌ أول‌ من‌ يبرُز للقتال‌بين‌ يديك‌».فبرز اءلي‌' الميدان‌ وهو القائد الحربي‌ المجرّب‌ فأخذ يفتك‌بقوات‌ العدوّ، ويتوغل‌ بين‌ صفوفها في‌ العمق‌ مما اوقع‌ في‌ صفوفهاخسائر فادحة‌ بين‌ قتيل‌ وجريح‌ ثم‌ استشهد 2.

بعدها برز برير بن‌ خضير منفرداً اءلي‌' الميدان‌ شاهراً سلاحه‌، فخرج‌ في‌مقابله‌ يزيد بن‌ المفضل‌ فاتفقا علي‌' المباهلة‌ اءلي‌' الله تعالي‌' في‌ ان‌ يقتل‌ المحق‌منهما المبطل‌، وتلاقيا فقتله‌ برير الذي‌ استمر يجندل‌ أفراد العدو اءلي‌' أن‌قُتل‌.

ثم‌ خرج‌ وهب‌ بن‌ جناح‌ الكلبي‌ مبارزاً وكانت‌ معه‌ امرأته‌ ووالدته‌، وبعدأن‌ اجهده‌ التعب‌، واشتد به‌ العطش‌ رجع‌ اءليهما وقال‌:

ياأم‌ ارضيت‌ أم‌ لا؟ فقالت‌ الام‌: مارضيت‌ حتي‌' تُقتل‌ بين‌ يدي‌ الحسين‌. وقصته‌الكاملة‌ مدونة‌ في‌ كتب‌ المقاتل‌. ونحن‌ قد اقتصرنا علي‌' موضع‌ الحاجة‌وخاصة‌ فيما يتعلق‌ بالجانب‌ العسكري‌.

استمرت‌ المبارزة‌ الفردية‌ وخرج‌ عندئذ مسلم‌ بن‌ عوسجة‌ ،فسقط‌ علي‌'الارض‌ مضرّجاً بدمه‌ وبه‌ رمق‌، فمشي‌' اءليه‌ الحسين‌ القائد ومعه‌ حبيب‌ بن‌مظاهر. فأوصي‌' مسلم‌ بن‌ عوسجة‌ حبيباً بأن‌ يقاتل‌ دون‌ الحسين‌ حتي‌'الموت‌.

ثم‌ خرج‌ عمر بن‌ قرطة‌ الانصاري‌، وكان‌ قد جعل‌ من‌ جسده‌ درعاً يتقي‌ به‌السِّهام‌ والرِّماح‌ التي‌ تنهال‌ علي‌' الحسين‌ (ع) كالمطر فلا يأتي‌ اءلي‌'الحسين‌(ع) سهم‌ اءلاّ اتقاه‌ بيده‌، ولاسيف‌ اءلاّ تلقاه‌ بمهجته‌، فلم‌ يكن‌ يصل‌اءلي‌' الحسين‌ القائد سوء حتي‌' أُثخن‌ بالجراح‌؛ عندئذ التفت‌ اءلي‌' قائده‌الحسين‌ (ع) وقال‌ له‌: يابن‌ رسول‌ الله أوفيت‌؟ فقال‌ الحسين‌ القائد: نعم‌ أنت‌أمامي‌ في‌ الجنة‌.

ولم‌ يقتصر القتال‌ علي‌' الاحرار من‌ الرجال‌، بل‌ شارك‌ فيه‌ العبيد عندمابرز جون‌ مولي‌' أبي‌ ذر اءلي‌' الميدان‌ وكان‌ عبداً أسود.

فقال‌ له‌ الحسين‌ (ع): أنت‌ في‌ اءذن‌ مني‌، فاءنما تبعتنا طلباً للعافية‌.

فرفض‌ القعود باءصرار، وله‌ كلمات‌ معبرة‌ يذكرها أرباب‌ المقاتل‌،تدل‌ علي‌' الوفاء والاءباء.

بعدها برز من‌ تبقي‌' من‌ الانصار واحداً بعد الا´خر حتي‌' ذاقوا الحِمام‌،وبقي‌ مع‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) أهل‌ بيته‌ وهم‌ بدورهم‌ وردوا الميدان‌ ابتداءاًمن‌ ولده‌ علي‌ الاكبر اءلي‌' أخيه‌ وقائد أركان‌ حربه‌ أبي‌ الفضل‌ العباس‌ (سلام‌ اللهعليه‌)، وانتهاءاً بابن‌ أخيه‌ عبد الله بن‌ الحسن‌ بعد أن‌ سبقه‌ اءلي‌' الشهادة‌ أخوه‌القاسم‌ بن‌ الحسن‌ 8، وفي‌ نهاية‌ المطاف‌ لم‌ يسلم‌ من‌ القتل‌ حتي‌' الطفل‌الرَّضيع‌ عبد الله بن‌ الحسين‌ الذي‌ أصبح‌ هدفاً لحرملة‌ بن‌ كاهل‌ الاسدي‌؛ وكان‌من‌ أبرز القناصين‌ وأكثرهم‌ دقة‌ في‌ اءصابة‌ الهدف‌، فسدّد رميته‌ اءلي‌' نحرالرَّضيع‌ فذبحه‌ من‌ الوريد اءلي‌' الوريد وهو علي‌' صدر والده‌.

لقد سطّر أولاد الحسن‌ والحسين‌ 8 ملاحم‌ بطولية‌ رائعة‌، وعلي‌'سبيل‌ الاستشهاد لا الحصر: أراد عبد الله بن‌ الحسن‌ أن‌ يدافع‌ عن‌ عمّه‌الحسين‌ (ع) وهو جريح‌ واتقي‌' ضربة‌ً وجهت‌ للاءمام‌ المطروح‌ بيده‌فقطعتها اءلي‌' الجلد، ثم‌ رماه‌ حرملة‌ بسهم‌ فذبحه‌ وهو في‌ حجر عمّه‌.

بعدها استمر القتال‌ الفردي‌ بالسلاح‌ الابيض‌ بعد تصفية‌ القاعدة‌ اءلي‌'القيادة‌؛ فبادر الحسين‌ القائد اءلي‌' البراز فلم‌ يزل‌ يُقاتل‌ كل‌ من‌ بَرزَ اءليه‌ حتي‌'قَتل‌َ ـ كما يصف‌ الرواة‌ ـ مقتلة‌ً عظيمة‌ً. فقد وصف‌ أحد الرجال‌ الذين‌شهدوا معركة‌ الطف‌ حال‌ الحسين‌ (ع) وهو يخوض‌ غمار الحرب‌، فقال‌:

«والله مارأيت‌ مكثوراً قط‌ قُتل‌ ولده‌، لتشد عليه‌ الرجّالة‌، فيشد عليها بسيفه‌فتنكشف‌ عنه‌ انكشاف‌ المعزي‌' اءذا شد عليها الذئب‌، وكانوا ينهزمون‌ بين‌ يديه‌.واستمر الحال‌ علي‌' ذلك‌ المنوال‌ حتي‌' أُثخن‌ بالجراح‌ وأصبح‌ جسده‌ كالقنفذ» ،وكان‌ يقوم‌ بدور حربي‌ مزدوج‌ فمرّة‌ يشن‌ُ هجوماً مقابلاً، ومرّة‌ أخري‌'عند اشتداد العطش‌ وتزايد الطعان‌ يتمسك‌ بموقف‌ الدفاع‌ كان‌ يحمل‌عليهم‌ ويحملون‌ عليه‌، وهو مع‌ ذلك‌ يطلب‌ شَربة‌ من‌ ماءٍ فلايجد حتي‌'أصابه‌ اثنان‌ وسبعون‌ جراحة‌ً، فبينما هو واقف‌ اءذ اتاه‌ حجر فوقع‌ علي‌'جبهته‌ فأخذ الثوب‌ ليمسح‌ الدَّم‌ عن‌ جبهته‌، فأتاه‌ ـ حسب‌ وصف‌ الراوي‌المذكور ـ سهم‌ مسموم‌ له‌ ثلاث‌ شعب‌ فوقع‌ علي‌' قلبه‌، ثم‌ أخرج‌ السهم‌ من‌ وراءظهره‌، فانبعث‌ الدم‌ كأنه‌ ميزاب‌ فضعف‌ عن‌ القتال‌.

ولما أحس‌ القوم‌ بضعفه‌ حملوا علي‌' مقرّ قيادته‌، فطعن‌ الشمر فسطاط‌الحسين‌ (ع) بالرمح‌ وقال‌: علي‌ّ بالنار احرقه‌ علي‌' من‌ فيه‌. فقال‌ الحسين‌(ع):يابن‌ ذي‌ الجوشن‌ أنت‌ الداعي‌ بالنار لتحرق‌ علي‌َّ أهلي‌؟ أحرقك‌ الله بالنار.

أما الطعنة‌ القاضية‌ التي‌ وجّهت‌ للحسين‌ (ع) فكانت‌ من‌ قبل‌ صالح‌ بن‌وهب‌، حيث‌ سدّدها اءلي‌' خاصرته‌، فسقط‌ عندئذ عن‌ فرسه‌ اءلي‌' الارض‌ علي‌'خدّه‌ الايمن‌، بعدها أصدر الشمر أمراً يطلب‌ فيه‌ الاءجهاز الجماعي‌ علي‌'الاءمام‌ (ع) قائلاً لاصحابه‌: «ماتنتظرون‌ بالرجل‌؟!»..فحملوا عليه‌ من‌ كل‌جانب‌، وأفرغ‌ كل‌ منهم‌ حقده‌: اءما بطعنه‌ برمح‌ أو رميه‌ بسهم‌ أو ضربه‌بسيف‌، أو رشقه‌ بحجر.

بعد ذلك‌ احتزّوا رأسه‌ الشريف‌، وتسارعوا اءلي‌' سلب‌ ملابسه‌، ثم‌تسابقوا علي‌' نهب‌ مافي‌ رحله‌؛ حتي‌' جعلوا ينتزعون‌ ملحفة‌ المرأة‌ عن‌ظهرها.

وهذه‌ هي‌ مصاديق‌ الحرب‌ غير العادلة‌ التي‌ لاتتطابق‌ مع‌ الاعراف‌والقواعد الاءنسانية‌ التي‌ توجب‌ احترام‌ الاموات‌ وعدم‌ التمثيل‌ بهم‌، كماتوجب‌ احترام‌ حياة‌ واملاك‌ الابرياء وحسن‌ معاملة‌ الاسري‌' وعدم‌التعرّض‌ بسوء لغير المقاتلين‌ وخاصة‌ النساء والاطفال‌ والمرضي‌'.

ويقتضي‌ التنويه‌ اءليه‌ علي‌' أن‌ ماتطرقنا اءليه‌ من‌ دروس‌ عسكرية‌ هوغيض‌ من‌ فيض‌، فالدروس‌ العسكرية‌ والمواقف‌ الحربية‌ التي‌ تمخضت‌عن‌ معركة‌ الطف‌ القصيرة‌ كثيرة‌ وغنية‌ بالعبر والتجارب‌. وهذه‌ المعركة‌الغنية‌ بالدروس‌ نستفيد منها في‌ صراعنا ضد القوي‌' الغاشمة‌ والمتجبرة‌؛حيث‌ نخرج‌ بنتيجة‌ حاسمة‌ وهي‌: أن‌ الدم‌ سوف‌ ينتصر علي‌' السيف‌، وأن‌ أبواق‌القوة‌ لاتستطيع‌ كتم‌ صوت‌ الحق‌، وان‌ المعركة‌ لاتقاس‌ من‌ الناحية‌ العسكرية‌بعدد الخسائر بالارواح‌، بل‌ تقاس‌ بالحصول‌ علي‌' هدف‌ القتال‌ المستقبلي‌والمعنوي‌ المتمثل‌ بفضح‌ سياسة‌ وأساليب‌ القوي‌' المتجبرة‌ تمهيداًلاءسقاطها.

 

خلاصة‌ البحث‌:

أفرزت‌ واقعة‌ الطف‌ علي‌' قصرها دروساً قتالية‌ تستحق‌ البحث‌والدراسة‌، ونحن‌ في‌ هذه‌ الدراسة‌ الموجزة‌، نحاول‌ تسليط‌ الاضواء علي‌'بعض‌ تلك‌ الدروس‌ والمواقف‌، ومنها: ان‌ القائد يضع‌ خطته‌ وفقاًللمعلومات‌ التي‌ يتمكن‌ من‌ الحصول‌ عليها. والاءمام‌ الحسين‌ (ع) كقائدميداني‌ كان‌ يسعي‌' جاهداً للحصول‌ علي‌' المعلومات‌ أولاً بأول‌ عن‌ عدوّه‌،والملاحظ‌ أنه‌ اتبع‌ ثلاثة‌ أساليب‌ أساسية‌:

الاسلوب‌ الاول‌: استنطاق‌ المسافرين‌ والاستفسار منهم‌.

الاسلوب‌ الثاني‌: المكاتبات‌.

الاسلوب‌ الثالث‌: الاستطلاع‌.

ولما أدرك‌ الحسين‌ (ع) أن‌ القتال‌ لامفر منه‌، قام‌ بجملة‌ من‌ الاعمال‌التمهيدية‌:

انتخب‌ موضعاً بني‌' عليه‌ مقر قيادته‌.

2- رتّب‌ موضعه‌ الدفاعي‌ بالعمق‌.

3- قام‌ بمحاولات‌ جريئة‌ للوصول‌ اءلي‌' شاطي‌ء الفرات‌.

حفر خندقاً حول‌ المخيم‌ وأشعل‌ النار فيه‌.

5- عقد مؤتمراً حربياً لقادته‌ وقواته‌.

6- قسّم‌ قواته‌ حسب‌ التقسيم‌ التقليدي‌ اءلي‌' ميمنة‌ وميسرة‌ وقلب‌.

7- أجّج‌ معنويات‌ أصحابه‌، وطهّر قواته‌ من‌ أصحاب‌ المطامع‌والاهواء. كمايمكننا تقسيم‌ واقعة‌ الطف‌ اءلي‌' صفحتين‌ قتاليتين‌:

أولاً: صفحة‌ القتال‌ الجماعي‌.

ثانياً: صفحة‌ المبارزة‌ الفردية‌. وتفصيل‌ كل‌ ذلك‌ في‌ صفحات‌ المقالة‌.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

طرق إثبات وجود الله
الشروط التي يجب توفرها في المفسر
أن آل يس آل محمد ص
القـــــــرآن الطريق إلى الله
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها
إساءات إلى القرآن
أولاد السيدة زينب (ع)
موقف العباس (عليه السلام)
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
المصادر الشيعية لحديث (فاطمة بضعة مِنِّي)

 
user comment