عصمة الأئمّة ليست جبرية :
السؤال : هناك من يقول أنّ عصمة الأنبياء جبرية ، وذلك لعلمهم بخفايا الأُمور ، وحقائق الأشياء مثلاً : قول الإمام : " والله لا أراه إلاّ قيحا " ، وذلك إشارة إلى طعام ما ، فهو بناء على علمه يكون مجبراً على عدم الأكل مثلاً ، ما مدى صحّة هذه المقولة ؟
الجواب : إنّ كان المراد من الجبر أنّ الأئمّة (عليهم السلام) لعلمهم بحقائق الأشياء فهم غير قادرين على ارتكاب المعصية والخطأ ، فمن الواضح أنّ العلم بحقيقة الشيء لا يستلزم عدم القدرة على المخالفة ، والعلم بحقيقة الشيء لا يسلب من الإنسان اختياره ، ولا منافاة بين أن يكون الإنسان عالماً بحقيقة شيء ، وأن يرتكب ذلك الشيء ، إلاّ أنّ أئمّتنا (عليهم السلام) كانوا عالمين بحقائق الأشياء ، ومع ذلك
|
الصفحة 325 |
|
كانوا يجتنبون ولا يرتكبون المعاصي والخطايا ، ولا يصدر عنهم السهو ولا النسيان عن اختيار .
( الموالي . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة )
السؤال : ما الدليل العقلي على عصمة الأئمّة (عليهم السلام) ؟
الجواب : إنّ الأدلّة العقلية كثيرة ، نقتصر على اثني عشر دليلاً :
الأوّل : الإمام يجب أن يكون حافظاً للشرع ، فيجب أن يكون معصوماً ، ليؤمن منه الزيادة والنقصان في الشريعة .
الثاني : يجب أن يكون متولّياً لسياسة الرعية ، فيجب أن يكون معصوماً ليؤمن منه الظلم والجور ، والتعدّي في الحدود والتعزيرات .
الثالث : الإمام يجب أن يكون معصوماً بعد النبيّ لوجوب الحاجة إلى النبيّ ، فهو في مقام النبيّ ورتبته ، فما دلّ على عصمة النبيّ دلّ على عصمة الإمام ؛ لأنّ النبوّة والإمامة من الله تعالى ، فلا يجوز بعث غير المعصوم في النبوّة ، ولا نصب غير المعصوم في الإمامة ، لأنّه قبيح عقلاً وهو لا يفعل قبيحاً .
الرابع : الإمام يجب أن يكون غير جائز الخطأ ، وإلاّ لاحتاج إلى مدد ، فيجب أن يكون معصوماً ؛ وإلاّ تسلسل .
الخامس : الإمام يجب أن يكون غير مداهن في الرعية ، وإلاّ وقع الهرج والمرج ، وغير المعصوم يجوز فيه ذلك ، فتنتفي فائدة نصبه ، فيجب أن يكون معصوماً .
السادس : الإمام يجب أن لا يقع منه منكر ، وإلاّ لزم ترك الواجب إن لم ينكر عليه ، وخروجه عن أن يكون إماماً بل ومأموماً ، فيجب أن يكون الإمام معصوماً فلا يقع منه منكر .
|
الصفحة 326 |
|
السابع : الإمام يجب أن يكون مقتدى به في أقواله وأفعاله على الإطلاق ، فيجب أن يكون معصوماً .
الثامن : الإمام يجب أن يكون صادقاً على الإطلاق ليحصل الوثوق بأخباره ، فيجب أن يكون معصوماً .
التاسع : الإمام يجب أن لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب ، وإلاّ لارتفع محلّه من القلوب ؛ فيجب أن يكون معصوماً .
العاشر : الإمام يجب طاعته على الإطلاق ، وغير المعصوم لا يجب طاعته على الإطلاق ، فيجب أن يكون الإمام معصوماً ، لقولـه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... } (1) .
الحادي عشر : الإمام يجب أن يكون أعلى رتبة في الرعية ، فيجب أن يكون معصوماً ، وإلاّ انحطّ عن رتبة ساير الرعية عند فعله المعصية ، لعلمه بموجب الطاعة والمعصية ، فإقدامه على ترك الطاعة وفعل المعصية مع علمه يكون سبباً لانحطاط رتبته عند الخلق والمخلوق .
الثاني عشر : الإمام يجب أن يكون منزّهاً عن جميع الذنوب والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، لأنّه أقرب إلى الخالق تعالى في الرعية ؛ فيجب أن يكون معصوماً وإلاّ ساوى المأموم والإمام ، والتابع والمتبوع ، والله سبحانه يقول : { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } (2) .
____________
1- النساء : 59 .
2- الزمر : 9 .
|
الصفحة 327 |
|
( علي . المغرب . سنّي . 28 سنة . طالب جامعة )
السؤال : إذا كان الشيعة يدّعون عصمة الإمام ، فكيف ينفونها عن الصحابة ؟ وهم أقرب إلى النبيّ مكاناً ومكانة .
الجواب : إنّ اعتقاد الشيعة يبتني على التنصيص في الإمامة ـ كما ثبت في محلّه ـ وعليه فبما أنّ الإمام منصوب من قبل الله تعالى ، فيجب على الباري تعالى أن يعصمه من الخطأ والزلل ، حتّى لا يقع المأموم عند اتّباعه في انحراف وضلال ، وهذا ممّا لا تنفرد به الشيعة ، بل أنّ بعض علماء السنّة أيضاً يعتقدون به ، فعلى سبيل المثال يصرّح الفخر الرازي في تفسيره للآية (124) من سورة البقرة بهذا المعنى (1) ؛ فهم في اعتقادهم هذا لا يرون العصمة لغير المنصوص عليهم .
وأمّا الصحابة فبما أنّهم لم يثبت في حقّهم النصّ للإمامة أو العدالة ، فهم في دائرة الجرح والتعديل .
( يوسف . الكويت . ... )
عصمة الأنبياء في رأي الفريقين :
السؤال : هل هناك خلاف بين العلماء حول موضوع عصمة الأنبياء ؟ وهل المشهور سابقاً خلاف ذلك ؟ وشكراً .
الجواب : ممّا تفرّدت به الإمامية هو القول بوجوب عصمة الأنبياء (عليهم السلام) في أخذ الوحي وإيصاله وتطبيقه ، واجتناب المعاصي والذنوب ـ كبيرة كانت أو صغيرة ـ ولهم في هذا المجال دلائل واضحة وجلية ، لا مجال لنا بذكره في هذه العجالة .
____________
1- التفسير الكبير 2 / 36 .
|
الصفحة 328 |
|
واتّفق رأي أهل السنّة على عدم وجوب العصمة إلاّ في تبليغ الرسالة ، حتّى أنّ جمهورهم جوزّوا صدور المعاصي من الأنبياء (عليهم السلام) ـ والعياذ بالله ـ .
نعم ، كان هناك رأي للشيخ الصدوق (قدس سره) وشيخه ابن الوليد في جواز السهو على النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الموضوعات التطبيقية ـ لا في تبليغ الوحي ، ولا في الابتعاد عن المعاصي ـ وهذا رأيهما الخاصّ ، ولم يتبعهما في ذلك أساطين الطائفة الشيعية وجمهورها .
( أبو هاشم الموسوي . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة )
تعليق على الجواب السابق وجوابه :
السؤال : الشيخ الصدوق لم يقل بجواز السهو على النبيّ ، بل قال بجواز الإسهاء للنبي (صلى الله عليه وآله) ، بخلاف ما يظهر من الكلام في إجابتكم السابقة ، والتي بدأ يهرّج بها الوهّابية على الشيعة ، وأنا انقل لكم رأي الشيخ السبحاني على قضية السهو ، قال بعد نقل كلام الشيخ الصدوق : " وحاصل كلامه : أنّ السهو الصادر عن النبيّ إسهاء من الله إليه لمصلحة ، كنفي وهم الربوبية عنه ، وإثبات أنّه بشر مخلوق ، وإعلام الناس حكم سهوهم في العبادات وأمثالها .
وأمّا السهو الذي يعترينا من الشيطان فإنّه (صلى الله عليه وآله) منه بريء ، وهو منزّه عنه ، وليس للشيطان عليه سلطان ولا سبيل ، ومع ذلك كُلّه ، فهذه النظرية مختصّة به ، وبشيخه ابن الوليد ، ومن تبعهما كالطبرسي في مجمعه على ما سيأتي ؛ والمحقّقون من الإمامية متّفقون على نفي السهو عنه في أُمور الدين حتّى مثل الصلاة " .
ولقد شاهدت كلاماً للعلاّمة السيّد جعفر مرتضى العاملي حول الموضوع ، مؤدّاه نفس الكلام ، وهو أنّ الشيخ الصدوق وأستاذه ذهبا إلى جواز الإسهاء ، وليس السهو كما يظهر من كلامهما ـ الإسهاء هو من الله لغاية معيّنة كما هو معلوم ـ وقد خالفتهم الطائفة المحقّة في هذا الكلام .
هذا ، ولكم جزيل الشكر لما تقومون به من الذود عن العقائد الحقّة .
|
الصفحة 329 |
|
الجواب : لم نكن بصدد التفريق بين السهو والإسهاء ، وإنّما كنّا بصدد بيان مسألة السهو ، مع غض النظر عن الدخول في مبحث السهو والإسهاء ، والطرف الآخر من جهله بالمباني يعتمد على هكذا مسائل ، ولا أقلّ عليه أن يفرّق بين السهو الذي يقع علينا ، وبين السهو الذي يقع على الأنبياء على رأي من يقول به .
وهنا ننقل نصّ كلام الشيخ الصدوق (قدس سره) لتتّضح المسألة :
قال : " إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ويقولون : لو جاز أن يسهو (عليه السلام) في الصلاة ، لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة ، كما أنّ التبليغ عليه فريضة ، وهذا لا يلزمنا ، وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبّد بالصلاة كغيره ممّن ليس بنبيّ ، وليس كُلّ من سواه بنبيّ كهو ، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوّة ، والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ... .
وليس سهو النبيّ (صلى الله عليه وآله) كسهونا ، لأنّ سهوه من الله عزّ وجلّ ، وإنّما هو أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يتّخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا عن الشيطان ، وليس للشيطان على النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) سلطان ، إنّما سلطانه على الذين يتولّونه ، والذين هم به مشركون ، وعلى من تبعه من الغاوين ... .
وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله) يقول : أوّل درجة الغلوّ نفي السهو عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى ، لجاز أن ترد جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة ... " (1) .
( أبو جعفر . ... . ... )
السؤال : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين ؟ وشكراً .
الجواب : إنّ الأئمّة (عليهم السلام) معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة .
ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة .
إذاً ، فأهل البيت (عليهم السلام) لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة .
هذا مضافاً إلى آية التطهير : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (2) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة .
____________
1- من لا يحضره الفقيه 1 / 359 .
2- الأحزاب : 33 .
|
الصفحة 330 |
|
( أبو العياط نور الدين . الجزائر . ... )