يس المهدي عليه السلام تجسيدا لعقيدة إسلامية، ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية، بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس؛ من خلاله؛ على الرغم من تنوع عقائدهم، ووسائلهم إلى الغيب...
الحمد لله على دين الإسلام الذي جمع الشتات، ودعا إلى التآلف والتحابب والمودة والاعتصام ونهى عن التفرق والخلاف والشقاق وبين أن الاختلاف إذا وقع في الأمة كان هو سبيل التفريق والتعصب وقد ذكر الله تعالى نعمة الاتحاد والاتفاق:
(وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).[1]
إننا اليوم في أشد الحاجة إلى جمع الكلمة لجمع الشمل، وإننا نحتاج إلى توحيد الصفوف الإسلامية بعلمائها وشيوخها وطلابها، وهذا لا يمنع أن تكون هناك مسائل خلافية ولكنها لا تقتضي العداوة ولا البغض ولا الإخراج عن الملة.
وهذا البحث يندرج ضمن البحوث العلمية الداعية إلى شد عرى المحبة بين طوائف المسلمين، وتكريس الجهود من أجل توحيد الصف وجمع الكلمة للرد على الهجمات التي يتعرض لها العالم العربي والإسلامي.
إن الاعتقاد بظهور مصلح في آخر الزمان، ليس من معتقدات المسلمين فحسب، فهي قضية شغلت الفكر والتراث الإنساني برمته. فالأديان السماوية تجمع على ظهور رجل في آخر الزمان يقيم أطهر حياة وأنظفها على وجه الأرض: حياة لا شرك فيها ولا وثنية، يغمرها التوحيد الخالص، والعبادة لله الذي تعنو له الوجوه. حياة لا ظلم فيها، ولا استبداد، بل يسود فيها الحق، والعدالة، والحرية، والإخاء. حياة لا جهل فيها، ولا أمية، بل حليتها العلم والمعرفة، والحكمة، حياة لا حسد فيها، ولا حقد، بل تخيم عليها المحبة والتعاون، والتآزر، والكرم، والإيثار. حياة لا خمول فيها، ولا تقاعس. بل جهاد في سبيل نشر مبادئ المهدي عليه السلام.
لقد شغلت قضية "المهدي المنتظر" التراث الإنساني برمته. فهي قضية إنسانية قبل أن تكون دينية أو إسلامية. لم تعبر عنها الأديان السماوية فحسب بل شملت المدارس الفكرية والمذاهب الغير الدينية أيضا، يقول العلامة الشهيد محمد باقر الصدر:
ليس المهدي عليه السلام تجسيدا لعقيدة إسلامية، ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية، بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس؛ من خلاله؛ على الرغم من تنوع عقائدهم، ووسائلهم إلى الغيب، أن للإنسانية يوما موعودا على الأرض، تحقق رسالات السماء، بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي. وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان؛ على مر التاريخ؛ استقرارها وطمأنينتها. بعد عناء طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي، والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينيا بالغيب، بل امتد إلى غيرهم أيضا، وانعكس حتى على أشد الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية، رفضا للغيب والغيبيات.... .[2]
فاعتقاد الإنسانية بحتمية ظهور المصلح، من النقاط المتفق عليها بين جميع الديانات، فحسب اعتقادنا نحن المسلمين المهدي المنتظر "مكن الله له في الأرض"، والذي جاء ذكره في الأحاديث والروايات، وجاء ذكره في التوراة والإنجيل فهو الذي يقوم بتأسيس الحكومة العالمية الشاملة أو ما يسمى في الإنجيل بـ "مملكة السلام"، حيث يملأ الأرض قسطا وعدلا، بعد أن ملئت ظلما وجورا، ويحل الأمن والسلام في ربوع المعمورة.
"يبلغ من رد المهدي المظالم، حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده"[3] وقد ورد ذكره في التوراة والإنجيل بإشارات واضحة، فقد جاء في سفر إشعيا: "يخرج فرع من جذع يسى، وينمو غصن من أصوله. روح الرب ينزل عليه، روح الحكمة والفهم والمشورة، روح القوة والمعرفة والتقوى، ويبتهج بمخافة الرب. لا يقضي بحسب ما ترى عيناه، ولا يحكم بحسب سماع أذنيه، بل يقضي للفقراء بالعدل. وينصف الظالمين بكلام كالعصا ... لا يسيء أحد، ولا يفسد، أينما كان في جبلي المقدس، لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب، كما تمتلأ المياه البحر"،[4] كما جاءت نصوص صريحة بالبشارة به في الإنجيل.
فقد جاء في إنجيل لوقا:
وستظهر علامات في الشمس والقمر والنجوم،ويصيب الأمم في الأرض قلق شديد ورعب من ضجيج البحر واضطراب الأمواج. ويسقط الناس من الخوف ومن انتظار ما سيحلُّ بالعالم، لأن قوات السماء تتزعزع وفي ذلك الحين يرى الناس ابن الإنسان آتيا في سحابة بكل عزة وجلال. واذا بدأت تتم هده الحوادث، قفوا ورفعوا رؤوسكم لأن خلاصكم قريب.[5]
وجاء في الأخبار:
يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيأتي منادٍ ينادي هذا المهدي خليفة الله فتبعوه.[6]
وقد ورد في تفسير أبي حمزة الثمالي للأية الكريمة:
(طسم * تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيهِم مِّن السَّمَاء آيةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)؛[7]
صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان، تخرج به العوائق من البيوت وتضج له أسماء.[8]
فحينما نقرأ تلك النصوص نجدها مطابقة لما ورد في الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي المختار عليه أفضل الصلاة والسلام، والروايات الواردة عن أهل بيته الأطهار: من طريق أهل السنة والشيعة، من تلك النصوص:
ـ المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة؛[9]
ـ المهدي مني: أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين؛[10]
ـ القائم بعدي في الجنة.[11]
وعليه، فالآيات والأحاديث كثيرة والمقام لا يتسع لذكرها كاملة، ولكن كلها تجمع على حتمية وجود إمام حق في آخرالزمان يهتدى به، ويكون حجة على أهل زمانه في الدنيا والآخرة، يقول عز وجل:
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيتِي قَالَ لاَ ينَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).[12]
فقد جاء في سفر التكوين
ولا تسمى أبرام بعد اليوم، بل تسمى إبراهيم، لأني جعلتك أبا لأمم كثيرة سأنميك كثيرا واجعلك أمما، وملوكا من نسلك يخرجون، وأقيم عهدا أبديا بيني وبينك وبين نسلك بعدك، جيلا بعد جيل.[13]
فالإمامة عهد من الله تبارك وتعالى، ولذا كانت في أعلى درجات العدالة والتقى، وجعلها سبحانه في ذريته. وهذا يجعل الذرية الإبراهيمية لا تخلو من متأهل للإمامة إلى يوم القيامة، ومما يؤكده قوله عز وجل: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يرْجِعُونَ)،[14] فقد جاء عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أنه قال: فينا نزلت هذه الآية ...،" وعلق عليها أبو حمزة الثمالي بقوله: "والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب8 إلى يوم القيامة".[15] فقد ورد في الحديث:
لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطؤ اسمه اسمي.[16]
وجاء عن أم سلمة رضي الله عنها: سمعت النبي(ص) يقول:
المهدي من عترتي، من ولد فاطمة.[17]
وقد أورد الشعراني قول ابن العربي:
واعلموا أنه لابد من خروج المهدي(عج)، لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما، فيملؤها قسطا وعدلا، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طول الله تعالى ذلك اليوم حتى يبلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله(ص)، من ولد فاطمة رضي الله عنها، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي بالنون.[18]
إن هذا الوقت هو أنسب الأوقات للنهوض بهذا العالم وإعداده بصورة عامة، وبالمؤمنين بصورة خاصة للانتقال إلى المرحلة التاريخية التي سيقودها المهدي والتي ستبدأ في الشرق الأوسط لتسود العالم كله بإذن الله.
فلن يظهر الإمام إلا بعد توفر الشروط الموضوعية لظهوره، وهي كثيرة من أهمها توفر العدد الكافي من الأنصار، قال رسول الله(ص):
إن علي بن أبي طالب(ع) إمام أمتي، وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده، القائم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملأت جورا وظلما. والذي بعثني بالحق بشيرا إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر.. .[19]
وبعد هذا سيتم التطبيق الكامل للنظام الإسلامي القائم على العدالة والرفاهية، فقد جاء عن رسول الله(ص) أنه قال:
يحكم (عيسى) بين أهل التوراة في توراتهم، وأهل الإنجيل في إنجيلهم، وأهل الزبور في زبورهم، وأهل الفرقان بفرقانهم.[20]
إذن فإمام زماننا الذي دلت عليه الآيات والأحاديث سيكون شهيدا على أمته ويحيط بها إحاطة علمية ربانية، ويعرض أعمالهم على الميزان الإلهي.
فهو الهادي إلى المعروف والناهي عن المنكر، والداعي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يثبتها للذين اهتدوا بأمره على نحو التبعية:
(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهِدِّي إِلاَّ أَن يهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيفَ تَحْكُمُونَ).[21]
الهداية التي تصل إلى صريح الحق عز وجل، امتثالا لأوامره ونواهيه، وإحياء لسنة نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الروايات:
إن القائم المهدي من نسل علي، أشبه الناس بعيسى بن مريم خَلقا وخُلقا، وسمتا وهيبة، يعطيه الله عز وجل ما أعطى الأنبياء، ويزيده ويفضله، إن القائم من ولد علي له غيبة كغيبة يوسف، ورجعة كرجعة عيسى بن مريم.[22]
إن محور حكومة المهدي قائمة على احترام الكرامة الإنسانية، بل تصل إلى أوجها وقمتها، وذلك بإحياء تعاليم الإسلام السمحة وسنة رسول الله. ففي رواية عن علي(ع): "ألا إنه المهدي، أشبه الناس خلقا وخلقا وحسنا برسول الله"،[23] وروى أبو داود بسنده عن علي، عن أبي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه، ونظر إلى ابنه الحسن، فقال: "إن ابني هذا سيد"، كما سماه رسول الله(ص): "سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق، ولا يشبهه في الخَلْق"، ثم ذكر قصة: "يملأ الأرض عدلا".[24] يقول ابن العربي في الفتوحات:
إذ لا يكون احد مثل رسول الله(ص) في أخلاقه.[25]
صاحب الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة، التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة. وهي حسن الخلق، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[26] وقالت عنه عائشة رضي الله عنها:
كان خلقه القرآن، يرضى برضاه، ويسخط بسخطه.
فالمهدي سيكون الإنسان الكامل، من خلال إدراكه للحقيقة المحمدية، وبلوغه منتهى المعرفة والحقيقة لقوله(ص): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[27]، فبين عليه الصلاة والسلام أن الغاية هي الإصلاح والأخلاق، وإتمام مكارم الأخلاق.
فمهما يكن من أمر، فإن المهدي- عند الفريقين: أهل السنة والشيعة -، وظيفته واحدة، وإن اختلفت طرق التعبير عنها. فالاتفاق الحاصل، أنه سيؤدي الوظيفة نفسها. كما قال الشيخ الصدوق:
والإمام ليس برسول ولا نبي ولا داع إلى شريعة ولا ملة غير شريعة محمد(ص)وملته.[28]
ولذا فوظيفة المهدي(عج) الذب عن سنة رسول الله، والعمل بها، وإحيائها، والسعي في الأرض لتحقيقها. فإتباع رسول الله(ص) منوط لخدمة الله وطاعته. وحاصل الكلام أن اتباعه يحصل محبة الله، ومحبة الله هي غاية المراد والمقصود، لأنها نهاية المقامات، وأنهى الأحوال والغايات، فأي مقام أعلى مقام المحبوب لله ؟!
ولن تتحقق هذه الحكومة بصورة مفاجئة أو دفعة واحدة، ولكن تبعا لما تناله البشرية من تربية وأخلاق. فإن قيل:”الكلام على الشيء، فرع عن تعقله“، فحقيقة هذا الظهور مرتبط بالتمهيد والإستعداد كما جاء في الأية الكريمة: (مَن كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يمْهَدُونَ )[29] أي يسوون المضاجع، وقيل أيضا:
يوطئون لأنفسهم في الآخرة، فراشا ومسكنا وقرارا بالعمل الصالح.[30]
وهذا هو الانتظار الإيجابي: انتظار يعتبر صاحبه ممهدا لحكومة المهدي. فبالعمل الصالح والمجاهدة حيث قال: (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)،[31] رحمة منه لنا، وجود وفضل، ووعدنا بذلك بالهداية والنصر، فقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).[32] كما وردت أخبار تشبِّه المنتظر للمهدي، بالمجاهد في سبيل الله، كالخبر، الذي رواه ابن بابويه القمي بسنده عن أمير المؤمنين عبد السلام:
قال المنتظر لأمرنا، كمتشحط بدمه، في سبيل الله.[33]
كما جاء في الإنجيل:
صوت مناد في البرية: أعدو طريق الرب! واجعلوا سبله مستقيمة!.[34]
ولا حكومة إلا حكومة المهدي التي ستقوم في آخر الزمان لتعيد الحق إلى نصابه والقضاء على الفوضى العارمة التي تجتاح العالم.
فإن عصر الظهور، عصر أخلاقي لا فصل فيه بين العلم والأخلاق، فهو عصر الرفاهية الاقتصادية، وهو عصر الكرامة الإنسانية التي عرفت انتهاكات أخلاقية خطيرة. عصر رعاية حقوق البشر، والرجوع به إلى فطرته وطبيعته التي خلق عليها:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين).[35]
فأصبح واضحا أن الخروج من هذه المشاكل التي تتخبط فيها الإنسانية سواء أكانت اقتصادية أو أخلاقية، إلا بالمخلص "المهدي المنتظر"، وحده الذي يملك أن يعمر الأرض بعد أن خربت، وحكومته حكومة بالغة العدالة والتنمية.
روى المفيد عن سعيد بن جبير قال: إن السنة التي يقوم فيها المهدي(عج)، تمطر الأرض أربعا وعشرين مطرة، ترى آثارها وبركاتها.[36]
وبالتالي فالمهدي سيكون رحمة لهذه الأمم، التي عاشت قرونا من الظلم والفساد، وهو امتداد للرسول الأعظم الذي أرسل رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، فهو يتمثل هذه المعاني، معاني الرحمة والحجة، حجة الله التي يقيم بها الله العدل في الأرض والسماء، وهذا من ثوابت الحق والعدل.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله(ص):
لن تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى في آخرها، والمهدي في وسطها.[37]
فالمجتمع المسلم السليم تأسس من خلال سلوك النبي(ص) وأخلاقه، ولذا فالمهدي منهجه وفكره مستوحى من سيرة النبي وآله، كما قال السيد المسيح:
ما تعليمي من عندي، بل من عند الله الذي أرسلني.[38]
وعن كعب قال: المهدي خاشع لله، كخشوع النسر ينشر جناحه.[39]
وكما ورد في الروايات عن الإمام الصادق(ع) عن كيفية ظهور المهدي:
يصنع ما صنع رسول الله. يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية ويستأنف الإسلام جديدا.
وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي(ص) قال:
هو رجل من عترتي، يقاتل على سنتي، كما قاتلت أنا على الوحي.[40]
و من هنا، نرى في ختام البحث أن أي مشروع فكري أو سياسي، لا يمكن أن يكتب له النجاح إذا لم يكن قائما على أسس تربوية وأخلاقية. يستوي في ذلك المشاريع الدينية، والغير الدينية، وأي مشروع، لا يمكن أن يتحقق على صعيد الواقع، وأن يضمن له إنجاز أهدافه، إلا بقدر ما يملك من عمق في أخلاقياته.
إذا كان هذا شأن هذه المشاريع، فما شأن حكومة المهدي الذي سيغير ما كان، وتحقق العدالة المطلقة، واحترام الكرامة الإنسانية، وتنشر الرحمة والحرية وتتمم الأخلاق... يعني أن يجمع كل شخصيات الرسل في شخصه، وكل رسالات الرسل في رسالته، يتسع مشروعه لكل الحياة وكل الناس، لأنه يحمل الأسس الصحيحة ـ التربوية والأخلاقية ـ يجعل من قيم الأرض قيما سماوية، والذي ينطلق بالإنسان من آفاق الأرض إلى آفاق السماء بامتدادها وشموليتها.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]. آل عمران / 103.
[2]. محمد باقر الصدر، بحث حول المهدي، تحقيق عبد الجبار شرارة، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، مطبعة فروردين، قم، ط.1، 1417/1996، ص.53-54.
[3]. العرف الوردي في أخبار المهدي للجلال السيوطي، تحقيق أبي يعلى البيضاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. 1، 1427 / 2006، ص. 142، الحديث 233. الإمام المهدي في الأحاديث المشتركة بين السنة والشيعة لمحمد أمير الناصري، مركز التحقيقات والدراسات العلمية، المجمع العالمي للتقريب، طهران، ط.1، 1427/2006، ص 70، ح. 165..
[4]. سفر أشعيا، الإصحاح 11، الأعداد 1-9.
[5]. إنجيل لوقا: الإصحاح 21، الأعداد 25 - 28.
[6]. كشف الغمة،ج2، ص470. العرف الوردي في اخبار المهدي، حديث 31، ص.61.
[7]. الشعراء: 1-4.
[8]. تفسير القرآن العظيم لأبي حمزة الثمالي، جمعه عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، دار المفيد، بيروت، ط. 1، 1420 / 2000، ص 255-256. وانظر أيضا "تفسير القرطبي"، ج. 13، ص.89.
[9]. الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير للجلال السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. 1، 1410 / 1990، الحديث 9243.
[10]. الجامع الصغير، ج. 2، ص. 552 – 553، الحديث 9244.
[11]. الجامع الصغير، ج. 1، ص. 386، الحديث 6170.
[12]. البقرة: 124.
[13]. إصحاح 17 إعداد 5-7.
[14]. الزخرف: 28.
[15]. تفسير القرآن العظيم، أبو حمزة الثمالي، ص. 298.
[16]. الجامع الكبير لأبي عيسى الترمذي تحقيق بشار عواد معروف، دارالغرب الإسلامي، بيروت، ط.1996، م.4، ص85. وانظر "العرف الوردي"، ص. 51، 54، الحديثين 11، 18.
[17]. العرف الوردي، ص. 49، الحديث 7.
[18]. اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشعراني، دار صادر، بيروت، ط.1، 1424/2003، ص. 405.
[19]. المصدر السابق، ص 139- 140.
[20]. الإمام المهدي في الأخاديث المشتركة، ص. 260، ح. 561. وانظر أيضا "دائرة المعارف الإسلامية" (النسخة الفرنسية)، ليدن – باريس، 1986، ج. 5، ص. 1223. العرف الوردي، ص. 110، الحديث 151.
[21]. يونس: 35.
[22]. الإمام المهدي، ح. 144، ص.62 -63.
[23]. الإمام المهدي، ح. 142، ص. 62.
[24]. سنن أبي داود، ج. 4، ص. 477، الحديث 4290.
[25]. اليواقيت والجواهر، ص. 405.
[26]. سورة القلم: 4.
[27]. المقاصد الحسنة للسخاوي، تحقيق محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. 3، 1417 / 1996، ص. 131 – 132.
[28]. كمال الدين وتمام النعمة ج2 .ص. 659.
[29] . السورة الروم / 44.
[30]. الجامع مختصر تفسير الطبري بهامش القرآن الكريم، لمروان سوار، دار الفجر الاسلامي دمشق، ط 2، 1412/ 1991، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ضبطه وعلق عليه محمد ابراهيم الحفناوي، دار الحديث، القاهرة، 1423/2002، ج.14، ص 366، وانظر أيضا الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري، دار الفكر، ط.1،1397/1977،ج. 3،ص. 225.
[31]. التوبة: 41.
[32]. العنكبوت: 69.
[33]. كمال الدين وتمام النعمة تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1395، ط.2، ص. 645.
[34]. انجيل متى، الاصحاح 3،الاعداد 1-3.
[35]. التين: 4 – 5.
[36]. الإرشاد في معرفة حجج العباد، مؤسسة انتشاريان محبين، قم، ط .1، 1426/2005، ص. 535. وخرج البزار في ”مسنده“، والطبراني في ”معجمه الأوسط“ و”اللفظ للطبراني“، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي المهدي، إن قصر، فسبع، وإلا فثمان وإلا فتسع، تنعم فيها أمتي نعمة لم ينعموا بمثلها، ترسل السماء عليهم مدرارا، ولا تذخر الأرض شيئا من النبات، والمال كدوس، يقوم الرجل يقول: ”يا مهدي! أعطني!“،” فيقول خذ“.مقدمة ابن خلدون، ص. 321، العرف الوردي، ج. 43، ص. 67.
[37]. العرف الوردي، ص. 74، الحديث 66.
[38]. يوحنا: 7/16.
[39]. العرف الوردي، ص. 104، الحديث 104.
[40]. العرف الوردي ح.147، ص. 107.
إن أوضاع العالم اليوم بلغت حالاً يمكن فيه بوضوح وجرأة تقديم صورة شاملة وواضحة عن حكومة المهدي عليه السلام العالمية وتبيان نظام (الدولة الكريمة) وبرامجها التطبيقية والعملية. وفي الماضي كانت الأجواء ضيقة لبيان كيفية الحكومة المهدوية، ولم يسمح مستوى الوعي والفهم لدى شعوب العالم للتّحدث عن حكومة شاملة بأسلوب علميّ رصين، ولكن مع وقوع الثورة الصناعية وتوالي الاختراعات والاكتشافات، وتقدّم الفكر والعلم، وارتفاع مستوى الوعي والفكر، وتنامي التقنية والمنتجات الصناعية، وتوسّع الاتصالات الإعلامية والمرئية، وتكاثر المعلومات والأخبار، وتقارب المجتمعات والشعوب، وتغلغل الثقافات، وأخيراً العولمة المتنامية لم تتمهّد الارضية لطرح نظريّة (حكومة المهدي عليه السلام العالمية) فحسب، بل تمهّدت الأرضية والاستعداد لـ (ظهور) الإمام عليه السلام أيضاً.
حتمية ثورة المهدي العالمية
من قضايا (المهدوية) الحتمية هي حتمية ثورة المهدي عليه السلام العالمية وظهور منقذ البشرية والمصلح الأعظم ـ إنه الوعد الإلهي الأكيد لشعوب العالم بأن يُسلّم زمام الحكم في مقطع زماني حسّاس إلى النُّخبة من العباد الصالحين، وبها يتم بسط العدالة، الرفاه، العلم، الصحة، الراحة، الاعمار، التوحيد والاحسان على وجه الأرض الوسيعة. لسنا في هذا المقال بصدد تصوير المجتمع العالمي الموعود، بل إننا ـ واستناداً إلى الروايات ـ بصدد إثبات هذا المدّعى، وهو أن (حكومة المهدي عليه السلام ) ستكون عالمية قطعاً، وستتضمن كل الأجهزة والأساليب لإدارة الحكومة العالمية ـ هذه بشارة يمكن أن تطمئن نفوس البشر وتُحيي الأمل بالمستقبل الفاخر.
إثبات نظرية حكومة المهدي الموعود العالمية
إن الصراعات والخصومات والأزمات في العالم ومتطلبات البشرية تؤكـــد يوماً بعد آخر بطلان نظريات وفرضيات (العولمة) ـ بصورتهـا الحالية ـ وسائر النظريات والأفكار السياسية الدنيوية ـ ومع بطلان هذه الآراء والنظريات أو إصلاحها وتجديدها تتوفّر أرضية إثبات نظرية حكومة قائم آل محمد العالمية الجامعة الكاملة، وتسهّل إمكانية استيعاب الفهم البشري والحواضر العلمية والجامعية لهذه النظرية.إذن تكون النظرية الوحيدة الجديرة بالقبول في الساحة العالمية هي نظرية حكومة المهدي عليه السلام العالمية التي تخلو من الاشكال والابهام الذي تتصف به سائر النظريات، وتكون بنفسها أكمل وأدق وأجمع النظريات لإدارة العالم.
الحكمة والفلسفة الأساسية لظهور منقذ البشرية
من الواضح والبديهي أن السبب والفلسفة الأساسية لنهضة المصلح الأكبر والقتال مع الظالمين والمفسدين هو تأسيس (الحكومة العالمية) وتحقيق حاكمية مقتدرة وإلهية. إن البرامج والمناهج التطبيقية والأساسية لهذه الحكومة تكون في طول (الشمولية العالمية) و(التوسع العالمي) تماماً وتشمل كلّ بقاع الأرض، حتى أنه لا توجد بقعة في العالم دون أن تتمتع بآثار وجود هذه الحكومة، وسترحّب البشرية بها بحفاوة، وستنهار مقاومة القوى الظالمية والاستعمارية. هذه الحكومة تمّ تعريفها باسم حكومة العدل والدول الكريمة والحكومة العالمية وحكومة المنقذ العالمي و... وقد أوضحت الروايات خصائصها.
التحقّق الواقعي للمجتمع العالمي الواحد
إن أهداف البشرية وآمالها على مدى التاريخ ـ خاصة في عصر العولمة ـ ستتحقق فقط في الحكومة العالمية للمصلح الأكبر. وليس بإمكان وجدارة أية مؤسسة ومنظمة دولية وقوة عالمية عظمى أن تقوم بإدارة العالم بالنحو المطلوب. إن السلام، الرفاه، الاستقرار، الأمان، إنتشار العلم، العقلانية، إجتثاث الظلم، مكافحة الفساد في العالم، شيوع المكارم والفضائل الخلقية، قبول الدين العالمي الواحد، الثقافة السليمة، المساواة، الاستغناء والغنى، قمة التكنولوجيا والتقنية، والاتصالات العالمية السريعة والواسعة و... يمكن تحققها ووقوعها في (حكومة) واحدة وهي حكومة المهدي عليه السلام العالمية، الحكومة التي تأسّست لهداية الناس وانقاذهم، وبتوعيتهم ستوجد فيهم أرضية التديّن والرضا والقناعة، وسوف تهبهم (المدينة الفاضلة الموعودة) وهكذا ستتحقق بشارة الأديان الإلهية والمذاهب الكبرى كافة بظهور ذلك الإمام فقط.
الدين حلاّل المشكلات والأزمات
إن الطريق الأصيل لحل مشكلات وأزمات العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية يكمن في الحضور الفاعل والواسع لـ (الدين) في الساحة الدولية. إن حكومة الإمام المهدي عليه السلام العالمية أفضل انتخاب لتنمية وازدهار (الدين)، وإن مكارم الأخلاق والفضائل الإنسانية والمساواة واحترام حقوق الإنسان وحمايتها ستنتشر وتشيع في ظل هذه الحكومة.
يقول كاتب مقال (العولمة في المنظار الديني): يجب أن ننظر إلى الدين كطريقة متكاملة للحياة والتي لها جذور في الإيمان بالله سبحانه وتطرح نفسها كنظام عملي أخلاقي على مستوى الأفراد والمجتمع. إن العدالة، المودّة، الرحمة والقيم المحترمة لدى الأديان كافة يجب أن تهدي إلى هذه الطريقة في الحياة. وبما أن هذه القيم عالمية، فعلى الدين ـ كقناة رابطة ـ أن ينقل هذه القيم ويبلّغها بطريقة عالمية وشاملة حقيقية وتطبيقها في المجال الاجتماعي بتلك الطريقة ذاتها. هذا أمر نتوقّعه، وعلى الملتزمين دينياً تطبيقه في القرن الحادي والعشرين والنهوض لمواجهة تهديدات العولمة.(1)
عصر الظهور
إن نهضة وظهور إمام العصر عليه السلام يجب أن يكون في عصر تتوفّر فيه امكانية تطبيق حكومة عالمية شاملة، أو تكون أرضيتها ـ من حيث الاتصالات، المعلومات، الاقتصاد العالمي، الثقافة الشاملة و... متوفّرة على الأقل. ويبدو من الأوضاع الحالية توفر الأجواء والظروف إلى حدٍّما لتحقيق الأهداف العالمية. واضح أن (عصر الظهور) هو عصر العلم والفكر والتقدم والتنمية والاتصالات السريعة والعامة والمعلومات الدقيقة والآنية، و(عصرنا الحاضر) يمكن أن يكون مقدّمة ومظهراً لذلك (الزمن الموعود)، قال سماحة آية الله السيّد الخميني الراحل(قدس سره): (آمل أن يُقبل ذلك اليوم الذي يتحقق فيه الوعد الإلهي الحتمي إن شاء الله، ويُهيمن المستضعفون على الارض. هذا الأمر وعد إلهي لا تخلّف فيه، إلاّ أن ذلك بيد الله أدركنا ذلك أم لا،من الممكن أن تتوفّر العدّة اللازمة في فترة قصيرة وتقرّ عيوننا بجماله عليه السلام ، هذا هو واجبنا في هذا العصر وهو أمر مهم).(2)
عالمية فكرة المهدوية
في العصر الأخير لم تصبح فكرة (الانقاذ) و (انتظار المنقذ المصلح) عالمية ولم تهتم بها أغلب الأديان الكبرى اهتماماً كبيراً فحسب، بل إن فكرة (المهدوية) في طريقها إلى العالمية. وقد أعرب المسلمون في العالم عن اهتمامهم وانجذابهم الشديد ازاءها، وتناولوها في حوارهم الديني وعقائدهم. لبعض المفكّرين من غير المسلمين بحوث وكتابات مختلفة حول (المهدوية) وآثارها وتبعاتها العالمية. على أي حال فإن (فكرة المهدوية الإصلاحية) قد أصبحت عالمية حالياً، وهي ـ وإن غفل عنها المسلمون والمفكّرون حتّى عقودٍ سبقتنا ـ تحظى اليوم بترحيب وحفاوة.
هيكلية النظام السياسي المهدوي
إنّ أهمّ بحث بشأن حكومة المهدي عليه السلام العالمية يتعلّق بهيكلية النظام السياسي المهدوي التي لا مثيل لها، فخلافاً للعولمة ـ التي هي أمر مبهم ومشتّت وغير منسجم وبلا نتائج ـ تمتلك حكومة الإمام المهدي عليه السلام الفاضلة خصائص وهيكلية واحدة منسجمة وفاعلة وذات اقتدار وإدارة كاملة وكفوءة.
وهذه الهيكلية تهتم بأبعاد الحياة البشرية كافة، ووضعت برامج ومنهجاً عملياً في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية كافة، ولم يُغفل في هذه الحكومة عن أيّ بُعدٍ من الأبعاد البشرية، حيث تحظى أدقّ الأمور في الحياة الاجتماعية والفردية في الأرض بالاهتمام وتكون ذات قيمة. وعليه فإن هيكلية النظام السياسي المهدوي عالميّة تماماً وشاملة، وإجراءاتها التنفيذية والإدارية قد نُظّمت على أساس إدارة (الساحات الدولية كافة).
أسس وأهداف حكومة الإمام المهدي عليه السلام العالمية
إن الإيمان بـ(المهدوية) إيمان بسيادة الإحسان والمكارم الإنسانية والعدل ونهاية طيبة للتاريخ واستقرار الحكومة والدين العالمي الواحد و...
إن (فكرة المهدوية) هي المراد الأصيل للمسلمين، وأمل الموحّدين في الوصول إلى (الحكومة العالمية العادلة) وزوال (الظلم والإلحاد والفساد). إن (فكرة المهدوية) فكرة تبعث روح الثورة والتعالي في الأحرار الذين ينتظرون (النهاية الطيبة للتاريخ) بانتصار الصالحين، ويؤمنون بـ(كرامة بني الإنسان وعزّتهم).
إن النقطة الحسّاسة لهذه الفكرة هي زوال حكومات المال والقوّة الدنيوية و تأسيس (حكومة المهدي العالمية الواحدة) الحكومة التي تتأسّس بالامدادات المعنوية ونصرة الصالحين والإرادة القلبية لدى الناس، وبظهور منقذ البشرية يستحدث نهضة شاملة ضد الظالمين.
هذه الحكومة العالمية لها جذورها وأُسسها الخاصة التي أضفت عليها امتيازاً واختصاصاً. وبشأن اسس (حكومة الصالحين) هذه يمكن الاشارة إلى الموارد التالية:
1 ـ إمامة الإمام المعصوم وحتمية حكومته:
إن القاعدة الأساسية لفكرة (المهدوية) و(تأسيس الحكومة العالمية العادلة) هي ضرورة وجود الإمام في المجتمع، وضرورة تأسيس حكومة من قبله لهداية المجتمع الديني وإرشاده وتنظيمه ووضع المنهج له.
ولذا فإن للإمام شؤوناً، ومنها قيادة المجتمع. إنّ الإمامة ـ وتعني القيادة ـ هي أطروحة الشيعة السياسية لإدارة المجتمع، فالشيعة يرون أن الانسان كما يلجأ لـ (الوحي) فإنه يلجأ لـ (الإمام المعصوم)... إذا اعتقدنا أن أهداف الحكومة هي هداية الانسان في جميع أبعاده (الوهم، الحس، الفكر، العقل، القلب والروح) فالواجب هو أن نُقبل على مَن له إحاطة تامّة بها تحرّر من جميع المؤثّرات، وتركيبة الوحي والحرية هي العصمة التي تطرحها الثقافة السياسية الشيعية (الامامة المعصومة)...(3)
2 ـ إن غاية التاريخ ونهايته (فلسفة التاريخ) هي حاكمية الصالحين:
وهذا هو الوعد الإلهي الحتمي لبني الإنسان ـ خاصة المستضعفين والمظلومين والصالحين ـ هذه الحاكمية ستتحقق على يد الإمام وليّ العصر عليه السلام المقتدرة. جديرٌ ذِكره أن تـأسيس الحكومة العالمية العادلة من خصائص إمام العصر، ولم يقم بهذا الأمر أيُّ نبيٍّ أو إمام آخر. يستفاد من بعض الآيات القرآنية والروايات أنّه سيأتي عصر تسود فيه حكومة العدل الإلهي ربوع العالم. وهذه الروايات تعرّف المهدي الموعود عليه السلام صاحب هذه الحكومة كما يقول القرآن الكريم: (أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون)(4) و(نُريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين).(5)
3 ـ ضرورة تأسيس الحكومة العالمية:
إن أوضاع العالم ومعالمه العامة تشير إلى أن خطر الحرب، الفقر، اللامساواة، العنف، الاستغلال، الظلم والفساد والانحراف الشامل تهدّده بنحو شديد، وتقوم الكيانات السياسية المستقلة والمحرّكون الرئيسيون للساحة الدولية بمواقف خطيرة مثيرة للأزمة. هذا الاضطراب والاستقرار وحاجة أفراد الانسان إلى السلام والأمان ـ خاصة في المجتمعات الإسلامية ـ مثّل القاعدة للحكومة الإسلامية العالمية بقيادة المهدي الموعود عليه السلام . (ان الظروف التي يعيشها المجتمع الاسلامي ــ حيث يواجه الخوف واللا إستقرار ـ هي المحور الفكري الأساسي لتأسيس الحكومة العالمية الواحدة والأساس لزوال أيّ اختلاف و... واضمحلال أسباب الحروب المدمّرة، وفي ظل هذه الحكومة ينعم عالم البشرية بالسعادة والعزّة، وتتمتّع شعوب العالم بالنِعم الإلهية والمواهب الطبيعية بنحوٍ مُتساوٍ).(6)
4 ـ الطبيعة والجوهر الواحد لأفراد الإنسان:
بما أن أفراد الإنسان ذوو فطرة وطبيعة واحدة ومبدأ ومنشأ واحد، فلا يمكن أن يكونوا منفصلين عن بعضهم وأعداء بنحوٍ دائم ويخوضون المعارك والخصومات. هذه الطبيعة الواحدة ذاتها يمكن أن تكون قاعدة وأساساً لتأسيس الحكومة العالمية الواحدة. والصاحب الأصيل لهذه الحكومة يجب أن يكون ذلك الشخص الذي يتوفّق للتقريب بين أفراد الإنسان بنحوٍ صحيح ومنزّه عن المصلحة الشخصية، وإنقاذهم من الاختلاف والتفرّق والتشتّت والجدال. وعليه فإن عالمية حكومة الإمام المهدي عليه السلام تتناسب وتتطابق مع طبيعة وفطرة الناس، ولا تعارض مرادهم وما يحبّون.
5 ـ بلوغ وارتقاء أفراد الإنسان:
إن بني الانسان يسعون باستمرار من أجل تكاملهم ورقيّهم وبصدد نيل الكمال والازدهار في أفكارهم، إلاّ أن الكمال والرشد الحقيقيين لا يتمّان إلاّ بتأسيس حكومة السماء وظهور الانسان الكامل و(هادي البشرية) ليتمكّن بإمدادٍ غيبي وقدرة ملكوتية من توجيه حركة أفراد الإنسان وجهودهم، وإيجاد أرضية الرشد والازدهار والتكامل والرقي لديهم، يمكن اعتبار هذا الأساس والعامل أحد القواعد الأساسية لتأسيس حكومة المهدي الموعود عليه السلام العالمية.
6 ـ ضرورة العدالة والقسط الشامل:
يحظى العدل بموقع مهم وأساسي في آراء وأفكار أفراد الإنسان كافة ـ خاصة المفكّرين ـ وقد كانوا دائماً بصدد العثور على منهج عملي يحقّق هذا المطلب والأمل الأصيل، ولكن هذا الأمر لم يتحقّق لحدّ الآن، حيث عاشوا العذاب والصعاب باستمرار نتيجة للظلم والجور وفقدان العدالة. وقد كان 80% من الإمكانات المادية والدنيوية بيد 30% هم الأغنياء والأثرياء. هذه القاعدة تثبت ضرورة الحكومة العالمية العادلة جيداً وبوضوح، وتؤيد صحّة مدّعى الشيعة، وعليه فإن كلّ شيء سيتوفّر لافراد الإنسان استناداً إلى هذه القاعدة وبتأسيس دولة المهدي الكريمة.
7 ـ محورية الدين أو الإنسان المحور:
على أساس القاعدة المذكورة إذا اعتبرنا الدين والعقيدة الإلهية الصحيحة أساساً لأعمالنا وأفكارنا سنصل إلى هذه النتيجة، وهي أن الطريق الوحيد لانتصار التوحيد والدين في العالم هو تأسيس حكومة دينية عالمية واحدة، ويكون منهاجها الأساسي هو سيادة الدين الإلهي على الأرض ومحو الأديان والعقائد البشرية المختلقة والمحرفة. في هذه الحالة سينظّم الإنسان نشاطاته وبرامجه الأساسية على أساس الدين.
بملاحظة هذه القواعد والأُسس يمكن بوضوح تصوير أهداف حكومة المهدي العالمية وفهم أهداف وفكر المصلح السماويّ في ضوء الآيات والروايات.
أهداف حكومة المهدي عليه السلام العالمية
إن أهم أهداف ومقاصد حكومة الإمام المهدي عليه السلام العالمية وأعمقها أصالة والتي تفرق أساساً عن أهداف العولمة والأمركة هي:
1 ـ الارتقاء بالمجتمع البشري إلى الكمال المتوخّى والرشد والازدهار.
2 ـ تحقيق العدالة الاجتماعية وبسط العدل والقسط في أرجاء العالم.
3 ـ إدارة وتنظيم النظام العالمي على أساس الايمان بالله وأحكام الدين الإسلامي.
4ـ ترسيخ وإشاعة السلام والأمن العالمي، والقضاء على الحروب والخصومات والأحقاد والمزايدات والأنانيات.
5 ـ إنقاذ العالم والشعوب من براثن الظالمين والجبابرة والمفسدين، ورفع راية التوحيد والرغبة في الدين على وجه الأرض الوسيعة.
6 ـ إحياء عقيدة التوحيد وتحقيق المساواة الإسلامية.
7 ـ تأسيس الحكومة الإسلامية العالمية والدولة الكريمة.
8 ـ نشر الدين الإسلامي وتحقيق انتصاره على الأديان الباطلة والمحرّفة كافة (ليُظهره على الدين كلّه).
9 ـ البلوغ بالعلم والرشد والازدهار الفكري لدى أفراد الإنسان إلى كماله النهائي.
10 ـ إصلاح شؤون الحياة البشرية والاستخدام الصحيح للمقدّرات والمصادر الطبيعية والمعنوية في العالم.
11 ـ محو التمايز العنصري والطبقي (العالم لكلّ سكان العالم).
خصائص وبرامج حكومة القائم عليه السلام العالمية
على كل حكومة تدّعي قيادة العالم وهدايته أن تقدّم ما يتناسب مع هذه الدعوى من برامج ومناهج ومدى التزامها بها. من المشكلات الأساسية للعولمة هي عدم الاطمئنان والثقة بالبرامج والمناهج المطروحة فيها، وقد أظهرت الامم المتحدة ومسؤولو النظام العالمي والمؤسسات الدولية الأخرى عجزها وعدم أهليّتها لتطبيق هذه البرامج، والحكومات والشركات متعدّدة الجنسيات بصدد الاستثمار وكسب المزيد من الأرباح والمنفعة من هذه الظاهرة. في حين تكون البرامج والمناهج المطروحة في (حكومة العدالة الإسلامية) ذات ضمانات تنفيذية قوية، ويكون قائدها (مديراً صالحاً وعادلاً وواعياً وشجاعاً وعالماً). وتتّجه جميع برامجه باتّجاه توفير السعادة والحياة الأفضل للناس ونيل رضاهم. وفيما يلي مجموعة من خصائص هذه الحكومة العالمية:
أ ـ تأسيس الحكومة العالمية الشاملة
إن حكومة الإمام المهدي عليه السلام ودولته ستكون شاملة وعالمية، وإنّ سلطانه سيمتدّ من الشرق إلى الغرب في العالم، كما يكتب المحدث النوري(ره): (من صفات المهدي عليه السلام وخصائصه أن يمتدّ سلطانه إلى جميع الأرض من الشرق إلى الغرب والبرّ والبحر والمعمورة والخربة والجبل والسهل، ولا يبقى موضع لا يكون حكمه فيه جارياً وأمره نافذاً، والأخبار بهذا الشأن متواترة).
أجل، إن أهمّ خصيصة لحكومة الإمام المهدي العالمية هي خضوع العالم لإدارة فاعلة واحدة، حيث تضمحلّ فيها الآراء الخاصة وحبّ الجاه والاستبداد، وسيتّفق الجميع على طاعة حاكم عالمي مقتدر واحد.
1 ـ رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (ويبلغ سلطانُه المشرق والمغرب).(7)
2 ـ (ولا يكون مُلك إلاّ للإسلام).(8)
3 ـ وعن الإمام الباقر عليه السلام : (إنّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهلُ الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها).(9)
4 ـ وعنه عليه السلام : (إذا قام القائم (بعث) في أقاليم الارض في كلّ إقليم رجلاً...).(10)
5 ـ وعن علي بن الحسين عليه السلام قال:
إذا قام قائمُنا أذهب اللهُ عزّوجل عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزُبر الحديد، وجعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلاً، ويكونون حكّام الأرض وسِنامها).(11)
ب ـ الدين والعقيدة العالمية الواحدة
سيكون الدين الإسلامي هو الدين الأعلى والعقيدة المقبولة لدى الناس في الحكومة العالمية الواحدة، ممّا يدلّ على أن منهج الإمام المهدي عليه السلام يعمّ العالم، وسينتخب الناس الإسلام عن رغبة وانجذاب، ويعتقدون بأنّ نجاتهم وسعادتهم تكون في اتّباعه، وبالتالي ستسود الفضائل الخلقية والمكارم الإنسانية المجتمعات، ويزول الفساد والالحاد واللا تديّن.
1ـ عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام حول انحسار الكفر والإلحاد في العالم وقبول العقيدة الواحدة من قبل الناس: يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلبٍ من الدهر وجهلٍ من الناس، يؤيّده الله بملائكته... ويُظهره على الأرض حتّى يدينوا طوعاً أو كرهاً، يملأ الارض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرضُ البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلا آمن، ولا طالح الاّ صلح، وتصطلح في ملكه السباع..).(12)
2 ـ سُمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (.. حتّى لا تبقى قرية الاّ ويُنادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بُكرة وعشيّاً).(13)
وهذه الروايات تدلّ بوضوح على تحقّق فكرة الدين العالمي الواحد في عصر الظهور وستتحقّق البشارة والوعد الالهي.
ج ـ العدالة العالمية الشاملة
إن (العدالة) ـ العدالة الاقتصادية والقضائية والأخلاقية والسياسية ـ من الغايات والمقاصد والآمال التي أولاها بنو آدم اهتمامهم على مدى التاريخ واحتاجوا اليها في مجالات الحياة الاجتماعية كافّة. هذه الحاجة الانسانية الدائمة ستتحقّق في (الحكومة المهدوية العالمية)، وهكذا (العدالة) بظهور (المنقذ الموعود) فقط، وسيكون العدل والقسط والمساواة الظاهرة الأُولى لحكومته عليه السلام .
1 ـ في رواية شهيرة يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أحوال الأرض بعد ظهور الإمام ولي العصر عليه السلام : (فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً).(14)
2 ـ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (يسعهم عدلُه)(15).
3 ـ وعن الإمام الصادق عليه السلام :
(أما والله ليدخلنّ عليهم عدلُه جوفَ بُيوتهم كما يدخل الحرُّ والقرّ).(16)
4 ـ (إذا قام قائمُنا فإنّه يقسم بالسويّة ويعدل في خلق الرحمن، البرّ منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله).(17)
5 ـ وعن الامام الرضا عليه السلام :
(فإذا خرج أشرقت الأرضُ بنور ربّها، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً).(18)
د ـ الأمن والسلام العالمي
إن الأمن والسلام الواقعي والاستقرار ـ وهي الجوهرة النادرة في حياة بني الانسان ـ من الخصائص العالمية والشاملة لإمام العصر عليه السلام ، حيث يزول الخوف في ذلك العصر ويأمن الافراد على أنفسهم وأموالهم وكرامتهم، ويسود الأمن ربوع العالم، ويجتث الكبت والاستبداد والاستكبار والاستضعاف ـ وجميعها من آثار الحكومات غير الإلهية ـ من العالم وتندثر حكومة الطغاة ـ مهما كانت صورتها وعنوانها ـ والمستفاد من الروايات والأخبار.
1ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام حول اختفاء الأحقاد والعداوات:
(ولو قد قام قائمُنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الارض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد).(19)
2 ـ وعنه عليه السلام أيضاً:
(ولو قد قام قائمُنا... لذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام... لا يهيجها سبع..).(20)
هـ ـ الأمة العالمية الواحدة
في الظروف التي يعيشها العالم يعتبر التضامن والاتّحاد بين أفراد الانسان وتقارب رؤاهم وأفكارهم وآمالهم مقصداً وأملاً بعيداً عن التناول، ولكن بظهور المصلح الأعظم وارتقاء رؤية الناس ووعيهم، واختفاء (الانا) والأنانية سيوجد تضامن واتّحاد راسخ بين أفراد الانسان. حينما تتكون الأمة العالمية الواحدة ستختفي الاختلافات والأحقاد والخصومات والاعتداءات و... كلها، وسيتّخذ الجميع ـ متّحدين قلباً وقالباً ـ ذلك الإمام قائداً. وحينما يظهر الإمام المهدي عليه السلام يتوجّه الخطاب والنداء إلى جميع سكان الأرض ويدعون إلى طاعته عليه السلام .
و ـ التقدّم والرفاه العالمي
سيكون الاقتصاد والحياة العامة في أبهى صورة في الدولة الكريمة للمهدي الموعود عليه السلام ، وستنظّم الشؤون الاقتصادية والمالية للناس. في ذلك العصر تتكاثر النعم الإلهية، وتضبط المياه، وتكون الأرض خصبة، وتظهر المعادن، ولا يبقى أي فقير كي يستلم إعانة مالية من بيت المال..
وسيؤدي الازدهار الاقتصادي إلى تمتع الجميع ببركات حكومته وآثارها، وسيختفي الوجه القبيح للفقر واللا مساواة والفساد المالي و... من العالم.
1 ـ روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (وبه يفرّج الله عن الأمّة).(21)
2 ـ رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (... ويقسم المال بالسويّة).(22)
3 ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
(تتنعّم أمّتي في زمن المهدي عليه السلام نعمة لم يتنعّموا مثلها قط).(23)
ز ـ كمال العلم والعقل
من الغايات البشرية الأخرى: الوصول إلى قمّة الكمال العلمي والعقلي، الأمر المهم الذي لا يتحقّق إلا في الحكومة المهدوية. إن العلم البشري سيصل الى حدّه النهائي والكامل، وستُفتح للبشرية أبواب الحكمة والعلوم. يكتب العالم المفكّر السيد جعفر كشفي: (اعلم أنّ عصر ظهور ذلك الإمام عليه السلام ـ وهو عصر ظهور دولة الحق الثانية ـ هو عصر ظهور العقل وغلبته من حيث الباطن، وهو مقام الولاية وبمثابة الروح بالنسبة للروح الظاهرية وهو مقام النبوة).(24)
في ذلك العصر لا تبقى قضية مجهولة تأبى الحلّ، وسيسمو مستوى الوعي والعلم والفكر لدى الناس، وستتضاعف قدراتهم العقلية، وستصل الاختراعات والاكتشافات والاتّصالات والتقنية كمالها النهائي، وسيعيش أهل ذلك العصر في أحب الأزمان وأفضلها.
1 ـ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت أحلامهم).(25)
2 ـ وعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (الذي يملأ الله عزوجل به الارض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جَورها، وعلماً بعد جهلها).(26)
3 ـ وعن أبي جعفر عليه السلام : (.. وتؤتون الحكمة في زمانه، حتّى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).(27)
ح ـ التنمية والإعمار
من العلوم الجديرة بالاهتمام في (العلوم السياسية) هو التنمية والإعمار، وهذا العلم بصدد تقويم مناهج التنمية والتقدّم في البلدان المختلفة والعالم الثالث والتي ليس لها نتائج وآثار جديرة بالاهتمام. من البرامج والمناهج المهتمة في حكومة المهدي عليه السلام العالمية هو الإحياء والإعمار والتغيير في الكثير من الأمور الاقتصادية والثقافية والسياسية في العالم.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إذا خرج (القائم) يقوم بأمرٍ جديد وكتابٍ جديد وسنّة جديدة وقضاءٍ جديد...).(28)
والكتاب الجديد لا يعني الإتيان بقرآن جديد، بل أن الإمام سيطبّق الأهداف والبرامج القرآنية الأصيلة، وسيقدّم التفسير الحقيقي لآياته.
1 ـ وقد ذكر الإمام الصادق عليه السلام إجابة عن سؤال أحد الأصحاب عن سيرة المهدي عليه السلام .
أنه يفعل ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيُبطل المناهج السابقة (غير الصحيحة) كما أبطل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجاهلية وأحيا الإسلام.
2 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام : (واللهِ لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد).(29)
ط ـ الرضا والارتياح العام
من الخصائص المهمة للحكومة المهدوية هو توفير الشعور بالارتياح والرضا لدى سكان الارض والسماء، وبما أن حكومته تكون حكومة العدالة العامة المحاربة للفقر والناشرة للعلم والموفّرة للرفاه والمكافحة للظلم والمحبّة للناس، سيكون الجميع راضين عنها وسيعيشون الاستقرار والأفراح. جاء في الروايات0
الهوامش
(1) نكاه حوزه ـ العدد 61/ ص13.
(2) صحيفة النور ـ ج11 ص 154.
(3) مجلة الإنتظار الفارسية ـ العدد 1 ص 58 و 59.
(4) الانبياء: 105.
(5) القصص: 5.
(6) اسس الحكومة الاسلامية ـ جعفر سبحاني/ ص 370.
(7) كشف الغمة/ ج3 ص 297 (رواية عن الإمام الباقر عليه السلام ) وكمال الدين/ ج1 ص 231.
(8) الملاحم والفتن/ ص 66.
(9) الغيبة ـ الشيخ الطوسي/ ص 283، بحار الانوار/ ج52 ص 291.
(10) بحار الانوار/ ج52 ص 365، الغيبة ـ النعماني/ ص 73.
(11) المصدر السابق/ ج52 ص 327.
(12) بحار الأنوار/ ج52 ص 280.
(13) مجمع البيان/ ذيل الآية: 9 (سورة الصف)، بحار الانوار/ ج51 ص 60.
(14) المصدر السابق / ج 36 ص 316، كمال الدين/ ج1 ص 157.
(15) المصدر السابق ج 51/ ص 75.
(16) بحار الانوار/ ج52 ص 362.
(17) الغيبة ـ النعماني/ ص 124، بحار الانوار ج51 ص 29، منتخب الاثر ص 310.
(18) بحار الانوار/ ج52 ص 321، كمال الدين/ ج3 ص 372.
(19) بحار الانوار/ ج53 ص 316.
(20) المصدر السابق/ ج10 ص 104.
(21) بحار الانوار/ ج51 ص 76، الغيبة ـ الشيخ الطوسي/ ص 114.
(22) بحار الانوار/ ج51 ص 84.
(23) بحار الانوار/ ج51 ص 96، منتخب الاثر ص 473.
(24) تحفة الملوك/ ج1 ص 78.
(25) منتخب الاثر/ ص 283، اصول الكافي/ ج1 ص 19، بحار الانوار/ ج52 ص 328.
(26) بحار الأنوار/ ج36 ص 253.
(27) المصدر السابق/ ج52 ص 352، الغيبة ـ النعماني/ ص 239.
(28) اثبات الهداة/ ج 7 ص 83، الغيبة ـ النعماني/ ص 253.
(29) بحار الانوار/ ص 53 ص 95.
source : http://www.mahdawiat.com/arabic/pages/news.php?nid=669