كان الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في زمانه وحيد عصره في الإجابة على الأسئلة العقائدية المعقّدة ، ولا سيّما ما تعرّضت له الأُمّة الإسلامية من تيّارات فكرية مستوردة ، أو دخيلة تحاول زعزعة كيان العقيدة الخالصة ، كمباحث القضاء والقدر ، والجبر والاختيار التي ظهرت بوادرها في حياة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأخذت بالنمو والانتشار بحيث شكّلت ظاهرة فكرية تستدعي الانتباه وتتطلّب العلاج .
وبرز الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على الصعيد العلمي بروزاً جعله مناراً يشار إليه ، وآمن به المسلمون جميعاً حتّى قال الزهري عنه : ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه .
وقد اعترف بهذه الحقيقة حكّام عصر الإمام من خلفاء بني أُمية ـ وهم لا يعترفون بالفضل لمن يطاولهم في الخلافة والسلطان ـ حتّى قال عبد الملك بن مروان للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : ولقد أُوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلاّ من مضى من سلفك ، ووصفه عمر بن عبد العزيز : بأنّه سراج الدنيا وجمال الإسلام .
وممّا ورد عنه في القضاء والقدر أنّ رجلاً سأله : جعلني الله فداك ، أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل ؟
فأجابه ( عليه السلام ) : ( إنّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد ، فالروح بغير جسد لا تحسّ ، والجسد بغير روح صورة لا حراك بها ، فإذا اجتمعا قويا وصلحا ، كذلك العمل والقدر ، فلو لم يكن القدر واقعاً على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق ، وكان القدر شيئاً لا يحسّ ، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتمّ ولكنّهما باجتماعهما ، ولله فيه العون لعباده الصالحين ) .
ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( ألا إنّ من أَجور الناس من رأى جوره عدلاً وعدل المهتدي جوراً ، ألا إنّ للعبد أربعة أعين : عينان يبصر بهما أمر آخرته ، وعينان يبصر بهما أمر دنياه ، فإذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً فتح له العينين اللّتين في قلبه فأبصر بهما العيب ، وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه ) ، ثمّ التفت إلى السائل عن القدر فقال : ( هذا منه ، هذا منه ) .
وقال ( عليه السلام ) في بيان استحالة أن يوصف الله تعالى بالمحدودية التي هي من صفات الممكن : ( لا يوصف الله تعالى بالمحدودية ، عظم الله ربّنا عن الصفة ، وكيف يوصف بمحدودية من لا يُحَدّ ، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) .
الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ينصّ على الأئمّة من بعده ويبشّر بالمهدي ( عليه السلام ) :
1ـ روى ( عليه السلام ) عن جابر بن عبد الله الأنصاري حديثاً طويلاً جاء فيه : ( أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أشار إلى سبطه الحسين ( عليه السلام ) قائلاً لجابر : ( ومن ذرّية هذا رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً ... ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) عن المهدي ( عليه السلام ) : ( إنّ الإسلام قد يُظهِرهُ الله على جميع الأديان عند قيام القائم ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( إذا قام القائم ، أذهب الله عن كلّ مؤمن العاهة وردّ إليه قُوَّتَه ) .
4ـ ذكر ( عليه السلام ) : ( أنّ سنن الأنبياء تجري في القائم من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) : فمن آدم ونوح ( عليهما السلام ) طول العمر ، ومن إبراهيم ( عليه السلام ) خفاء الولادة واعتزال الناس ، ومن موسى ( عليه السلام ) الخوف والغَيْبة ، ومن عيسى ( عليه السلام ) اختلاف الناس فيه ، ومن أيّوب ( عليه السلام ) الفَرَج بَعد البلوى ، ومن محمّد ( صلى الله عليه وآله ) الخروج بالسيف ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) عن خفاء ولادته على الناس : ( القائم منّا تخفى ولادته على الناس حتّى يقولوا : لم يولَد بَعد ، ليخرجَ حينَ يخرج وليس لأحد في عنقهِ بيعة ) .
6ـ عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على سيّدي علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) فقلت له : يا بن رسول الله ! أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودّتهم ، وأوجب على خلقه الإقتداء بهم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقال لي ( عليه السلام ) : ( يا كنكر ! إنّ أُولي الأمر الذين جعلهم الله أئمّة الناس وأوجب عليهم طاعتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثمّ انتهى الأمر إلينا ) ، ثمّ سكت .
فقلت له : يا سيّدي ! روي لنا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال : ( لا تخلو الأرض من حجّة لله على عباده ) ، فمن الحجّة والإمام بعدك ؟
قال ( عليه السلام ) : ( ابني محمّد ، واسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقراً ، هو الحجّة والإمام بعدي ، ومن بعد محمّد ابنه جعفر اسمه عند أهل السماء الصادق ) .
فقلت له : يا سيّدي فكيف صار اسمه : الصادق وكلّكم صادقون ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( حدّثني أبي عن أبيه أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه الصادق ، فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه ، فهو عند الله ( جعفر الكذّاب ) المفتري على الله ، المدّعي لما ليس له بأهل ، المخالف على أبيه ، والحاسد لأخيه ، ذلك الذي يكشف سرّ الله عند غيبة ولي الله ) .
ثمّ بكى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) بكاءً شديداً ، ثمّ قال : ( كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله ، والمغيّب في حفظ الله ، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته ، وحرصاً على قتله إن ظفر به ، طمعاً في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه ) .
قال أبو خالد : فقلت له : يا بن رسول الله وإنّ ذلك لكائن ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( أي وربّي إنّه المكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله )) .
قال أبو خالد : فقلت : يا بن رسول الله ثمّ يكون ماذا ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ثمّ تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأئمّة بعده ، يا أبا خالد ! إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كلّ زمان ، لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف ، أُولئك المخلصون حقّاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( انتظار الفرج من أعظم الفرج ) .
source : http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=58522