عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

مصادر علم الائمة من اهل البيت عليهم السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
س: علم الأئمة المعصومين (ليهم السلام) هل هو موروث عن النبي (ص) أو من عالم الذرّ أو ينزل عليهم بطريق الإلهام؟

الجواب:
مصادر العلم عند الأئمة من أهل البيت (ع) متنوعة وقد تصدَّت الكثير من الروايات لبيانها ويمكن إجمالها فيما يلي:

المصدر الأول: 
هو ما تلَّقاه الأئمة (ع) بواسطة الرسول الأعظم (ص)، وهو المعبَّر عنه في الروايات بالعلم الموروث، وهو يشمل العلم بالكتاب المجيد كلِّه والذي هو تبيان لكل شيء، والعلم بالسنَّة الشريفة بتمام تفاصيلها ودقائقها، والعلوم التي أنزلها الله عز وجل على أنبيائه من لدن آدم (ع) إلى نبيِّنا الكريم (ص)، فقد جُمعت في قلب رسول الله (ص) وعلَّمها رسولُ الله (ص) وصيَّة عليَّ بن أبي طالب (ع).

وقد دلََّت على ما أجملناه الكثير من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

منها: ما ورد عن أبي جعفر (ع) \"أن الله جمع لمحمد (ص) سنن النبيين من آدم وهلم جَّرا إلى محمد (ص)، قيل له وما تلك السنن؟ قال (ع): علم النبيين بأسره، وإنَّ رسول الله (ص) صيَّر ذلك كلَّه عند أمير المؤمنين (ع)\".
ومنها: ما ورد عن المفضَّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (ع): \"إنَّ سليمان ورث داود وإنَّ محمداً ورث سليمان، وإنَّا ورثنا محمداً (ص)، وإنَّ عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وتبيانُ ما في الألواح...\".
ومنها: ما ورد عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: \"والله إنِّي لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنَّه في كفِّي، فيه خبر السماء وخبر
الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن\"، قال الله عز وجل: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ النحل/89.
ومنها: ما ورد عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (ع) قال: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ النمل/40 ففرَّج أبو عبد الله (ع) بين أصابعه فوضعها في صدره ثم قال: وعندنا والله علمُ الكتاب كلِّه.
ومنها: ما ورد عن أبي عبد الله بن جندب أنه كتب إليه الرضا (ع): أما بعد: \"فإنَّ محمداً كان أمين الله في خلقه فلما قُبض كنَّا أهل البيت ورثته، فنحن أُمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والخفايا... ونحن أولى الناس بكتاب الله..\".

والروايات في هذا المعنى مستفيضة وما ذكرناه إنما هو لغرض الاستئناس والتيمُّن.
ثم إنَّ وسيلة تلقِّي هذه العلوم عن الرسول الكريم (ص) تارة يكون بواسطة التعليم بالمشافهة وقد يُملي رسول الله (ص) على عليٍّ (ع) العلم فيكتبه، فكان فيما أملاه عليه كتب الأنبياء السابقين كما أُنزلت وأملى عليه الصحيفة التي كان طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (ص) وقد ورد فيها كلُّ ما جاء به الرسول الكريم (ص) من الحلال والحرام حتى أرش الخدش.

وقد تلقى الأئمة (ع) ما علَّمه رسولُ الله (ص) عليًا (ع) وما أملاه عليه إمامًا بعد إمام، وجميع ما كان قد كتبه عليُّ ابن أبي طالب (ع) هو الآن عند صاحب الأمر عجّل الله فرجه الشريف، وعلى كل ما ذكرناه وردت الروايات المستفيضة عن أهل البيت (ع): 

منها: ما ورد بسندٍ معتبر عن ابي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال قلت: \"جعلت فداك إنَّ شيعتك يتحدثون أن رسول الله (ص) علَّم عليًا (ع) بابًا من العلم يُفتح له منه ألف باب؟ قال: فقال (ع): يا أبا محمد علَّم رسول الله (ص) عليًا ألف باب من العلمُ يفتح من كلِّ باب ألفُ باب، قلت هذا والله العلم، قال: فنكت ساعةً في الأرض ثم قال (ع) إنَّه العلم وما هو بذاك، قال: ثم قال (ع): يا أبا محمد وإنَّ عندنا الجامعة وما يُدريهم ما الجامعة، قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعًا بذراع رسول الله (ص) وإملائه من فلْقِ فيه وخطِّ عليٍّ بيمينه، فيها كلُّ حلال وحرام وكلُّ شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليَّ فقال تأذن لي يا أبا محمد، فقلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، فغمزني بيده فقال (ع): حتى أرش هذا -كأنه مغضب- قال: قلت: هذا والله العلم، قال (ع): إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال (ع): وإنَّ عندنا الجفر، وما يُدريهم ما الجفر، قال: قلتُ وما الجفر؟
قال (ع): وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم الأنبياء الذين مضوا من بني إسرائيل..\".

ومنها: ما ورد بسند معتبر عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: \"إنَّ عندنا الجفر الأبيض، قال: فقلت: فأيُّ شيء فيه قال (ع): زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصُحُف إبراهيم، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة ما أزعم أنَّ فيه قرآنًا..\".
ومنها: ما ورد بسندٍ معتبر عن أبي رئاب عن أبي عبيدة قال: \"سأل أبا عبد الله (ع) بعضُ أصحابنا عن الجفر قال: هو جلد ثور مملوءٌ علمًا، قال له: فالجامعة؟ قال (ع): فيها كلّ ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش\".

المصدر الثاني:
 من مصادر علم أئمة أهل البيت (ع) هو مصحف فاطمة (ع) وهو كتاب بحجم القرآن ثلاث مرّات، إلا أنَّه ليس قرآنًا.

ومنشأ تسميته بمصحف فاطمة (ع) هو أنَّ مضامين هذا الكتاب كان قد تلقَّته فاطمة (ع) بواسطة الملَك الذي يُحدِّثها، فهو إذن من حديث الملَك وخطِّ علي (ع).
وقد ورد في ذلك روايات مستفيضة، وفيها ما هو معتبر سندًا.
منها: ما ورد بسندٍ معتبر عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: قال الإمام الصادق (ع): \"وإنَّ عندنا لمصحف فاطمة (ع)، وما يُدريهم ما مصحفٌ فاطمة (ع)، قال: قلت: وما مصحف فاطمة (ع)، قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم..\".
ومنها: ما ورد بسندٍ معتبر عن أبي رئاب عن أبي عبيدة: سأل أصحابنا أبا عبد الله (ع)... فمصحف فاطمة؟ قال فسكت طويلاً ثمَّ قال (ع): \"إنَّكم لتبحثون عمَّا تُريدون وعَّما لا تُريدون، إنَّ فاطمة (ع) مكثت بعد رسول الله خمسة وسبعين يومًا، وكان قد دخلها حزنٌ شديد على أبيها، وكان جبرئيلُ يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها ويطيِّب نفسها، ويُخبرها عن أبيها ومكانه ويُخبرها بما يكون بعدها في ذريَّتها، وكان عليٌّ (ع) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (ع)\".

وثمَّة روايات أفادت أنَّ مصحف فاطمة كان بإملاء رسول الله (ص) وخطِّ علي (ع).
منها: ما ورد عن أبان بن عثمان عن علي بن الحسين عن أبي عبد الله (ع) قال: \"إنَّ عبد الله بن الحسن يزعم أنَّه ليس عنده من العلم إلا ما عند الناس، فقال (ع): صدق والله عبد الله بن الحسن ما عنده من العلم إلا ما عند الناس، ولكن عندنا والله الجامعة، فيها الحلال والحرام، وعندنا الجفر، أيدري عبدُ الله بن الحسن ما الجفر؟ مسك بعير أو مسك شاة؟ وعندنا مصحف فاطمة (ع)، أما والله ما فيه حرفٌ من القرآن ولكنَّه إملاء رسول الله (ص) وخطِّ علي (ع)، كيف يصنع عبد الله إذا جاء الناس من كلِّ أفق يسألونه..\".
ومنها: ما ورد عن حمَّاد بن عثمان عن علي بن سعيد \"... فقال أبو عبد الله (ع): وعندنا مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله، وإنَّه لإملاء رسول الله (ص) وخطَّه عليٌّ (ع) بيده...\" .

وورد في بعض الروايات أنَّه مشتمل على وصيّة فاطمة (ع)، ولعلَّ وجه الجمع بين هذه الروايات هو أنَّ مصحف فاطمة (ع) كان مشتملاً على ما أملاه رسول الله (ص) وكتبه علي (ع) وما أملاه الملك وكتبه علي (ع)، وما أوصت به السيِدة فاطمة (ع) فليس في الروايات أيَّ تنافٍ.

ثم إنَّ الاستيحاش من تحديث الملَك للسيدة فاطمة (ع) بتوهُّم أن ذلك من مختصات النبوة ينتفي بمجرد الالتفات إلى ما أفاده القرآن الكريم من أن الملائكة كانت تُحدِّث السيدة مريم (ع) وإنَّها قد حدَّثت السيدة سارة زوجة إبراهيم الخليل (ع).

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران/42.
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ آل عمران/45.
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ مريم/16-19.

فهذه الآيات المباركات تعبِّر أبلغ تعبير عن أن الملائكة كانت تُحدِّث السيدة مريم (ع) وتُخبرها عن أمور هي في مكنون الغيب، فلم يكن عدم نبوَّتها مانعاً من تحديث الملائكة لها كما أنه لم يكن مانعا من تحديث الملائكة لزوجة إبراهيم الخليل (ع).

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا... وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ هود/69-73.

المصدر الثالث: 
من مصادر علم الأئمة (ع) هو تحديث الملائكة لهم، وقد نصَّت على ذلك روايات مستفيضة وفيها ما هو معتبر سنداً.
منها: ما ورد بسندٍ معتبر عن محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: الأئمة علماء صادقون محدَّثون.
ومنها: ما ورد بسند معتبر عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر (ع): \"إن عليَّاً كان محدَّثاً، فخرجت إلى أصحابي فقلتُ: جئتكم بعجيبة، فقالوا: وما هي؟ فقلت: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: كان عليٌّ محدَّثاً، فقالوا: ما صنعت شيئاً، ألا سألته من كان يُحدِّثه، فرجعت إليه فقلت: إنِّي حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا: ما صنعت شيئاً ألا سألته من كان يُحدِّثه؟ فقال لي: يُحدِّثه ملَك، قلت: تقول إنَّه نبي؟ فحرك يده -هكذا- أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو ذي القرنين، أو ما بلغكم أنه (ص) قال: وفيكم مثله\".

والمراد من صاحب سليمان هو مَن وصفه القرآن بقوله: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ النمل/40.
والمراد من قوله صاحب موسى (ع) هو مَن وصفه القرآن في سورة الكهف : ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ الكهف/65-66.
والمراد من ذي القرنين هو مَن ذكره القرآن في سورة الكهف بقوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ الكهف/83-84.

فهؤلاء الثلاثة لم يكونوا أنبياء ولكنَّ الله تعالى منحهم من فضله وعلمه ورحمته وقدرته فتأهلوا لمقامات سامية وقد أفاد الرسول الكريم (ص)، إنَّ في الأمة أمثالهم.
ومنها: ما ورد بسند معتبر عن عبيد بن زرارة قال: أرسل أبو جعفر إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليه وعليهم السلام مُحدَّثون.
ومنها: ما ورد بسندٍ معتبر عن علي السائي عن أبي الحسن الأول موسى (ع) قال: قال (ع): \"مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماضٍ وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسَّر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا\".

والمراد من الماضي هي الأمور التي وقعت فيما مضى من الزمان، والمراد من الغابر هي الأمور الحاضرة الباقية، حيث أن الغابر يُطلق ويُراد منه الأمور الماضية كما يُطلق ويُراد منه الأمور الباقية كما أفاد ذلك أهل اللغة، ولأن الأمور الماضية قد أشير إليها في الفقرة الأولى لذلك يتعيَّن المراد من الغابر في المعنى الثاني.
والمراد من النقر في الأسماع هو تحديث الملائكة، وحيث أنَّ ذلك قد يُوهم إدِّعاء النبوة لهذا نفى الإمام (ع) هذا الوهم المقدَّر بقوله \"ولا نبي بعد نبينا\".

وقد ورد تفسير النقر في الأسماع بتحديث الملائكة في روايةٍ أخرى عن المفضَّل بن عمر قال قلت: لأبي الحسن (ع) روينا عن أبي عبد الله (ع) إنَّ علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع فقال (ع): \"أما الغابر فما تقدم من علمنا، وأما المزبور فما يأتينا، وأما النكت في القلوب فإلهام وأما النقر في الأسماع فأمر الملَك\".

المصدر الرابع: 
من مصادر علم الأئمة (ع) هو الروح، وقد عرَّفته الروايات بأنَّه خلْقٌ من خَلْقِ الله تعالى كان مع النبي (ص) ثم هو مع الأئمة من بعده إمامًا بعد إمام، وبه يقف النبي (ص) والأئمة على كثير من المعارف الإلهية، وبواسطته يكون التسديد والعصمة.
وليس بوسعنا إدراك حقيقة وكنه هذه الروح، فإنه أمر مستصعب، فلا نتعدى مقدار ما أفادته الروايات والتي هي روايات كثيرة تفوق حدَّ الاستفاضة:

منها: ما ورد بسندٍ معتبر عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله تعالى تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ الشورى/52، قال (ع): \"خلقٌ من خلْقِ الله عزَّ وجل أعظمُ من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول الله (ص) يُخبره ويُسدِّده، وهو مع الأئمة من بعده\".
ومنها: ما ورد بسندٍ معتبر عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزَّ وجل ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ الإسراء/85 قال (ع): \"خلْقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل، مع رسول الله (ص) وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت\".
ومنها: ما ورد بسندٍ معتبر عن أبي أيوب الخزَّار عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ الإسراء/85 قال (ع): \"خلْقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحدٍ ممن مضى غير محمد (ص) وهو مع الأئمة يُسدِّدهم، وليس كل ما طُلب وُجد\".
ومنها: ما ورد بسند عن أبان بن تغلب قال: الروح خلْقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله (ص) يُخبره ويُسدِّده وهو مع الأئمة من بعده.
ومنها: ما ورد بسندٍ معتبر عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في قول الله تعالى عز وجل ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا﴾ فقال أبو جعفر (ع) منذ أنزل الله تعالى ذلك الروح على نبيِّه ما صعد إلى السماء وإنَّه لفينا.

المصدر الخامس:
من مصادر علم الأئمة من أهل البيت (ع) هو ما يُعبَّر عنه بالإلهام وعرَّفوه بإلقاء المعاني والحقائق والمعارف في القلب بطريق الفيض الإلهي أي بلا اكتساب، وهذا الطريق هو المعبَّر عنه في الروايات بالقذف والنكت في القلوب.

وقد فُسِّر المراد من الوحي في قوله تعالى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ الشورى/52 بالإلهام والفيض الإلهي، فعرفت به أنَّ ابنها موسى سيردُّه الله إليها وإنَّه سوف يكون من المرسلين، وتلك من الحقائق المودعة في مكنون الغيب، ولم تكن أمُّ موسى من الأنبياء، ورغم ذلك أُلهِمت هذه الحقيقة الغيبيَّة.

وكيف كان فالروايات التي أفادت أنَّ الإلهام واحد من وسائل المعرفة عند أئمة أهل البيت كثيرة تفوق حدَّ الاستفاضة.
منها : ما نقلناه في المصدر الثالث بسندٍ معتبر عن علي السائي عن أبي الحسن (ع).
ومنها: ما ورد مسنداً إلى يحيى المدائني عن أبي عبد الله (ع) قال: قلتُ: أخبرني عن الإمام إذا سئل كيف يجيب؟ \"فقال (ع): إلهام وسماع وربما كانا جميعاً\".
ومنها: ما ورد مسنداً إلى عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (ع) علمُ عالمكم أسماع أو إلهام؟ قال (ع): \"يكون سماعاً ويكون إلهاماًً ويكونان جميعاً\".
ومنها: ما ورد بسند عن الحارث بن المغيرة النضري قال: قلت لأبي عبد الله (ع) ما علم عالمكم؟ جملة يقذف في قلبه أو ينكت في أذنه؟ فقال (ع): وحيٌّ كوحي أم موسى).
ومنها: ما رواه الصدوق بسنده إلى عبد العزيز بن مسلم في حديث طويل حول صفات الإمام عن الرضا (ع) ورواه الكليني والنعماني والطبرسي وغيرهم.

وقد ورد فيه: \"... أنَّ الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يُوفِّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان... وإنَّ العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة و ألهمه العلم إلهاماً، فلم يعيّ بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيَّد، موفَّقٌ مُسدَّد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه الله تعالى بذلك ليكون حجَّته على عباده وشاهدَه على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم\".

والحمد لله رب العالمين

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)
عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه ...
عليٌ لا يحبّه منافق
سيرة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)

 
user comment