عن رسول اللّه صلى الله علیه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى کثرة صلاتهم وصومهم وکثرة الحج والمعروف وطنطنتهم باللیل، ولکن انظروا إلى صدق الحدیث وأداء الأمانة".
للحدیث غایات وأهداف وآداب. فالتفاهم بین الناس حاجة اجتماعیة مستمرة وتتعدد أغراض الإنسان من الحدیث بتعدد الحاجات والمشاعر الإنسانیة، ویکثر حدیث الإنسان بکثرة علاقاته، حیث یلاحظ أن أکثر الأشیاء صدوراً من الإنسان هو الکلام، سیما وأنه طریق لمعظم النشاطات التی یؤدیها المرء...
لذا فإنه لا عجب أن تولیه الشریعة عنایة فائقة فی أحکامها وآدابها.
أما الأمور التی ینبغی على المتحدث مراعاتها فی حدیثه:
ترک المراء
المراء هو الجدال الذی لا یکون هدفه الوصول إلى الحقیقة بل إظهار النفس وإثبات الرأی وله آثار سیئة فی الدنیا والآخرة وقد أکدت الروایات الکثیرة عن النبی وأهل بیته علیهم الصلاة والسلام على عدم الدخول فی المراء حتى ولو کان الشخص على حق.
فعن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم:
(أورع الناس من ترک المراء وإن کان محقّاً)(1).
وقد وصف أمیر المؤمنین علیه السلام صاحب المراء بأوصاف ذمیمة.
ففی الحدیث عنه علیه السلام:
(فأما صاحب المراء والجهل تراه مؤذیا مماریا للرجال فی أندیة المقال وقد تسربل بالتخشع وتخلى عن الورع)(2).
ومن آثار المراء اللا أخلاقیة أنه یغذی حب الذات والأنانیة فی الإنسان المؤمن فما معنى أن یناقش الإنسان إنسانا لا یتقبل الحق ولا یأخذ بالحقیقة إلا حب إثبات جدارة النفس وأهلیتها وإظهار الغلبة على الآخرین وغیر ذلک من الأمور الشیطانیة التی یتحین إبلیس الفرص للنیل من إیمان المؤمن والدخول إلى قلبه من خلالها.
الغیبة والبهتان
من أخطر الأمراض الموجودة فی المجتمعات مرض التلهی بأخبار الناس وذکر عیوبهم والتسابق فی فضح کل مستور فی المجالس، وکأن المجلس لا یکون عامراً بدون ذکر عیوب الناس والقدح بهم وتناقل الأخبار السیئة فی غیبتهم! وهذا الفعل هو المسمى بالغیبة، والغیبة من الکبائر التی وعد الله علیها العذاب فی النار.
وقد ورد الکثیر من الأحادیث الشریفة فی تحریم الغیبة والتحذیر منها.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (یا أبا ذر: إیاک والغیبة فإن الغیبة أشد من الزنا)(3).
وعن الإمام علی علیه السلام: (الغیبة جهد العاجز، الغیبة آیة المنافق، الغیبة شر الإفک)(4).
فأول شی ء ینبغی الاهتمام به هو التخلص من الغیبة فی مجالسنا واستبدالها بذکر الخیر ومحاسن الناس بدل عیوبهم...
وینبغی للجالس فی المجلس أیضا أن یتجنب البهتان وهو أشد من الغیبة لتضمنه الکذب والافتراء على الآخرین.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(من بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فیه ما لیس فیه أقامه الله تعالى یوم القیامة على تل من نار حتى یخرج مما قاله فیه)(5).
فعلى الإنسان المؤمن أن یراقب الکلمة التی تخرج من حلقه لأنه سیسأل عنها یوم القیامة.
صدق الحدیث
إن الکذب من أخطر الآفات التی ابتلیت بها المجتمعات البشریة، وهو من أکثر الأمراض شیوعاً بسبب سهولته، فیکفی فیه تحریک اللسان بغیر الحق والاعتماد على المخیلة! ویصبح عادة مترسخة فی الإنسان بعد فترة یصعب علیه التخلص منها!
ومن هنا فقد أکد الإسلام على حرمته وضرورة اجتنابه حتى جعل نقیضه وهو الصدق علامة من علامات المؤمن.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(لا تنظروا إلى کثرة صلاتهم وصومهم وکثرة الحج والمعروف وطنطنتهم باللیل، ولکن انظروا إلى صدق الحدیث وأداء الأمانة)(6).
فأول شی ء علیک أن تفعله فی الحدیث هو السیطرة على هذا اللسان الصغیر ومنعه من الاسترسال وارتکاب الکذب!
ترک اللغو
واللغو هو ترک الحدیث عن الأمور النافعة فی إطار الدین والدنیا، والانشغال فیما لا یفید وتضییع الجهد بما لا ینتج، والمؤمن بعید عن العبث واللهو، منصرف إلى الأمور الجادة والنافعة، فهو یبتغی دائماً من کلامه أهدافاً ومنافعاً تجعله أکثر أتّزاناً وتقرباً إلى اللّه عزَّ وجلّ.
یقول تعالى فی وصفه للمؤمنین: ﴿وَالَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون﴾(7).
وأفضل الحدیث ما یذکّّر باللَّه والآخرة، ویدعو إلى المکارم.
فعن الإمام علی علیه السلام: (کل قول لیس لله فیه ذکر فلغو)(8).
ترک الهذر والثرثرة
وذلک بسبب ما فیها من غرور مما یکشف عن شخصیة غیر متزنة، لأن الذی یمسک الحدیث ویستأثر به دون غیره یبدو وکأنه مغرور یعرض نفسه ومعلوماته على الآخرین، مضافاً إلى أنه ینافی احترام الآخرین وفسح المجال أمامهم لیشارکوا ویمارسوا حقهم بالکلام، کذلک فإن الثرثرة قد تؤدی إلى الحرام من حیث لا یلتفت المتحدث، وأن حرص الإنسان على أن یصغی أکثر من أن یتحدث یجعله أکثر وقاراً وتواضعاً، وأقل أخطاء وأکثر استفادة.
روی عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:
(من وصایا الخضر لموسى علیه السلام: لا تکونن مکثاراً بالنطق مهذاراً، فإن کثرة النطق تشین العلماء وتبدى مساوئ السخفاء)(9).
المصادر :
1- من لا یحضره الفقیه ج 4، ص 395.
2- الخصال، ص 194.
3- میزان الحکمة، ح 15502.
4- میزان الحکمة، ح 15466-15465-15464.
5- میزان الحکمة، ح 1991.
6- میزان الحکمة، ح 10195.
7- المؤمنون:3.
8- میزان الحکمة، ح 18247.
9- میزان الحکمة، ج8، ص439.
source : .www.rasekhoon.net