المقصد الاوّل
كيف لا افتخر بالحسين(ع) ؟
كيف لا افتخر بالحسين، وقد عظّمه الله في الدنيا والا´خرة؟ وتجليهذا التعظيم الربّاني للحسين قبل ولادته، وبعد ولادته، وقبل استشهاده،وبعد استشهاده، ونقدم هذا بباقة من مصاديق هذا التعظيم لان المجال لايسعنا لذكر جميعها:
1 ـ اءنّ الله عزّ وجل هو الذي سمّي' الحسين(ع) حُسيناً، واشتقه مناسمه المبارك: «ذو الاءحسان» وهناك روايات متعددة تبيّن هذه الحقيقة،وحسبنا هنا رواية واحدة:
عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله(ص) لعلي بن ابي طالب(ع): «لماخلق الله عزّ وجل ا´دم ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته، واسكنه جنّته، وزوّجهحوّاء امته، فرفع طرفه نحو العرش فاءذا هو بخمسة سطور مكتوبات، قال ا´دم: ياربّمن هؤلاء؟ قال الله عزّ وجل له: هؤلاء الذين اءذا تشفّع بهم اءليّ خلقي شفّعتهم، فقالا´دم: يارب بقدرهم عندك ما اسمهم؟ قال تعالي: اما الاوّل: فانا المحمود وهو محمد،والثاني: فانا العالي وهو عليّ، والثالث: فانا الفاطر وهي فاطمة، والرابع: فانا المحسنوهو الحسن، والخامس: فانا ذو الاءحسان وهو الحسين، كلٌّ يحمد الله عزّ وجل».
2 ـ اخبر الله عزّ وجل بقتل الحسين(ع) قبل ولادته: فعن الاءمامالصادق(ع)، قال: «لما حملت فاطمة3 بالحسين جاء جبرائيل الي رسول الله(ص)فقال: اءن فاطمة ستلد غلاماً تقتله اُمتك من بعدك...».
وجدير بالذكر ان الحسين(ع) كان يحدّث بذلك منذ طفولته، فعنحذيفةبن اليمان قال: سمعت الحسين بن علي8 يقول: «والله ليجتمعنعلي قتلي طغاة بني اُمية، ويقدمهم عمر بن سعد» وكان ذلك في حياةالنبي(ص).
3 ـ ومن تعظيم الله تعالي للحسين(ع) بعد ولادته: ان جبرائيل(ع) كانيناغيه في مهده ويسلّيه، فعن طاووس اليماني: اءن جبرائيل(ع) نزل يوماًفوجد الزهراء3 نائمة، والحسين في مهده يبكي، فجعل يناغيه ويسلّيهحتي استيقظت، فسمعت مَن يناغيه فالتفتت فلمتر احداً فاخبرهاالنبي(ص) انه كان جبرائيل(ع).
4 ـ ومن شواهد تعظيم الله عزّ وجل للحسين(ع) قبل استشهاده، انالقتل كُتب عليه وعلي اصحابه معاً، وان اصحابه معروفون قبل واقعةكربلاء باسمائهم واسماء ا´بائهم لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً.
والي ذلك فقد عُنِّف ابن عباس علي تركه الحسين(ع) وعدم اشتراكهمعه في مواجهة الاعداء فقال: (اءنّ اصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولميزيدوا رجلاً، نعرفهم باسمائهم من قبل شهودهم).
وقال محمد بن الحنفية: (واءن اصحابه عندنا لمكتوبون باسمائهمواسماء ا´بائهم).
5 ـ وكانت الخطوة اللاحقة للتعظيم الاءلهي للحسين(ع)، هي جعلالاءمامة في ولده تعويضاً له عن القتل. وفي هذا المعني جملة روايات نذكرمنها ما يلي:
عن محمد بن مسلم، قال: سمعت ابا جعفر وجعفر بن محمد8يقولان: اءنّ الله تعالي عوّض الحسين(ع) عن قتله ان جعل الاءمامة في ذريته، والشفاءفي تربته، واءجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد ايام زائره جائياً وراجعاً من عمره...).
6 ـ لم يقتصر تعظيم الله تعالي للحسين(ع) في الدنيا باءعلاء ذكره، بلعظّمه في الا´خرة ايضاً، بجعله سيد شباب اهل الجنة، وقرط عرشه.
فعن ابي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله(ص): «الحسن
والحسين سيدا شباب اهل الجنة».
عن عقبة بن عامر عن النبي(ص)، قال: «الحسن والحسين شنفا العرشوليسا بمعلقين»، قال الديلمي: يعني بمنزله الشنفين من الوجه، والشنفالقرط المعلّق في الوجه اي الاُذن، قال: والمراد احدهما عن يمين العرشوالا´خر عن يساره.
هذه المعاني والحقائق التي حصرناها في هذه العجالة، تكفي للوقوفعلي ما كانت السماء توليه من عناية ورعاية واهتمام بالسبط الشهيد،وعليه من البديهي ان الافتخار بالحسين(ع) وحبّه يملاان قلب الزمن.
المقصد الثاني
كيف لا افتخر بالحسين(ع)؟
كيف لا افتخر بالحسين وقد افتخر به واحبّه وعظّمه انبياء الله تعالي؟ولكن مع كل ذلك يبقي' حب نبيّنا محمد(ص) وتعظيمه فريداً من نوعه،وللاسف اءننا لا نستطيع في هذا البحث الموجز جداً بيان القصة الكاملةلهذا الحب، والتعظيم النبوي للحسين(ع)؛ لان الروايات الواردة بهذاالصدد كثيرة جداً، ومتوفرة في المصادر العامة والخاصة معاً، بعضهامختصر العبارة، وبعضها مسهب، وهذه الروايات بمجموعها تحكي لناهذه القصة، ونحن نتوسل هنا بحديث واحد لينقذنا من هذه المسؤولية.
عن يعلي العامري انّه خرج مع رسول الله(ص) ـ يعني الي طعام دعوااءليه ـ قال: فاستقبل رسول الله(ص) امام القوم وحسين مع غلمان يلعب،فاراد رسولالله(ص) ان ياخذه فطفق الصبي يفر هاهنا مرة وهاهنا مرة،فجعل النبي(ص) يضاحكه حتي اخذه.
قال: فوضع اءحدي' يديه تحت قفاه والاُخري تحت ذقنه ووضع فاهعلي فيه وقبّله وقال: «حسين مني وانا من حسين، اللهمّ احبّ من احبّ حسيناً،حسين سبط من الاسباط».
هذا الحديث يكشف لكل مطلّع عن السيرة النبوية الشريفة، انرسولالله(ص) كشف ما في قلبه من حب وتعظيم للحسين(ع)، في صورةرائعة في الجمال والدقة، تحكي للاءنسانية الي يوم القيامة بان الحسين(ع)رمز للذاتالمحمدية.
حيث اءن قول النبي(ص): «حسين مني وانا من حسين»، يعني ان الحسينجزء منه، وهو جزء من الحسين، ولا انفكاك بينهما من الناحية الماديةوالمعنوية.
فالمراد من قوله(ص): «حسين مني...»، هو ان الحسين(ع) نبت من لحمودم رسول الله(ص)، ويتجسد هذا المعني في جملة روايات نكتفي بذكرواحدة منها:
عن ابي عبدالله(ع)، قال: «لم يرضع الحسين(ع) من فاطمة3 ولا من اُنثي،بل كان يُؤتي به اءلي النبي(ص) فيضع اءبهامه في فيه فيمصُّ منها ما يكفيه اليومينوالثلاثة، فنبت لحم الحسين(ع) من لحم رسول الله(ص) ودمه».
واما المقصود من قول النبي(ص): «.. وانا من حسين» هو: ان الله تعاليالحق الحسين(ع) بالنبي(ص)؛ فكان معه في درجته ومنزلته، وذلك قولالاءمامالصادق(ع) في تفسير قوله تعالي: « (وَالَّذِينَ ا´مَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمبِاءِيمانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ...)» .
اءذن.. فهل نبالغ بعد كل ذلك اءذا قلنا: اءن هذه الخصيصة التي هي واحدةمنالخصائص الحسينية، تكفي لمن اراد ان يعتزّ ويفتخر بالحسين(ع)طولالدهر؟
المقصد الثالث
كيف لا افتخر بالحسين(ع)؟
كيف لا افتخر بالحسين وكفّته راجحة في الدنيا والا´خرة؟ فهوالمنتصر حتي في قلوب اعدائه.
اءذن فلا وجه للمفاضلة بين الاءمام الحسين(ع) واعدائه.
(وراي معاوية واعوانه فيهذا اسبق من راي الطالبيين وخصومالاُمويين، فقد تردّدوا كثيراً قبل الجهر باختيار يزيد لولاية العهد وبيعةالخلافة بعد ابيه، ولم يستحسنوا ذلك قبل ازجائهم النصح الي يزيد غيرمرة بالاءقلاع عن عيوبه وملاهيه. ولما انكر بعض اولياء معاوية جراةالحسين(ع) في الخطاب، واشاروا عليه ان يكتب له كتاباً «يصغّر اءليهنفسه».. قال: «وما عساني ان اعيب حُسيناً؟! والله ما اري للعيب فيهموضعاً».
وهذا لسان حال عمر بن سعد حينما راود نفسه علي مقاتلةالحسين(ع):
فوالله ما ادري واءني لحائرافكّر في امري علي خطرين
ااتْركُ مُلْكَ الريّ والريّ مُنيتيام ارجع ماثوماً بقتل حسين
وفي قتْلِهِ النارُ التي ليس دُونهاحجابٌ، ومُلكُ الريّ قُرّة عيني
اءذن.. فقد غرق اعداء الحسين(ع) بالخزي الذيلا خزي مثله،.. وباءالحسين بالفخر الذي لا فخر مثله في تاريخ بني الاءنسان.
خاتمة المقاصد
كما قلنا ضمن المقاصد الثمانية لهذا البحث، فاءنّ الله عزّ وجل هوالذي تبنّي تعظيم الاءمام الحسين(ع)، وما نريد قوله في هذا الختام، هو انهذا التعظيم لم يكن معزولاً عن تخليد كل ما يمتّ بصلة للحسين بعداستشهاده...
فيوم في دنيا الاحزان خالد ذاك يوم مقتل الحسين
ويوم في دنيا البطولات خالد ذاك يوم الحسين
وموقف في وجه الظالمين خالد ذاك موقف الحسين
وثار في الوجدان الاءنساني خالد ذاك ثار الحسين
وحب في قلب الزمن خالد ذاك حب الحسين
وشعار في قلب الاحرار خالد ذاك شعار الحسين
ودور في حركة التاريخ خالد ذاك دور الحسين.
فالتخليد الاءلهي لا´ثار الحسين(ع)، جعل دور الحسين لا ينتهي بانتهاءعمره الشريف، بل اءن الا´يات السماوية التي ظهرت بعد مقتل الحسين،كانت اءنذاراً اءلهياً للبشرية، بان التاريخ بات يتحرك بين ثورتين:
ثورة شعارها «هيهات منّا الذلة»، وهي ثورة الحسين(ع) وثورة مكمّلةلثورة الحسين في سبيل الكمال البشري، هي ثورة حفيده الاءمامالمهديالمنتظر ـ عجّل الله تعالي فرجه ـ.
فمن اراد ان يعيش سعيداً، ويموت سعيداً، فعليه بالحسين(ع)، فاءنّه:«مصباح الهدي وسفينة النجاة»... اءذن.. فكيف لا افتخر بالحسين؟