عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

برامج أعداء الثورة لإضعاف القيم الإسلامية

برامج أعداء الثورة لإضعاف القيم الإسلامية:

رغم العوامل المتعلقة بطبيعة هكذا حركات، هناك عوامل خارجية مهمّة تؤثر أيضاً على إضعاف الثورة، فقد كان الأمريكيون وبقية السياسيين ورؤساء الدول الغربية والشرقية يعتقدون وفي السنوات الأُولى لانطلاقة الثورة أنّ هذه الثورة كبقية الثورات في العهود المعاصرة، لن يكون لها ذلك التأثير الكبير، ولكن بعد أن مضى على انتصار الثورة عشرون سنة، وظهرت بسببها تلك التحولات العالمية، صدَّق العالم بأسره أن الإسلام مدرسة حيّة تكمن فيه القوى القادرة على إدارة المجتمع والعالم كله، فشعروا بالخطر يهدّد كيانهم، وسارعوا للاستفادة من الميزانيات الكبيرة، والتخطيط بشتى الطرق لمواجهة هذه الحركة الناهضة، والحدِّ من تأثيراتها العالمية، ومن ثم السعي جاهدين لمحوها كاملاً.

ويقوم في هذه الأيام علماؤهم ومحلِّلوهم لاكتشاف نقاط الضعف والثغرات التي يمكن من خلالها النفوذ إلى مجتمعنا الحصين، ويثابرون على وضع الخطط والبرامج والنشاطات للإخلال بقواعد هذا المجتمع؛ ولا يصعب علينا اكتشاف مخططاتهم.

تقول إحدى التحليلات النفسية عن مولِّد أفعال الإنسان: إنَّ المُوَلِّدَ لهذه الأفعال أمران: الأول: معارف الإنسان، والثاني: رغباته وميوله. وإذا أردنا تغيير اتجاه مسير الإنسان يكفي أن نغيّر في معارفه ورغباته.

ويقوم أعداء الإسلام والأُمة بتضعيف اعتقادات الناس ويقينهم الديني من جهة، ويسعون لترويج القيم المادية والغربية لتحل مكان تلك الاعتقادات من جهة ثانية، وبهذا يحرفون المجتمع عن مسيرته الصحيحة. وهذه الإستراتيجية ـ أعني السعي لتغيير المعارف والرغبات ـ لها أثرها البالغ خصوصاً مع جيل الشباب؛ ذلك لأنّ هذا الجيل لم يتعمّق بالمسائل الاعتقادية والمباني الفكريّة، وأكثر معتقداته لا تبتني على التحقيق والاستدلال، وإنما على ما رآه وسمعه من هنا وهناك، وإذا لاحظنا جهة الميول والرغبات، فإنّ عُمْرَ الشباب له مقتضياته الخاصة ويعتبر أصعب مرحلة يمرّ بها الإنسان من ناحية ثورة غرائزه المختلفة، ومن الطبيعي أن يكون للشباب ميول خاصة نحو أنواع مظاهر الحياة المادية.

ويستفيد الغرب من هذه الإستراتيجية ليس مع الشعوب المسلمة والعالم الثالث فحسب، بل مع شعبه وشبابه، حيث إنّه يشغلهم يومياً بالمسائل الجنسيّة وشتى أنواع المشروبات الكحولية، وبموديلات الشعر واللباس والأحذية المتبدلة يوماً بعد يوم، وبالرياضة والسينما والمغامرات الخطرة ووسائل أُخرى من هذا القبيل، ولا ينتقي إلا الشباب الذين يرى فيهم النبوغ والذكاء فيجذبهم إلى المراكز العلميّة والتحقيقية ويُسخِّرهم للتطور في المجالات المختلفة.

والآن ماذا تتوقع من بلد وُضع قانونه الأساسي على ركائز الإسلام، ويحتوي على أصل رفيع مثل «ولاية الفقيه»؟ من بلد تسوده القيم الإسلاميّة وعلى رأسه ذلك الفقيه العالم الحرّ، الذي يتمتع بأعلى مراتب التقوى والقيم الإلهية والإنسانية، ماذا يفعل ليحول دون تحقق أهداف العدو الاستعمارية؟

الجواب واضح، وهو: أن يستفيد من شتى الطرق الثقافية، من الصف والمدرسة والجامعة، من الصحف والمجلات والأفلام والسينما، من الراديو والتلفزيون، والكتب والرياضة وأمثال ذلك، فقد أثبتت هذه الوسائل والطرق جدارتها في تغيير المعارف والميول. ولعلكم تتذكرون ردة فعل الإمام من تلك المقابلة التي جرت على الراديو بين الصحافي وتلك المرأة حيث سألها عن مَثَلِها الأعلى فأجابت: (أوشين). فقد اتصل + بالراديو واعترض على بثّ هذا البرنامج وقال في الأثناء: إن هذه المرأة معرّضة للارتداد. فلاحظوا معي جيداً في بلد فاطمة وعلي وفي حياة الإمام الراحل، هل يوجد عمل يؤدّي لأن يكون المثل الأعلى للمرأة الشيعيّة الإيرانية هي (أوشين)، لا زينب ولا الزهراء؟! المهم هو تلك الخطوة الأُولى، وأمّا إذا كسر السدّ فمتابعة الخُطى على الطريق أمر سهل.

تغلغل العدو في أجهزة الدولة التقنية والتنفيذية:

وأما المشروع الثاني الذي قام به العدوّ لتضعيف الاعتقادات والقيم فهو: التدخّل في أجهزة الدولة السياسية، فيضع بعض الأشخاص البعيدين نوعاً ما عن اعتقادات الإمام ومبانيه الفكريّة، والمتأثرين بالثقافة والأفكار الغربية، ولكي يكسر هذا الحاجز قرّر أن يبدأ بهجماته ـ بشكل مباشر وغير مباشر وعبر بعض المجلات ـ على الإسلام والقيم الإسلاميّة، لتصبح أحكام الإسلام محطّاً للسؤال، ويبدأ بإهانة المقدسات وكلّ من يعتقد ويؤيد هذه القيم الإسلامية، ويروّج للقيم الوطنيّة والقوميّة بدل القيم الإسلاميّة والدينيّة، وعشرات الموارد الأُخرى التي نشاهدها كلّ يوم، وفي كلّ هذه الموارد لا يفصح عن مقصوده النهائي مباشرة، بل يمشي رويداً رويداً ليحقّق مرامه من دون أن نشعر.

ولكن الصحف والمجلات ستلاحق قانونيّاً فيما لو كتبت هذه المطالب، فلذا هم يسعون لرفع المشكلة القانونيّة، من خلال إصدار قانون يعطي الحريّة التامة للصحف والمجلات، ويلغي القانون القديم، والخطوة الأُولى عندهم لتغيير القانون هي أن يحكُم ـ بإصطلاحهم ـ المحافظون. فهم لا يستطيعون في بداية الأمر أن يقولوا: لا للإسلام، بل لا بدّ  أن يهيّئوا بعض الأشخاص المرنين غير المتعصّبين ليتساهلوا في بعض المسائل الإسلاميّة، ولكي يحكموا عليهم فينبغي لهم أن يضخِّموا نقاط الضعف والنقائص الموجودة عند المسؤولين المتدينين ـ الذين فرضت ظروف بداية الثورة ومشكلات تلك المرحلة الكثير منهم على الساحة ـ وبهذا الأُسلوب يخرِّبوا مناصب هؤلاء المسؤولين وتسمح الفرصة لهم بأن يأتوا بقوى وطاقات جديدة بعيدة عن تلك القوى التي تحمل معها القيم والاعتقادات، ويكون المسؤولون الجُدُد مستعدون لبعض المهادنات والمصالحات. ولا ينبغي في هذا المقام أن نغفل عن دور الجامعة والجامعيّين، لأنّهم الطبقة المؤثرة في المجتمع، وهم مدراء البلد في المستقبل القريب، فلا بدّ أن نفكّر بوضع برامج خاصة بهم.

والخلاصة: أنّ ما يجري عبارة عن سيناريو مفصّل مدروس بدقّة، ينوي العدوّ تمثيله برفع الستارة تلو الأُخرى، وأنتم لا ترون في هذا السيناريو أشخاصاً غرباء أو عندهم العداء الصريح مع الإسلام والثورة، وأغلب الأدوار يقوم بها أشخاص من الداخل معتقدون بالإسلام ـ ولو ظاهراً ـ وليس من الضروري أن يأتي شخص من أمريكا ليلعب دور الجاسوس، بل قد يكون هناك وزير أو معاون وزير يصوم ويصلي ويحج ويزور كربلاء والشام، ويؤدّي الحقوق الشرعية، بل قد يكون حافظاً للقرآن أيضاً ومع هذا كلّه لو نظرنا إلى مواقفه لوجدناها تختلف عن مواقف الإمام كلّ الاختلاف. وقد يتمسك أحياناً أحدهم بتلك المعتقدات عدّة سنوات وإذا به ينحرف تمام الانحراف؛ فمثلاً ذلك الشخص الذي كان شريكاً في احتلال وِكر التجسّس الأمريكي، وكان له الدور الأساس فيما جرى، وإذا به اليوم يدين هذا العمل ويصافح الجاسوس في برنامج تلفزيوني في إحدى الدول الغربية ويجلس معه على طاولة واحدة وتتبادل الأحاديث والابتسامات فيما بينهما!! هذا الشخص نفسه منذ سنتين أو ثلاث سنوات، كان يعترض على كلام بعض نواب المجلس في إحدى سفراته إلى بريطانيا ويتّهمه بأنّه أمريكي، وإذا به اليوم يقترح فكرة الحوار وبناء العلاقة مع أمريكا، ويُعبّر عن الأشخاص الذين يردّدون شعار «الموت لأمريكا» بأنّهم جماعة من الأوباش. ونرى اليوم أشخاصاً كانوا من الدعاة إلى استمرارية الحرب، وكانوا متشدّدين أكثر من غيرهم، أصبحوا اليوم من المنتقدين لأصل الحرب ومشروعيتها.

والحقيقة هي: أن كثيراً من هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يطلقون الشعارات الحارة في أوائل الثورة، لم يكونوا معتقدين بها قلبيّاً وإنّما ردّدوها تجاوباً مع الجوّ والانفعالات الثورية والغضبيّة، فهذه المجموعة من الأفراد تأثرت بجوّ من الاستدلالات، وحسب تصوّرهم أنّهم ينتقلون من ساحة الإحساس إلى مرحلة العقلانية، ويعتبرون أنّ كلامهم وأفعالهم السابقة كانت كلّها خطأ. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّنا لا نعتبر كلّ شخص شارك في الثورة وكان من المدافعين والمحامين عن الإمام أيّام حياته يحمل أفكاراً صحيحة، ولا تكون هذه الصفات التي اتصف بها أيّام الإمام مستنداً للتسليم بأفكاره ومعتقداته في هذه الأيّام، وذلك لأنّنا نرى بعض مساعدي الإمام القدامى يترددون اليوم في بعض الأصول الأساسية في نهج الإمام ولا يعتبرونها صحيحة. وأمّا الأفراد الذين لا تتعدى اختلافاتنا معهم درجة الاختلافات الذوقية والمزاجية، فلا ينبغي أن نعتبرهم ضدّ الثورة وأنّهم عملاء للأجانب.

خلاصة البحث ونتيجته:

النتيجة التي يمكن أن نخرج بها من هذه الجلسة ومن الجلسة السابقة هي:

كان دور عامل المعرفة قليلا في بداية الثورة، وأما العامل الأساس الذي أوجد الثورة وحفظها هو عامل الأحاسيس والعواطف الدينيّة، وهنا تكمن براعة الإمام كيف استطاع تشخيص هذا العامل وكيف وجّهه واستفاد منه بالمسير الصحيح، ولكي تستمر الثورة لا بدّ أن نعتمد على عامل الفكر والمعرفة والثقافة بشكل أكبر وأكثر، ومن الخطأ الفادح الاعتقاد بأنّه بإمكاننا حفظ الثورة والاستمرار بها باعتمادنا على أحاسيس وشعور الناس واللطم على الصدور وشعارات «يا حسين».

إنّ الذي جرى كان خاصاً بشخص الإمام لِمَا كان يملكه من عظمة روحية وشخصية عرفانيّة ملكوتيّة جعلته يسيطر على القلوب ويجذبها إليه، وما قام به الإمام غير مُيسَّر لنا أبداً، بل نحن علينا أن نتعرّف على الإسلام أكثر فأكثر، حيث إنّ كثيراً من الأشخاص الذين يشتبهون في أعمالهم وأفكارهم اليوم، ليس عندهم عداء مع الإسلام، وإنّما صدرت منهم نتيجة عدم المعرفة بالإسلام لا غير، فهم عندما كانوا يدرسون في الجامعة وإن كانوا مسلمين إلا أنّ أكثر ما كان يظهر منهم تلك الصلاة وذلك الصيام، ولم يكن عندهم الوقت للتعرف والتحقيق في أُصول الإسلام ومبانيه، ومن ثمّ أصبحوا مدراء واستلموا مواقع حسّاسة في الدولة، والوقت لا يسمح لهم بقضاء بعض أعمالهم الشخصية فكيف يسمح لهم بالتحقيق في أُصول الإسلام ومبانيه؟

علينا أن نفكر مليّاً كيف نوصل الإسلام إلى هؤلاء الأشخاص، ولا نظن أنّ هذه الدروس تُعطى فقط لطلاب المتوسط والثانوية وسنوات الجامعة الأُولى، بل طبقات المجتمع على اختلافها وتفاوتها تحتاج إلى هذه الدروس، ومن الطبيعي أن لا نقول للوزير أو النائب: تعال لنعقد لك درساً، ولكن يمكن أن نوصل لهم هذه التعاليم بشكل غير مباشر؛ وبغض النظر عن الأشخاص الذين يستلمون في الوقت الحاضر المسؤوليات السياسية والمناصب التنفيذية في الدولة، علينا أن نفكّر بالأشخاص الذين سوف يستلمون هذه المناصب والمراكز في المستقبل وهم طلاب المدارس والجامعات، وأن نضع لهم البرامج المفيدة المثمرة، ومن المناسب أن أذكر لكم هذا النموذج:

سئل رئيس جمهورية إحدى الدول الإسلاميّة الكبرى: ماذا حصل حتى وقعتم في المكائد الأمريكية؟ فأجاب: إنّ أمريكا قد أعطت ألفي شخص من نخبة البلد ومتفوقيها منحاً دراسية عبر عدّة سنوات، وفي كلّ دورة انتخابية وسياسية نجد أن أربعين شخصاً من مسؤولي الدرجة الأُولى هم من أُولئك الذين أخذوا منحاً دراسيّة، ومازالت هذه المنح مستمرة أيضاً، فماذا تتوقعون من بلد ترعرع ألفا شخص من رجاله السياسيين الكبار في أحضان أمريكا؟

لقد وضعت أمريكا هذه الخطة منذ أكثر من خمسين سنة وهي اليوم تقطف ثمارها. ونحن إذا أردنا أن يكون الإسلام حاكماً بعد خمسين سنة في هذا البلد، علينا من الآن أن نخطّط ونضع البرامج للقوى الإدارية ونقوم بأعمال فكرية وثقافية، وليس من المنطق أن نبقى متفرجين، ولا نفكر بالحلول والبرامج إلا بعد نزول البلاء.

وإنّما تعرضنا لهذه الأبحاث معكم أيها الأساتذة المحترمون لِمَا نراه من الحاجة، من جهة أنّ طلابكم سيستلمون مناصب الدولة الرفيعة، من رئيس الجمهورية والوزير إلى النائب والمعاون والمدير وأنتم اليوم تقومون بتربيتهم، فإذا كنتم مطّلعين بعمق على مباني الإسلام وأفكاره، أمكنكم أن تنقلوا هذه المعارف إلى طلابكم أيضاً؛ وأمّا لو سألكم الطالب ولم يسمع منكم جواباً مقنعاً فسوف يقول في نفسه: إنّ هذه المسألة ليس لها جواب، حيث إنّ ذلك الأُستاذ وصاحب الخبرة والتجربة لم يجد لها جواباً مقنعاً، وكذلك فيما لو سأل أحدَ المعمَّمين مثلي ولم يجد عنده الجواب أيضاً، فسوف يقطع بأنّ المسألة ليس لها جواب، وأنّ ما يُذكر عن الله والنبي والإسلام ليس له أيّ أساس.

والنتيجة النهائية ـ بالنسبة لي بصفتي عالماً دينياً، وبالنسبة لكم بصفتكم أساتذة في الجامعة ـ علينا أن نعرف الدور المهمّ الذي يمكن أن نؤديه في مجال الثقافة، وتربية جيل المستقبل في بلدنا، فإنّ ذلك يجعل مسؤوليتنا أكبر بكثير من مسؤولية الآخرين، ولذلك علينا أن نسعى في تقوية معارفنا عن الإسلام ومبانيه ليمكن لنا أن نؤدي رسالته الخطيرة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الصحابة وتحريم متعة الحج
العتبتان الحسينية والعباسية تستعدان لإقامة ...
لماذا فرض الله صيام 30 يوما على الامه؟؟
المعايير البلاغية عند الامام الصادق(عليه السلام)
لماذا لابدّ من صب اللعن على أعداء الإمام الحسين ...
في قلع الأصنام عن الكعبة
أسماء بنت عميس
البكاء على أهل البيت‏
في الورع و الترغيب منه
لماذا نزل القرآن في ليلة القدر ؟

 
user comment