عربي
Friday 27th of December 2024
0
نفر 0

معنى سنة الرسول

معنى سنة الرسول

تعني سنة الرسول: كل ما صدر عن الرسول بالذات من قول، أو فعل أو تقرير، إطلاقا. فأقوال الرسول هي السنة اللفظية أو القولية، وتعرف بحديث النبي، وأفعال الرسول هي سيرته أو سنته العملية، وتشمل سنة الرسول أيضا تقريره، ومعنى التقرير أن يرى الرسول عملا من مسلم أو أكثر، فلا ينهى عنه، فيكون سكوت الرسول بهذه الحالة إقرارا منه بصحة ذلك الفعل. ولا خلاف بين اثنين من أتباع الملة حول مضمون وحدود هذا المعنى.

التلازم والتكامل بين القرآن الكريم وسنة الرسول

التلازم والتكامل بين القرآن وسنة الرسول ثمرة طبيعة لحالتي التلازم والتكامل بين القرآن الكريم وبين الرسول بالذات، فمن غير المتصور عقلا وشرعا بأن ينزل الله تعالى كتابا سماويا أو تعليمات إلهية إلا على رسول، أو أن يرسل رسالة لبني البشر بدون رسول، فالكتاب والرسول وجهان متكاملان لأمر واحد، وإذا أردنا أن نلخص دين الإسلام تلخيصا دقيقا، فلا نعدو القول بأنه يتكون من مقطعين رئيسيين: أولهما كتاب الله المنزل، وثانيهما نبي الله المرسل، فلا غنى للكتاب عن النبي، ولا غنى للنبي عن الكتاب، فالكتاب لا يفهم فهما يقينيا بدون نبي، والنبي لا برهان له ولا حجة إن لم يكن معه كتاب ضاق مضمونه أو اتسع. ثم إن الإيمان والإسلام لا يتحققان إلا بالاثنين معا، كتاب الله المنزل، ونبيه المرسل، فالإيمان.

 

 


بأحدهما لا يغني عن الإيمان بالآخر، وقد أخذ التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل، بعدا خاصا في دين الإسلام، لأن رسول الإسلام هو خاتم النبيين، فلا نبي بعده، ولأن القرآن هو آخر الكتب السماوية، وعلاوة على أن القرآن معجزة إلهية بيانية أساسها الكلمة الطيبة الصادقة، فإنه هو الدستور الإلهي الذي شخص الأصول والمبادئ والمقدمات الأساسية للشريعة الإلهية النهائية التي ارتضاها الله تعالى للجنس البشري طوال عصور التكليف الممتدة من زمن خاتم النبيين حتى قيام الساعة، لقد أجمل هذا القرآن كل ما يتغير، وفصل ما لا يتغير، وأشار إشارات إلى أحكام وفرائض وأخبار وضروريات، ومصطلحات دون تفصيل، وعهد الله إلى رسوله ببيانها وتفصيلها على ضوء توجيهات الوحي الإلهي، فمصطلحات الصلاة مثلا وهي عماد الدين، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، ونظام الحكم... الخ كلها موجودة في القرآن الكريم، ولكن دون تفصيل لأن بيانها وتفصيلها متروك لسنة الرسول. ثم إن القرآن الكريم كمعجزة بيانية ذو وجوه متعددة، تؤدي بالضرورة إلى تصورات وأفهام متعددة، فتأتي سنة لتحدد الوجه والفهم الذي يتلاءم مع المقصود الإلهي.

إن المهمة الأساسية للرسول الأعظم ولسنته المطهرة منصبة بالدرجة الأولى والأخيرة على بيان ما أنزل الله بيانا قائما على الجزم واليقين لا على الفرض والتخمين، لأن الرسول الأعظم معد ومؤهل إلهيا لهذه المهمة، ومحاط بالعناية والتسديد الإلهي، ومعصوم عن الوقوع بالزلل، وهو قادر من خلال هذا التأهيل الإلهي أن يفهم المقصود الإلهي من كل آية من آيات القرآن، ومن كل كلمة من كلماته وقد سهل هذا المهمة أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، إنما نزل منجما، وعلى مكث، مما أتاح الفرصة أمام الرسول لينقل من خلال السنة المطهرة بفروعها الثلاثة نصوص القرآن الكريم من النظر إلى التطبيق، ومن الكلمة إلى الحركة، ومن خلال سنة الرسول تحقق التكامل والتلازم والإحكام بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل، وتيقن المؤمنون.

 

 


والعارفون باستحالة بيان القرآن بدون رسول، واستحالة فهم دين الإسلام والالتزام به بدون الرسول وسنته، فالرسول من خلال سنته بفروعها الثلاثة يؤدي مهمة البيان التي اختاره الله لتأديتها، قال تعالى مخاطبا نبيه: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (1) ومن خلال البيان النبوي المتمثل بسنة الرسول، والالتزام بهذا البيان ينقطع دابر الخلاف والاختلاف في المجتمع البشري المؤمن، قال تعالى مخاطبا رسوله: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 64) (2) فالرسول الأعظم هو المرجع البشري الأعلى في مجال بيان القرآن، وفهم المقاصد الإلهية من كل كلمة من كلماته، فسنة الرسول هي القول الفصل في كل أمر من الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم، وسنة الرسول هي ثمرة وحي وإلهام إلهي، وهي من عند الله، والفرق بين القرآن والسنة أن القرآن هو كلام الله المنزل على رسوله باللفظ والمعنى كقرآن، بينما السنة هداية إلهية لغاية بيان القرآن للمكلفين، فالرسول يتبع ما يوحى إليه وينفذ ما يؤمر به، إنه عبد مأمور لله تعالى، ومخصص لتبليغ دين الإسلام المكون من ركنين لا ثالث لهما كتاب الله المنزل ونبيه المرسل بذاته وبسنته القولية والفعلية والتقريرية، والقرآن والنبي وسنته وجهان لأمر واحد، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، ولا تتحقق الغاية الشرعية من أحدهما إلا بالآخر، إن التلازم والتكامل بين القرآن وسنة الرسول إحكام إلهي اقتضته طبيعة الأمور وجوهرها.

ومن هنا يتبين لنا فساد مقولة أولئك الذين قالوا لرسول الله وهو على فراش المرض، عندما أراد أن يكتب وصيته: (حسبنا كتاب الله)، أي يكفينا كتاب الله، ويغنينا عن الرسول وسنته!!! لقد أيقن أعداء الله ورسوله بأن

____________

(1) سورة النحل، الآية 44.

(2) سورة النحل، الآية 64.

 

 


دمار الإسلام وتفريغه من مضامينه الخالدة مستحيل ما دام التلازم والتكامل والإحكام موجودا ما بين كتاب الله وسنة رسوله، ولا يتحقق هذا الدمار إلا بدمار سنة الرسول، أو تحييدها، أو إبعادها عن مسرح التأثير على الأحداث، أو بفك الارتباط المتين بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل.

وهذا هو المنطلق الذي انطلقوا منه يوم قالوا لرسول الله لا حاجة لنا بكتابك ولا بوصيتك: (حسبنا كتاب الله) وهذا هو السر بمنعهم لرواية وكتابة سنة الرسول، وجعل شعار (حسبنا كتاب الله) محور الثقافة التاريخية.

التأكيد الإلهي على مكانة الرسول، وأهمية سنة الرسول

الله تعالى هو الذي أوجد التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل، ونبيه المرسل، وهو الذي فرض الإيمان بالاثنين معا، وهو الذي خص رسوله بهذه المرتبة العالية حتى صار الإيمان بالرسول جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالله، والله جلت قدرته هو الذي أبرز أهمية سنة الرسول بفروعها الثلاثة حتى صارت جزءا لا يتجزأ من دين الإسلام، وفصلا جوهريا متداخلا تداخلا عضويا مع الشريعة الإلهية المكونة حصرا من كتاب الله وسنة رسوله.

فهو جلت قدرته الذي اختار نبيه للرسالة، فأعده، وأهله وعصمه، وكلفه بالإمامة والولاية، وأمر المسلمين والمؤمنين أن يأتمروا بأمره وأن ينتهوا بنهيه: (... وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (1) فأمر الرسول كأمر الله، ونهي الرسول كنهي الله.

وقال تعالى مخاطبا المكلفين: (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه) (2) فالإيمان بالله والرسول لا ينفصلان عن

____________

(1) سورة الحشر، الآية 7.

(2) سورة الأعراف، الآية 158.

 

 


بعضهما، والله يشهد وكفى بالله شهيدا بأن الرسول مؤمن بالله وبكلماته، لذلك فإن الله قد أمر عباده باتباع الرسول (فاتبعوه) لأنه هو النموذج المتحرك للإنسان المؤمن الكامل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) (1).

ثم إن الله تعالى قد أزال الشك نهائيا وأوجد اليقين عندما بين لعباده حقيقة رسول الله، وطبيعة ما يصدر عن ذلك الرسول: بقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى 3 إن هو إلا وحي يوحى 4) (2) وقد ترسخت هذه الحقيقة وشهد الله تعالى بثبوتها، وإطلاقها يوم أمر الله رسوله بأن يعلن أمام العالمين، بأنه صلى الله عليه وآله وسلم يتبع ما يوحى إليه من ربه في كل ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال أو تقريرات، وتوثيقا من الله لنبيه وتصديقا تولى الله تعالى بنفسه ومن خلال كتابه المبارك نشر هذا الاعلان النبوي فقال جلت قدرته مخاطبا رسوله: (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) (3) وأعلن الله باسم الرسول قائلا: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين) (4) وتصديقا من الله لرسوله ثبت الله هذا الاعلان في كتابه الكريم.

وتأكيدا من الله تعالى لعمق التكامل بين الكتاب المنزل والنبي المرسل وعمق الصلة بين الله ورسوله أمر الله رسوله بأن يعلن للمؤمنين والمسلمين خاصة ولأبناء الجنس البشري عامة هذا الاعلان الذي يعبر بدقة عن مضامينه الوارفة فقال تعالى مخاطبا رسوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (5) فاتباع الرسول هو الطريق إلى محبة الله، وهو الطريق إلى المغفرة.

____________

(1) سورة الأحزاب، الآية 21.

(2) سورة النجم، الآيتان 3 - 4.

(3) سورة الأعراف، الآية 203.

(4) سورة الأحقاف، الآية 9.

(5) سورة آل عمران، الآية 31.

 

 


وإحكاما لحلقة التكامل والتلازم بين الله ورسوله، وبين الكتاب المنزل والنبي المرسل، وبين شريعة الإسلام ونبي الإسلام، وتمكينا من الله لرسوله للقيام بأعباء الرسالة، ولسد الطريق أمام أولئك الذين يفرقون بين الله ورسوله، أعلن الله سبحانه وتعالى قراره ومشيئته بقوله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا 80) (1) فطاعة الرسول تماما كطاعة الله، ومعصية الرسول تماما كمعصية الله، والله جلت قدرته هو الذي قرن الطاعنين معا فقال: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون 132) (2) (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين 92) (3) وتكرر هذا الأمر الإلهي مرات متعددة في القرآن الكريم. لقد حصل اليقين عن طريق العقل والشرع بأن طاعة الله لا تتحقق إلا بطاعة الرسول فمن يعصي الرسول هو عاص لله، ومن يطع الرسول هو مطيع لله، والتفريق بين الطاعتين محاولة مكشوفة للتفريق بين الله ورسوله، والالتفاف على مقاصد الشرعية الإلهية، وإيجاد ممر للمروق والفساد والخروج من دائرة الشرعية الإلهية.

فالرسول هو حامل الرسالة الإلهية، وهو وحده الذي يتلقى التوجيهات الإلهية وهو المبلغ عن الله، والأمين على ما أوحاه الله والعارف بالمقاصد الشرعية، ثم إنه هو الإمام والقائد والمرجع والولي، فمن غير الجائز أن يعصى الرسول تحت أي شعار لأن معصية الرسول تعيق حركته وقيامه بأعباء التكاليف الإلهية الملقاة على عاتقه لذلك اقتضت حكمة الله أن يطاع الرسول إطاعة تامة وهذا حق لكل الرسل قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) (4) ورسول الله وخاتم النبيين أولى بالطاعة

____________

(1) سورة النساء، الآية 80.

(2) سورة آل عمران، الآية 132.

(3) سورة المائدة، الآية 92.

(4) سورة النساء، الآية 64.

 

 


لأن المسؤوليات الملقاة على عاتقه، أضخم وأكبر من المسؤوليات التي ألقيت على عاتق أي رسول من قبله، فهو خاتم النبيين، ومعه الشريعة الإلهية بصورتها النهائية التي ارتضاها الله لعباده أجمعين. وهذا يعطي قيمة خاصة لكل ما يصدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير، لأن سنة الرسول بفروعها الثلاثة لازمة من لوازم الإسلام والبيان خاصة وأن الرسول لم يبعث إلى العرب إنما أرسله الله رحمة للعالمين، وقد انتقل إلى جوار ربه، ولم يدخل في الإسلام غير العرب، فمن حق أبناء الجنس البشري أن يطلعوا على سنة رسول البشرية من مصادر موثوقة ولا يتحقق هذا إلا بصيانة السنة، وكتابتها ونقلها إلى أبناء الجنس البشري نقية بلا زيادة ولا نقصان، ومن هنا يتبين لنا فداحة الجرم الذي ارتكبه أولئك الذين منعوا رواية وكتابة السنة طوال مائة عام تحت شعار: (حسبنا كتاب الله).

شهادات على صحة ما ذهبنا إليه حول التكامل والتلازم بين القرآن وسنة الرسول

قلنا: إن القرآن والسنة وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن فهم القرآن فهما يقينيا أو تطبيقه دون وجود السنة المطهرة بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير لأن المهمة الأساسية لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم تتمحور حول بيان ما أنزل الله من القرآن، والقرآن والسنة متكاملان، ولا غنى لأحدهما عن الآخر وتقريبا للذهن، وإبرازا للمقصود، فإن القرآن كالدستور في اللغة القانونية المعاصرة، والسنة كالقانون، فوجود الدستور لا يغني عن وجود القانون، ووجود القانون لا يغني عن وجود الدستور، لأن أي واحد منهما يشكل ركنا أساسيا من أركان المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع، وهذا حال القرآن والسنة لأنهما هما المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع الإسلامي فالقرآن يشتمل على المبادئ الرئيسية والقواعد الكلية حيث أجمل ما يتغير وترك للرسول الأعظم أمر تفصيل ذلك على ضوء توجيهات الوحي الإلهي،

 

 


أما ما لا يتغير، فقد فصله القرآن تفصيلا دقيقا، ومع هذا يبقى للرسول دور مهم يتمثل بتوضيح وتطبيق هذه التفصيلات.

1 - قال حسان بن عطية: (كان جبريل ينزل على رسول الله بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه السنة كما يعلمه القرآن) (1).

2 - وقال أحمد بن حنبل: (السنة تفسر الكتاب وتبينه، والسنة عندنا آثار رسول الله، والسنة تفسير القرآن وهي دلائل القرآن) (2).

3 - قال عبد الرحمن بن مهدي: (الرجل إلى الحديث أحوج منه إلى الأكل والشرب، لأن الحديث يفسر القرآن) (3).

4 - وقال ابن حزم... (لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله، ووجدنا أن الله عز وجل يقوله فيه واصفا لرسوله: (وما ينطق عن الهوى 3 إن هو إلا وحي يوحى 4) (4) أفصح لنا بذلك بأن الوحي ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام وهو القرآن.

والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام، ولا متلو لكنه مقروء وهو الخبر الوارد عن رسول الله، وهو المبين عن الله عز وجل مراده) (5).

5 - قال الشيخ أبو زهرة: (السنة هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي نزل به جبريل على النبي، والقسم الثاني هو القرآن الكريم) (6).

____________

(1) المراسيل لأبي داود السجستاني ج 2 ص 249.

(2) حجية السنة ص 332.

(3) المصدر السابق.

(4) سورة النجم، الآيتان 3 - 4.

(5) الإحكام في أصول الأحكام ج 1 ص 93.

(6) الحديث والمحدثون ص 11.

 

 


وقال: (وقد وكل الله إلى نبيه، أن يبلغ القرآن للناس، وأن يبين لهم بقوله وفعله ما يحتاج إلى البيان، والرسول إذ يبين للناس كتاب الله، لا يصدر عن نفسه، ولكنه يتبع ما يوحى إليه من ربه، فالسنة النبوية وظيفتها تفسير القرآن، والكشف عن أسراره، وتوضيح مراد الله تعالى من أوامره وأحكامه) (1).

6 - وقال الشيخ عبد الغني عبد الخالق: السنة مع الكتاب في مرتبة واحدة من حيث الاعتبار والاحتجاج بهما على الأحكام الشرعية ولا نزاع بأن الكتاب يمتاز عن السنة بأن لفظه منزل من عند الله، متعبد بتلاوته، معجز بخلافها، ولكن ذلك لا يوجب التفضيل بينهما من حيث الحجية) (2).

7 - وقال محمد عجاج: كلما جاء من الرسول سوى القرآن من بيان الأحكام وتفصيل لما في الكتاب الكريم وتطبيق له هو الحديث النبوي أو السنة... وهي بوحي إلهي) (3).

(فكيف يؤدي الاشتغال بالحديث إلى إهمال القرآن وتركه) (4) (فهذا من أبده الكلام الباطل لوضوح أن حديث رسول الله وما نطق به ليس إلا حقا كما صرح هو به في روايات إذنه لعبد الله بن عمرو في كتابة الحديث) (5).

8 - (وليس الحديث الشريف إلا مفسرا للقرآن وشارحا لمراده) (6).

9 - وعقد الدارمي بابا نقل فيه عن ابن أبي كثير شيخ الأوزاعي قال فيه: (السنة قاضية على القرآن، وليس القرآن بقاض على السنة) (7).

____________

(1) الحديث والمحدثون ص 37 و 38.

(2) حجية السنة ص 485.

(3) أصول الحديث: محمد عجاج الخطيب ص 34.

(4) المرجع السابق ص 43.

(5) المرجع السابق ص 89.

(6) مقدمة التيجاني لكتاب الكفاية للخطيب ص 15.

(7) سنن الدارمي ج 1 ب 49 ح 594.

 

 


10 - ونقل عن مكحول قوله: (القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن) (1).

11 - وقال ابن برجان: (ما قاله النبي من شئ فهو من القرآن، وفيه أصله قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمه عنه من عمه) (2).

12 - قال الزركشي: (إعلم أن القرآن والحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدار الحكمة، حتى أن كل واحد منهما يخصص عموم الآخر ويبين إجماله) (3).

13 - قيل لعمران بن الحصين: ما هذه الأحاديث التي تحدثونها وتركتم القرآن؟ لا تحدثوا لا تحدثوا إلا بالقرآن!!

فقال عمران في جوابه لذلك الآمر: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا والمغرب ثلاثا!!!

أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا والطواف بالصفا والمروة!!! ثم قال: (اتبعوا ما حدثناكم وخذوا عنا وإلا والله ضللتم) (4).

14 - قال أيوب السجستاني: (إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: (دعنا من هذا وحدثنا عن القرآن فاعلم أنه ضال مضل) (5) (6).

____________

(1) الكفاية للخطيب ص 47.

(2) الإرشاد في تفسير القرآن.

(3) البرهان في علوم القرآن للزركشي ج 2 ص 128.

(4) الكفاية للخطيب ص 48، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 1 ص 109.

(5) الكفاية ص 49.

(6) وقد نقلنا هذه المقتطفات عن كتاب تدوين السنة الشريفة من ص 347 و 353.

 

 


بعض تأكيدات الرسول على التلازم والتكامل بين كتاب الله وسنة رسوله

شعار حسبنا كتاب الله

لما أراد الرسول الأعظم أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية وهو على فراش الموت، تدخل عمر بن الخطاب، فقال للحاضرين: (إن المرض قد اشتد برسول الله، أو أن الرسول يهجر - أي لا يعي ما يقول - وعندكم القرآن (حسبنا كتاب الله) (1) وسندا لهذا الشعار حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته.

وبعد أن استولى أبو بكر على منصب الخلافة جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: (إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه) (2) والتزاما من الخليفة بما أمر المسلمين به قام بحرق الأحاديث التي سمعها من رسول الله بإذنه، وكتبها بخط يده (3).

ولما تولى عمر بن الخطاب الخلافة، ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب، كما ناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتى ينظر فيها ويقومها، فلما أتوه بها أمر بحرقها، وحرقت فعلا (4) ثم كتب إلى ولاته في كل البلاد الخاضعة لحكمه (أن من كان عنده شئ مكتوب من سنة الرسول فليمحه) (5).

____________

(1) راجع صحيح البخاري ج 7 ص 9 وج 4 ص 31، وصحيح مسلم ج 5 ص 75 وج 11 ص 95 بشرح النووي، وفي الفصول اللاحقة سنورد أربعين مرجعا على صحة هذه الواقعة.

(2) راجع تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53 وتدوين السنة ص 423.

(3) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 285، والاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30.

(4) الطبقات لابن سعد ج 5 ص 140.

(5) كنز العمال ج 1 ص 291.

        

 


وبرر الخليفة عمله هذا بالقول: (إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا، فأكبوا عليها، فتركوا كتاب الله!!

وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ) (1) ثم قال: (أمنية كأمنية أهل الكتاب رأي حتى لا ينشغل الناس بالسنة عن القرآن) (2).

وحرصا من الخليفة على القرآن الكريم، منع الناس من رواية أحاديث رسول الله، وهدد من يرويها، وضرب الرواة، وحبس بعضهم، وملأ قلوب الرواة بالرعب والارهاب حتى لا يرووا سنة رسول الله) (3).

وما فعل الخليفة ذلك إلا حرصا على القرآن وإعمالا لشعار (حسبنا كتاب الله) وشعار (بيننا وبينكم كتاب الله) كما سنوضح لاحقا!!!

حكم الرسول بهذين الشعارين

قال رسول الله: (يوشك الرجل متكئا في أريكته، يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) (4) أنت تلاحظ أن الرسول قد استعمل حرفيا الكلام الذي قاله أبو بكر يوم منع المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسوله، فارجع إلى ما قاله أبو بكر في الصفحة السابقة!!

____________

(1) تقييد العلم ص 49 ورواه في دفاع عن السنة ص 21، راجع كنز العمال ج 1 ص 291، وتدوين القرآن ص 371.

(2) راجع المبحث اللاحق تحت عنوان موقف الخليفة عمر من سنة رسول الله.

(3) المصدر نفسه.

(4) مسند أحمد ج 4 ص 131، وأبو داود في سننه كتاب السنة باب 5، ولزوم السنة ج 4 ص 200 ح 4604، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 6 باب 3 ح 12، وسنن الدارمي ج 1 ص 117 ح 592، وسنن البيهقي ج 3 ص 331، ودلائل النبوة ج 1 ص 25، والمستدرك على الصحيحين ج 1 ص 180 و 109، والترمذي كتاب العلم ج 2 ص 110، 111 وقال هو حديث صحيح، والحديث والمحدثون ص 11 و 24.

 

 


وقال الرسول: (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) (1).

وقال الرسول: (أيحسب أحدكم متكئا على أريكته، قد يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في القرآن، ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن).

قال ابن حزم: (صدق النبي هي مثل القرآن ولا فرق في وجوب طاعة كل ذلك علينا، وقد صدق الله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وهي أيضا مثل القرآن في أن كل ذلك وحي من الله) (2).

____________

(1) سنن ابن ماجة ج 1 ص 6 - 7، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 108 وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

(2) الأحكام لابن حزم ج 1 ص 159، وراجع تدوين السنة الشريفة ص 352 وما فوق.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الطلاق المعلّق
الإمام الحسين (عليه السلام) في الكتاب المقدس
أقوال المعصومين في القرآن
التحولات الطوعية في حركة الظهور
الاِله في القرآن الكريم
المنهج البياني
المرأة والدنيا في نهج البلاغة (دراسة أدبية) – ...
عدم جواز الجمع بين النبوة والخلافة
واقعة الطف ؛ ملحمة الخلود الحسيني الجهادي
أهمية دراسة الشخصيات التاريخية

 
user comment