التوسل بأهل البيت
التوسل ظاهرة طبيعية في حياة الإنسان هذا فيما يخص التوسل بالأسباب الطبيعية، فالإنسان يتوسل بالماء لرفع الظمأ ويأكل الطعام توسلاً لسد الجوع ونحن نستخدم وسائل كثيرة في حياتنا.
أما التوسل بالأسباب غير الطبيعية فهناك آيات قرآنية تشير إلى هذا الجانب في حياة الناس كقوله تعالى:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([1]).
وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَْسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها}([2]).
وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً}([3]).
وكذا ما جاء في القرآن الكريم على لسان أخوة يوسف: {يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ}([4]).
وقول يعقوب لهم: {قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}([5]).
وهكذا فإن هذه الظاهرة الإنسانية لا تتنافى مع عقيدة التوحيد أبداً، كما أن الشفاعة التي أشار إليها القرآن في مناسبات عديدة تؤيد التوسل بشكل ما.
ومحبو أهل البيت^ يعتقدون بالشفاعة وأن رسول الله’ وآل بيته يشفعون لهم يوم القيامة.
وعندما تواجه الإنسان مشكلة ما ولا يمكنه حلّها بالأسباب والوسائل الطبيعية فإنه يلجأ إلى التوسل بآل البيت مع يقين صادق وقاطع أن كانت له مصلحة في حلّ تلك المشكلة.
رعاية ولي العصر#
أودّ أن أروي هذه الحكاية التي وقعت لي: لقد أمضيت من عمري ما يناهز الثانية والعشرين عاماً في الدراسة في الحوزة العلمية بقم. وكنت أدرس معارف أهل البيت^، وكنت أذهب إلى طهران أيام العطلة الدراسية لزيارة أرحام لي هناك.
وذات يوم ذهبنا لعيادة العالم الكبير المدافع عن حريم الولاية سلطان الواعظين الشيرازي مؤلف كتاب >ليالي بيشاور<.
وفي محضره رأيت شخصاً فعرّفني إليه العالم الشيرازي على أنني طالب أدرس في قم وأنني آتي أيام العطلة لعيادة (الشيرازي) ثم عرّفه إليّ بأنه من الحضّار الدائميين في المجالس الوعظية وأن اسمه السيد حسيني وبعدها التفت إليه وقال: أودّ أن تروي لي حكايتك فقال السيد الحسيني: كانت لي أضبارة في مستشفى بارس، ورغبت في الاطلاع على ما فيها .. وعرفت أن تقارير الأطباء تشير أن لا علاج لحالتي وأنني مصاب بقطع النخاع الشوكي وأنني سأبقى مشلولاً العمر كلّه.
وكانت قصتي قد بدأت هكذا ذات يوم استيقظت صباحاً وأردت أن أنهض للوضوء فوجدت نفسي عاجزاً فطلبت من زوجتي أن تساعدني على النهوض وأداء الصلاة فلم يمكني هذا أيضاً فأديت
الصلاة وأنا متمدد على الفراش.
فلما انكشفت ظلمة الفجر قلت: احضروا لي طبيباً فجاء طبيب وفحصني ثم قال: للأسف أنت مصاب بالشلل بسبب أضرار في النخاع وهذه الحالة لا يوجد لها علاج أبداً وستبقى طيلة حياتك عاجزاً.
فأخذوني إلى المستشفى وكانت نتائج الفحوص هي هي لم تتغير وذلك بعد فحوصات كثيرة فلما أعلن الطب والأطباء عجزهم عدت أدراجي إلى البيت.
قلت لزوجتي وهل انحصر الطب في إيران وأمريكا وأوربا: قالت زوجتي الأمر يبدو كذلك قلت: سأذهب إلى طبيب غير أولئك. قالت: ومن يكون؟ قلت: سيدي ومولاي الحسين، فاستصدري لنفسك جواز سفر.
فلما حان وقت السفر قلت لزوجتي أرجو أن يكون مقصد سفرنا إلى كربلاء سراً فلا تحدثي أحداً بذلك، فربما لا تكون مصلحة في شفائي وربما عدت إلى إيران مشلولاً كما سأذهب فإن ذلك سيؤثر على ضعاف الإيمان، فإن سألك أحد أين ستسافرون فقولي سنذهب إلى إسرائيل للعلاج؟!.
فلما أردنا السفر استخرت في ركوب الطائرة أو السفر إلى خرمشهر ثم عبور شط العرب ثم استخرت في العبور من الحدود البرية في خسروي فجاءت الاستخارة بالإيجاب.
وكانت محطتنا الأولى كربلاء وكانت أيام رجب الأصب فأمضينا رجب كله وما من خبر عن الشفاء.
قلت لزوجتي لا تيأسي من رحمة الله، إن أخلاق أهل البيت من أخلاق الله عزّ وجلّ وهم يحبون أن نمكث قربهم وندعوا الله ونمجده ونحمده.
فلما انطوى شهر رجب ومضت ثلاثة أيام من شعبان توجهنا إلى زيارة أمير المؤمنين في النجف ومنها إلى الحلّة وقلت لزوجتي سنذهب إلى سامراء وبعدها إلى الكاظمية ثم نعود إلى إيران ثم نقول لمن زارنا أن الأطباء لم يجدوا لي علاجاً.
فذهبنا إلى الحلّة وبعد زيارة السيد محمد ركبنا سيارة ميني باص كان كرسيي وراء السائق وكانت زوجتي خلفي وكان إلى جانب السائق كرسي خشبي لم يشغله أحد، وسارت بنا السيارة وفي الغروب رأينا شخصاً واقفاً عند الشارع يلوح لنا وكانت المنطقة فلاة ليس فيها عمران، فأوقف السائق السيارة بمحاذاته فركب شاب عليه سيما الوقار والأدب والجلال وجلس على الكرسي الخشبي ثم قرأ قوله تعالى:
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}
قلت في نفسي: إلهي من يكون هذا الشاب بهذا الوقار وهو يقرأ كتابك بهذا الصوت الشجي.
ولما انهى تلاوة آيات من سورة الدهر التفت إلى السائق وقال: أتنوي السفر إلى خراسان وزيارة الإمام الرضا×؟ قال السائق: نعم فهذي أمنيتي منذ سنين.
فمدّ الشاب يده وأخرج مبلغاً من المال وقال له: إذا وصلت إلى مشهد فأنك ستجد شخصاً بهذه الصفات فسلّمه المال وقل له: إنك لم تطلب أكثر من ذلك، ثم التفت إليّ ولاطفني وقال بلغة فارسية حلوة: يا سيد حسيني كيف حالك؟ قلت: نخاع مقطوع وشلل وعاجز عن العمل وقد بذلك ما بوسعي للعلاج من دون نفع.
فنهض من كرسيه قليلاً ومسح على ظهري وقال: ما أرى بك من علّة.
وكان الظلام قد نشره ستائره على الفلاة فقال للسائق توقف لأنزل قال السائق: ولكن هذه أرض جرداء وما بها من عمران فأين تقصد؟ قال بلهجة فيها حزم: قلت لك هنا.
توقف السائق ونزل له احتراماً وأنا أيضاً نسيت ما بي فنهضت وترجلت فجأة رأيت السائق يحدق فيّ والمسافرون أيضاً وإذا أنا صحيح وما بي من علّة ولا شلل ولا قطع نخاع.
وغاب عن عيني الشاب فصحت وصاح معي بعض المسافرين:
يا صاحب الزمان! يا صاحب الزمان.
ولكن المحبوب قد غاب في ظلمة الليل.
أهل البيت^ والتجلي العلمي في رجل زاهد
كان المرحوم آية الله الحاج السيد جمال الأصفهاني من العلماء المبرزين وكان الزهاد العرفاء ومن شاق آل البيت^.
وبعد أن بلغ الاجتهاد وكانت دارسته في النجف الأشرف غادرها إلى أصفهان ومنها إلى طهران فتولّى إدارة الشؤون الدينية في أحد المساجد المعروفة في طهران ـ مسجد الحاج السيد عزيز الله ـ واشتغل في التدريس في مدرسة مروي بطهران.
وازدهرت الحياة العلمية مع مجيء هذا العالم الكبير وما أسرع أن ذاع صيته فكان الحضور في مجالسه يزداد كماً وكيفاً.
ولم يتحمل الحسّاد ذلك وخاصّة من المغرورين والمتكبرين الذين لا يرون إلا ذواتهم المريضة فلم يرق لهم وجود هذا العالم الرباني بين أظهرهم.
فاحتالوا بإرسال اثنين لامتحانه وكان أحدهما الفيلسوف والفقيه الكبير المرحوم السيد كاظم العصّار.
فطلبوا منهما أن يحضرا درسه وأن يطرحا عليه أسئلة معقدة في الحكمة والفلسفة ثم دفعوا بفقيه آخر لامتحانه في الفقه ولكي يتضح للملأ ضحالة مستواه العلمي ومن ثم يسلبوه كرسي التدريس ولم يكن المرحوم العصّار مطلعاً على كيد هؤلاء الحسّاد ومآربهم في هذا الامتحان فوافق على حضور درس العالم الربّاني وتوجيه أسئلة صعبة في الحكمة والفلسفة.
يقول العلامة العصّار: أخذت معي الأسفار التي تعدّ من أكثر المسائل الفلسفية تعقيداً وأكثرها دقّة وعمقاً؛ عندما وصلت المجلس كان آية الله السيد جمال قد بدأ درسه، فطلبت أن أسأله فأذن لي فسألته سؤالاً صعباً للغاية من الأسفار، فاتجهت الأنظار إلى فم السيد جمال كيف سيجيب؟
وكان الله قد منحه فراسة المؤمن الذي ينظر بنور الله وأدرك ما وراء هذا السؤال فقال: أغلق كتاب الأسفار ثم افتحه وسل عما شئت يقول العصّار فأغلقت الكتاب ثم فتحته على طريقة الاستخارة فقال الأستاذ أقرأ الكلمة الأولى من هذه الصفحة فلما قرأت الكلمة الأولى إذا به يقرأ عن ظهر قلب تمام الصفحة ثم قال: أتريد أن أشرح لك هذه الصفحة؟!
أجبت: لا حاجة لذلك، ثم رأيته يبكي وقال: إن كان عندكم سؤال في الفقه والأصول فاسألوا.
واحتبست الأنفاس في الصدور ولم ينبس أحد ببنت شفة فقال بعد لحظات من الصمت: لا ضرورة لامتحاني فما من كتاب من كتبنا إلا وأنا أحفظه عن ظهر قلب.
ثم قال: يا طلبة يا علماء يا أفاضل أيها الناس إني ما وصلت إلى هذا المقام بسعي ودراسة وتحصيل ولكني لما كنت أدرس في النجف الأشرف ابتليت بمرض الحصبة وبقيت أربعين يوماً في حالة الإغماء وقد يئس الأطباء مني ثم شملني لطف الله ورحمته فشفيت من المرض ونجوت من الموت ولكني أحسست بأن ذاكرتي قد انتهت وأنني لا أحفظ شيئاً مما درست.
ولما كان السحر نهضت من نومي وانطلقت إلى حرم الإمام أمير المؤمنين× وقلت في حضرته بأي وجه أعود إلى إيران وقد درست أربعين سنة في جامعتكم جامعة أهل البيت^ وبلغت ما بلغت من المراتب الرفيعة وكان علمي في خدمة الإسلام والمسلمين وها أنا الآن ليس إلاّ امرئ جاهل فيا من اصطفاه الله لخلافة المصطفى ويا باب مدينة علم الرسول ويا حلاّل المشكلات أن ماء وجهي في خطر وهكذا كنت أتوسل وأتوسل حتى شعرت بالإعياء وأخذتني سنة من النوم.
فرأيت نفسي في حضرة أمير المؤمنين علي×: فقال لي: أراك حزيناً يا جمال قلت: أجل يا مولاي حزين جداً.
وكان أمامه إناء فيه عسل فناولني ملعقة منه وقال لي: تناول هذا العسل وتحل مشكلتك فتناولت ملعقة العسل، فلما استيقظت من نومي شعرت بأني أحفظ كل كتب الشيعة عن ظهر قلب([6]).
كرامة
أهل البيت^ لا يشفعون لشيعتهم ومحبيهم عند الله فحسب بل أنهم يشفعون لأقارب شيعتهم وعشاقهم والسائرين على خطاهم.
كان الآخوند ملا محمد الكاشي من العرفاء والفلاسفة وكان دائم العبادة لله يسبح الله في الأسحار وكان من الأولياء.
وقد تربى في ظلاله وتخرج من مدرسته شخصيات معروفة من بينهم الشهيد السيد حسن المدرسي، الحاج مرتضى الطالقاني، الحاج رحيم أرباب وآية الله العظمى السيد جمال الدين الگلبايگاني، وآية الله العظمى البروجردي.
كان يوماً جالساً خارج حجرته في مدرسة الصدر وكان يومها طالباً في تلك المدرسة، فجاءه رجل من عشائر بختيار وهم قوم من اللر وكانت مشكلته لا يرزق طفلاً فقيل له أن حلّ مشكلته عند الكاشي في مدرسة الصدر، فجاء إليه وقال له: ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له الآخوند: لا استطيع أن أفعل لك شيئاً فليس عندي من الكرامة عند الله أن أطلب منه ذلك يا أخا اللر، فلو أن صورتي الحقيقية علقت في مرحاض المدرسة ما ذهب أحد إلى ذلك المرحاض.
ولكن الرجل اللري أصرّ وألحّ، فلما رأى الكاشي أن الرجل مصرّ على طلبه أراد أن يتخلص منه فقال له: أحضر جرّة وأملأها من حوض المدرسة هذا واشرب منه أنت وزوجتك فإن الله إذا شاء سيرزقكما بطفل.
وبنية صافية وقلب مطمئن نفذ ما طلبه منه الآخوند، فلما كان العام القادم إذا به يأتي حاملاً طفلاً رضيعاً طالباً من الآخود، أن يؤذن في أذنه، أجل:>فوالله ما أحبهم أحد إلاّ ربح الدنيا والآخرة<([7]).
عن ابي بكير عن أبي عبدالله× قال: من كان يحبّنا وهو في موضع لا يشينه فهو من خالص الله تبارك وتعالى، قلت: جعلت فداك وما الموضع الذي لا يشينه؟ قال: لا يرمى في مولده<.
عن أحمد بن المبارك قال: قال رجل لأبي عبدالله×: حديث يروى أنّ رجلاً قال لأمير المؤمنين×: إنّي أحبك، فقال له: أعدّ للفقر جلباباً، فقال: ليس هكذا قال، إنّما قال له: أعددت لفاقتك جلباباً، يعني يوم القيامة.
وعن ثعلبة عن جعفر بن محمد‘ قال: إنّ الرجل ليخرج من منزله إلى حاجته فيرجع وما ذكر الله عزّ وجل فتملأ صحيفته حسنات قال: فقلت: وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: يمرُّ بالقوم ويذكرونا أهل البيت فيقولون: كفّوا فإنّ هذا يحبّهم فيقول الملك لصاحبه: أكتب هيبة آل محمد في فلان اليوم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله’: >ولايتي وولاية أهل بيتي أمان من النار<.
وعن أبي قدامة الفدّانيّ قال: قال رسول الله’: >مَنْ مَنّ الله عليه بمعرفة أهل بيتي وولايتهم فقد جمع الله له الخير كلّه.
وعن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمّد‘: >من أقام فرائض الله واجتنب محارم الله وأحسن الولاية لأهل بيت نبيّ الله وتبرّأ من أعداء الله عزّ وجلّ فليدخل من أيّ أبواب الجنّة الثمانية شاء<.
وعن ابن نباتة قال: قال أمير المؤمنين×: >سمعت رسول الله’ يقول: أنا سيّد ولد آدم وأنت يا عليّ والأئمة من بعدك سادات أُمتي، من أحبّنا فقد أحبّ الله ومن أبغضنا فقد أبغض الله، ومن والانا فقد والى الله ومن عادانا فقد عادى الله ومن أطاعنا فقد أطاع الله ومن عصانا فقد عصى الله<.
قال أمير المؤمنين×: >من تمسّك بنا لحق ومن سلك غير طريقنا غرق، لمحبّينا أفواج من رحمة الله ولمبغضينا أفواج من غضب الله<.
وقال×: >من أحبّنا بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل معنا أعداءنا بيده فهو معنا في درجتنا، ومن أحبّنا بقلبه وأعاننا بلسانه ولم يقاتل معنا أعداءنا فهو أسفل من ذلك بدرجة، ومن أحبّنا بقلبه ولم يعنّا بلسانه ولا بيده فهو في الجنّة ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو مع عدوّنا في النار، ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا بيده فهو في النار.
قال×: >أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، والله لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق<.
وعن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله’: >من أحبّ علياً في حياتي وبعد موتي كتب الله عزّ وجلّ له الأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن أبغضه في حياتي وبعد موتي مات ميتة جاهليّة وحوسب بما عمل<.
وعن أمير المؤمنين× قال: >ستُّ خصال من كنَّ فيه كان بين يدي الله وعن يمينه: إنّ الله يحبّ المرء المسلم الذي يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه ويناصحه الولاية ويعرف فضلي ويطأ عقبي وينتظر عاقبتي<.
ويحتمل أن يكون المراد بالعاقبة هنا الولد أو آخر الأولاد فإنّ العاقبة تكون بمعنى الولد، وآخر كلّ شيء كما ذكره الفيروزآبادي فيكون المراد انتظار الفرج بظهور القائم#.
وروى بكر بن صالح عن أبي الحسن الرضا× قال: >من سرّه أن ينظر إلى الله بغير حجاب وينظر الله إليه بغير حجاب فليتولّ آل محمد وليتبرأ من عدوّهم وليأتمّ بإمام المؤمنين منهم، فإنّه إذا كان يوم القيامة نظر الله إليه بغير حجاب ونظر إلى الله بغير حجاب<.
وعن المفضّل عن أبي عبدالله× قال: >من أحبَّ أهل البيت وحقّق حبّنا في قلبه جرت ينابيع الحكمة على لسانه وجدّد الإيمان في قلبه وجدّد له عمل سبعين نبيّاً وسبعين صدّيقاً وسبعين شهيداً وعمل سبعين عابداً عبد الله سبعين سنة<.
وعن بشر بن غالب عن الحسين بن علي× قال: قال لي: >يا بشر بن غالب من أحبّنا لا يحبّنا إلاّ لله جئنا نحن وهو كهاتين ـ وقدّر بين سبّابتيه ـ ومن أحبّنا لا يحبّنا إلاّ للدنيا فإنّه إذا قام قائم العدل وسع عدله البرّ والفاجر<.
وروى أبو طالب الحسين بن عبدالله بن بنان الطائيُّ قال: سمعت أبا منصور بن عبدالرزّاق يقول لحاكم طوس المعروف بالبيوردي: هل لك ولد؟ فقال: لا، فقال له أبو منصور: لم لا تقصد مشهد الرضا× وتدعو الله عنده حتى يرزقك ولداً؟ فإنّي سألت الله تعالى هناك في حوائج فقضيت لي؟ قال الحاكم: فقصدت المشهد على ساكنه السلام ودعوت الله تعالى عند الرضا× أن يرزقني ولداً فرزقني الله عزَّ وجلّ ولداً ذكراً فجئت إلى أبي منصور بن عبدالرزاق وأخبرته باستجابة الله تعالى لي في المشهد فوهب لي وأعطاني وأكرمني على ذلك.
وقال الصدوق&: >لمّا استأذنت الأمير السعيد ركن الدوّلة في زيارة مشهد الرضا× أذن لي في ذلك في رجب من سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة فلمّا انقلبت عنه ردَّني فقال لي: هذا مشهد مبارك قد زرته وسألت الله تعالى حوائج كانت في نفسي فقضاها لي فلا تقصر في الدعاء لي هناك والزيارة عنّي، فإنَّ الدعاء فيه مستجاب فضمنت ذلك له ووفيت به، فلمّا عدت من المشهد على ساكنة التحية والسلام، ودخلت إليه، قال لي: هل دعوت لنا وزرت عنّا؟ فقلت: نعم، فقال: قد أحسنت فقد صحَّ لي أنَّ الدعاء في ذلك المشهد مستجاب([8]).
وروى أبو نصر أحمد بن الحسين الضبّي وما لقيت أنصب منه وبلغ من نصبه أنّه كان يقول اللهم صلِّ على محمد فرداً وامتنع من الصلاة على آله ـ قال سمعت أبا بكر الحماميّ الفرّاء في سكّة حرب بنيسابور وكان من أصحاب الحديث يقول: أودعني بعض الناس وديعة فدفنتها، ونسيت موضعها، فلمّا أتى على ذلك مدّة جاءني صاحب الوديعة يطالبني بها فلم أعرف موضعها، وتحيّرت واتّهمني صاحب الوديعة، فخرجت من بيتي مغموماً متحيراً ورأيت جماعة من الناس يتوجّهون إلى مشهد الرضا×: فخرجت معهم إلى المشهد، وزرت ودعوت الله أن يبيّن لي موضع الوديعة.
فرأيت هناك فيما يرى النائم: كأنَّ آت أتاني فقال لي: دفنت الوديعة في موضع كذا وكذا، فرجعت إلى صاحب الوديعة، فأرشدته إلى ذلك الموضع الذي رأيته في المنام، وأنا غير مصدِّق بما رأيت، فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان فحفره واستخرج منه الوديعة بختم صاحبها، فكان الرَّجل بعد ذلك يحدِّث الناس بهذا الحديث، ويحثّهم على زيارة هذا المشهد على ساكنه التحية والسلام([9]).
وروى أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن محمّد بن الفضل التميميُّ الهرويُّ& قال: سمعت أبا الحسن بن الحسن القهستاني قال: كنت بمرو الرُّود فلقيت بها رجلاً من أهل مصر مجتازاً اسمه حمزة، فذكر أنّه خرج من مصر زائراً إلى مشهد الرضا× بطوس وأنّه لمّا دخل المشهد، كان قرب غروب الشمس فزار وصلّى ولم يكن ذلك اليوم زائراً غيره، فلمّا صلّى العتمة أراد خادم القبر أن يخرجه ويغلق الباب فسأله أن يغلق عليه الباب ويدعه في المشهد ليصلّي فيه، فإنّه جاء من بلد شاسع ولا يخرجه، وأنّه لا حاجة له في الخروج، فتركه وغلق عليه الباب وأنّه كان يصلّي وحده إلى أن أعيى فجلس ووضع رأسه على ركبتيه يستريح ساعة فلمّا رفع رأسه رأى في الجدار مواجهة وجهه رقعة عليها هذان البيتان:
من سرَّه أن يرى قبراً برؤيته |
|
يفرِّج الله عمّن زاره كربه |
فليأت ذا القبر إنَّ الله أسكنه |
|
سلالة من نبيِّ الله منتجبه |
قال: فقمت وأخذت في الصلاة إلى وقت السحر، ثمَّ جلست كجلستي الأولى ووضعت رأسي على ركبتي، فلمّا رفعت رأسي لم أر ما على الجدار شيئاً، وكان الذي أراه مكتوباً رطباً كأنّه كتب في تلك الساعة، قال: فانفلق الصبح وفتح الباب.
قال: فكنت أسمع صوتاً بالقرآن كما أقرأ فقطعت صلاتي وزرت المشهد كلّه، وطلبت نواحيه، فلم أر أحداً فعدت إلى مكاني وأخذت في القراءة من أوَّل القرآن فكنت أسمع الصوت كما أقرأ لا ينقطع، فسكتُّ هنيئة وأصغيت بأُذني فإذا الصوت من القبر فكنت أسمع مثل ما أقرأ حتى بلغت آخر سورة مريم÷ فقرأت >يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً ويساق المجرمون إلى جهنّم ورداً<([10]) حتى ختمت القرآن وختم.
فلمّا أصحبت رجعت إلى نوقان فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة فقالوا: هذا في اللفظ والمعنى مستقيم لكن لا نعرف في قراءة أحد، قال: فرجعت إلى نيسابور فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة، فقلت: من قرأ >يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً ويساق المجرمون إلى جهنّم ورداً<؟ فقال لي: من أين جئت بهذا؟ فقلت: وقع لي احتياج إلى معرفتها في أمر حدث، فقال: هذه قراءة رسول الله’ من رواية أهل البيت^ ثمَّ استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القراءة، فقصصت عليه القصّة، وصحّت لي القراءة([11]).
وروى أبو عليّ محمد بن أحمد المعاذيُّ قال: حدَّثنا أبو الحسن محمد بن أبي عبدالله الهرويُّ قال: حضر المشهد رجل من أهل بلخ ومعه مملوك له فزار هو ومملوكه الرضا× وقام الرجل عند رأسه يصلّي ومملوكه عند رجليه فلمّا فرغا من صلاتهما سجدا فأطالا سجودهما فرفع الرَّجل رأسه من السجود قبل المملوك، ودعا بالمملوك، فرفع رأسه من السجود وقال: لبّيك يا مولاي فقال له: تريد الحرِّيِّة؟ فقال: نعم، فقال: أنت حرٌّ لوجه الله تعالى ومملوكتي فلانة ببلخ حرَّة لوجه الله وقد زوَّجتها منك بكذا وكذا من الصداق، وضمنت لها ذلك عنك وضيعتي الفلانيّة وقف عليكما وعلى أولادكما وأولاد أولادكما ما تناسلوا بشهادة هذا الإمام×.
فبكى الغلام وحلف بالله عزَّ وجلَّ وبالإمام أنّه ما كان يسأل في سجوده إلاّ هذه الحاجة بعينها، وقد تعرَّفت الإجابة من الله عزَّ وجلَّ بهذه السرعة([12]).
وحدّث أبو عليّ محمد بن أحمد المعاذيُّ قال: حدثَّنا أبو النصر المؤذِّن النيسابوريُّ قال: أصابتني علّة شديدة ثقل منها لساني، فلم أقدر على الكلام فخطر ببالي أن أزور الرِّضا× وأدعو الله عنده وأجعله شفيعي إليه، حتّى يعافيني من علّتي ويطلق لساني، فركبت حماراً وقصدت المشهد وزرت الرضا× وقمت عند رأسه وصلّيت ركعتين، وسجدت وكنت في الدُّعاء والتضرُّع مستشفعاً بصاحب هذا القبر إلى الله عزَّ وجلَّ أن يعافيني من علّتي ويحلَّ عقدة لساني.
فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في المنام كأنَّ القبر قد انفرج، وخرج منه رجل كهل آدم شديد الأدمة، فدنا منّي وقال لي: يا أبا النصر قل لا إله إلا الله قال: فأومأت إليه كيف أقول ذلك ولساني منغلق فصاح عليَّ صيحة، فقال: تنكر لله قدرة؟ قل لا إله إلاّ الله قال: فانطلق لساني، فقلت: لا إله إلاّ الله، ورجعت إلى منزلي راجلاً وكنت أقول: لا إله إلا الله، وانطلق لساني ولم ينغلق بعد ذلك([13]).
10 ـ ن: حدَّثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد المعاذيُّ قال: سمعت أبا النصر المؤذِّن يقول: امتلأ السّيل يوماً سناباد وكان الوادي أعلى من المشهد فأقبل السِّيل حتّى إذا قرب من المشهد خفنا على المشهد منه فارتفع بإذن الله وقدرته عزَّ وجلَّ ووقع في قناة أعلى من الوادي، ولم يقع في المشهد منه شيء([14]).