عربي
Friday 28th of June 2024
0
نفر 0

وكما ذكرنا فإن الثابت هو خروج النبي مع دليله ابن بكر، لأنه بدونه لا يستطيع الاهتداء في طريقه إلى يثرب، فهو الخبير بالطرقات والمسالك.

وكما ذكرنا فإن الثابت هو خروج النبي مع دليله ابن بكر، لأنه بدونه لا يستطيع الاهتداء في طريقه إلى يثرب، فهو الخبير بالطرقات والمسالك.

9 - الروايات المختلقة التي تقول أن أبا بكر قد خرج مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الغار، تذكر أيضاً أن أسماء بنت أبي بكر تزودهما بالطعام طوال فترة مكوثهما في الغار والبالغة ثلاثة أيام.

إن هذا أمر يتناقض مع العقل والمنطق، لأنه لو كان أبو بكر مهاجراً مع النبي فعلاً لكان من أيسر اليسير على مشركي قريش أن يتعقبوا ابنته التي تخرج كل يوم، ويتتبعوا خطواتها حتى يتوصلوا إلى مكان النبي (صلى الله عليه وآله). خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر وهو أخ أسماء ويسكن معها في البيت نفسه، كان من الذين يلاحقون النبي (صلى الله عليه وآله)، فكان سهلاً عليه ملاحظة أخته وهي خارجة كل يوم حاملة معها الطعام والزاد.

على أننا أثبتنا سابقاً أن أسماء لم تكن في مكة أصلاً، إذ كانت مع زوجها الزبير في الحبشة، ضمن مجموعة المسلمين الذين لجؤوا إلى هناك.

وهذا التخبط والتضارب يسقط أكذوبة وجود أبي بكر مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار، وينفي هجرته معه، بل يؤكد أنه قد هاجر مع بقية المسلمين في المجموعة الأولى المتوجهة إلى المدينة. خاصة إذا ما أدركنا أن أبا بكر كان ملازماً دائماً لعمر بن الخطاب في حله وترحاله، وقد ثبت في السير أن ابن الخطاب قد هاجر إلى المدينة قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) إليها.

10 - جاء في أصح كتب أهل العامة ما يثبت حقيقة أنه لم تنزل آية واحدة في القرآن تمدح أبا بكر أو أهله، فقد ورد عن عائشة في صحيح البخاري قولها: (لم ينزل فينا قرآن)! [صحيح البخاري: ج 6 ص 42، تاريخ ابن الأثير: ج 3 ص 199، الأغاني: ج 16 ص 90، البداية والنهاية: ج 8 ص 96 وغيرها كثير].

وهنا فلنركز قليلاً: لقد ذكرت عائشة هذا أمام جميع الصحابة والمسلمين الأوائل، وقالت: لم ينزل فينا قرآن. ولو كانت آية: (ثاني اثنين..) نازلة في أبي بكر لما قالت هذا الكلام لأنها تنتقص بذلك أباها وتجرده من مزية واضحة في القرآن. أو على الأقل لرد عليها الصحابة الذين يفترض أنهم متيقنون من حضور أبي بكر في الغار، ولذكروها بالآية وبقضية هجرته مع النبي (صلى الله عليه وآله).

لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وهو ما يثبت زيف أحاديث حضور أبي بكر في الغار، حتى تلك المسندة إلى عائشة منها. وهذا يوضح أن مسألة حضوره في الغار هي مسألة طارئة ولم تكن معروفة في صدر الإسلام.

خاصة أننا إذا تتبعنا التاريخ فإننا لن نجد إشارات واضحة على لسان أبي بكر حول حضوره في الغار، وهجرته مع النبي (صلى الله عليه وآله). مما يدعم كون القضية من اختلاقات السلطة لإثبات مزية لأبي بكر.

11 - كان يحيى بن معين من المشككين برواية حضور أبي بكر في الغار الواردة عن طريق أنس بن مالك. فكانت الشكوك تحوم حول ذلك الحديث بصور متعددة. (سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 10 ص 362، تهذيب الكمال للمزي: ص 29].

وقد ذكر حديث الغار العباس بن الفضل الأزرق عن ثابت عن أنس، فقال فيه يحيى بن معين: (كذاب خبيث)! [تاريخ بغداد: ج 12 ص 133].

وإذا نظرنا إلى رواة حديث الغار، نجدهم بين كذاب ومدلس وضعيف، فقد كان سليمان بن حرب يضعف حديث الغار الذي ذكره خالد بن خداش عن حماد بن زيد عن أيوب بن نافع عن ابن عمر. [سؤالات الآجري لأبي داود سليمان بن الأشعث: ج 1 ص 399].

ولقد ازدادت الطعون في رواة الحديث المكذوب في حضور أبي بكر في الغار. [طالع تاريخ بغداد: ج 8 ص 302، تهذيب الكمال للمزي: ج 1 ص 314، تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 1 ص 27، تاريخ دمشق: ج 5 ص 235، سير أعلام النبلاء: ج 12 ص 232، ميزان الاعتدال للذهبي: ج 1 ص 73 وغيرها).

12 - إن الذي كان حاضراً مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار، ليس سوى دليله ابن بكر، الذي التقى به النبي (صلى الله عليه وآله) في اليوم الأول من هجرته ومكوثه في الغار، فطلب منه مساعدته، واستجاب الرجل للأمر النبوي.

وقد ذكرت مصادر العامة أن ابن بكر كان مشركاً في ذلك الوقت! وهنا نضع علامة استفهام كبيرة، إذ لو كان ابن بكر مشركاً حقاً فما الداعي لأن يساعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!

إن هذا يكشف جزءاً من الحكمة النبوية، فلقد كان ابن بكر يمارس التقية، وكان يخفي إسلامه حتى يقوم بهذه المهمة العظيمة في حفظ رسول الإنسانية وإيصاله سالماً إلى المدينة. لقد كان ابن بكر معروفاً في أوساط كفار قريش بالكفر، وكان يتظاهر بعبادة الأوثان، حتى لا يشكوا فيه، خاصة أنه كان من أشهر الأدلاء على الطرق.

إنه لم يرد في التاريخ أن النبي (صلى الله عليه وآله) منح مكافأة لابن بكر، أو أنه كانت لديه مصلحة معينة معه، حتى نقول مثلاً أنه قد ساعد النبي في الهجرة لغرض دنيوي. فلابد لنا والحال هذه أن نقول بأن ابن بكر كان رجلاً مسلماً صالحاً قام بدوره بدافع من عقيدته.

والذي يؤيد ذلك أنه مادام غائباً عن أذهان مشركي قريش أن ابن بكر مسلم ومن أتباع محمد (صلى الله عليه وآله)؛ فإنه لا يكون مراقباً من قبلهم، وبذا يمكنه أن يوصل الطعام والأخبار إلى النبي في الغار طوال فترة مكوثه فيه، والبالغة ثلاثة أيام حتى يهدأ ويسكن الطلب عليه. ثم يتوجه به إلى المدينة.

والواضح أن ابن بكر في إحدى زياراته للنبي (صلى الله عليه وآله) في الغار، تفاجأ بمجيء مشركي قريش ووصولهم إلى الغار عن طريق الاستدلال على آثار قدمي النبي (صلى الله عليه وآله). وهنا حزن ابن بكر وخاف، فلجأ إلى الغار وطمأنه النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم انصرف المشركون بالإعجاز الإلهي ونزلت الآية.

13 - الظاهر أن الماكرين قد قاموا بتصحيف وتزوير كبيرين، ليوافق اسم (أبي بكر) اسم (ابن بكر). فقد غيروا اسم أبي بكر الحقيقي (عتيق) وجعلوه (عبد الله) ليوافق اسم (عبد الله) بن أريقط بن بكر. [مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 13 ص 35].

وبهذا بقي التغيير بين (ابن بكر) و(أبي بكر) وهو سهل وبسيط، لأن الكتابة في السابق لم تكن منقوطة، لذا فإن اسم أبي بكر وكذلك ابن بكر يكتبان بالطريقة نفسها.

ولهذا نظائر في التاريخ، فقد قام العباسيون بتصحيف اسم عباس بن نضلة الأنصاري، الصحابي الذي استشهد في معركة أحد، ليسرقوا فضائله ويلصقوها بالعباس بن عبد المطلب.

14 - إن الروايات التي تذكر هجرة أبي بكر مع خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) هي روايات إسرائيلية، لأنها تشتمل على بعض التفاصيل الواضح اتصالها باليهود وتراثهم.

من تلك القضايا، أن حمامة قد جاءت وباضت بيضة أمام الغار، وأن عنكبوتاً قد جاء ونسج خيوطه على فتحة الغار، الأمر الذي جعل المشركين يتوهمون عدم وجود أحد فيه.

وهذا الأمر مناقض للعقل وللصحيح من الروايات، لأن غار ثور - كما شاهدناه - هو غار صغير لا تتعدى مساحته مترين مربعين فقط، فمن غير الممكن أن يحجب أي شيء الرؤية إلى داخله، فلو وقف أي شخص أمام فتحة الغار لشاهد كل ما فيه بشكل واضح جداً، لأنه غار صغير، ويضاف إلى ذلك أن هناك فتحة أخرى جانبية في الغار، الأمر الذي يجعل الضوء ينفذ ويضيء الغار بأكمله مما يسهل الرؤية. لذا فلا معنى لخيوط عنكبوت ولبيضة حمامة، فالرؤية واضحة تماماً.

والحقيقة أنهم قد جاؤوا برواية العنكبوت من سيرة النبي داود (عليه السلام) في كتب اليهود، حيث نسج العنكبوت خيوطه على غار داود (عليه السلام) عندما لاحقه جالوت بغرض قتله. [تفسير القرطبي: ج13 ص 346].

والصحيح أن المشركين عندما وصلوا إلى الغار عميت أبصارهم ولم يتمكنوا من مشاهدة أي أحد داخل الغار، كما حصل عندما مر النبي (صلى الله عليه وآله) أمام أعينهم في خروجه من بيته في مكة المكرمة.

قال أبو الطفيل عامر بن واثلة عن أبيه: (كنت أطلب النبي فيمن يطلبه وهو في الغار، فنظرت فيه فلم أرَ أحداً). ونظر القرشيون في الغار أيضاً فلم يشاهدوا أحداً. [الإصابة: ج 7 ص 194].

إن هذا يؤكد أن المشركين قد عميت أبصارهم عن مشاهدة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذلك صاحبه ودليله عبد الله بن بكر.

15 - نجد في التاريخ أن أعاظم أصحاب الأئمة (صلوات الله عليهم) قد اتهموا بعدم اعتقادهم بوجود آية (ثاني اثنين إذ هما في الغار...) ضمن القرآن لأنهم لا يعتقدون بنزول آية واحدة في حق أبي بكر!

قال ابن حجر نقلاً عن الحافظ: (أخبرني النظام وبشر بن خالد قالا: قلنا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق: ويحك! أما استحييت لما قلت: إن الله لم يقل قط في القرآن: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)؟!

قال: فضحك طويلاً حتى خجلنا نحن وكنا نحن الذين قلنا ذلك). [لسان الميزان لابن حجر: ج 5 ص 108].

إن مؤمن الطاق من أعظم تلاميذ الإمام الصادق (عليه السلام) ولا يمكن أن يخرج عن اعتقاده، والواضح أن اتهامه بها الاتهام الخطير مرده إلى عدم اعتقاده بنزول أية آية في شأن أبي بكر، مما يعني أن آية (ثاني اثنين...) عنده نزلت في رجل آخر، وهو ابن بكر. ولذا وجدنا خصومه يشنعون عليه عندما رأوه ينفي نزول قرآن في حق أبي بكر.

والتهمة نفسها اتُّهِم بها هشام بن الحكم، الذي كان يقول بعدم نزول قرآن في شأن أبي بكر، وبذلك رموه بنقص القرآن لأنهم ربطوا آية الغار بأبي بكر غصباً! فيكون عندهم الذي لا يعتقد بنزول آيات في أبي بكر كمن يعتقد بنقص القرآن!

16 - كان العلماء والمثقفون والحكام من التابعين المنتشرين في شرق الأرض ومغربها عارفين بعدم صحبة أبي بكر للنبي (صلى الله عليه وآله) في الغار والهجرة،ومن هؤلاء محمد بن المهدي مؤسس الدولة الفاطمية الذي كان يكذب حضور أبي بكر في الغار وهجرته مع الرسول (صلى الله عليه وآله). [سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 12 ص 133].

ومحمد بن المهدي من العلماء الأشراف المنحدرين من نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد هاجر من الكوفة إلى شمال أفريقيا حيث مكنه الله تعالى من تأسيس أقوى دولة إسلامية في أفريقيا ثم ازدادت عظمة بعد سيطرتها على شبه جزيرة العرب والشام ومصر متخذة من القاهرة عاصمة لها.

إن مما هو بيّنٌ أن قصة هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) مع أبي بكر وحضوره وإياه في الغار هي من اختلاقات الأنظمة الحاكمة، ولقد شرحنا في كتابنا الذي سيصدر قريباً إن شاء الله تعالى كيفية ترسيخ الحكومات تاريخياً لهذه القصة في أذهان الناس، فقد قامت السلطة بحرق جميع الأحاديث الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لطمس كثير من الحقائق ومن بينها حقيقة أن الذي هاجر مع النبي هو دليله ابن بكر، وليس أبا بكر.

وما دام ذلك قد حصل فإنه يسهل الترويج لأية أكذوبة لأنه ما من مصدر يرجع إليه المسلمون للتأكد من صحة هذا الحديث. وقد استمرت سياسة التعتيم على الأحاديث النبوية حتى أيام عمر بن عبد العزيز الأموي، أي بعد عشرات السنين من حادثة الإحراق والمنع من تدوين السنة النبوية الشريفة.

ومثلما اختلق الأمويون رواية أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنتان قد زوجهما من عثمان بن عفان، مستفيدين من كونهما من ربيبات خديجة أم المؤمنين (عليها السلام)،كذلك فقد عمد رجال السقيفة ومن تبعهم من الأمويين إلى تزوير حادثة الغار وإلصاق أبي بكر بها زورا، مستفيدين من شخصية ابن بكر الذي هاجر مع النبي فعلاً. كما قام العباسيون بالاستفادة من شخصية العباس بن نضلة الأنصاري وسرقة فضائله لجدهم العباس بن عبد المطلب.

وبعد التوفيق الإلهي لنا في التوصل لهذه الحقائق العظيمة لنا أن ننفض غبار الأكاذيب عن السيرة النبوية العظيمة.

والوصول إلى الواقع نعمة ربانية عظيمة لنا بعد 1420 سنة من الجهل المطبق على هذه الحادثة.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وضوء النبي (ص) «القسم الثاني»+تکملة القسم الاول
مناظرات الامام الصادق علیه السلام
علاقة موضوع المعاد بقضية الروح
أهل البيت في كلام الإمام علي عليه ‌السلام
يومي المباهلة والتصدق بالخاتم وإطعام الطعام 24 و ...
دعاء ادریس
باقة من رسائل تهنئة عيدالغدير
السرّ الرابع - خواصّ الشيعة زوّار الإمام (عليه ...
سلوني قبل أن تفقدوني
ما هي حقيقة آيه الرجم ؟

 
user comment