عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

احتجاج الامام الصادق (ع ) مع الزنديق الذي ساله

الملحق الثاني احتجاج الامام الصادق (ع ) مع الزنديق الذي ساله

((1533)) عن معرفة اللّه وصفاته ومسائل دينية اخرى . جا في الاحتجاج :
ومـن سـؤال الـزنديق الذي سال ابا عبداللّه (ع ) عن مسائل كثيرة ان قال : كيف يعبد اللّه الخلق ولم يروه ؟.
قال : راته القلوب بنور الايمان , واثبتته العقول بيقظتها اثبات العيان , وابصرته الابصار بما راته من حسن التركيب واحكام التاليف , ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها , واقتصرت العلما على ما رات من عظمته دون رؤيته .
قال : اليس هو قادر ان يظهر لهم حتى يروه فيعرفوه فيعبد على يقين ؟ قال : ليس للمحال جواب .
قال : فمن اين اثبت انبيا ورسلا ؟.
قال (ع ) : انا لما اثبتنا ان لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق , وكان ذلك الصانع حكيما , لم يجز ان يشاهده خلقه , ولا ان يلامسوه , ولا ان يباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه , ثبت ان له سـفـرا فـي خلقه وعباده , يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم , وما به بقاؤهم , وفي تركه فناؤهم , فـثـبـت الامـرون والـناهون عن الحكيم العليم في خلقه , وثبت عند ذلك ان له معبرين وهم الانبيا وصـفـوتـه مـن خـلـقه ,حكما مؤدبين بالحكمة , مبعوثين عنه , مشاركين للناس في احوالهم على مـشـاركتهم لهم في الخلق والتركيب , مؤيدين من عند الحكيم العليم , بالحكمة والدلائل والبراهين والـشواهد : من احيا الموتى , وابرا الاكمة والابرص , فلا تخلو الارض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته .
ثـم قـال (ع ) ـ بعد ذلك ـ : نحن نزعم ان الارض لا تخلو من حجة , ولا تكون الحجة الا من عقب الانـبـيـا , ومـا بعث اللّه نبيا قط من غير نسل الانبيا , وذلك ان اللّه شرع لبني آدم طريقا منيرا , واخـرج من آدم نسلا طاهرا طيبا , اخرج منه الانبياوالرسل , هم صفوة اللّه , وخلص الجوهر , طهروا في الاصلاب , وحفظوا في الارحام ,لم يصبهم سفاح الجاهلية , ولا شاب انسابهم , لان اللّه عزوجل جعلهم في موضع لايكون اعلى درجة وشرفا منه , فمن كان خازن علم اللّه , وامين غيبه , ومستودع سره ,وحجته على خلقه , وترجمانه ولسانه , لا يكون الا بهذه الصفة , فالحجة لا تكون الا من نسلهم , يقوم مقام النبي (ص ) في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول , ان جحده الناس سكت , وكان بقا ما عليه الناس قليلا مما في ايديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه , قد اقاموا بـيـنهم الراي والقياس , وانهم ان اقروا به واطاعوه واخذوا عنه , ظهر العدل , وذهب الاختلاف والـتشاجر , واستوى الامر , وابان الدين ,وغلب على الشك اليقين , ولا يكاد ان يقر الناس به ولا يـطـيعوا له , او يحفظوا له بعدفقد الرسول , وما مضى رسول ولا نبي قط الا وقد تختلف امته من بعده , وانما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة وتركهم اياه .
قال : فما يصنع بالحجة اذا كان بهذه الصفة ؟.
قـال (ع ) : قد يقتدى به ويخرج عنه الشي بعد الشي مكانه منفعة الخلق وصلاحهم , فان احدثوا في دين اللّه شيئا اعلمهم , وان زادوا فيه اخبرهم , وان نقصوامنه شيئا افادهم .
ثم قال الزنديق : من اي شي خلق اللّه الاشيا ؟ قال (ع ) : من لا شي .
فقال : كيف يجي من لا شي شي ؟.
قال (ع ) : ان الاشيا لا تخلو ان تكون خلقت من شي او من غير شي , فان كانت خلقت من شي كان معه , فـان ذلـك الـشي قديم , والقديم لا يكون حديثا , ولايفني ولا يتغير , ولا يخلو ذلك الشي من ان يـكـون جـوهـرا واحـدا ولـونا واحدا , فمن اين جات هذه الالوان المختلفة , والجواهر الكثيرة الـموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ؟ ومن اين جا الموت ان كان الشي الذي انشئت منه الاشيا حيا ؟ ومن اين جات الحياة ان كان ذلك الشي ميتا ؟ ولا يجوز ان يكون من حي وميت قديمين لم يزالا , لان الـحي لا يجي منه ميت وهو لم يزل حيا , ولا يجوز ايضا ان يكون الميت قديما لم يزل بما هو به من الموت , لان الميت لا قدرة له ولا بقا.
قال : فمن اين قالوا ان الاشيا ازلية ؟.
قـال (ع ) : هـذه مقالة قوم جحدوا مدبر الاشيا , فكذبوا الرسل ومقالتهم ,والانبيا وما انباوا عنه , وسـموا كتبهم اساطير , ووضعوا لانفسهم دينا برائهم واستحسانهم , ان الاشيا تدل على حدوثها , مـن دوران الـفـلـك بـمـا فيه , وهي تسعة افلاك وتحرك الارض ومن عليها , وانقلاب الازمنة , واخـتـلاف الـوقت , والحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان , وموت وبلا , واضطرار النفس الى الاقراربان لها صانعا ومدبرا , اما ترى الحلو يصير حامضا , والعذب مرا , والجديد باليا , وكل الى تغير وفنا ؟ قال : فلم يزل صانع العالم عالما بالاحداث التي احدثها قبل ان يحدثها ؟.
قال (ع ) : فلم يزل يعلم فخلق ما علم .
قال : امختلف هو ام مؤتلف ؟.
قال (ع ) : لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف , انما يختلف المتجزي , وياتلف المتبعض , فلا يقال له : مؤتلف ولا مختلف .
قال : فكيف هو اللّه الواحد ؟.
قـال (ع ) : واحد في ذاته , فلا واحد كواحد , لان ما سواه من الواحد متجزي ,وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزى , ولا يقع عليه العد.
قال : فلاي علة خلق الخلق وهو غير محتاج اليهم , ولا مضطر الى خلقهم , ولايليق به التعبث بنا ؟.
قال (ع ) : خلقهم لاظهار حكمته , وانفاذ علمه , وامضا تدبيره .
قال : وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ومحتبس عقابه ؟.
قال (ع ) : ان هذه الدار دار ابتلا , ومتجر الثواب , ومكتسب الرحمة , ملئت آفات , وطبقت شهوات , ليختبر فيها عبيده بالطاعة , فلا يكون دار عمل دار جزا.
قـال : افـمن حكمته ان جعل لنفسه عدوا , وقد كان ولا عدو له , فخلق كما زعمت (( ابليس )) , فسلطه على عبيده يدعوهم الى خلاف طاعته , ويامرهم بمعصيته , وجعل له من القوة كما زعمت , يـصل بلطف الحيلة الى قلوبهم , فيوسوس اليهم فيشككهم في ربهم , ويلبس عليهم دينهم , فيزيلهم عـن معرفته , حتى انكر قوم لما وسوس اليهم ربوبيته وعبدوا سواه , فلم سلط عدوه على عبيده , وجعل له السبيل الى اغوائهم ؟.
قـال (ع ) : ان هـذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته , ولا تنفعه ولايته ,وعداوته لا تنقص من مـلكه شيئا , وولايته لا تزيد فيه شيئا , وانما يتقى العدو اذا كان في قوة يضر وينفع , ان هم بملك اخذه , او بسلطان قهره , فاما ابليس فعبد , خلقه ليعبده ويوحده , وقد علم حين خلقه ما هو والى ما يـصـيـر اليه , فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم , فامتنع من ذلك حسدا , وشقاوة غـلـبـت عليه فلعنه عند ذلك ,واخرجه عن صفوف الملائكة , وانزله الى الارض ملعونا مدحورا فـصـار عـدو آدم وولـده بـذلـك الـسبب , وماله من السلطنة على ولده الا الوسوسة , والدعا الى غيرالسبيل , وقد اقر مع معصيته لربه بربوبيته .
قال : افيصلح السجود لغير اللّه ؟.
قال (ع ) : لا.
قال : فكيف امر اللّه الملائكة بالسجود لادم ؟.
فقال : ان من سجد بامر اللّه فقد سجد للّه , فكان سجوده للّه اذا كان عن امر اللّه تعالى .
قال : فمن اين اصل الكهانة , ومن اين يخبر الناس بما يحدث ؟.
قـال (ع ) : ان الـكهانة كانت في الجاهلية , في كل حين فترة من الرسل , كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون اليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم , فيخبرهم عن اشيا تحدث , وذلك من وجوه شتى : فـراسة العين , وذكا القلب , ووسوسة النفس ,وفتنة الروح , مع قذف في قلبه , لان ما يحدث في الارض مـن الـحـوادث الـظاهرة :فذلك يعلم الشيطان ويؤديه الى الكاهن , ويخبره بما يحدث في المنازل والاطراف .
وامـا اخـبـار الـسما , فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك ,وهي لا تحجب , ولا تـرجـم بالنجوم , وانما منعت من استراق السمع , لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي من خبر الـسـما , ويلبس على اهل الارض ما جاهم عن اللّه , لاثبات الحجة , ونفي الشبهة , وكان الشيطان يـسـتـرق الـكلمة الواحدة من خبرالسما بما يحدث من اللّه في خلقه , فيختطفها , ثم يهبط بها الى الارض , فيقذفها الى الكاهن , فاذا قد زاد كلمات من عنده , فيخلط الحق بالباطل , فما اصاب الكاهن مـن خبر مما كان يخبر به , فهو ما اداه اليه شيطانه مما سمعه , وما اخطا فيه , فهو من باطل ما زاد فيه , فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة , واليوم انماتؤدي الشياطين الى كهانها اخبارا للناس مما يتحدثون به , وما يحدثونه , والشياطين تؤدي الى الشياطين ما يحدث في البعد من الـحـوادث مـن سرق , ومن قاتل قتل , ومن غائب غاب , وهم بمنزلة [ امثال ] الناس ايضا , صدوق وكذوب .
قـال : فـكـيـف صـعدت الشياطين الى السما , وهم امثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود(ع ) من البنا ما يعجز عنه ولد آدم ؟.
قـال (ع ) : غـلـظـوا لـسـليمان كما سخروا وهم خلق رقيق , غذاؤهم النسيم , والدليل على ذلك صعودهم الى السما لاستراق السمع , ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقااليها الا بسلم او بسبب .
قال : فاخبرني عن السحر ما اصله , وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه , وما يفعل ؟.
قال (ع ) : ان السحر على وجوه شتى : وجه منها : بمنزلة الطب , كما ان الاطباوضعوا لكل دا دوا , فكذلك علم السحر , احتالوا لكل صحة آفة , ولكل عافية عاهة , ولكل معنى حيلة .
ونوع منه آخر : خطفة وسرعة ومخاريق وخفة .
ونوع منه : ما ياخذ اوليا الشياطين عنهم .
قال : فمن اين علم الشياطين السحر ؟.
قال (ع ) : من حيث عرف الاطبا الطب , بعضه تجربة وبعضه علاج .
قال : فما تقول في الملكين : هاروت وماروت ؟ وما يقول الناس بانهما يعلمان الناس السحر ؟.
قال (ع ) : انهما موضع ابتلا وموقف فتنة , تسبيحهما : اليوم لو فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا , ولو يـعـالـج بكذا وكذا لصار كذا , اصناف السحر , فيتعلمون منهماما يخرج عنهما , فيقولان لهم : انما نحن فتنة فلا تاخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم .
قال : افيقدر الساحر ان يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب او الحمار او غيرذلك ؟.
قـال (ع ) : هـو اعـجـز من ذلك , واضعف من ان يغير خلق اللّه , ان من ابطل ما ركبه اللّه وصوره وغـيـره فهو شريك اللّه في خلقه , تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا , لو قدرالساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والافة والامراض , ولنفي البياض عن راسه والفقر عن ساحته , وان من اكبر السحر النميمة , يفرق بها بين المتحابين , ويجلب العداوة على المتصافيين , ويسفك بها الدما , ويهدم بـهـا الـدور ويـكـشف بها الستور ,والنمام اشر من وطئ الارض بقدم , فاقرب اقاويل السحر من الـصـواب انـه بـمنزلة الطب , ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النسا فجا الطبيب فعالجه بغيرذلك العلاج , فابرئ .
قال : فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع ؟ قال : الشريف المطيع , والوضيع العاصي .
قال اليس فيهم فاضل ومفضول ؟.
قال (ع ) : انما يتفاضلون بالتقوى .
قال : فتقول ان ولد آدم كلهم سوا في الاصل لا يتفاضلون الا بالتقوى ؟.
قال (ع ) : نعم اني وجدت اصل الخلق التراب , والاب آدم والام حوا , خلقهم اله واحد , وهم عبيده , ان اللّه عـزوجـل اخـتار من ولد آدم اناسا طهر ميلادهم , وطيب ابدانهم , وحفظهم في اصلاب الـرجـال وارحـام الـنـسـا , اخرج منهم الانبيا والرسل ,فهم ازكى فروع آدم , ما فعل ذلك لامر استحقوه من اللّه عزوجل ولكن علم اللّه منهم ـحين ذراهم ـ انهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون بـه شـيـئا فـهؤلا بالطاعة نالوا من اللّه الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده , وهؤلا الذين لهم الشرف والـفـضل والحسب , وسايرالناس سوا , الا من اتقى اللّه اكرمه , ومن اطاعه احبه , ومن احبه لم يعذبه بالنار قال : فاخبرني عن اللّه عزوجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا ؟.
قـال (ع ) : لـو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب , لان الطاعة اذا ما كانت فعلهم لم تكن جنة ولا نار , ولكن خلق خلقه فامرهم بطاعته , ونهاهم عن معصيته , واحتج عليهم برسله , وقطع عذرهم بكتبه , ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون , ويستوجبون بطاعتهم له الثواب , وبمعصيتهم اياه العقاب .
قال : فالعمل الصالح من العبد هو فعله , والعمل الشر من العبد هو فعله ؟.
قال (ع ) : العمل الصالح من العبد بفعله واللّه به امره , والعمل الشر من العبدبفعله واللّه عنه نهاه .
قال : اليس فعله بالالة التي ركبها فيه ؟.
قال (ع ) : نعم ولكن بالالة التي عمل بها الخير , قدر على الشر الذي نهاه عنه .
قال : فالى العبد من الامر شي ؟.
قال : ما نهاه اللّه عن شي الا وقد علم انه يطيق تركه , ولا امره بشي الا وقدعلم انه يستطيع فعله , لانه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد ما لايطيقون .
قال فمن خلقه اللّه كافرا ايستطيع الايمان وله عليه بتركه الايمان حجة ؟.
قـال (ع ) : ان اللّه خـلق خلقه جميعا مسلمين , امرهم ونهاهم , والكفر اسم يلحق الفاعل حين يفعله العبد , ولم يخلق اللّه العبد حين خلقه كافرا , انه انما كفر من بعد ان بلغ ‌وقتا لزمته الحجة من اللّه , فعرض عليه الحق فجحده , فبانكاره الحق صار كافرا.
قـال : افـيجوز ان يقدر على العبد الشر , ويامره بالخير وهو لا يستطيع الخير ان يعمله , ويعذبه عليه ؟.
قال (ع ) : انـه لا يليق بعدل اللّه ورافته ان يقدر على العبد الشر ويريده منه , ثم يامره بما يعلم انـه لا يـسـتـطيع اخذه , والانزاع عما لا يقدر على تركه , ثم يعذبه على تركه امره الذي علم انـه لا يستطيع اخذه .
قال : بماذا استحق الذين اغناهم واوسع عليهم من رزقه الغنا والسعة , وبماذااستحق الفقير التقتير والضيق ؟.
قال (ع ) : اختبر الاغنيا بما اعطاهم لينظر كيف شكرهم , والفقرا بما منعهم لينظر كيف صبرهم .
ووجه آخر : انه عجل لقوم في حياتهم , ولقوم آخر ليوم حاجتهم اليه .
ووجـه آخـر : فـانه علم احتمال كل قوم فاعطاهم على قدر احتمالهم , ولو كان الخلق كلهم اغنيا لـخربت الدنيا وفسد التدبير , وصار اهلها الى الفنا , ولكن جعل بعضهم لبعض عونا , وجعل اسباب ارزاقهم في ضروب الاعمال وانواع الصناعات ,وذلك ادوم في البقا , واصح في التدبير , ثم اختبر الاغنيا بالاستعطاف على الفقرا ,كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره .
قـال : فـبما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الاوجاع والامراض بلا ذنب عمله ,ولا جرم سلف منه ؟.
قـال : ان الـمـرض على وجه شتى : مرض بلوى , ومرض عقوبة , ومرض جعل علة للفنا , وانت تزعم ان ذلك من اغذية ردية , واشربة وبية
((1534)) , او علة كانت بامه ,وتزعم ان من احسن السياسة لبدنه , واجمل النظر في احوال نفسه , وعرف الضار مماياكل من النافع لم يمرض , وتميل فـي قـولـك الـى من يزعم انه لا يكون المرض والموت الا من المطعم والمشرب طـاليس معلم الاطبا , وافلاطون رئيس الحكما , وجالينوس شاخ ودق بصره , وما دفع الموت حين نـزل بـساحته , ولم يالواحفظ انفسهم , والنظر لما يوافقها , كم من مريض قد زاده المعالج سقما , وكـم مـن طـبـيب عالم , وبصير بالادوا والادوية ماهر , مات , وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا , فـلاذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور اجله , ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقا المدة وتاخر الاجل .
ثـم قال (ع ) : ان اكثر الاطبا قالوا : ان علم الطب لم تعرفه الانبيا , فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعـمـوا لـيـس تعرفه الانبيا الذين كانوا حجج اللّه على خلقه ,وامناه في ارضه , وخزان علمه , وورثة حكمته , والادلا عليه , والدعاة الى طاعته ؟.
ثـم اني وجدت اكثرهم يتنكب
((1535)) في مذهبه سبل الانبيا , ويكذب الكتب المنزلة عليهم من اللّه تبارك وتعالى , فهذا الذي ازهدني في طلبه وحامليه .
قال : فكيف تزهد في قوم وانت مؤدبهم وكبيرهم ؟.
قـال (ع ) : انـي لـما رايت الرجل الماهر في طبه اذا سالته لم يقف على حدودنفسه , وتاليف بدنه , وتركيب اعضائه , ومجرى الاغذية في جوارحه , ومخرج نفسه ,وحركة لسانه , ومستقر كلامه , ونـور بـصره , وانتشار ذكره , واختلاف شهواته ,وانسكاب عبراته , ومجمع سمعه , وموضع عقله , ومسكن روحه , ومخرج عطسته ,وهيج غمومه , واسباب سروره , وعلة ما حدث فيه من بـكـم وصـمـم وغير ذلك , لم يكن عندهم في ذلك اكثر من اقاويل استحسنوها , وعلل فيما بينهم جوزوها.
قال : فاخبرني عن اللّه عزوجل اله شريك في ملكه , او مضاد له في تدبيره ؟.
قال (ع ) : لا.
قال : فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم : من سباع ضارية , وهوام مخوفة ,وخلق كثير مشوهة , ودود وبعوض وحيات وعقارب , وزعمت انه لا يخلق شيئا الا لعلة , لانه لا يعبث ؟ قـال : الـسـت تزعم ان العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة , ولمن يبول في الفراش , وان افضل الترياق ما عولج من لحوم الافاعي , فان لحومها اذا اكلها المجذوم بشب
((1536)) نفعه , وتزعم ان الدود الاحمر الذي ى صاب تحت الارض نافع للاكلة ؟قال (ع ) : نعم .
ثـم قـال (ع ) : فاما البعوض والبق فبعض سببه انه جعل ارزاق بعض الطير , واهان بها جبارا تمرد عـلـى اللّه وتـجـبر , وانكر ربوبيته , فسلط اللّه عليه اضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته , وهي الـبعوضة فدخلت في منخره حتى وصلت الى دماغه فقتلته واعلم انا لو وقفنا على كل شي خلقه اللّه تعالى لم خلقه ؟ ولاي شي انشاه ؟ لكنا قدساويناه في علمه , وعلمنا كلما يعلم واستغنينا عنه , وكنا وهو في العلم سوا.
قال : فاخبرني هل يعاب شي من خلق اللّه وتدبيره ؟ قال (ع ) : لا.
قال : فان اللّه خلق خلقه غرلا
((1537)) , اذلك منه حكمة ام عبث ؟.
قال (ع ) : بل حكمة منه .
قال : غيرتم خلق اللّه , وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة اصوب مما خلق اللّه لها ,وعبتم الاغلف واللّه خلقه , ومدحتم الختان وهو فعلكم ام تقولون ان ذلك من اللّه كان خطا غير حكمة ؟ قـال (ع ) : ذلـك من اللّه حكمة وصواب , غير انه سن ذلك واوجبه على خلقه , كماان المولود اذا خرج من بطن امه وجدنا سرته متصلة بسرة امه كذلك خلقها الحكيم فامر العباد بقطعها , وفي تركها فـسـاد بين للمولود والام , وكذلك اظفار الانسان امر اذاطالت ان تقلم , وكان قادرا يوم دبر خلق الانسان ان يخلقها خلقة لا تطول , وكذلك الشعر من الشارب والراس يطول فيجز , وكذلك الثيران خلقها اللّه فحولة واخصاؤهااوفق , وليس في ذلك عيب في تقدير اللّه عزوجل .
قـال : الـسـت تقول : ان اللّه تعالى قال : ( ادعوني استجب لكم )
((1538)) , وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له , والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره ؟.
قـال (ع ) : ويـحك وامـا الـمـحـق فـانه اذا دعاه استجاب له , وصرف عنه البلا من حيث لايعلمه , او ادخر له ثوابا جـزيلا ليوم حاجته اليه , وان لم يكن الامر الذي سال العبد خيراله ان اعطاه امسك عنه , والمؤمن العارف باللّه ربما عز عليه ان يدعوه فيما لا يدري اصواب ذلك ام خطا , وقد يسال العبد ربه اهلاك مـن لم تنقطع مدته , ويسال المطروقتا ولعله اوان لا يصلح فيه المطر , لانه اعرف بتدبير ما خلق من خلقه , واشباه ذلك كثيرة فافهم هذا.
قـال : فاخبرني ايها الحكيم , ما بال السما لا ينزل منها الى الارض احد , ولايصعد من الارض اليها بـشـر , ولا طريق اليها , ولا مسلك , فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد اليها وينزل , لكان ذلـك اثبت في الربوبية , وانفى للشك واقوى لليقين , واجدران يعلم العباد ان هناك مدبرا اليه يصعد الصاعد ومن عنده يهبط الهابط ؟ قـال (ع ) : ان كـل مـا تـرى في الارض من التدبير انما هو ينزل من السما , ومنهايظهر , اما ترى الشمس منها تطلع , وهي نور النهار , ومنها قوام الدنيا ولو حبست حارمن عليها وهلك , والقمر منها يـطـلـع , وهو نور الليل , وبه يعلم عدد السنين والحساب ,والشهور والايام , ولو حبس لحار من عـليها وفسد التدبير , وفي السما النجوم التي يهتدي بها في ظلمات البر والبحر , ومن السما ينزل الـغـيـث الذي فيه حياة كل شي :من الزرع والنبات والانعام وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا , والـريـح لو حبست اياما لفسدت الاشيا جميعا وتغيرت , ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق , كل ذلـك انـمـا هو دليل على ان هناك مدبر يدبر كل شي ومن عنده ينزل , وقد كلم اللّه موسى وناجاه , ورفـع اللّه عـيسى بن مريم والملائكة تنزل من عنده , غير انك لا تؤمن بما لم تره بعينك , وفيما تراه بعينك كفاية ان تفهم وتعقل .
قـال : فـلـو ان اللّه تـعالى رد الينا من الاموات في كل مائة عام واحدا لنساله عمن مضى منا , الى ما صاروا وكيف حالهم , وماذا لقوا بعد الموت , واي شي صنع بهم ,ليعمل الناس على اليقين , واضمحل الشك , وذهب الغل عن القلوب .
قـال (ع ) : ان هـذه مقالة من انكر الرسل وكذبهم , ولم يصدق بما جاوا به من عند اللّه , اذ اخبروا وقالوا : ان اللّه اخبر في كتابه عزوجل على لسان انبيائه , حال من مات منا , افيكون احد اصدق من اللّه قولا ومن رسله .
وقد رجع الى الدنيا ممن مات خلق كثير , منهم (( اصحاب الكهف )) اماتهم اللّه ثلاثمائة عام وتسعة , ثم بعثهم في زمان قوم انكروا البعث , ليقطع حجتهم , وليريهم قدرته , وليعلموا ان البعث حق .
وامـات اللّه (( ارمـيا )) النبي (ع ) الذي نظر الى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نـصـر
((1539)) , وقال : ( انى يـحي هـذه اللّه بعد موتها فاماته اللّه مائة عام ) ((1540)) ثم احياه ونظر الى اعضائه كيف تلتئم , وكيف تلبس اللحم , والى مفاصله وعـروقه كيف توصل , فلما استوى قاعدا قال : ( اعلم ان اللّه على كل شي قدير ) ((1541)) .
واحـيـا اللّه قـوما خرجوا عن اوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم ,فاماتهم اللّه دهرا طـويـلا حـتى بليت عظامهم , وتقطعت اوصالهم , وصاروا ترابا , فبعث اللّه في وقت احب ان يري خـلـقـه قـدرتـه نبيا يقال له : (( حزقيل ))
((1542)) فدعاهم فاجتمعت ابدانهم , ورجعت فيها ارواحـهـم , وقـامـوا كـهـيـئة يـوم ماتوا , لا يفقدون من اعدادهم رجلا, فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا ((1543)) .
وان اللّه امـات قـوما خرجوا مع موسى (ع ) حين توجه الى اللّه عزوجل فقالوا :( ارنا اللّه جهرة )
((1544)) فاماتهم اللّه ثم احياهم .
قال : فاخبرني عمن قال بتناسخ الارواح , من اي شي قالوا ذلك , وباي حجة قاموا على مذاهبهم ؟.
قـال (ع ) : ان اصـحـاب الـتـنـاسـخ قـد خلفوا وراهم منهاج الدين , وزينوا لانفسهم الضلالات , وامـرجـوا
((1545)) انفسهم في الشهوات وزعموا ان السما خاوية ما فيها شي مما يوصف , وان مـدبـر هـذا العالم في صورة المخلوقين , بحجة من روى ان اللّه عزوجل خلق آدم على صورته , وانـه لا جـنـة ولا نار , ولا بعث ولا نشور , والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر , ان كان محسنا في القالب الاول اعيد في قالب افضل منه حسنا في اعلى درجة من الدنيا , وان كـان مـسـيـئا او غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا , او هوام مشوهة الخلقة ولـيس عليهم صوم ولا صلاة , ولاشي من العبادة اكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته وكل شي من شهوات الدنيامباح لهم : من فروج النسا وغير ذلك من الاخوات والبنات والخالات وذوات البعولة .

وكـذلك الميتة , والخمر , والدم , فاستقبح مقالتهم كل الفرق , ولعنهم كل الامم ,فلما سئلوا الحجة زاغوا وحادوا , فكذب مقالتهم التوارة , ولعنهم الفرقان , وزعموا مع ذلك ان الههم ينتقل من قالب الى قـالب , وان الارواح الازلية هي التي كانت في آدم ,ثم هلم جرا تجري الى يومنا هذا في واحد بعد آخر , فاذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على ان احدهما خالق صاحبه ؟ وقـالـوا : ان الـملائكة من ولد آدم كل من صار في اعلى درجة من دينهم خرج من منزلة الامتحان والـتصفية فهو ملك , فطورا تخالهم نصارى في اشيا , وطورا دهرية يقولون : ان الاشيا على غير الـحـقـيقة , فقد كان يجب عليهم ان لا ياكلوا شيئا من اللحمان , لان الدواب كلها عندهم من ولد آدم حولوا من صورهم , فلا يجوز اكل لحوم القرابات .
قال : ومن زعم ان اللّه لم يزل ومعه طينة مؤذية , فلم يستطع التفصي منها الا بامتزاجه بها ودخوله فيها , فمن تلك الطينة خلق الاشيا قال (ع ) : سبحان اللّه وتعالى الـطينة حية ازلية , فكانا الهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من انفسهما , فان كان ذلك كذلك , فمن اين جا الموت والفنا ؟ وان كانت الطينة ميتة فلابقا للميت مع الازلي القديم , والميت لا يجي منه حي , وهـذه مقالة الديصانية
((1546)) ,اشد الزنادقة قولا وامهنهم مثلا , نظروا في كتب قد صنفتها اوائلـهم , وحبروها لهم بالفاظ مزخرفة من غير اصل ثابت , ولا حجة توجب اثبات ما ادعوا , كل ذلك خلافاعلى اللّه وعلى رسله وتكذيبا بما جاوا به عن اللّه تعالى .
فـاما من زعم ان الابدان ظلمة , والارواح نور , وان النور لا يعمل الشر والظلمة لا تعمل الخير , فـلا يجب عليهم ان يلوموا احدا على معصية , ولا ركوب حرمة , ولااتيان فاحشة , وان ذلك على الـظـلـمـة غـير مستنكر , لان ذلك فعلها ولا له ان يدعو ربا ,ولا يتضرع اليه , لان النور رب , والرب لا يتضرع الى نفسه ولا يستعيذ بغيره , ولالاحد من اهل هذه المقالة ان يقول : (( احسنت )) يـا مـحـسن او (( اسات )) , لان الاساة من فعل الظلمة وذلك فعلها , والاحسان من النور , ولا يقول النور لنفسه احسنت يامحسن , وليس هناك ثالث , فكانت الظلمة على قياس قولهم , احكم فعلا واتـقـن تـدبـيراواعز اركانا من النور , لان الابدان محكمة , فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة ؟.
وكـل شـي يـرى ظـاهرا من الزهر والاشجار والثمار والطيور والدواب يجب ان يكون الها , ثم حبست النور في حبسها والدولة لها , واما ما ادعوا بان العاقبة سوف تكون للنور , فدعوى , وينبغي على قياس قولهم ان لا يكون للنور فعل , لانه اسير ,وليس له سلطان , فلا فعل له ولا تدبير , وان كان له مع الظلمة تدبير , فما هو باسير , بل هو مطلق عزيز , فان لم يكن كذلك وكان اسير الظلمة , فـانـه يـظهر في هذا العالم احسان وخير مع فساد وشر , فهذا يدل على ان الظلمة تحسن الخير وتفعله , كما تحسن الشروتفعله , فان قالوا محال ذلك , فلا نور يثبت ولا ظلمة , وبطلت دعواهم , ورجع الامرالى ان اللّه واحد وما سواه باطل , فهذه مقالة ماني الزنديق واصحابه
((1547)) .
واما من قال : النور والظلمة بينهما حكم , فلابد من ان يكون اكبر الثلاثة الحكم , لانه لا يحتاج الى الحاكم الا مغلوب او جاهل او مظلوم , وهذه مقالة المانوية والحكاية عنهم تطول .
قال : فما قصة ماني ؟.
قال (ع ) : متفحص اخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية , فاخطاالملتين , ولم يصب مذهبا واحـدا منهما , وزعم ان العالم دبر من الهين , نور وظلمة ,وان النور في حصار من الظلمة على ما حكينا عنه , فكذبته النصارى , وقبلته المجوس .
قال : فاخبرني عن المجوس ابعث اللّه اليهم نبيا ؟ فاني اجد لهم كتبا محكمة ومواعظبليغة , وامثالا شافية , يقرون بالثواب والعقاب , ولهم شرايع يعملون بها.
قـال (ع ) : ما من امة الا خلا فيها نذير , وقد بعث اليهم نبي بكتاب من عند اللّه ,فانكروه وجحدوا كتابه .
قال : ومن هو فان الناس يزعمون انـه خالد بن سنان ؟.
قال (ع ) : ان خالدا كان عربيا بدويا ما كان نبيا , وانما ذلك شي يقوله الناس .
قال : افزردشت ؟.
قال (ع ) : ان زردشت اتاهم بزمزمة , وادعى النبوة , فمن منهم قوم وجحده قوم , فاخرجوه فاكلته السباع في برية من الارض .
قال : فاخبرني عن المجوس كانوا اقرب الى الصواب في دهرهم , ام العرب ؟.
قـال (ع ) : الـعـرب فـي الجاهلية , كانت اقرب الى الدين الحنيفي من المجوس ,وذلك ان المجوس كـفـرت بـكل الانبيا وجحدت كتبهم , وانكرت براهينهم ولم تاخذبشي من سننهم وآثارهم , وان كيخسرو ملك المجوس في الدهر الاول قتل ثلاثمائة نبي , وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة , والعرب كانت تغتسل , والاغتسال من خالص شرايع الحنيفية , وكانت المجوس لا تختتن , والعرب تـخـتتن , وهو من سنن الانبيا , وان اول من فعل ذلك ابراهيم خليل اللّه , وكانت المجوس لا تغسل موتاها في الصحارى والنواويس , والعرب تواريها في قبورها وتلحدها , وكذلك السنة على الرسل , ان اول مـن حفر له قبر آدم ابو البشر , والحد له لحد , وكانت المجوس تاتي الامهات وتنكح البنات والاخوات , وحرمت ذلك العرب , وانكرت المجوس بيت اللّه وسمته بيت الشيطان , والعرب كانت تـحـجه وتعظمه , وتقول : بيت ربنا , وتقر بالتوراة والانجيل , وتسال اهل الكتاب , وتاخذ عنهم , وكانت العرب في كل الاسباب اقرب الى الدين الحنيفي من المجوس .
قال : فانهم احتجوا باتيان الاخوات انها سنة من آدم .
قال (ع ) : فما حجتهم في اتيان البنات والامات , وقد حرم ذلك آدم , وكذلك نوح وابراهيم وموسى وعيسى وسائر الانبيا , وكل ما جا عن اللّه عزوجل .
قال : فلم حرم اللّه الخمر ولا لذة افضل منها ؟.
قال (ع ) : حرمها لانها ام الخبائث وراس كل شر , ياتي على شاربها ساعة يسلب لبه , ولا يعرف ربه , ولا يـتـرك مـعصية الا ركبها ولا حرمة الا انتهكها ولا رحماماسة
((1548)) الا قطعها , ولا فاحشة الا اتاها , والسكران زمامه بيد الشيطان , ان امره ان يسجد للاوثان سجد , وينقاد ما قاده .
قال : فلم حرم الدم المسفوح ؟.
قال (ع ) : لانه يورث القساوة , ويسلب الفؤاد رحمته , ويعفن البدن , ويغيراللون , واكثر ما يصيب الانسان الجذام يكون من اكل الدم .
قال : فاكل الغدد ؟ قال : يورث الجذام .
قال : فالميتة لم حرمها ؟.
قـال (ع ) : فـرقا بينها وبين ما يذكى ويذكر عليه اسم اللّه , والميتة قد جمد فيهاالدم وتراجع الى بدنها , فلحمها ثقيل غير مري , لانها يؤكل لحمها بدمها.
قال : فالسمك ميتة ؟.
قال (ع ) : ان السمك ذكاته اخراجه حيا من الما , ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه , وذلك انـه ليس له دم , وكذلك الجراد.
قال : فلم حرم الزنا ؟.
قـال (ع ) : لـمـا فـيه من الفساد , وذهاب المواريث , وانقطاع الانساب , لا تعلم المراة في الزنا من احبلها , ولا المولود يعلم من ابوه , ولا ارحام موصولة , ولا قرابة معروفة .
قال : فلم حرم اللواط ؟.
قـال (ع ) : من اجل انه لو كان اتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النسا ,وكان فيه قطع النسل , وتعطيل الفروج , وكان في اجازة ذلك فساد كثير.
قال : فلم حرم اتيان البهيمة ؟.
قـال (ع ) : كـره ان يـضـيـع الـرجـل مـاه , ويـاتـي غـيـر شكله , ولو اباح ذلك لربط كل رجل اتـانـا
((1549)) يـركب ظهرها , ويغشى فرجها , فيكون في ذلك فساد كثير , فاباح ظهورها , وحرم عليهم فروجها , وخلق للرجال النسا , ليانسوا بهن , ويسكنوا اليهن ,ويكن موضع شهواتهم , وامهات اولادهم .
قال : فما علة الغسل من الجنابة , وانما اتى حلالا وليس في الحلال تدنيس ؟.
قال (ع ) : ان الجنابة بمنزلة الحيض , وذلك ان النطفة دم لم يستحكم , ولايكون الجماع الا بحركة شـديـدة وشـهوه غالبة , فاذا فرغ [ الرجل ] تنفس البدن , ووجدالرجل من نفسه رائحة كريهة , فوجب الغسل لذلك , وغسل الجنابة مع ذلك امانة ائتمن اللّه عليها عبيده ليختبرهم بها.
قال : ايها الحكيم قـال (ع ) : يحتاجون الى دليل , ان هذا العالم الاكبر والعالم الاصغر من تدبيرالنجوم التي تسبح في الفلك , وتدور حيث دارت متعبة لا تفتر , وسائرة لا تقف .
ثم قال (ع ) : وان لكل نجم منها موكل مدبر , فهي بمنزلة العبيد المامورين المنهيين , فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الى حال .
قال : فمن قال بالطبايع ؟.
قال (ع ) : القدرية , فذلك قول من لم يملك البقا , ولا صرف الحوادث وغيرته الايام والليالي , لا يرد الهرم , ولا يدفع الاجل , ما يدري ما يصنع به
((1550)) .
قـال : فـاخبرني عمن زعم ان الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون ويذهب قرن ويجي قرن , تفنيهم الامـراض والاعـراض وصـنوف الافات , ويخبرك الاخر عن الاول ,وينبئك الخلف عن السلف , والـقـرون عن القرون , انهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات , في كل دهر يـخـرج مـنـه حـكيم عليم بمصلحة الناس , بصير بتاليف الكلام , ويصنف كتابا قد حبره بفطنته , وحـسـنـه بحكمته , قد جعله حاجزا بين الناس ,يامرهم بالخير ويحثهم عليه , وينهاهم عن السؤ والفساد ويزجرهم عنه , لئلايتهارشوا
((1551)) , ولا يقتل بعضهم بعضا ؟.
قـال (ع ) : ويحك ولا ما يكون بعده , ثم انه لا يخلو الانسان من ان يكون خلق نفسه اوخلقه غيره , او لم يزل موجودا , فما ليس بشي لا يقدر ان يخلق شيئا وهو ليس بشي ,وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا , يسال فلا يعلم كـيف كان ابتداؤه , ولو كان الانسان ازليالم تحدث فيه الحوادث , لان الازلي لا تغيره الايام , ولا يـاتـي عليه الفنا , مع انا لم نجد بناا من غير بان , ولا اثرا من غير مؤثر , ولا تاليفا من غير مؤلف , فـمـن زعم ان اباه خلقه , قيل : فمن خلق اباه ؟ ولو ان الاب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته , وصوره على محبته , ولملك حياته , ولجاز فيه حكمه , ولكنه ان مرض فلم ينفعه , وان مات فعجز عـن رده , ان مـن اسـتطاع ان يخلق خلقا , وينفخ فيه روحا حتى يمشي على رجليه سويا , يقدر ان يدفع عنه الفساد.
قال : فما تقول في علم النجوم ؟.
قال (ع ) : هو علم قلت منافعه , وكثرت مضراته , لانه لا يدفع به المقدور , ولايتقى به المحذور , ان اخـبـر الـمـنجم بالبلا لم ينجه التحرز من القضا , وان اخبر هوبخير لم يستطع تعجيله , وان حدث به سؤ لم يمكنه صرفه , والمنجم يضاد اللّه في علمه , بزعمه انه يرد قضا اللّه عن خلقه .
قال : فالرسول افضل ام الملك المرسل اليه ؟.
قال (ع ) : بل الرسول افضل .
قال : فما علة الملائكة الموكلين بعباده , يكتبون ما عليهم ولهم , واللّه تعالى عالم السر وما هو اخفى ؟.
قال (ع ) : استعبدهم بذلك , وجعلهم شهودا على خلقه , ليكون العباد لملازمتهم اياهم اشد على طاعة اللّه مـواظـبـة , وعـن مـعـصـيـتـه اشـد انـقـبـاضـا , وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى
((1552)) وكف , فيقول ربي يراني , وحفظتي علي بذلك تشهد , وان اللّه برافته ولطفه ايـضـا وكـلهم بعباده , يذبون عنهم مردة الشيطان وهوام الارض , وآفات كثيرة من حيث لا يرون باذن اللّه الى ان يجي امر اللّه عزوجل .
قال : فخلق الخلق للرحمة ام للعذاب ؟.
قـال (ع ) : خـلـقـهـم لـلرحمة , وكان في علمه قبل خلقه اياهم , ان قوما منهم يصيرون الى عذابه باعمالهم الردية وجحدهم به .
قال : يعذب من انكر فاستوجب عذابه بانكاره [ من خلقه ] , فبم يعذب من وحده وعرفه ؟.
قال : يعذب المنكر لالهيته عذاب الابد , ويعذب المقربه عذاب عقوبة لمعصيته اياه فيما فرض عليه , ثم يخرج , ولا يظلم ربك احدا.
قال : فبين الكفر والايمان منزلة ؟.
قال (ع ) : لا قال : فما الايمان والكفر ؟.
قال (ع ) : الايمان : ان يصدق اللّه فيما غاب عنه من عظمة اللّه , كتصديقه بماشاهد من ذلك وعاين , والكفر : الجحود.
قال : فما الشرك وما الشك ؟.
قال (ع ) : الشرك هو ان يضم الى الواحد الذي ليس كمثله شي آخر , والشك :ما لم يعتقد قلبه شيئا.
قال : افيكون العالم جاهلا ؟.
قال (ع ) : عالم بما يعلم , وجاهل بما يجهل .
قال : فما السعادة وما الشقاوة ؟.
قال (ع ) : السعادة : سبب خير , تمسك به السعيد فيجره الى النجاة , والشقاوة :سبب خذلان , تمسك به الشقي فيجره الى الهلكة , وكل بعلم اللّه .
قال : اخبرني عن السراج اذا انطفى اين يذهب نوره ؟.
قال (ع ) : يذهب فلا يعود.
قـال : فـما انكرت ان يكون الانسان مثل ذلك اذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع اليه ابدا , كما لا يرجع ضؤ السراج اليه ابدا اذا انطفى ؟.
قال (ع ) : لم تصب القياس , ان النار في الاجسام كامنة , والاجسام قائمة باعيانها كالحجر والحديد , فاذا ضرب احدهما بالاخر سطعت من بينهما نار , يقتبس منها سراج له ضؤ , فالنار ثابتة في اجسامها والـضؤ ذاهب , والروح : جسم رقيق قدالبس قالبا كثيفا , وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت , ان الذي خلق في الرحم جنينا من ما صاف , وركب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب واسنان وشعر وعظام وغيرذلك , وهو يحييه بعد موته , ويعيده بعد فنائه .
قال : فاين الروح ؟.
قال (ع ) : في بطن الارض حيث مصرع البدن الى وقت البعث .
قال : فمن صلب فاين روحه ؟.
قال (ع ) : في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الارض .
قال : فاخبرني الروح غير الدم ؟.
قـال (ع ) : نـعم , الروح على ما وصفت لك : مادتها من الدم , ومن الدم رطوبة الجسم , وصفا اللون , وحسن الصوت , وكثرة الضحك , فاذا جمد الدم فارق الروح البدن .
قال : فهل يوصف بخفة وثقل ووزن ؟.
قـال (ع ) : الـروح بمنزلة الريح في الزق , اذا نفخت فيه امتلا الزق منها , فلا يزيدفي وزن الزق ولوجها فيه , ولا ينقصها خروجها منه , كذلك الروح ليس لها ثقل ولاوزن .
قال : فاخبرني ما جوهر الريح ؟.
قال (ع ) : الريح هوا اذا تحرك يسمى ريحا , فاذا سكن يسمى هوا وبه قوام الدنيا , ولو كفت الريح ثـلاثـة ايـام لفسد كل شي على وجه الارض ونتن , وذلك ان الريح بمنزلة المروحة , تذب وتدفع الـفـساد عن كل شي وتطيبه , فهي بمنزلة الروح اذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير , تبارك اللّه احسن الخالقين .
قال : افيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه ام هو باق ؟.
قـال (ع ) : بـل هـو بـاق الـى وقـت ينفخ في الصور , فعند ذلك تبطل الاشيا وتفنى ,فلا حس ولا مـحسوس , ثم اعيدت الاشيا كما بداها مدبرها , وذلك اربعمائة سنه يسبت
((1553)) فيها الخلق وذلك بين النفختين .
قـال : وانـى لـه بـالـبعث والبدن قد بلي , والاعضا قد تفرقت , فعضو ببلدة ياكلهاسباعها , وعضو باخرى تمزقه هوامها , وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط قال (ع ) : ان الذي انشاه من غير شي , وصوره على غير مثال كان سبق اليه ,قادر ان يعيده كما بداه .
قال : اوضح لي ذلك قـال (ع ) : ان الـروح مـقـيمة في مكانها , روح المحسن في ضيا وفسحة , وروح المسي في ضيق وظـلـمـة , والـبـدن يصير ترابا كما منه خلق , وما تقذف به السباع والهوام من اجوافها مما اكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الارض , ويعلم عدد الاشـيـا ووزنـهـا , وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب , فاذا كان حين البعث مطرت الارض مطر النشور , فتربوالارض ثم تمخضوا مخض
((1554)) السقا , فيصير تراب البشر كـمصير الذهب من التراب اذا غسل بالما , والزبد من اللبن اذا مخض , فيجتمع تراب كل قالب الى قـالـبه , فينتقل باذن اللّه القادر الى حيث الروح , فتعود الصور باذن المصور كهيئتها , وتلج الروح فيها, فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
قال : فاخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة ؟.
قال (ع ) : بل يحشرون في اكفانهم .
قال : انى لهم بالاكفان وقد بليت ؟ قال (ع ) : ان الذي احيا ابدانهم جدد اكفانهم .
قال : فمن مات بلا كفن ؟.
قال (ع ) : يستر اللّه عورته بما يشا من عنده .
قال : افيعرضون صفوفا ؟.
قال (ع ) : نعم هم يؤمئذ عشرون ومائة الف صف في عرض الارض .
قال : او ليس توزن الاعمال ؟.
قـال (ع ) : لا , ان الاعـمال ليست باجسام , وانما هي صفة ما عملوا , وانما يحتاج الى وزن الشي من جهل عدد الاشيا , ولا يعرف ثقلها وخفتها , وان اللّه لا يخفى عليه شي .
قال : فما معنى الميزان ؟.
قال (ع ) : العدل .
قال : فما معناه في كتابه : ( فمن ثقلت موازينه )
((1555)) ؟.
قال (ع ) : فمن رجح عمله .
قال : فاخبرني او ليس في النار مقنع ان يعذب خلقه بها دون الحيات والعقارب ؟.
قـال (ع ) : انـمـا يـعذب بها قوما زعموا انها ليست من خلقه , انما شريكه الذي يخلقه , فيسلط اللّه عليهم العقارب والحيات في النار ليذيقهم بها وبال ما كذبوا عليه ,فجحدوا ان يكون صنعه .
قال : فمن اين قالوا : ان اهل الجنة ياتي الرجل منهم الى ثمرة يتناولها فاذا اكلهاعادت كهيئتها ؟.
قـال (ع ) : نـعـم , ذلك على قياس السراج ياتي القابس فيقتبس منه , فلا ينقص من ضوئه شي , وقد امتلت الدنيا منه سراجا.
قال : اليسوا ياكلون ويشربون , وتزعم انه لا يكون لهم الحاجة ؟.
قال (ع ) : بلى , لان غذاهم رقيق لا ثقل له , بل يخرج من اجسادهم بالعرق .
قال : فكيف تكون الحورا في جميع ما اتاها زوجها عذرا ؟.
قال (ع ) : لانها خلقت من الطيب لا تعتريها عاهة , ولا تخالط جسمها آفة , ولايجري في ثقبها شي , ولا يدنسها حيض , فالرحم ملتزقة [ ملدم ]
((1556)) اذ ليس فيه لسوى الاحليل مجرى .
قال : فهي تلبس سبعين حلة , ويرى زوجها مخ ساقيها من ورا حللها وبدنها ؟.
قال (ع ) : نعم , كما يرى احدكم الدراهم اذا القيت في ما صاف قدره قدر رمح .
قال : فكيف تنعم اهل الجنة بما فيها من النعيم , وما منهم احد الا وقد افتقد ابنه اواباه او حميمه او امه , فاذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم الى النار , فما يصنع بالنعيم من يعلم ان حميمه في النار يعذب ؟.
قـال (ع ) : ان اهـل الـعـلم قالوا : انهم ينسون ذكرهم وقال بعضهم : انتظرواقدومهم , ورجوا ان يكونوا بين الجنة والنار في اصحاب الاعراف الخبر.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أمير المؤمنين والناكثين والقاسطين والمارقين
عصمة الأنبياء
أعمــــال ماقبــل النـــوم
موقف علماء أهل السنة والجماعة من حديث خلق الله ...
موقف ابن تيمية من مناقب علي بن أبي طالب عليه ...
الإمامة في القرآن الكريم
الذبح أو النحر في منى
في أن عليا لم يندم على التحكيم
مراتب الاِیمان
آیة الولایة

 
user comment