عربي
Thursday 21st of November 2024
0
نفر 0

أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة عليها السلام

البحث الرابع
أصل يوم العذاب
في ظلامات فاطمة
عليها السلام

 

 

 

 

 

 

 

الشيخ حبيب شعبان*

 

أيا منزلَ الاحبـاب مـا لكَ موحشــاً

*

بزهرتكَ الأرياحُ أودت بمـــا تسفـي

تَعفيتَ يا ربـــعَ الاحبــةِ بعدهـم

*

فذكرتنـي قبـرَ البتـــولةِ إذ عفَــي

رمتها سهـامُ الدهـرِ وهـيَ صوائبٌ

*

بشجوٍ إلى أن جُرّعت غصصَ الحنــفِ

شجاها فراقُ المصطفى واحتفارُهــا

*

لدى كلِّ رجـسٍ من صحابتهِ جِلـــفِ

لقد بالغــوا في هضمِهـا وتحالفـوا

*

عليها وخانوا الله فـي محكـمِ الصحـفِ

فآبت وزنــدُ الغيظِ يقـدحُ في الحشا

*

تعثــرُ بالأذيـالِ مثـنيـة العطــف

وجائت إلى الكرارِ تشكو اهتضامَهــا

*

ومدت اليــهِ الطرفَ خائعـةَ الطـرف

أبا حسنٍ يا راسخ العلمِ والحجــى(1)

*

إذا فرت الابطالُ رعباً مـن الزحــف

ويا واحداً أفنى الجمـوعَ ولم يــزل

*

بصيحته يسومونني مالا اطيق من الخسف

ويلطم وجهي نَصبَ عينيكَ ناصــبُ

*

العداوةِ لي بالضــرب منـي يستشفـي

فتُغضي ولا تُنضي حسامَـكَ آخــذاً

*

بحقي ومنهُ اليــومَ قد صفـرت كفَـي

لمن أشتـكي إلاّ اليـكَ ومَـن بــهِ

*

الوذُ وهل لي بعـدَ بيتـكَ مـن كهــف

وقد أضرمـوا النيـرانَ فيـهِ وأسقطوا

*

جنيني فوا ويــلاهُ منهـم ويا لهفــي

وما برحـت مهضومـةً ذاتَ علــةٍ

*

تأرقُهــا البلـوى وظالمهــا مُغـفـي

إلى أن قضت مكسورةَ الضلعِ مسقِطـاً

*

جنينٌ لها بالضربِ مسـودّة الكـتــف


____________
(*) الشيخ حبيب شعبان من شعراء أهل البيت يمتاز شعره بالمتانة والسلاسة. ولد في النجف سنة 1290 هـ تقريباً.
أما وفاته فقد سافر إلى الهند في سنة 1325 وانقطعت اخباره إلى سنة 1336هـ وردت اخبار وفاته هناك. ترجمه السيد جواد شبر في ادب الطف وعلي الخاقاني في شعراء الغري.
(1) الحجى : العقل والفطنة.

 

 

 

 

 

 

البحث الرابع
أصل يوم العذاب
في ظلامات فاطمة الزهراء
عليها السلام


* لماذا هذا البحث ( أصل يوم العذاب ...).
قال المفضل للإمام الصادق عليه السلام : يا مولاي ما في الدموع ثواب ؟ قال : ما لا يحصى إذا كان من محقّ. فبكى المفضل ( بكاءاً ) طويلاً ويقول : يا ابن رسول الله إنَّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم ، فقال له الصادق عليه السلام : ولا كيوم محنتنا بكربلاء وإن كان يوم السقيفة واحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمرّ ، لأنّه أصل يوم العذاب(1).
من منطلق هذه الرواية التي رواها المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام ، واستناداً إلى كلام الإمام المعصوم الذي هو معصوم الكلام ، والذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ، حيث يعتبر كلام الإمام المعصوم من الادلة الشرعية الاربعة : القرآن الكريم والسنة والعقل والاجماع فهو داخل ضمن السنة النبوية الشريفة ، باعتباره يمثل الامتداد الحية لها كان عنوان هذا البحث مستمداً من هذه الرواية والتي تروي قصة مظلومية فاطمة الزهراء سلام الله عليها والذي بَيّن فيه الإمام الصادق عليه السلام عِظم ومرارة مصيبة أهل البيت عليهم السلام عند هجوم القوم على دار أمير المؤمنين سلام الله عليه بأعظم تعبير يجعل المؤمن الباحث عن الحقيقة والعقيدة والصحيحة يقف عنده كثيراً
____________
(1) نوائب الدهور : 3 | 194 ، الهداية الكبرى : 417.

 

 


ويدقق فيه طويلاً ليرى لماذا عبّر عنه الإمام عليه السلام بهذا القول العظيم بأنه أصل يوم العذاب ، لا شك ولا ريب ان كلام الإمام الصادق عليه السلام لا يأتي اعتباطا وعبثاً دون أن تكون هناك مقدمات أولية يقينية عنده بحيث تؤدي بالأمر إلى أن تصل فيه النتيجة النهائية وعلى ضوء هذه المقامات المهمة أن تكون المظلومية العظمى لأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبالخصوص اُم أبيها فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي الاساس والاصل ليوم الحسرة أو كما عبر عنه الإمام عليه السلام بيوم العذاب.
لذا جاء هذا البحث أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها باعتبارها قطب الرحى الي تدور حوله محورية أهل البيت عليهم السلام والذي اعتمدنا في تسميته هذه على رواية المفضل عن لسان الإمام الصادق عليه السلام لكي لا نخرج حتى في تسميتنا لأي شيء عن تسميات وتعبيرات أهل البيت عليهم السلام.
وسيكون بحثنا في هذا الموضوع عن مقدمات مهمة ، وخصوصيات قيمة مرتبطةٌ بصميم البحث وتكون هي المحور والاساس للنتيجة النهائية للبحث ، وخصوصاً ما يتعلق بمقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما لها من الأثر الكبير على عظم ومرارة مظلوميتها سلام الله عليها فانه كلما كان المقام سامي وعظيم للانسان المؤمن فانه بالنتيجة والقطع اليقيني سوف تكون ظلامته ومظلوميته عظيمة وكبيرة وعلى قدر ايمانه ومقامه الرفيع.
وكذلك سوف يكون هناك بحث مهم وعلى ضوء القرآن والسنة لبيان هذه المقامات وكذلك اظهار مظلومية أهل البيت وبالأخص الزهراء سلام الله عليها على ضوء السنة الشريفة وآراء ومعتقدات العلماء الأبرار إلى أن نصل إلى مسألة ارتباط هذه المظلوميات بصميم عقائدنا وبالنتيجة كيفية تعبير الاماما الصادق عليه السلام بأن مظلومية أهل البيت عليهم السلام في ذلك الوقت وحتى وقتنا هذا هي الأصل ليوم العذاب.

ما معنى أصل يوم العذاب ؟

وأصل الشيء الاساس الذي يُبني عليه ذلك الشيء وقد يكون أصل الشيء المنطلق له أو أسفله وحسب التعريفات اللغوية التي وردت في تعريفه ، ومن هنا نقف مع رواية

 

 


المفضل التي رواها عن الإمام الصادق عليه السلام لكي نفهم كيف يجري الحال مع هذه الرواية ، فالسؤال المطروح فيما نحن فيه يقتضي أن نفهم أن أصل يوم العذاب هل يقصد به الاساس الذي بني عليه ظلم أهل البيت عليهم السلام من ذلك الحين أو أنه يقتضي ـ الاصل ـ معناه يوم القيامة الذي سوف يكون فيه الاساس لعذاب الذين ظلموا أهل البيت عليهم السلام فيكون الجزاء جهنم خالدين فيها أبداً ؟ أما الشق الأوّل الذي يقصد به ويقول ان أصل يوم العذاب هو ذلك اليوم الذي سُلبت فيه الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام ـ يوم السقيفة ـ وإضرام النار على باب بيت أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ... وقتل محسن بالرفسة ، حيث أسس الظلم والعذاب على أهل البيت عليهم السلام ولم يروّ الراحة والاطمئنان من يوم ظلم فاطمة إلى واقعة كربلاء وقتل أهل البيت وتشريدهم إلى ظهور الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) فان العذاب موجوع والاذى مبثوث لكل من ولاهم واتبعهم من شيعتهم وعلى هذا الاساس يكون أصل يوم العذاب هو اليوم الذي أسس الظلم على أهل البيت عليهم السلام في هذه الحياة الدنيا ، وهذا القول الذي يقول ان يوم العذاب هو يوم الظلم الذي جرى على أهل بيت النبوة بعيد عن المتفاهم العرفي ولا يساعد عليه الحال لأنّ هناك فرق بين أن نقول يوم الظلم ويوم العذاب لانه الظلم وارد في الحياة الدنيا أما العذاب فيكون له يوم خاص وكما عبر عنه القرآن يوم التغابن ويوم القيامة .... فلذا الظاهر من خلال الرواية ان يوم العذاب ليس هو يوم الظلم الذي جرى على أهل بيت النبوة عليهم السلام لأن العذاب لا يطلق على هكذا حالٍ وانما يطلق على يوم القيامة الذي سوف يكون فيه العذاب للظالمين أما ما الذي يصح ان يعبر منه فهذا ما يمكن ان نقول به هو يوم المصائب ويوم المحن الابتلاءات والظلامات اذن يكون هذا القول منتفي في كون يوم العذاب هو اليوم الذي أسس فيه الظلم لأهل بيت النبوة.
وعلى الشق الثاني من معنى الأصل ليوم العذاب يكون معناه ان يوم القيامة سوف يكون فيه العذاب والخزي للذين أخذوا الخلافة من أصحابها الحقيقيين وظلموا الزهراء عليها السلام وأضرموا النار على بيت أمير المؤمنين وقتلوا المحسن بن علي عليه السلام بالرفسة ، فتكون هذه الظلامات هي الاساس والاصل ليوم العذاب في نار جهنم

 

 


للذين فعلوا ذلك الظلم العظيم وكما عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى (
ان الظالمين لهم عذاب أليم ).
وعليه الذي على ما احتمله ان الصحيح عندي هو المعنى الوارد في تفسير الاصل ليوم العذاب يعني ان أساس يوم العذاب في القيامة سوف يكون بسبب هذا الظلامات من ظلامة يوم السقيفة واحراق النار وقتل محسن بالرفسة وغير ذلك من الظلامات ذلك لأن هناك عدة أدلة وشواهد تثبت هذه المسئلة وايضاً نفهم هذا من خلال عدة روايات شريفة وشواهد تاريخية بينت هذه المسألة ، وهناك قرينة في المقام تثبت هذا المعنى وهي الرواية نفسها حيث نستفيد منها ان المفضل يسأل الإمام عليه عليه السلام ويقول ان يومكم في القصاص لاعظم من يوم محنتكم ... حيث عبر عن يوم القيامة بيوم القصاص الذي سوف تكون فيه جهنم عذاباً للظالمين ، واضافة إلى ذلك قال المفضل ان يوم محنتكم وهذا يدل على ان هناك فرق بين ان نقول يوم العذاب ويوم المحنة .. وايضاً هناك قرينة متصلة في الرواية الشريفة نفسها حيث توجد تكملة لهذه الرواية التي يرويها المفضل حيث تقول : « ويأتي محسن مخضباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين علي عليه السلام وهما جدتاه ... وفاطمة تبكي وتصيح وتقول : هذا يومكم الذي كنتم توعدون ... فيأخذ رسول الله محسناً على يديه رافعاً له إلى السماء وهو يقول : إلهي وسيدي صبرنا في الدنيا احتساباً وهذا اليوم الذي تجد كل نفس ما عملت من خيراً محضراً وما عملت من سوءٍ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ».
فعلى أساس هاتين القرينتين نحتمل احتمالاً قويا ان أصل يوم العذاب المقصود به هو يوم القيامة الذي سوف يكون فيه نار جهنم للظالمين أشد عذاباً وأكبر تنكيلاً.
وربما يرد علينا في ما نحن فيه اشكال وهو اذا كانت ظلامات أهل البيت عليهم السلام من السقيفة واحراق بيت فاطمة وقتل محسن ... الخ هو الاساس وأصل يوم العذاب في القيامة فماذا تقول في الذين كانوا قبل هذه الظلامات وقبل زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ أي الامم الاخرى ـ فانهم ما كانوا يعلمون ذلك فكيف توجه هذه المسألة ؟
نقول : انه لا ضيرَ في ذلك ولا يقدح فيما نحن فيه ذلك لكون عندنا رواية تقول انها ـ

 

 


أي الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ـ كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة(1) ، فاذا كان هكذا حالها فبالنتيجة تكون الحجة على جميع من خلق الله تعالى وخصوصاً انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ـ أي المتقدمة على هذا الزمان ـ وعليه لو كان الأنبياء والمؤمنين قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حاضرين في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكانوا قسمين إما راضين بما فعل القوم من الظلم بحق فاطمة وبعلها وبنيها وإما لم يكونوا راضين . فان كانوا راضين كانت لهم جهنم مقراً ومقاما وان لم يكونوا راضين بظلمها كانت لهم الجنة دار سرور ونعيم وعلى هذا الاساس يتضح كيف يكون ظلم أهل البيت وخصوصا الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام الاساس ليوم العذاب هذا من جهة. ومن جهة أخرى نحن نعلم ان هناك أحاديث وردت على لسان أهل بيت العصمة مفادها ان الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها فمن كانت فاطمة راضية عنه رضا عنه الله تبارك وتعالى ولا شك ولا ريب ولا شك أن رضا الله يرضاه الأنبياء والمؤمنين السابقين على زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيكونوا عندئذ راضين عمن رضيت عنه فاطمة وغاضبين على من غضبت عليه لانها مظهر رضا الله تعالى وغضبه وعليه يكون الاصل ثابت.
اذن ونحن نقف مع هذا البحث ومدى ثبوتيته لا بد لنا من أن نقدم بعض الأمور التي يتوقف عليها عِظَم هذه المسئلة التي نحن بصددها ، وهذه الامور هي :

الأمر الأول : مقامات الزهراء عليها السلام.
الأمر الثاني : ظلامات الزهراء عليها السلام.


____________
(1) دلائل الإمامة : 28 .

الأمر الأول
مقامات الزهراء
عليها السلام وفيه :

 

أـ مقامها عند الله تعالى
ب ـ مقامها عند الملائكة
ج ـ مقامها عند الأنبياء والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مقامها عند الأئمة عليهم السلام
هـ ـ مقامها عند العلماء والمحدثين
ت ـ مقامها يوم القيامة.

 

 

 

 


1 ـ مقامها عليها السلام عند الله تعالى


إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء عليها السلام هو مقام الرضا أي ان الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة.
وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالى : إذ لا معنى ان يرضى الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلةً وكرامةً عليه ، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلى الشواهد القرآنية الكثيرة على هذه المسألة ، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية ان الكثير من الاصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما ، وكذلك الحال في الغضب ، وعلى هذا الاساس تكون فاطمة كريمة عند الله تعالى لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك »(1).
وكذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : « يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين »(2).
ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز وجل :
« يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار »(3).
فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالى بحيث يقسم الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها ، وهذا الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر
____________
(1) المناقب : 3 | 106.
(2)
كنز الفوائد : 1 | 150.
(3)
سفينة البحار : 2 | 375.

 

 


ورد في شفاعة الزهراء عليها السلام في يوم القيامة واعطاء الكرامة العظمى لها آنذاك.
ومن المقامات الأخرى لها عليها السلام هو علة الايجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل : « يا أحمد ! لولاك لم خلقت الأفلاك ، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما »(1).
ولا نريد الوقوف مع هذا الحديث الآن بل نترك بحثه إلى الفصول القادمة من هذا الكتاب ، وكثيرة هي المناقب والمقامات التي لها عند الله تعالى.

ب ـ مقامها عليها السلام عند الملائكة


في حديث طويل .. « ... فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر ، الذي قد أشرقت به السموات والأرض ؟ فأوحى الله إليها : هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي ، وزوجة وليّي وأخو نبيّي وأبو حججي على عبادي ، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة »(2).
وهذا يعني انها عليها السلام لها مقام النور الزاهر عند الملائكة فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل ذلك سميت بالزهراء.

جـ مقامها عليها السلام عند الأنبياء والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم


أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام الذي يقول : ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ، حيث يظهر من هذا الحديث ان لها مقام سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتى أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها
____________
(1) ملتقى البحرين : 14 ، فاطمة بهجة قلب المصطفى : 9 ، عن كشف اللآلي.
(2)
تأويل الآيات : 1 | 137 | ح 16 ، البرهان : 1 | 392 ح 5.

 

 


ومحبتها ، واللطيف هنا انما الأقرار يكون عند من له الحق على الآخرين ، وعليه يكون الأنبياء أقروا لله تعالى ـ لأنه هو صاحب الحق عليهم ـ بفضلها ومحبتها ، أما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن مقامها عند الرسول لاحتجنا إلى مجلدات في هذا الأمر ولكن على ما يسعنا المقام نقول : ان مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخرى يقول لها اُم أبيها ، وأخرى بضعة مني ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها عليها السلام يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول صلى الله عليه وآله انه قال في حقها : « من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(1).
وأيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « ومن أنصفك فقد أنصفني ، ومن ظلمك فقد ظلمني ، لأنك منّي وأنا منك ، وأنت بضعة من وروحي التي بين جنبيّ ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إلى الله أشكو ظالميك من امتي »(2).

د ـ مقامهاعليها السلام عند الأئمةعليهم السلام


ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال :
« نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا »(3) وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة عليها السلام وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري عليه السلام أكبر شهادة عظمى بحقها ، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف.
ويظهر من خلال حديث أخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم السلام حيث
____________
(1) كشف الغمة : 1 | 467 ، الفصول المهمة : 128 ، نور الأبصار : 52 ، ونزهة المجالس : 2 | 228.
(2)
كشف الغمة : 1 | 498.
(3)
تفسير أطيب البيان : 3 | 226.

 

 


خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أنه قال : « وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي أسوة حسنة... »(1) فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أن له اسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب.
وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت الزهراء عليها السلام مع الأئمة فيها من حديث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل على أنها كانت قطب الرحى الذي دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية التطهير ... الخ من المناقب والمقامات العالية لها عليها السلام ولقد تظافرت الروايات الشريفة على هذه المقامات.

هـ مقامها عليها السلام عند العلماء والمحدثين


1ـ قال ابن صبّاغ المالكي : ولنذكر طرفاً من مناقبها التي تشرف هذا النّسب من نسبها ، واكتسى فخراً ظاهراً من حسبها ، وهي فاطمة الزهراء بنت مَنْ أنزل عليه : سبحان الذي أسرى ، ثالثة الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، الطاهرة الميلاد ، السيّدة بإجماع أهل السّداد(2).
2ـ قال الاُستاذ عبد الزهراء : ونحن حين نتناول الحديث عن الزهراء عليها السلام بصفتها غرس النبوّة ، وشجرة الإمامة ، فإنّما تنكشفُ لنا أبعادُ الرّسالة الإسلامية بطابع تجسيدي نلمسه في كل جانب من جوانب شخصيّتها عليها السلام ونحن نتابعها ، ففي قرانها بعليِّ بن أبي طالب عليه السلام تنجلي لنا الصورة الحيّة التي رسمها الإسلام للقرآن الذي ارتضاه خالق هذا الوجود ، وفي مواقفها البطولية بعد وفاة أبيها يتكشّف لنا المدى
____________
(1) البحار : 53 | 179 و 180 ، غيبة الطوسي : 172 ، الاحتجاج : 2 | 277 ، الزام المناصب : 1 | 439.
(2)
الفصول المهمة : 143.

 

 


البعيد الذي رسمه الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات ، ومدى فاعليتها في بناء المجتمع الإسلامي. وعلى هذا الأساس تقاس سائر جوانب شخصية الزهراء عليها السلام(1).
3ـ قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي : اعلم ـ أيّدك الله بروح منه ـ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف ، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنّف لهم برسول الله زيادة على اتصالهم به بواسطة فاطمة عليها السلام. فبواسطتها زادهم الله تعالى فضل شرف وشرف فَضْل ، ونيل قدر وقدر نيل ، ومحلَّ علوّ وعلوّ محلّ ، وأصل تطهير وتطهير أصل ... فانظر بنُور بصيرتك ـ أمدّك الله بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية(2) وترتيب مراتب عباراتها وكيفيّة إشارتها إلى علوّ مقام فاطمة الزهراء في منازل الشرف وسمو درجتها ، وقد بيّن ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها ، فإن الله عزَّ وجل جعلها مُكتَفةً من بين يديها ومن خلفها ليظر بذلك الاعتناء بمكانتها . وحيث كان المراد من قوله « وأنفسَنا » نفس عليًّ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلها بينهما إذا الحراسة بالأحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأنباء في دلالتها(3).
4ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني : ومن ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة البتول ، البضعة الشبيهة بالرسول ، وأوّلهم بعد وفاته به لحوقاً ، كانت عن الدنيا ومُتعتها عازفةً ، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عرافة(4).
5ـ قال عبد الحميد ابن أبي الحديد : وأكرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : « انها سيدة نساء العالمين ، وإنها عديلة مريم بنت عمران ، وإنها إذا مرّت في الموقف في الموقف نادى مناد من جهة العرش : يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم
____________
(1) الزهراء : 12 ـ 13.
(2)
يعني قوله تعالى : قل تعالوا نَدْع أبناءنا وأبناءَكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكُم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين : ( آل عمران : 61 ).
(3)
مطالب السؤول : 6 و 7.
(4)
حلية الأولياء : 2 | 49.

 

 


لتعبر فاطمة بنت محمد ». وهذا من الأحاديث الصحيحة ، وليس من الأخبار المستضعفة. وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة ؛ وكم قال لا مرّة : « يؤذيني ما يؤذيها ، ويغضبني ما يغضبها ، وإنها بضعة مني ، يريبني ما رابها »(1).
6ـ قال الاُستاذ توفيق أبو علم : كانت ـ رضي الله عنها ـ كريمة الخليفة ، شريفة الملكة ، نبيلة النفس ، جليلة الحس ، سريعة الفهم ، مرهفة الذهن ، جزلة المروءَة ، غرّاء المكارم ، فيّاحة نفّاحة ، جرئية الصدر ، رابطة الجأش ، حميّة الأنف ، نائية عن مذاهب العجب ... وكانت في الذروة العالية من العفاف والتصادق ، طاهرة الذيل ، عفيفة المئزر ، عفيفة الطرف ... إنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء فمن تراه ... واكتفائها بشرفها كأنّها في عزلة بين أبناء آدم وحوّاء(2).
7ـ قال الاُستاذ عباس محمود العقاد المصري : في كل دين صورةُ الاُنوثية الكاملة المُدّسة يتخشّع بتقديسها المؤمنون ، كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر واُنثى ؛ فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم العذراء ، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورةُ فاطمة البتول(3).
8 ـ قال الدكتور علي إبراهيم حسن : وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ ، نلمس فيها ألوان العظمة ، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة ، استمدّت كلٌّ عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر. وهي ليست كعائشة نالت شهوتها لما انّصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش ، وتتحدّى الرجال ، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال ، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء ، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجأت ، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء ، وانما من صميم النفس ...(4).
____________
(1) شرح نهج البلاغة : 9 | 193.
(2)
أهل البيت : 132 ، 133.
(3)
أهل البيت لتوفيق أبو علم : 128.
(4)
فاطمة الزهراء عليها السلام للعلامة دخيل : 171.

 

 


9ـ قال العلامة الإربلي : فنلبدأ الآن بذكر فاطمة عليها السلام التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها ، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها ، واعتلى على الأنساب بعلوّ منارها ، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها ، فهي مشكاة النبوة التي أضاء لألاؤها ، وتشعشع ضياؤها ، وسحت بسحب الغرّ أنواؤها ، وعقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء ، ومناصب آل وآلاء ، ومناسب سناً وسناء ، الكريمة الكريمة الأنساب ، الشريفة الشريفة الأحساب ، الطاهرة الظاهرة الميلاد ، الزهراء الزهراء الأولاد ، السيدة باجماع أهل السداد ، الخيرة من الخير : ثالثة الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، اُم الأئمة الغرر ، الصافية من الشوب والكدر ، الصفوة على رغم من ججد أو كفر ، الحالية بجواهر الجلال ، الحالّة في أعلى رتب الكمال ، المختارة على النساء والرجال ، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها السادة الأنجاب ، وارثي النبوة والكتاب ، وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم(1).
10ـ وقال أيضاً : إن فاطمة عليها السلام هي سليلة النبوة ورضيعة درّ الكرم والاُبوة ، ودرّة صدف الفخار ، وغرّة شمس النهار ، وذُبالة(2) مشكاة الأنوار ، وصفوة الشرف والجود ، وواسطة قلادة الوجود ، نقطة دائرة المفاخر ، قمر هالة المآثر ، الزهرة الزهراء ، والغُرَّة الغرّاء ، العالية المحل ، الحالّة في رتبة آل عُلاء السامية ، المكانة المكينة في عالم السماء ، المضيئة النور ، المنيرة الضياء ، المستغنية باسمها عن حدِّها ووَسمها ، قُرّة عين أبيها ، وقرار قلب أُمِّها ، الحالية بجواهر عُلاها ، العاطلة من زخرف دنياها ، أمة الله وسيدة النساء ، جمال الآباء وشرف الأبناء ، يفخر آدم بمكانها ، ويبوح نوح بشدّة شأنها ، ويسموا إبراهيم بكونها من نسله ، وينجحُ إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله ، وكانت ريحانة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بين أهله ، فما يجاريها في مَفْخر إلا مغلّب(3) ، ولا يباريها في مجد إلا مؤنّب(4) ، ولا يجحد حقّها إلا مأفون(5) ، ولا يصرف عنها وجه
____________
(1) كشف الغمة : 1 | 484.
(2)
الذُّبالة : الفتيلة.
(3)
علّبه : أثّر فيه وخدشه.
(4)
التأنيب : المبالغة في التوبيخ.
(5)
المأفون : الضعيف الرأي.

 

 


إخلاصه إلا مغبون (1) .
11 ـ قال العلامة الخبير ابن شهر آشوب ( ره ) : وقلنا الصدّيقة بالأقوال ، والمباركة بالأحوال ، والطاهرة بالأفعال ، الزكية بالعدالة ، والرضية بالمقالة ، والمرضية بالدلالة ، المحدثة بالشفقة ، والحرّة بالنفقة ، والسيّدة بالصدقة ، الحصان بالمكان ، والبتول في الزمان ، والزهراء بالإحسان ، مريم الكبرى في الستر ، وفاطم بالسرّ . وفاطمة بالبرّ ، النوريّة بالشهادة ، والسماوية بالعبادة ، والحانية بالزهادة ، والعذراء بالولادة ، الزاهدة الصفيّة ، العابدة الرضيّة ، الراضية المرضيّة ، المتهجّدة الشريفة ، القانتة العفيفة ، سيدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، المحتجبة عن خزّان الجنان ، وصفيّة الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين ، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين ، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين ، ثمرة النبوّة ، وام الأئمة وزهرة فؤاد شفيع الامة ، الزهراء المحترمة ، والغرّاء المحتشمة ، المكرّمة تحت القبّة الخضراء ، والإنسيّة الحوراء ، والبتول العذراء ، ستّلا النساء (2) ، وارثة سيد الأنبياء ، وقرينة سيد الأوصياء ، فاطمة الزهراء ، الصدّيقة الكبرى ، راحة روح المصطفى ، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى ، وصاحبة شجرة طوبى ، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى ، ابنة النبي ، وصاحبة الوصي ، وام السبطين ، وجدّة الأئمة ، وسيدة نساء الدنيا والآخرة ، زوجة المرتضى ، ووالدة المجتبى ، وابنة المصطفى ، السيدة المفقودة ، الكريمة المظلومة الشهيدة ، السيدة الرشيدة ، شقيقة مريم ، وابنة محمد الأكرم ، المفطومة من كل شرّ . المعلومة بكل خير ، المنعوتة في الإنجيل ، الموصوفة بالبرّ والتبجيل ، درّة صاحب الوحي والتنزيل ، جدّها الخليل ، ومادحها الجليل ، وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل (3) .
12 ـ قال المحقق الشهير الحاج ملاّ محمد باقر صاحب الخصائص الفاطمية : سبحانك اللهم فاطر السموات العلى ، وفالق الحب والنوّى ، أنت الذي فطرت اسماً من
____________
(1) المصدر : 454 .
(2)
أي سيّدتهنّ .
(3)
المناقب : 3 | 357 ، 358 .

 

 


اسمك ، واشتققته من نورك ، فوهبت اسمك بنورك حتى يكون هو المظهر لظورك ، فجعلت ذلك الاسم جرثومة لجملة أسمائك ، وذلك النور ارومة (1) لسيّدة إمائك ، وناديت في الملأ الأعلى : أنا الفاطر وهي فاطمة ، وبنورها ظهرت الأشياء من الفاتحة إلى الخاتمة . فاسمها اسمك ، ونورها نورك ، وظهورها ظهورك ، ولا إليه غيرك ، وكل كمالٍ ظلّك ، وكل وجودٍ ظلّ وجودك ، فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية ، واختصصتها بالخصائص الفاطمية ، مفطومة عن الرعونات (2) العنصريّة ، ونزّهتها عن جميع النقائص ، مجموعة من الخصائل المرضيّة بحيث عجزت العقول عن إدراكها ، والناس فطموا عن كنه معرفتها ، فدعا الأملاك في الأفلا ك بالنوريّة السماوية ، وبفاطمة المنصورة ... ام السبطين وأكبر حجج الله على الخافقين ، ريحانه سدرة المنتهى ، وكلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، وستر الله المرخى ، والسعيدة العظمى ، والمريم الكبرى ، والصلواة الوسطى ، والإنسيّة الحوراء التيم بمعرفتها دارت القرون الاولى .
وكيف احصي ثناها وإنّ فضائلها لا تحصى ، وفواضلها لا تقضى ؟! البتول العذراء ، والحرّة البيضاء ، ام أبيها ، وسيدة شيعتها وبنيها ، ملكة الأنبياء ، الصدّيقة فاطمة الزهراء ، نعم ما قال :

خجلاّ من نور بهجتها تتوارى الشمس في الافق * وحياءً من شمائلها يغطّى الغصن في الورق (3)


13 ـ قال المحقق البارع السيد كاظم القزويني : فاطمة ، وما أدراك من فاطمة ! شخصية إنسان تحمّل طابع الانوثة لتكون آية على قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب ، فإن الله تعالى خلق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ليكون آية قدرتة في الأنبياء ، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون علامةً وآيةً على قدرة الله في إيداع مخلوق أنثى تكون كتلة من الفضائل ، ومجموعة من المواهب فلقد أعطى الله تعالى فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة ، وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأيّة أنثى لأيّة أنثى أن تبلغ تلك
____________
(1) الارومة : أصل الشجرة .
(2)
الرّعونة : الاسترخاء ، الحمق ، والمراد هنا الأول .
(3)
الخصائص الفاطمية : 1 .

 

 


المنزلة ، فهي من فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض ، ونزلت في حقّهم آيات محكمات في الذكر الحكيم تتلى آناء الليل وأطراف النهار منذ نزولها إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم القيامة . شخصية كلما ازداد البشر نضجاً وفهماً للحقائق واطّلاعاً على الأسرار ظهرت عظمة تلك الشخصية بصورة أوسع ، وتجلت معانيها ومزاياها بصورٍ أوضح . إنّها فاطمة الزهراء الله يثني عليها , ويرضى لرضاها ، ويغضب لغضبها ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينوّه بعظمتها وجلالة قدرها ، وأمير المؤمنين عليه السلام ينظر إليها بنظر الإكبار والإعظام ، وأئمة أهل البيت عليه السلام ينظرون إليها نظر التقديس والإحترام (1) .

ت ـ مقامها عليها السلام يوم القيامة


إن أفضل مقام تعطى فاطمة عليها السلام يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبرى والذي من خلال هذه المنزلة يظره قدر ومقام فاطمة عند الله تعالى يوم القيامة وأمام الخلائق جميعاً ، فلقد ورد في تفسير فرات ... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله عزوجل : يا بنت حبيبي ، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟
فتقول : يا رب ! أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم ، فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة .
قال أبو جعفر عليه السلام ـ والله ـ يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء . فاذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل :
يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟
فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ؛ فيقول الله : يا أحبائي
____________
(1) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد : 13 و 14 .

 

 


ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة ، خذوا بيده وأدخلوه الجنة .
قال أبو جعفر عليه السلام : ـ والله ـ لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق ، فإذا صاروا بين الطبقات ، نادوا كما قال الله تعالى : ( فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) فيقولون : ( فلو أنّ لنا كرة فنكون من المؤمنين ) .
قال أبو جعفر عليه السلام : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ( ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ) .

 

 

 

الأمر الثاني
ظلامات فاطمة الزهراء عليها السلام

 

نـبذوا العــهد والكــتاب ومـا جـا

*

ء بـه فـي الوصـيّ خـلف الظـهور

عـدلوا عـن أبـي الهــداة المـياميـ

*

ن إلى بـــيعة الأثــيم الكـــفور

قــدموا الرجس بــالولاية للأمـــر

*

عـــلى أهــل آيــة التــطهير

لست تـدري لم أحـرقوا البـاب بـالنا

*

ر أرادوا إطـــفاء ذاك النــــور

لست تدري ما صـدر فاطم مـا المسـ

*

ـمار مـا حـال ضــلعها المكسـور

ما سقوط الجـنين مـا حـمره العـين

*

ومــا بـال قـرطـــها المـنثور

دخـلوا الـدار وهـي حسـرى بمرأى

*

مـن عــليّ ذاك الأبـي الغــيور

واســتداروا بغــياً عـلى أسـد الله

*

فأضــحى يــقاد قــود البعــير

يـنظر النـاس مـا بـهم مـن مـعين

*

ويــنادي ومــاله مــن نــصير

والبـتول الزهــراء فـي إثرهم تعـ

*

ـثر فــي ذيــل بـردها المجرور

بأنــينٍ يــوهيم الصــفا بشـجاه

*

وحـنين يـذيب صــمّ الصــخور

ودعــتهم : خـلّوا ابـن عـمي عليّاً

*

أو لأشكــو إلى السـميع البــصير

مـا رعـوها بـل روعـوها ومـرّوا

*

بـــعلي مـــلبّباً كـــالأسير

بــعض هــذا يـريك ممّن تـولّى

*

بــارز الكــفر ليس بــالمستور

 

 

 


تمهيد :

جاء الدين الإسلامي الحنيف ليمثل عصارة الأديان السماوية المتعددة وخلال الفترات المتعاقبة حيث قدم النظام الأشمل والأكمل للحياة وعلى كافة المستويات سواء الإجتماعية أو الإقتصادية أو السياسية وهذا ما نراه واضحاً جلياً في أدنى تأمل للنظرية الإسلامية المتمثلة في طرفي العقيدة والشريعة ، وكان من جملة ما أكدت عليه الرسالة السماوية المتمثلة في بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو حرمة الظلم ومعاونة الظالمين ذلك ان الله تبارك وتعالى قد حرم على نفسه الظلم وكما ورد في الحديث القدسي : « يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا » .
فالإسلام دين المساواة والعدل ولا يرضى بالظلم والبغي ، حيث أنزل الله تعالى في كتابه الكريم الكثير من الآيات القرآنية المباركة التي تدل دلالة قطعية واضحة البراهان على ضرورة العدل بين الرعية وعدم البغاء والظلم فيما بينهم ، حيث اعتبرت هذه الضرورة من الواجبات المهمة على كافة الأصعدة والمجالات الحياتية ، فنرى من خلال الضرورة من الواجبات المهمة على كافة الأصعدة المجالات الحياتية ، فنرى من خلال مراجعة الأحكام الشرعية التي أقرتها الشريعة الإسلامية أن الكثير منها قد لوحظ فيه عدم الظلم للآخرين والتعدي على حقوقهم ، كل هذه التأكيد لكي تسير الإنسانية في الطريق الذي ارتضاء الله تبارك وتعالى لها ولكي تصل إلى شاطيء الأمان والكمال وضمن الأهداف المحددة من خلال الرسالة المحمدية السمحاء .
ونجد من خلال استقراء القرآن الكريم أن أكثر الآيات القرآنية الواردة في المقام قد تكون صريحة في تحريم الظلم سواء كان ذلك بذكر لفظة الظلم بصورة مباشرة أو عن طريق ذكر نقيضه الذي هو العدل وكما سيتبين من خلال مطالعة الآيات القرآنية التالية :

 

 


* حيث جاء قوله تعالى ( ان الله لا يظلم مثقال ذرة ) (1) ليؤكد على حقيقة اختصت لها الشيعة مع بعض الفرقة الدينية الآخرى ألا وهي مسألة العدل حيث أقرت الشيعة بأن من أصول الدين هو العدل وهو أن الله ليس بظالم ولا يظلم أحداً فهو العدل لهذا نجد في هذه الآية القرآنية أن الله قد حرم على نفسه الظلم فلا يظلم عباده بل هو المفيض عليهم رحمته الربانية ونعمته الالهية .
* وجاء قوله تعالى ( ما للظالمين من نصير ) (2) ليؤكد على مسألة أخرى بحيث انها من الأهمية قد ذكرها الله تعالى ليذكر بها البشرية بأن الظالمين ليس لهم نصير ولا تنصرهم السماء وبنفس الوقت قد أكد الله في آية أخرى وطلب من المؤمنين بأن لا ينصروا الظالمين باي شكل من الأشكال ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) (3) .
وهكذا جاءت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة حاملة بين طياتها التأكيد على هذا الأمر المهم والضروري لتكامل البشرية .
وقد يرد وينقدح سؤال مهم في ذهن كل إنسان واعي وفاهم للأمور الإسلامية أنه إذا كان هذا الحال في حرمة الظلم وعدم معونة الظالمين فما المفهوم من الظلم وأي ضابطة نرجع اليها في معرفة الظلم وتعريفه معناه ؟
فنقول ان الظلم من الأمور التي يدرك الذهن ويفهمها بأدنى تأمل ذلك أنه من الأمور الفطرية والعقلية هو قبح الظلم وأنه يأباه العقل والناس جميعاً مشتركين في هذه المسألة أعني قبح الظلم ، ومع ذلك كله نعطي بعض التعاريف للظلم لكي لا يرد أي استيضاح حوله في حالة عدم فهم معناه .
* الظلم لغة : أما لغة فقد جاء في لسان العرب (4) : الظلم وضع الشيء في غير موضعه . وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد ، ويقال ظلمه يظلمه ظلماً ومظلمة ، فالظلم
____________
(1) النساء : 40 .
(2) الحج : 71 .
(3) هود : 113 .
(4) لسان العرب لابن منظور : 15 | 226 .

 

 


مصدر حقيقي وهو ظالم وظلوم والظلمة هم المانعون أهل الحقوق حقوقهم ، والظلامة ما تظلمه وهي المظلمة . وتظالم القوم : ظلم بعضهم بعضاً وفي المفردات للراغب الاصفهاني (1) : والظلم عند أهل اللغة وكثيرون أهل العلم : وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه .
وقال الفيروز آبادي (2) والظلم يقال في مجاوزة الحق ويقال في الكثير والقليل .
أما عرفاً : فالظلم معناه بخس النسا أشياءهم وحقوقهم والاعتداء على الغير باي صورة كانت سواء قولاً أو عملاً .
وأما شرعاً : الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (3) والظلم أصله الجور ومجاوزة الحد ومعناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (4) وهكذا يتبين لمن يقصد السؤال في معرفة الظلم ويدقق في مقولات علماء اللغة وغيرهم من أهل الشرع واللغة وأهل المعرفة في هذا المقام ، ولنعم ما قال الحكيم أرسطو في هذا المقام حيث أطلق هذه الكلمات ليعبر عن طبيعة الفطرة الإنسانية في هذه المسألة ( الظلم من طبع النفوس ، وانما يصدها عن ذلك إحدى علتين : إما علة دينية لخوف معاد أو علة سياسية لخوف سيف ) . فيكون مقال القائل أن النفوس لا تظهر هذا الظلم للعلتين المتقدمتين ، ولكن نقول إذا فقدتا هاتين العلتين فماذا سيكون الحال ، قطعاً عند ذلك يسقط الواعز النفسي للإنسان فيكون من أعتى الظالمين .
إذن بعد هذه المقدمة التي ارتأينا أن نقدمها لكي يتضح الحال والمقام في الظلم وقبحه وحرمته ندخل في هذا الفصل لكي نعيش القصة والحديث التأريخي الذي لا يزال يأكل بنفوس المسلمين وإلى وقتنا الحاضر ألا وهو حدث ظلامات فاطمة الزهراء بضعة النبي الهادي المختار تلك التي لم يترك في المسلمين آنذاك من أهله ومن ذريته إلا هذه الميمونة الطاهرة ذو النسل المبارك ام الحسنين عليهما السلام .
____________
(1) المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهاني : 315 .
(2) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي : 4 | 230 .
(3) صحيح البخاري بشرح العسقلاني : 5 | 95 .
(4) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني : 12 | 238 .

 

 


فتعال معي أيها القاري العزيز لنروي لك تلك الظلامات ونغوص في أعماق التاريخ لنجد ما يطالعنا به القوم من الظلامات التي أطبقت عليها الخاصة والعامة على ثبوتها وصدورها ولكن اتباع الأهواء والصدود عن الحق هو الذي جعل الكثير منهم يأخذ هذه الأحداث مأخذاً تاريخياً ليس فيه أي فائدة وليس له أي علاقة لا بأصول الدين ولا بالعقيدة وانما هو مجرد حدث لا يضر من عرفه ولا ينفع من جهله ، وأنى لهم بالمعرفة الحقة والنور المستبين ذلك أن ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) فهلم بنا لكي نقف مع هذه الدراسة التي أفاضها لنا التاريخ ونحققها بعمق وتركيزعلى كل جوانبها وحسب ما تسعنا قابليتنا المحدودة في معرفة كوامن الأسرار ونزيح ما استتار في ظلم التاريخ عن هذه الظلامات عن غبار جعل الكثير من أبصار وبصائر الذين يدعون الصلة بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الإسلام انهم يحبون ويوالون الرسول في كل شيء ولكن ... ؟!!
ولنقف بدقة متناهية مع هذه الظلامات ونعرض جميع الأسئله الواردة في المقام ونعرضها على كتاب الله الغريز باعتباره المصدر الأول لكل سؤال ولكل استفهام من أي من كان ، ونعرضها على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو الذي ( لا ينطق عن الهوى ... إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى ) .
ونستنطق بهذه الأسئلة العقل ليكون القاريء العزيز على ثقة بما يتطلع إليه ويصل إلى مقام الإطمئنان الذي تصبو إليه النفس الإنسانية .
وقبل كل شيء ينقدح سؤال مهم ألا وهو هل أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بما سيجري على أهل بيته من بعده أم لم يخبر ؟
والجواب نجده واضحاً من خلال مطالعة كتب التأريخ والحديث حيث ورد عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث طويل أنه قال في قضية الإسراء والمعراج لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الله تعالى « إن الله مختبرك ـ أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ في ثلاث ينظر كيف جدك ؛ قال : أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك ، فما هن ؟
إلى أن يقول الإمام الثالثة ...
وأما الثالثة : فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل : أما أخوك علي فيلقى من امتك

 

 


الشتم والتضعيف والتوبيخ والحرمات والجهد والظلم وآخر ذلك القتل .
فقال : يا رب ، سلمت وقبلت ، ومنك التوفيق والصبر . وأما ابنتك فتظلم ، وتحرم ، ويؤخذ حقها غصباً الي تجعله لها ، وتصرب وهي حاملة ، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً وتطرح ما بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب ، قلت إنا لله وإنّا إليه راجعون قبلت يا رب وسمك ومنك التوفيق والصبر (1) .
إذن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعلم ما سيجري على بضعته الطاهرة وما يكون مآل الأمور من بعده ، ويعلم من الذي سوف يكون الظالم لها ولبعلها ولذلك نجده في أكثر من مرة يوصي الزهراء وأمير المؤمنين بالصبر بما سيجري عليهم من بعده ، ولقد جاء في المأثور الروائي أنه طالما أخبرهم بذلك وخصوصاً عند قرب وفاته حيث أخبر الصديقة الشهيدة عليها السلام بأنها ستظلم من بعده وانها أول الناس لحوقاً به من أهل بيته بعد أربعين يوماً من وفاته وقيل بإثنين وسبعين يوماً ، وهكذا تظافرت الروايات الكثيرة في إثبات هذه المأساة للزهراء من بعد أبيها ، أما من الذي يظلمها حقها ؟ فهذا ما ترويه قصة سقيفة بني ساعدة وإليك ما جرى في تلك الواقعة الأليمة لأهل بيت النبوة والتي كانت مفتاح الظلم الذي سنه الخليفة الأول والثاني على أهل البيت عليهم السلام .
* عن عبدالله بن عبد الرحمان قال : ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي : ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة ، فينثال الناس يبايعون ، فعرف أن جماعة في بيوت مسترون ، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون ، حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ ، أو لأحرقنّه على ما فيه .
فقيل له : إنّ فاطمة بنت رسول الله ،وولد رسول الله ، وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ؛ وانكر الناس ذلك من قوله ، فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم أتروني فعلت ذلك ؟!
____________
(1) الدمعة الساكبة : 69 ، كامل الزيارات : 332 ، البحار : 28 | 61 .

 

 


إنما أردت التهويل ؛ قال : وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت : « لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم ، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازةً بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ، ولم تؤمّرونا ، ولم تروا لنا حقّاً ، كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم ؛ والله ، لقد عقد له يؤمئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم ، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة (1) .
* عن سلمان الفارسي رضى الله عنه أنه قال : وكان علي بن أبي طالب عليه السلام لما رأى خذلان الناس له ، وتركهم نصرته ، واجتماع كلمة الناس منع أبي بكر ، طاعتهم له ، وتعظيمهم له ، جلس في بيته ؛ فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنّه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الأربعة معه ؛ وكان أبو بكر أرقّ الرجلين ، وارفقهما ، وادهاهما ، وأبعدهما غوراً ؛ والآخر أفظّهما وأغلظهما ، وأخشنهما ، وأجفاهما ، فقال : من نرسل إليه ؟
فقال عمر : أرسل إليه قنفذاً ـ وكان رجلاً فظّاً غليظا جافياً من الطلقاء ، أحد بني تيم ـ فأرسله وأرسل معه أعواناً ، فانطلق فاستأذن ، فأبي عليّ عليه السلام أن يأذن له .
فرجع أصحاب قنفذ إلى بي بكر وعمر ، وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه .
فانظلقوا ، فاستأذنوا ، فقالت فاطمة عليها السلام : أخرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذنٍ ؛ فرجعوا ، فثبت قنفذ ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فحرجتنا أن ندخل عليه البيت بغير إذن منها ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء ؛ ثم أمر أناساً حوله ، فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله ، وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام ، ثم نادى عمر حتى اسمع علياً : والله لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، أو لأضر منّ عليك بيتك ناراً ، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر ، وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدّته .
____________
(1) الاحتجاج : 1 | 105 ، الإمامة والسياسة : 12 ، بلاغات النساء : 4 | 114 .

 

 


ثم قال لقنفذ : إن خرج وإلاّ فاقتحم عليه ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً : فانطلق قنفذ ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وبادر علي إلى سفيه ليأخذه ، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثّروا عليه فضبطوه ، وألقوا في عنقه حبلاً أسود ؛ وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها ؛ فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ؛ فالجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها (1) .
* وفي كتاب سليم بن قيس ، في حديث طويل ، قال : فلما كان الليل حمل علي فاطمة عليهما السلام على حمار وأخذ بيدي إبنيه الحسن والحسين عليهما السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله ، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غبرنا الأربعة ، فإنّا حلقنا رؤوسنا ، وبذلنا له نصرتنا ، وكان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته ؛ فلما رأى علي عليه السلام خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته ، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر ، وطاعتهم له ، وتعظيمهم إياه لزم بيته ، فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الاربعة ، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وآدهاهما وأبعدهما غوراً ، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما ؛ فقال [ له ] أبوبكر : من نرسل إليه ؟
فقال عمر : نرسل إليه قنفذاً ، وهو رجل فظّ غليظ جافّ من الطلقاء ، أحد بني عديّ بن كعب ، فأرسله إليه ، وأرسل معه أعواناً ، فانطلق فاستأذن على علي عليه السلام ، فأبى أن يأذن لهم .
فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ، وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن لنا ؛ فقال عمر : اذهبوا فإن أذن لكم ، وإلاّ فادخلوا [ عليه ] بغير إذن !!
فانطلقوا فاستأذنوا ؛ فقالت فاطمة عليها السلام : أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير
____________
(1) 1 | 106 الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي .

 

 


إذن ، فرجعوا ، وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء !! ثم أمر اناساً حوله أن يحملوا الحطب ؛ فحملوا الحطب ، وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناها عليهم السلام ثم نادى عمر ـ حتى اسمع علياً وفاطمة عليهما السلام : ـ والله ـ لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، وإلا أضرمت عليك [ بيتك ] النار .
فقالت فاطمة عليها السلام : يا عمر ، ما لنا ولك ؟
فقال : افتحي الباب ، وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم ؛
فقالت : يا عمر ،أما تتقي الله تدخل علي بيتي ؟ فأبى أن ينصرف ، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثم دفعه فدخل ، فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت : يا أبتاه ، يا رسول الله فرفع عمر السيف ـ وهو في عمده ـ فوجأ به جنبها ، فصرخت يا أبتاه ! فرفع السوط فضرب به ذراعها ... (1) .
* وروي عن زيد بن أسلم أنه قال : كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه ، قال : وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فقالت فاطمة : أتحرق علياً وولدي ؟ قال : إي ـ والله ـ أو ليخرجنّ وليبايعنّ (2) .
* وروي عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن جدّه : ما أتى عليّ يوم قطّ أعظم من يومين أتيا عليّ : فأمّا اليوم الأول : فيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وأمّا اليوم الثاني : فوالله إنّي لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه ، إذ قال له عمر : يا هذا ، ليس في يديك شيء مهما لم يبايعك عليّ ؛ فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك ، فإنّما هؤلاء رعاع .
فبعث إليه قنفذ ، فقال له : اذهب فقل لعليّ : أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع ، فقال لأبي بكر : قال لك : ما خلّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحداً
____________
(1) كتاب سليم بن قيس : 3 | 583 .
(2) نهج الحق وكشف الصدق : 271 .

 

 


غيري .
قال : ارجع إليه فقل : أجب فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه ، وهؤلاء المهاجرين والأنصار يبايعونه وقريش ، وإنما أنت رجل من المسلمين ، لك ما لهم ، وعليك ما عليهم ؛ فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع ، فقال : قال لك : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي وأوصاني أن ـ إذا واريته في حفرته ـ لا أخرج من بيتي حتى اؤلّف كتاب الله ، فإنّه في جرائد النخل ، وفي أكتاف الإبل ، قال عمر : قوموا بنا إليه .
فقام أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وقنفذ ، وقمت معهم .
فلمّا انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة ( صلوات الله عليها ) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشكّ أن لا يدخل عليها إلا باذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره ـ وكان من سعف ـ ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً عليه السلام ملبّباً .
فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت : يا أبابكر ، أتريد أن ترمّلني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنّ جيبي ، ولآتينّ قبر أبي ، ولأصيحنّ إلى ربّي ؛
فأخذت بيد الحسن والحسين عليهما السلام فإنّي أرى جنبتي المدينة تكفيان ؛ والله إن نشرت شعرها ، وشقّت جيبها ، وأتت قبر أبيها ، وصاحت إلى ربّها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [ وبمن فيها ] ، فأدركها سلمان رضى الله عنه ، فقال :
يا بنت محمد ، إنّ الله إنّما بعث أباك رحمة ، فارجعي .
فقالت : يا سلمان ، يريدون قتل عليّ ، ما على عليّ صبر ، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري ، وأشقّ جيبي ، وأصيح إلى ربّي ، فقال سلمان : إنّي أخاف أن تخسف بالمدينة ، وعليّ عليه السلام بعثني إليك ، ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك ، وتنصرفي .
فقالت : إذاً أرجع ، وأصبر ، وأسمع وأطيع .
قال : فأخرجوه من منزله ملّبا ، ومرّوا به على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : فسمعته يقول :

يـ ( ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني ) (1) إلى آخر الآية .
وجلس أبو بكر في في سقيفة بني ساعدة ، وقدم عليّ ، فقال له عمر : بايع .
فقال له عليّ عليه السلام : فإن أنا لم أفعل ، فمه ؟ فقال له عمر : إذاً أضرب والله عنقك .
فقال له عليّ عليه السلام : إذاً ـ والله ـ أكون عبدالله المقتول ، وأخا رسول الله ؛
فقال عمر : أمّا عبدالله المقتول فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فلا ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ .
فبلغ ذلك العباس بن عبد المطّلب فأقبل مسرعاً يهرول ، فسمعته يقول :
ارفقوا بابن أخي ، ولكم عليّ ان يبايعكم ، فأقبل العبّاس وأخذ بيد عليّ ، فمسحها على يد أبي بكر ، ثم خلّوه مغضباً ، فسمعته يقول ـ ورفع رأسه إلى السماء ـ :
اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم ، وهو قولك في كتابك ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين )(2) .
قال : وسمعته يقول : اللهمّ وإنّهم لم يتمّوا عشرين ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ ثم انصرف (3) .
* ولقد ورد عن عبد الرحمان بن عوف عن أبيه ، قال : دخلت على أبي بكر أعوده ـ في احتضاره ـ فاستوى جالساً ... فقال إنّي لا آسى علي شيء إلا على ثلاث وددت أنّي لم أفعلهنّ : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته ، وأن اغلق على الحرب ، وددت أنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدة أو عمر ، فكان أميراً وكنت وزيراً ... (4) .
ويؤيد هذا المعنى ما روي في حديث احتضار أبي بكر عن كتاب سليم بن قيس الهلالي .. حيث يقول :
فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت : هل شهد موت أبيك غير أخيك عبدالرحمان وعائشة وعمر ؟ [ قال : لا . قلت : ] وهل سمعوا منه ما سمعت ؟!
قال : سمعوا منه طرفاً فبكوا ، وقالوا : يهجر ! فأمّا كلمّا سمعت أنا فلا .
____________
(1) الأعراف : 150 .
(2) الأنفال : 65 .
(3) تفسير العياشي : 2 | 66 ح 76 ، البرهان : 2 | 93 ح 4 ، الاختصاص : 181 .
(4) لسان الميزان : 4 | 189 ، 17 ج 28 ، الإمامة والسياسة : 1 | 18 مثله .


 


قلت : والذي سمعوا منه ما هو ؟ قال : دعا بالويل والثبور ؟!
فقال له عمر : يا خليفة رسول الله ، مالك تدعو بالويل والثبور ؟ قال : هذا محمد وعلي يبشّراني بالنار ، بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة ، وهو يقول « [ لعمري ] لقد وفيت بها فظاهرت على وليّ الله أنت وأصحابك ، فأبشر بالنار في أسفل السافلين » . فلمّا سمعها عمر خرج وهو يقول : إنّه ليهجر !
قال : لا ـ والله ـ لا أهجر [ أين تذهب ] قال عمر : أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار ! قال : الآن أيضاً ؟!
أولم احدثك أنّ محمّداً ـ ولم يقل رسول الله ـ قال لي وأنا معه في الغار : إنّي أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر »، قلت : فأرنيها ، فمسح وجهي ، فنظرت إليها ، فاستيقنت عند ذلك أنّه ساحر ! [ فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنّه ساحر ! ] .
فقال عمر : يا هؤلاء إنّ أباكم يهجر ! واكتموا ما تسمعون منه ، لا يشمت بكم أهل هذا البلد ثم خرج وخرج أخي [ وخرجت عائشة ] ليتوضأ وللصلاة ، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا . فقلت له ـ لمّا خلوت به ـ : يا أبه ، قل : لا إله إلاّ الله ، قال : لا أقولها أبداً ، ولا أقدر عليها حتّى [ أرد النار ] فأدخل التابوت . فلمّا ذكر التابوت ظننت أنه يهجر . فقلت له : أيّ تابوت ؟! فقال : تابوت من نار ، مقفّل من نار ، فيه اثنا عشر رجلاً : أنا وصاحبي هذا ، قلت : عمر ؟! قال نعم [ فمن أعني ] ، وعشرة ، في جبّ في جهنّم عليه صخرة ، إذا أراد الله أن يسعّر جهنّم رفع الصخرة ، قلت : تهذي ؟! قال : لا والله ، ما أهذي ، لعن الله ابن صهّاك ، هو الذي صدّني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين ، لعنه الله ، ألصق خدّي بالأرض ، فألصقت خدّه بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتّى غمّضته ... (1) .
أما حديث إسقاط الجنين ـ محسن عليه السلام ـ فهناك عدة كتب تروي لنا هذه القصة إضافة إلى كسر الضلع وإضرام النار فلقد روي عن محمد بن عمار بن ياسر قال :
____________
(1) كتاب سليم بن قيس : 2 | 820


 


سمعت أبي يقول ـ في حديث ـ :
قال : وحملت بالحسن عليه السلام فلمّا رزقته ، حملت بعد أربعين يوماً بالحسين عليه السلام ، ثم رزقت زينب ، وام كلثوم ، وحملت بمحسن .
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها ، وإخراج ابن عمّها أمير المؤمنين عليه السلام وما لحقها من الرجل :
أسقطت بن ولداً تماماً ، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها ( صلوات الله عليها ) (1) .
وقال المجلسي في البحار ... عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام في حديث طويل :
وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم وفضّة ، وإضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة عليها السلام إليهم ، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن نقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفىء نور الله ؟ والله متمّ نوره ، وانتهاره لها ، وقوله : كفّي يا فاطمة ، فليس محمد حاضراً ، ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما عليّ إلا كأحدٍ من المسلمين ، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر ، أو إحراقكم جميعاً .
فقالت وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك ، وارتداد امّته علينا ، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل :
فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة ، حمقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة وأخذت النار في خشب الباب ، وإدخال قنفذ يده ( لعنه الله ) يروم فتح الباب ؛ وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود ؛ وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر ، وإسقاطها إيّاه ، وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد ؛ وصفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : واأبتاه ، وارسول الله ابنتك فاطمة تكذّب ، وتضرب ، ويقتل جنين في بطنها .
____________
(1) دلائل الإمامة : 26 .

 

 


وخروج أمير المؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمرّ العين حاسراً ، حتى ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وقوله لها : يا بنت رسول الله ، قد علمت أنّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين ، فالله الله أن تكشفي خمارك ، وترفعي ناصيتك ، فوالله يا فاطمة ، لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أنّ محمداً رسول الله ، ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ، [ ولا ] دابّة تمشي على الأرض ، ولا طائراً في السماء إلا أهلكه الله .
ثم قال : يابن الخطّاب ، لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه ، اخرج قبل أن اشهر سيفي فافني غابر الامّة ، فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمان بن بي بكر ، فصاروا من خارج الدار .
وصاح أمير المؤمنين بفضّة يا فضّة ، مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء ، فقد جاءها المخاض من الرفسة ، وردّ الباب ، فأسقطت محسناً .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فإنّه لا حق بجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشكو إليه الحديث (1) .
وفي علم اليقين في اصول الدين : ثم إنّ عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام فوافوا بابه مغلقاً
فصاحوا به : اخرج يا عليّ ، فإنّ خليفة رسول الله يدعوك ، فلم يفتح لهم الباب ؛ فأتوا بحطب فوضعوه على الباب ، وجاؤوا بالنار ليضرموه ، فصاح عمر ، وقال : والله ، لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنار ، فلمّا عرفت فاطمة عليها السلام أنّهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب ، فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم ، فاختبت فاطمة عليها السلام وراء الباب والحائط .
ثم إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ، ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى المسجد .
فحالت فاطمة عليها السلام بينهم وبين بعلها ، وقالت :
والله ، لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً ، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا
____________
(1) البحار : 53 | 18 ، بهجة قلب المصطفى : 528 ح 23 ، اعلموا أني فاطمة : 8 | 716 .


 


أهل البيت ، وقد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا !
وقال الله تعالى : ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى ) .
قال : فتركه أكثر القوم لأجلها ، فأمر عمر قنفذ بن عمّ أن يضربها بسوطه .
فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف وكان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سماّه محسناً ، وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدى أبي بكر ، فلحقته فاطمة عليها السلام إلى المسجد لتخلّصه ، فلم تتمكّن من ذلك ؛ فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونجيب ، وهي تقول :

نفسي على زفراتها محبوسة

*

يا ليتها خرجت من الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنّما

*

أبكي مخافة أن تطول حياتي


ثم قالت : وااسفاه عليك يا أبتاه ، وأثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن ، وأبو سبطيك الحسن والحسين ، ومن ربّيته صغيراً ، وآخيته كبيراً ، أجلّ أحبّائك لديك وأحبّ أصحابك عليك ، أوّلهم سبقاص إلى الإسلام ، ومهاجرة إليك يا خير الأنام ؛ فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير .
ثم إنّها أنّت أنّةً وقالت : وامحمّداه ، واحبيباه ، واأباه ، واأبا القاسماه ، واأحمداه ، واقلّة ناصراه ، واغوثاه ، واطول كربتاه ، واحزناه ، وامصيبتاه ، واسوء صباحاه ؛ وخرّت مغشيّة عليها ، فضجّ الناس بالبكاء والنجيب ، وصار المسجد مأتماً .
ثم إنّهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أبي بكر ، وقالوا له : مدّ يدك فبايع ، فقال : ـ والله ـ لا ابايع ، والبيعة لي في رقابكم .
فروي عن عديّ بن حاتم أنّه قال : ـ والله ـ ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين اتي به ملبّباً بثوبه ، يقودونه إلى أبي بكر ، وقالوا : بايع .
قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : نصرب الذي فيه عيناك .
قال : فرفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّي اشهدك أنّهم أتوا أن يقتلوني ، فإنّي عبدالله وأخو رسول الله ، فقالوا له : مدّ يدك فبايع ، فأبي عليهم فمدّوا يده كرهاً فقبض عليّ عليه السلام أنامله ، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يدورا ، فمسح عليها أبو بكر ، وهي


 


مضمومة ، وهو عليه السلام يقول وينظر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (
يابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) .
قال الراوي : إنّ علياً عليه السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين :

فـإن كـنت بـالشورى مـلكت امـورهم

*

فكــيف بــهذا والمشــيرون غــيّب

وإن كنت بـالقربى حــججت خـصيمهم

*

فـــغيرك أولى بـــالنبيّ وأقـــرب


وكان عليه السلام كثيراً ما يقول : واعجباه تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالقرابة والصحابة ؟! (1) .
وفي الملل والنحل : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها .
وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (2) .
وعن الوافي بالوفيات : قال صلاح الدين الصفدي الشافعي المتوفّى 764 في ترجمة « النظام » في ذكر أقواله :
وقال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة ، حتى ألقت المحسن من بطنها (3) .
وعن لسان الميزان : إنّ عمر رفس فاطمة عليها السلام حتى أسقطت بمحسن (4) .
وعن العقد الفريد : الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ، عليّ عليه السلام والعباس والزبير وسعد ابن عبادة ، فأمّا عليّ عليه السلام والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة عليها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له :
إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ؛ فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟! قال : نعم ... (5) .
وعن معارف القتيبي : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي (6) .
____________
(1) علم اليقين في اصول الدين : 686 للفيض الكاشاني .
(2) 1 | 57 للشهرستاني .
(3) 5 | 347 ، عنه اعلموا أني فاطمة : 8 | 715 .
(4) 1 | 268 .
(5) 5 | 12 ، عنه البحار : 28 | 339 .
(6) عنه المناقب لابن شهر اشوب : 3 | 132 .


 


وعن إثبات الوصية : ... فأقام أمير المؤمنين عليه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوجّهوا إلى منزله ، فهجموا عليه ، وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً ، وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً ، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال : لا أفعل ، فقالوا : نقتلك ، فقال : إن تقتلوني فإنّي عبدالله وأخو رسوله ... (1) .
وعن بيت الأحزان : قال المحدّث القمّي ( ره ) : وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى عمر نكزها بنعل السيف (2) .
وعن ملتقى البحرين : أخذت فاطمة عليها السلام باب الدار ولزمتها عن ورائها ، فمنعتهم عن الدخول ، ضرب عمر برجله على الباب ؛ فقلعت فوقعت على بطنها ( سلام الله عليها ) ، فسقط جنينها المحسن (3) .
وروي في علة وفاة الصديقة الطاهرة عليها السلام : ان عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجلٍ على بيتها سلام الله عليها (4) .
أقول : إنّ هذا الهجوم الشرس الذي قاده عمر وعصابته الأوباش والطلقاء والمنافقين على بيت الوحي والرسالة وهم الذين قال الله تعالى في حقهم : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) :
وقال عز ذكره : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) :
وكان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخله حتى يستأذن من أهله ، ولكن الأوغاد دخلوه عنوة وبغير استئذان وكان عددهم « 300» نفراً كما في الرواية ، وكان في مقدّمتهم عمر ومعه الفتيلة ، أبو بكر ، عثمان ، خالد بن الوليد ، المغيرة بن شعبة ، أبو عبيدة بن الجرّاح ، سالم مولى أبي حذيفة ، قنفذ أن عمّ عمر ـ وكان رجل فظاً ، غليظا ، جافياً من الطلقاء
____________
(1) 143 ، عنه البحار : 28 | 308 ضمن ح 50 .
(2) 160 .
(3) 418 .
(4) العوالم : 2 | 58 .


 


ـ اسيد بن خضير ، وسلمة بن سلامة بن وقش وكانا من بني عبدالله الأشل ، ورجل من الأنصار ، زياد بن لبيد ، وزيد بن اسلم ، وكان ممّن حمل الحطب مع عمر .
وكانت بداية هذا الهجوم كما جمعته من الروايات : ادخال قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثمّ دفعها برجله فكسرها ودخل .
أرسل أبو بكر إلى قنفذ : أن اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من أضلاعها ونبت مسمار الباب في صدرها ، ثمّ لطم عمر خدّها حتّى احمرّت عينها ، كما صرّح بهذا نفسه « صفقت خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها » . في رواية اخرى : « قال عمر : فصفقت صفقة على خدّها من ظاهر الخمار ، فانقطع قرطها وتناثر إلى الأرض » .
ثمّ عمر رفس فاطمة عليها السلام ، ثمّ رفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، ورفع السوط فضرب بها ذراعها ، ثمّ ضربها بالسوط عل يعضدها حتى صار كالدملج الأسود ، ثمّ أخذ من خالد بن الوليد سيفاً فجعل يضرب على كتفها ، ثمّ ضرب المغيرة بن شعبة فاطمة عليها السلام حتّى أدماها ، ثمّ سلّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها السلام ، ثمّ لكزها قنفذ بنعل السيف بأمر عمر ، ثمّ ضرب قنفذ فاطمة بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف ، ثمّ ضرب عمر بطن فاطمة عليها السلام حتّى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها .
وهذا المشهد الدامي الذي تتفطّر منه السماوات والأرض ، وساعد الله قلب صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف بما جرى لاُمّه فاطمة عليها السلام يذكرنا أيضاً بما جرى على ولدها الإمام الشهيد الحسين عليه السلام حين داست خيول بني اميّة لعنهم الله على جسده وصدره الشريف يوم عاشوراء .
وأخيراً كما قالت الزهراء عليها السلام الشهيدة المظلومة المضطهدة في ذلك اليوم : « أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل ، فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي ، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من اذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم » .


 


هذا ما استطعنا أن نثبته من خلال الكتب التي روت لنا قصة السقيفة وظلم الزهراء عليها السلام ، أمام ظلمها في فدك فسوف يأتينا في بحثنا حول فدك وندعوا الله تعالى ونتوسل إليه عن المظلومة أن يوفقنا لخدمتها ونيل شفاعنها والسير على هداها ، واللعنة الدائمة على ظالميها وقاتليها .
أمّا مصادر ما جرى على الصديقة فاطمة عليها السلام من الظلامات ، فهي :

1 ـ تاريخ اليعقوبي : 2 | 116 .
3
ـ الإمامة والسياسة : 1 | 19 ، 20 .
5
ـ الملل والنحل للشهرستاني : 1 | 57 .
7
ـ الوافي بالوفيّات : 5 | 347 .
9
ـ تاريخ أبو الفداء : 1 | 164 .
11
ـ أعلام النساء : 4 | 114 .
13
ـ قرّة العين للدهلوي : 78 .
15
ـ ابن خيزران في غرره : 271 .

2 ـ العقد الفريد : 4 | 259 ، 5 | 13 .
4
ـ لسان الميزان : 1 | 268 ، 4 | 189 .
6
ـ انساب الأشراف : 1 | 586 .
8
ـ الكنى والألقاب : 3 | 219 .
10
ـ تاريخ الطبري : 3 | 202 .
12
ـ إثبات الوصيّة : 123 .
14
ـ السيرة الحلبيّة : 3 | 362 .
16
ـ تلخيص الشافي : 3 | 76 .

17 ـ صحيح البخاري : 4 | 96 ، 5 | 177 .
18 ـ شرح نهج البلاغة : 2 | 45 و46 و 50 و 56 ، 6 | 10 ، 11 | 113 ، 14 | 193 .
لقد تفجّرت قرائح شعراء أهل البيت عليهم السلام من خبر المسمار وآلمهم المصاب الجلل ، على مصيبة الزهراء عليها السلام عامّة ، وفي خبر المسمار خاصّة ، وظلّ خبر المسمار الدامي الذي نبت في صدر الزهراء البتول تتذاكره الشيعة جيلاً بعد جيل فبقيت ناراً في قلوبهم لا ينطفىء أوارها إلى يوم القيامة ومن الفقهاء العظام الذين ذكروا خبر المسمار :

السيد صدرالدين الصدر رحمه الله المتوفى سنة 1373 هـ ق حيث قال ضمن قصيدته :

مـن سعى في ظلمها مـن راعـها

*

من عـلا فـاطمة الزهـراء جـارا

من غدا ظـلماً عـلى الدار التـي

*

اتـخذتها الإنــس والجنّ مـزارا

طـالما الأمـلاك فـيها أصـبحت

*

تـلثم الأعــتاب فـيها والجـدارا


 

 

ومـن النـار بـها يـنجو الورى

*

مـن عـلى أعـتابها أضـرم نـارا

والنـبيّ المـصطفى كـم جـاءها

*

يطلب الإذن مـن الزهـراء مـرارا

وعـــليها هــجم القــوم ولم

*

تـك لاذت لا وعـــلياها الخـمارا

لست أنســاها ويـا لهـفي لهـا

*

إذ وراء البــاب لاذت كـي تـوارا

فـتك الرجس عــلى البـاب ولا

*

تسألن عــمّا جـرى ثـم وصـارا

لا تسلني كـيف رضّـوا ضـلعها

*

واسألنّ البــاب عـنها والجــدارا

وسألـن لؤلؤ قـــرطيها لمــا

*

انتثرت والعــين لم تشكو إحمـرارا

وهـل المسـمار مــوتور لهـا

*

فغدا فـي صــدرها يـطلب ثـارا

وقال الشيخ الفقيه المحقّق محمد حسين الاصفهانى الغروي النجفي ( ره ) المتوفى سنة 1361 هـ :

أيــضرم النـار بـباب دارهــا

*

وآيــة النـور عــلى مــنارها

وبــابها بـاب نــبيّ الرحــمة

*

وبــاب أبــواب نــجاة الامّـة

بـل بـابها بـاب العـليّ الأعـلى

*

فــثم وجــه الله قــد تــجلّى

مـا اكـتسبوا بـالنار غـير العـار

*

ومــن ورائـه عــذاب النــار

مـا أجـهل القـوم فـإنّ النـار لا

*

تـطفيء نـور الله جـلّ وعـــلا

لكـنّ كسـر الضـلع لـيس ينجبر

*

إلا بـصمصام عــزيز مـــقتدر

إذ رضّ تـلك الأضـلع الزكــيّة

*

رزيّـــة لا مـــثلها رزيّـــة

ومــن نـبوع الدم مـن ثـدييها

*

يـعرف عـظم مـا جـرى عـليها

وجــاوزوا الحـدّ بـلطم الخـدّ

*

شـلّت يـد الطــغيان والتــعدّي

فـاحمرّت العـين وعـين المعرفة

*

تذرف بالدمع عـلى تـلك الصــفة

ولا تـزيل حـمرة العـين سـوى

*

بيض السيوف يـوم يـنشر اللـوى

وللســياط رنّـة صــداهــا

*

في مسـمع الدهـر فـما أشــجاها

والأثـر البـاقي كـمثل الدمـلج

*

في عضد الزهـراء أقـوى الحـجج

ومـن سـواد متنها اسـودّ الفضا

*

يـا سـاعد الله الإمــام المـرتضى

 


 

 

ووكـز نـعل الســيف فـي جـنبيها

*

أتـى بكــلّ مــا أتــى عـليها

ولست أدري خـــبر المســــمار

*

سـل صـدرها خـزانـة الأسـرار

وفـي جـنين المجد مـا يدمي الحشى

*

وهل لهـم اخـفاء أمـر قـد فشـى

والبــاب والجـــدار والدمـــاء

*

شــهود صــدق مـا بـه خـفاء

لقـد جـنى الجـاني عــلى جـنينها

*

فـاندكّت الجـبال مــن حــنينها

أهكــذا يــصنع بــابنة النــبّي

*

حرصاً عـلى المـلك فـيا للـعجب

أتــمنع المكـــروبة المــفروحة

*

عن البكـاء خـوفاً مـن الفـضيحة

تــالله يـنبغي لهــا تبكي دمـــا

*

مــا دامت الأرض ودارت السـما

لفــقد عــزّها أبـــيها السـامي

*

ولاهـــتضامها وذل الحـــامي

أتســـتباح نـــحلة الصـــدّيقة

*

وارثـها مــن أشـرف الخــليقة

كــيف يـــردّ قــولها بــالزور

*

اذ هـــو ردّ أيــة التـــطهير

أيــؤخذ الديــن مـن الأعـرابـي

*

ويـنبذ المـنصوص فــي الكـتاب

فـاستلبوا مـــا مــلكت يــداهـا

*

وارتكــبوا الخـــزية مــنتهاها

يـا ويـلهم قــد سألوهــا البــيّنة

*

عـلى خـــلاف الســنّة المـبيّنة

وردّهـــم شـــهادة الشــــهود

*

أكـبر شــاهد عــلى المــقصود

ولم يكــن سـدّ الثـغور غـــرضا

*

بـل سـدّ بـابها وبـاب المـرتضى

صـدّوا عـن الحـقّ وسـدّوا بــابه

*

كأنّــهم قـد آمنـــوا عــذابـه

أبـضعة الطـهر العــظيم قــدرها

*

تــدفن ليـلاً ويـعفى قــــبرها

مــا دفـنت ليــلاً بســتر وخـفا

*

إلا لوجــدها عــلى أهـل الجـفا

مــا ســمع السـامع فـيما سـمعا

*

مـــجهولة بــالقدر والقـبر مـعا

يـا ويـلهم مـــن غـضب الجـبّار

*

بـــظلمـهم ريــحانة المــختار

إذن بعد معرفة بعض مقامات الزهراء عليها السلام وظلاماتها ، يأتي بيان قضية أصل يوم العذاب ، فالذي يرد على ذهن القاري قبل كل شيء كيف كان هذا التعبير من الإمام الصادق عليه السلام بأن ظلاماتهم عليهم السلام هي ألاصل ليوم الغذاب في الآخرة ؟ ولقد قلنا سابقاً ان الإمام عليه السلام باعتباره يمثل الإمتداد الطبيعي لخلافة الرسول الأكرم فهو إذن لا يتكلم


 


دون وجود مقدمات أولية يقينية عنده بحيث على ضوء هذه المقدمات يحكم بهذا الحكم العقائدي المهم .
أما ما ورد من القرآن الكريم وبيان كيف أن ظلمهم صار الأصل ليوم العذاب فهو على ما جاء في قوله تعالى ( ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً ) (1) حيث أثبتت هذه الآية المباركة ان كل من تسول نفسه في أذية رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم أو أذية أولياء الله تعالى ( حيث قالت الآية يؤذون الله أي أن الله تعالى لا تصل إليه الأذية وإنما تكون الأذية لأولياءه فيتأذى لهم ) سوف تكون له اللعنة في الدنيا وهي الطرد من رحمة الله تعالى وفي الآخرة إعداد العذاب الإلهي له وأذية رسو الله لها عدة صور فتارة تكون عبر سبه أجارنا الله تعالى وتارة أخرى عن طريق أذية ذريته وخاصة الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام ، حيث ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : من آذى فاطمة فقد آذاني ومن طلمها فقد ظلمني ... الخ الأحاديث الواردة في أذى الزهراء وغضبها ، فلا شك عندئذ يكون كل من ظلمها وآذاها فقد آذى الله تعالى وآذى رسوله تكون النتيجة في ذلك اللعنة على ذلك الظلم والعذاب الأليم والمهين يوم القيامة ، وهذا معناه أنه كل من ظلمهم فهو في النار وتكون عندئذ ظلاماتهم الأصل ليوم العذاب في الآخرة .
وأما ما ورد من السنة الشريفة فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك » .
وهذا يعني أن غضب الله تعالى له عدة صور فمرة يكون غضبة تعالى على انسان معين في الدنيا فيظهر نقمته عليه ، ومرة أخرى في الآخرة وهو ما يعبر عنه بيوم العذاب في جهنم ، وعليه كل من غضبت عليه الزهراء عليها السلام فهو خالد في النار لا محالة بدليل الحديث فعليه تكون ظلامة الزهراء عليها السلام وأذيتها هو نوع من الأعمال التي تؤدي إلى غضبها وبالنتيجة سوف يكون الظالمين لها في النار فتكون عندئذ ظلامتها الأصل ليوم العذاب ، أما لماذا أن رضاها هو رضا الله تعالى وغضبها هو غضب الله تعالى
____________
(1) الأحزاب : 57 


وكيف أصبحت بهذا المقام ما نجده عزيزي القاريء في البحث الذي يثبت كيفية أن الزهراء مر تبطة بأصول الدين وخاصة بالعدل فراجع بحثنا فيه .
ومن هنا انقدح في المقام السئوال المهم الذي يقول : ماذا تقولون في الأمم السابقة الذين كانوا قبل فترة رسول الله فانه لا شك أن لهم إما الجنة أو النار فكيف صارت ظلامات الزهراء عليها السلام وأهل بيتها هم الأصل ليوم العذاب ونحن نعلم أن الأمم السابقة لم تكن موجودة في زمن الرسول وما بعده ؟
الجواب : وبيان ذلك يمكن أن يستفاد من الذي استنبطه بعض محققي علمائنا من حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام ولننقل ملاحظة كلامه مع الحديث المذكور قال رحمه الله (1) : إن أحكام الله تعالى إنما تجري على الحقائق الكلية والمقامات النوعية فحيث ما خوطب قوم بخطاب ونسب اليهم فعل دخل في ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء واولي الألباب كل من كان من سنخ اولئك القوم وطينتهم ، فصفوة الله حيث ما خوطبوا بمكرمة أو نسبوا إلىأنفسهم مكرمة يشمل ذلك كل من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والاولياء وكل من كان من المقربين إلا بمكرمة خصوا بها دون غيرهم وكذلك إذا خوطبت شيعتهم ومحبوهم بخير أو نسب اليهم خير أو خوطب أعداؤهم ومخالفوهم بسوء أو نسب اليهم سوء يدخل في الأول كل من كان من سنخ شيعتهم وطينة محبيهم وفي الثاني كل من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأولين والآخرين وذلك لأن كل من أحبه الله ورسوله أحبه كل مؤمن من ابتداء الخلق إلى انتهائه وكل من أبغضه الله ورسوله أبغضه كل مؤمن كذلك وهو يبغض كل من أحبه الله ورسوله فكل مؤمن في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من شيعتهم ومحبيهم وكل جاحد في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من مخالفيهم ومبغضيهم ، قال رحمة الله وقد وردت الإشارة إلى ذلك في كلام الإمام الصادق عليه السلام في حديث المفضل بن عمرو وهو الذي رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن المفضل ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : بما صار علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
____________
(1) البرهان : 1 | 8 .


 


قسيم الجنة والنار ؟ قال : لأن حبّه إيمان وبغضه كفر وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل الكفر الكفر فهو عليه السلام قسيم الجنة والنار لهذه العلة ، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه .
قال المفضل : قلت يا بن رسول الله فالأنبياء والأوصياء هل كانوا يحبونه وأعدائهم يبغضونه ؟
فقال : نعم .
قلت : فكيف ذلك ؟ قال : أما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يده ؟ قلت : بلى قال : اما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أتى بالطائر المشوي قال : اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معي هذ الطير وعنى به علياً ؟ قلت : بلى قال : أيجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصيائهم من يحبه الله ورسوله ويحب الله وحبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه؟ قلت : لا . قل : فقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب محبين وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أه لامحبته مبغضين قلت : نعم ، قال : فلا يدخل الجنة إلا ما أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار ، قال المفضل : فقلت له : يا بن رسول الله فعلي بن أبي طالب يدخل محبه الجنة ومبغضه النار أو رضوان ومالك ؟ فقال : يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسوله وهو روح إلى الأنبياء عليهم السلام وهم أرواح قبل خلاق الخلق بالفي عام ؟
قلت : بلى قال : أما علمت أنه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته واتباع أمره ووعدهم الجنة على ذلك وأوعد من خالف ما أجاب إليه وأنكره النار ؟
قال : بلي . قال : فليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل ؟ قلت : بلى قال : أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام منه ؟ قلت : بلى قال : أوليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته ؟ قلت : بلى .
قال : فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنة والنار عن رسول الله ورضوان ومالك


 


صادران عن أمره بأمر الله تعالى . يا مفضل خذها فإنه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلا إلى أهله .
فعليه كل الذي يجري في حق أمير المؤمنين يجري في الزهراء عليها السلام لأنهما كل واحد كفو للآخر وأضف إلى ذلك أن هناك الكثير من الروايات تفيد هذا المضمون ، وأيضاً موجود في الآثار الشريفة أنه لو اجتمع الناس على ولاية علي عليه السلام ـ أو حبه ـ لم خلق الله النار ، فيكون مضمون هذا الحديث إضافة إلى أحاديث أخرى بهذا المضمون أن أصل يوم العذاب مثلما هو ثابت في ظلامات فاطمة عليها السلام كذلك هو ثابت في حق غصب الخلافة من أمير المؤمنين ، والذي نريد القول به من خلال هكذا مبحث أنه الناس منقسمون في قضية الصديقة الشهيدة إلى قسمين إما اشتراكهم في نصرتها وإما اشتراكهم في ظلمها ، فمن نصرها فهو من الفائزن برضا الله تعالى لأن نصرتها هو رضاً لها ورضاها رضا الله تبارك وتعالى ، وإما من لم ينصرها فهو مع الظالمين ومشترك في ظلمهم للصديقة الشهيدة ويكون بالنتيجة خالد في النار .
فكانت ظلاماتها ( سلام الله عليها ) هي الأصل والأساس الذي جعله الله تعالى في يوم القيامة لورود الظالمين إلى نار جهنم ، وكما بينا ذلك من خلال الحديث المتقدم ، وكذلك غصب خلافة أمير المؤمنين أيضاً هي الأصل ليوم العذاب لأنه كما ورد أنه لو اجتمع النس على ولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما خلق الله النار ، ولكن لما انه لم يجتمع الناس على ولاية أمير المؤمنين فالنار موجودة ولها وقود من الناس والحجارة اعدت للظالمين ومن ولاهم ونصرهم .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة عليها السلام
اختلاف المسلمين عن اليهود والنصارى في هوية ...
فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف
شروط وآثار حبّ آل البيت
ممّن هو المهديّ ؟
قصة السيدة رقية بنت الإمام الحسين(عليهما ...
ذكرى مأساة هدم قبور أئمة البقيع(عليهم السلام)
الشيعة الإمامية هم أتباع أهل البيت (ع)
الاكراه على الفعل المحظور
النتائج الأخروية للارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم ...

 
user comment