الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هو الثامن من ائمّة أهل البيت(عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . وهم الثقل الذي لا يفارق القرآن الكريم، ولا يضل المتمسك بهما معاً، وهم سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق .
وقد ولد هذا الإمام العظيم ـ الذي بشّر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ في عصر المنصور العباسي وبعد استشهاد جدّه الصادق (عليه السلام) ونشأ في أكرم بيت من بيوتات قريش أَلا وهو البيت الهاشمي العلوي ،بيت الامامة والشهادة. وترعرع في أحضان أبيه الكاظم(عليه السلام) وعاش معه أكثر من ثلاثة عقود ، وعاصر فيها كلاًّ من المنصور والمهدي والهادي والرشيد من خلفاء بني العبّاس الذين لم يألوا جُهداً في إطفاء نور هذا البيت الرفيع .
وبرز الإمام الرضا (عليه السلام) على مسرح الحياة السياسية الإسلاميّة كألمع سياسي عرفه التأريخ الإسلامي في عصره. لقد كان الرضا(عليه السلام) صلباً في مواقفه السياسيّة وصريحاً كلّ الصراحة . ولم تخدعه الأساليب الخبيثة والمزيَّفة التي سلكها أذكى الخلفاء العباسيين وهو المأمون الذي رشّحه للخلافة أوّلاً ثم فرض عليه قبول ولاية العهد ثانياً في عصر كانت الانتفاضات العلويّة تزلزل عرش الأكاسرة العباسيين .
إنّ دوافع المأمون غير النزيهة لم تخف على الإمام الرضا (عليه السلام)،كما لم تخف عليه متطلبات الظرف الذي كان يعيشه صلوات الله عليه ،وقد اُكره على قبول ولاية العهد، ولكنّه فوّت الفرص الذهبيّة التي كان يطمع المأمون بتحقيقها من خلال اكراهه على قبول ولاية العهد . فاغتنم الإمام الرضا(عليه السلام) هذا الظرف الذهبي الذي جاءت به ولاية العهد على الوجه الأكمل بهدف نشر معالم الإسلام الحق وتثبيت دعائم اطروحة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ،متحدِّياً كل الخطوط الفكرية والمذهبية المنحرفة آنذاك .
وقد أدرك المأمون عمق الخطر الذي كان يحيق به وبحكومته من خلال تواجد الإمام الرضا(عليه السلام) في مركز حكمه، كما لاحظ نموّ وشموخ خطّ الولاء لأهل البيت (عليهم السلام). فلم يجد بدّاً بحسب مقاييسه الباطلة من القضاء على شخص الإمام واغتياله بطريقة خبيثة .
وقد استشهد هذا الإمام العظيم بعد أن أرسى قواعد الرسالة والمذهب الحق لفهم الإسلام وتبليغه، كما ربّى عدّة أجيال من العلماء النابهين الذين حملوا مشعل الهداية في تلك الظروف العصيبة التي عانت منها الامّة الإسلاميّة في ظلّ الحكم العباسي . وأسفرت مدرسة الإمام الرضا (عليه السلام) العلميّة عن تخريج كوكبة من العلماء الذين كان عددهم يناهز الثلاثمائة .
والذي يراجع مسند الإمام الرضا (عليه السلام) ويلاحظ النصوص التي وصلتنا عنه يعرف حجم نشاطه العلمي ويلمس عمق المستوى الذي بلغته مدرسة الإمام الفكرية وما أبدعه هذا الإمام العظيم من قواعد وأساليب لتحقيق أهداف مدرسة أهل البيت للوصول إلى القمة التي كانت تستهدفها حركة أهل البيت الرساليّة في مجالي العلم والسياسة معاً .
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.