أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
تعدّدت الآيات والروايات في موضوع الخشية من الله وأهميّتها في حياة الإنسان ، ولا غنى له عن ذلك وإلاّ لا فائدة في حياته فيبقى بمنزلة الحيوان بل هوأضلّ وأقلّ منهن ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا )(17) .
وإليك عدداً منها :
1- أَحْمَدُ بْنُ فَهْدٍ فِي عُدَّةِ الدَّاعِي قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) : (( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ، نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً مِنَ الْحُزْنِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ ، وَ إِنَّهُ لا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ . وَ إِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْداً ، جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَاراً مِنَ الضَّحِكِ وَ إِنَّ الضَّحِكَ يُمِيتُ الْقَلْبَ ، وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ))(9) .
2- وَ قَالَ (صلّى الله عليه وآله) : (( مَا مِنْ قَطْرَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَةِ دَمْعٍ خَرَجَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَ مِنْ قَطْرَةِ دَمٍ سُفِكَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَ مَا مِنْ عَبْدٍ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إِلَّا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ رَحِيقِ رَحْمَتِهِ ، وَ أَبْدَلَهُ اللَّهُ ضِحْكاً وَ سُرُوراً فِي جَنَّتِهِ ، وَ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ حَوْلَهُ وَ لَوْ كَانُوا عِشْرِينَ أَلْفاً ، وَ مَا اغْرَوْرَقَتْ عَيْنٌ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ ، وَ إِنْ أَصَابَتْ وَجْهَهُ لَمْ يَرْهَقْهُ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ ، وَ لَوْ بَكَى عَبْدٌ فِي أُمَّةٍ لَنَجَّى اللَّهُ تِلْكَ الْأُمَّةَ بِبُكَائِهِ ))(10) .
3- وَ قَالَ (صلّى الله عليه وآله) : (( مَنْ بَكَى مِنْ ذَنْبٍ غُفِرَ لَهُ ، وَ مَنْ بَكَى مِنْ خَوْفِ النَّارِ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهَا ، وَ مَنْ بَكَى شَوْقاً إِلَى الْجَنَّةِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ فِيهَا ، وَ كُتِبَ لَهُ أَمَانٌ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ، وَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ))(11) .
4- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السّلام) يَقُولُ : (( كَانَ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله) لِعَلِيٍّ (عليه السّلام) أَنْ قَالَ : يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ فِي نَفْسِكَ بِخِصَالٍ فَاحْفَظْهَا عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنْهُ : أَمَّا الْأُولَى : فَالصِّدْقُ وَ لَا تَخْرُجَنَّ مِنْ فِيكَ كَذِبَةٌ أَبَداً . وَالثَّانِيَةُ : الْوَرَعُ وَ لَا تَجْتَرِئْ عَلَى خِيَانَةٍ أَبَداً . وَالثَّالِثَةُ : الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ (عَزَّ ذِكْرُهُ) كَأَنَّكَ تَرَاهُ . وَالرَّابِعَةُ : كَثْرَةُ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يُبْنَى لَكَ بِكُلِّ دَمْعَةٍ أَلْفُ بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ . وَالْخَامِسَةُ : بَذْلُكَ مَالَكَ وَ دَمَكَ دُونَ دِينِكَ .... ))(12) .
5- وَ رُوِيَ أَنَّهُ : (( مَا مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا وَ لَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ إِلَّا الْبُكَاءَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّ الْقَطْرَةَ مِنْهُ تُطْفِئُ بِحَاراً مِنَ النِّيرَانِ وَ لَوْ أَنَّ بَاكِياً بَكَى فِي أُمَّةٍ لَرُحِمُوا ))(13) .
7- وَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَالَ : (( مَا مِنْ عَمَلٍ إِلَّا وَ لَهُ وَزْنٌ وَ ثَوَابٌ ، إِلَّا الدَّمْعَةُ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وَ لَوْ أَنَّ عَبْداً بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فِي أُمَّةٍ لَرَحِمَ اللَّهُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِبُكَائِهِ ))(14) .
8- وَعن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا ثَلَاثَ أَعْيُنٍ ؛ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَ عَيْنٌ غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، وَ عَيْنٌ بَاتَتْ سَاهِرَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))(15) .
9- وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) أَنَّهُ قَالَ : (( الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ نَجَاةٌ مِنَ النَّارِ ))(16) .
10- الْآمِدِيُّ فِي الْغُرَرِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) أَنَّهُ قَالَ : (( الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يُنِيرُ الْقَلْبَ وَ يَعْصِمُ مِنْ مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ ))(17) .
11- عن أبي عبد الله (ع) قال : (( أوحى الله تعالى إلى عيسى (عليه السّلام) : يا عيسى ، هب لي من عينيك الدموع ومن قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ، واكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطّالون ، وقم على قبور الأموات فنادهم برفيع صوتك لعلّك تأخذ موعظتك منهم ، وقل إني لاحق في اللاحقين ))(18) .
12- وأوحى الله إلى موسى (عليه السّلام) يا موسى : (( ما تزين المتزينون بمثل الزهد في الدنيا ، وما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع من خشيتي ، وما تعبّد لي المتعبّدون بمثل البكاء من خيفتي . فقال موسى : يا ربّ بما تجزيهم على ذلك ؟ فقال : أمّا المتزيّنون بالزهد فإنّي أبيحهم جنّتي ، وأمّا المتقرّبون بالورع عن محارمي فإنّي اُدخلهم جنانا لا يشركهم فيها غيرهم ، وأمّا البكّاءون من خيفتي فإنّي اُفتّش النّاس ولا اُفتّشهم حياءاً منهم ))(19) .
13- وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( يا علي ، عليك بالبكاء من خشية الله ؛ يبني لك بكلّ قطرة بيتاً في الجنّة ))(20) .
14- وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( لوأنّ باكياً بكى في اُمّة ، لرحم الله تلك الاُمّة لبكائه ))(21) .
15- وقد وبّخ الله تعالى على ترك البكاء عند استماع القرآن عند قوله : ( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ )(18) ومدح الذين يبكون عند استماعه بقوله : ( وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ )(19) .
16- وقال (عليه السّلام) : (( لكلّ شي ء كيل ووزن ، إلاّ البكاء فإنّ الدمعة تطفئ بحاراً من النّار )) .
17- وروي أن يحيى بن زكريّا بكى حتّى أثّرت الدموع في خدَّيه ، وعملت له اُمّه لباداً على خدَّيه يجري عليه الدموع (22) .
18- وقال الحسين (عليه السّلام) : (( ما دخلتُ على أبي قط إلاّ وجدته باكياً ))(23) .
19- وقال : (( إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) بكى حين وصل في قراءته : فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ))(20) . فانظروا إلى الشاهد كيف يبكي والمشهود عليهم يضحكون ، والله لَولا الجهل ما ضحكت سنّ . فكيف يضحك مَن يصبح ويمسي ولا يملك لنفسه ، ولا يدري ما يحدث عليه من سلب نعمة ، ونزول نقمة ، ومفاجاة ميتة ، وأمامه يوم يجعل الولدان شيباً ، يشيب الصغار ، ويسكر الكبار ، وتوضع ذوات الأحمال ، ومقداره في عظم هَوله خمسون ألف سنة ؟! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (24) .
20- فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( ما من مؤمن يخرج من عينَيه مثل رأس الذبابة من الدموع فيصيب حرّ وجهه إلاّ حرّم اللهُ عليه النّار ))(25) .
وقال (عليه السّلام) : (( لا ترى النّار عين بكت من خشية الله ، ولا عين سهرت من طاعة الله ، ولا عين غضّت عن محارم الله )) (26) .
21- وقال (عليه السّلام) : (( ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دمع خرجت من خشية الله ، ومن قطرة دم سفكت في سبيل الله ، وما من عبد بكى من خشية الله إلاّ سقاه الله من رحيق رحمته وأبدله ضحكاً وسروراً في جنّته ، ورحم الله مَن حَوله ولَوكان عشرين ألفاً . وما اغرورقت عين في خشية الله إلاّ حرّم الله جسده على النّار وإن أصابت وجهه ، ولَم يرهقه قتر ولا ذلّة ، ولَو بكى عبد في اُمّة لنجى الله تلك الاُمّة ببكائه ))(27) .
22- وقال (عليه السّلام) : (( مَن بكى مِن ذنب غفر الله له . ومَن بكى خوفَ النّار أعاذه الله منها . ومَن بكى شوقاً إلى الجنّة أسكنه الله فيها ، وكتب له أمانا من الفزع الأكبر . ومَن بكى مِن خشية الله حشره الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن اُولئك رفيقاً ))(28) .
23- وقال (عليه السّلام) : (( البكاء من خشية الله مفتاح الرحمة ، وعلامة القبول ، وباب الإجابة ))(29) .
24- وقال (عليه السّلام) : (( إذا بكى العبد من خشية الله تعالى ، تحاتت عنه الذنوب كما يتحات الورق ، فيبقى كيوم ولدته اُمّه ))(30) .
25- الحديث الثالث والثلاثون : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( كونوا في الدنيا أضيافاً ، واتّخذوا المساجد بيوتاً ، وعوِّدوا قلوبكم الرقّة ، وأكثروا من التفكّر والبكاء من خشية الله ، واجعلوا المَوت نصبَ أعينكم ، وما بعده من أهوال القيامة ، تبنون ما لا تسكنون ، وتجمعون ما لا تأكلون ، فاتّقوا الله الذي إليه ترجعون ))(31) .
26- عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : (( ما من شي ء إلاّ وله كيل ووزن إلاّ الدموع فإنّ القطرة منها تطفئ بحاراً من نار ، وإذا اغرورقت العين بمائها لَم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة ، فإذا فاضت حرّمه الله على النّار ، ولَو أنّ باكياً بكى في اُمّة لرحموا ))(32) .
27- عن إسماعيل بن أبي زياد عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه (ع) قال : (( قال رسول الله (ص) : طوبى لصورة نظر الله إليها تبكي على ذنب من خشية الله عزّ وجلّ لم يطّلع إلى ذلك الذنب غيره ))(33) .
28- عن محمّد بن أبي عمير عن منصور بن يونس عن صالح بن رزين وغيره عن أبي عبد الله (ع) قال : (( كلّ عَين باكية يَوم القيامة إلاّ ثلاثة أعين ؛ عين غضّت عن محارم الله ، وعين سهرت في طاعة الله ، وعين بكت في جَوف الليل من خشية الله ))(34) .
29- عن محمّد بن أبي عمير عن رجل من أصحابه قال قال أبوعبد الله (عليه السّلام) : (( أوحى الله إلى موسى (عليه السّلام) : أن عبادي لم يتقرّبوا إليَّ بشي ء أحبّ إليَّ من ثلاث خصال ؛ الزهد في الدنيا ، والورع عن المعاصي ، والبكاء من خشيتي . فقال موسى : يا ربّ فما لمَن صنع ذلك ؟ قال الله تعالى : أمّا الزاهدون في الدنيا فأحكّمهم في الجنّة ، وأمّا المتورّعون عن المعاصي فما اُحاسبهم ، وأمّا الباكون من خشيتي ففي الرفيق الأعلى ))(35) .
الإمام الحسين (ع) لله (سبحانه وتعالى)
أهل البيت (عليهم السّلام) عموماً والحسين (ع) خصوصاً لم يعيشوا لأنفسهم وشخصيّاتهم ، بل عاشوا لله واستشهدوا لله وفي سبيل لله ولا يرَون لأنفسهم أيّ تأثير إلاّ بالله ، ولا حول ولا قوة لهم إلا بالله .
( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )(21) . وما داموا أعطوا كلّ شيء يملكونه بما في ذلك أنفسهم وجميع أموالهم خالصاً لله ، فلا عجب حينئذ أن يكون طريقهم وهو طريق الله وصراطهم صراط الله ؛ ولذلك كان حبّهم حبّاً لله وبغضهم بغضاً لله ونصرتهم نصرةً لله وموالاتهم موالاةً لله . فقد روي عن الإمام الهادي (عليه السّلام) ـ في زيارة الجامعة للأئمّة عليهم السّلام ـ أنّه قال : (( مَنْ وَالَاكُمْ فَقَدْ وَالَى اللَّهَ ، وَمَنْ عَادَاكُمْ فَقَدْ عَادَى اللَّهَ ، وَمَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ ، وَمَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ ))(36) وجاء فيها أيضاً : (( مَنْ أَطَاعَكُمْ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ ، وَمَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ ))(37) .
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الرِّضَا (عليه السّلام) قَالَ : (( سُئِلَ أَبِي عَنْ إِتْيَانِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) ، فَقَالَ : صَلُّوا فِي الْمَسَاجِدِ حَوْلَهُ وَيُجْزِئُ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا أَنْ تَقُولَ السَّلَامُ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَصْفِيَائِهِ ، السَّلَامُ عَلَى أُمَنَاءِ اللَّهِ وَأَحِبَّائِهِ ، السَّلَامُ عَلَى أَنْصَارِ اللَّهِ وَخُلَفَائِهِ ، السَّلَامُ عَلَى مَحَالِّ مَعْرِفَةِ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى مَسَاكِنِ ذِكْرِ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى مُظَاهِرِي أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ ، السَّلَامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى الْمُسْتَقِرِّينَ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى الْمُمَحَّصِينَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى الْأَدِلَّاءِ عَلَى اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى الَّذِينَ مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ وَالَى اللَّهَ وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَى اللَّهَ ، وَمَنْ عَرَفَهُمْ فَقَدْ عَرَفَ اللَّهَ ، وَمَنْ جَهِلَهُمْ فَقَدْ جَهِلَ اللَّهَ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ ، وَمَنْ تَخَلَّى مِنْهُمْ فَقَدْ تَخَلَّى مِنَ اللَّهِ ))(38) .
بل تواترت الأخبار أنّ محبّتهم محبّة لله ، وبغضهم بغضاً لله ، وحربهم حرباً لله ، وسلمهم سلماً لله(39) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله) : (( إِنَّ عَلِيّاً وَصِيِّي وَخَلِيفَتِي ، وَزَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ابْنَتِي ، وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَدَايَ ، مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ وَالَانِي ، وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَانِي ، وَمَنْ نَاوَأَهُمْ فَقَدْ نَاوَأَنِي ، وَمَنْ جَفَاهُمْ فَقَدْ جَفَانِي ، وَمَنْ بَرَّهُمْ فَقَدْ بَرَّنِي ، وَصَلَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَهُمْ ، وَ قَطَعَ اللَّهُ مَنْ قَطَعَهُمْ ، وَنَصَرَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَهُمْ ، وَخَذَلَ اللَّهُ مَنْ خَذَلَهُمْ ، اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ أَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ ثَقَلٌ وَأَهْلُ بَيْتٍ فَعَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ أَهْلُ بَيْتِي وَ ثَقَلِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً ))(40) .
العلاقة بين الخشوع لله (عزّ وجلّ) والحزن لمصاب الحسين (عليه السّلام)
العلاقة وطيدة بينهما جداً فإن الخشوع والخضوع والحزن والأسى ورقة القلب والبكاء لمصاب أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السّلام) راجع إلى ذكر الله والخشوع له ، وهو داخل في باب تعظيم الشعائر التي هي من تقوى القلوب ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )(22) .
البكاء على الإمام الحسين (عليه السّلام)
تضافرت الروايات عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وعن الأئمّة (عليهم السّلام) في الحثّ على البكاء والحزن والأسى على الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى حدّ الجزع ، فإنّ الجزع في المصاب وإن كان ممنوعاً على غيره من سائر النّاس إلاّ أنّ الجزع عليه مستحسن . وإليك جملة من هذه الروايات التي تناقلتها مدارس الحديث على مختلف مذاهبها ومشاربها .
1- جاء في الصحيح عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السّلام) قَالَ : (( كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) يَقُولُ : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدَّيْهِ ، بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً . وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ فِيمَا مَسَّنَا مِنَ الأَذَى مِنْ عَدُوِّنَا فِي الدُّنْيَا ، بَوَّأَهُ اللَّهُ مُبَوَّأَ صِدْقٍ . وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فِينَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ مِنْ مَضَاضَةِ مَا أُوذِيَ فِينَا ، صَرَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ الأَذَى وَآمَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَخَطِهِ وَالنَّارِ ))(41) .
2- وقَالَ الرِّضَا (عليه السّلام) : (( مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا فَبَكَى وَ أَبْكَى لَمْ تَبْكِ عَيْنُهُ يَوْمَ تَبْكِي الْعُيُونُ وَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً يُحْيِا فِيهِ أَمْرُنَا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ ... )) الْحَدِيثَ(42) .
3- وعَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ عَنِ الرِّضَا (ع) فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ : (( لَهُ يَابْنَ شَبِيبٍ ، إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السّلام) ؛ فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ ، وَقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلاً مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ وَ لَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ ـ إِلَى أَنْ قَالَ : ـ يَابْنَ شَبِيبٍ إِنْ بَكَيْتَ عَلَى الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) حَتَّى تَصِيرَ دُمُوعُكَ عَلَى خَدَّيْكَ ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيراً .
يَابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ (عَزَّ وَ جَلَّ) وَ لَا ذَنْبَ عَلَيْكَ فَزُرِ الْحُسَيْنَ (عليه السّلام) .
يَابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَسْكُنَ الْغُرَفَ الْمَبْنِيَّةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّ وَآلِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ) فَالْعَنْ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ .
يَابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلُ مَا لِمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ الْحُسَيْنِ (ع) فَقُلْ مَتَى مَا ذَكَرْتَهُ ( يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ) .
يَابْنَ شَبِيبٍ ، إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ ، فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَافْرَحْ لِفَرَحِنَا وَعَلَيْكَ بِوَلَايَتِنَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))(43) .
وقَالَ الرِّضَا (عليه السّلام) فِي حَدِيثٍ : (( فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ )) .
ثُمَّ قَالَ (عليه السّلام) : (( كَانَ أَبِي (عليه السّلام) إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً ، وَكَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى تَمْضِيَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَحُزْنِهِ وَبُكَائِهِ ، وَيَقُولُ : هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ (عليه السّلام) ))(44) .
4- وعَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَارَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد (عليه السّلام) قَالَ : (( مَنْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً لِدَمٍ سُفِكَ لَنَا أَوْ حَقٍّ لَنَا نُقِصْنَاهُ أَوْ عِرْضٍ انْتُهِكَ لَنَا أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ شِيعَتِنَا ، بَوَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي الْجَنَّةِ حُقُباً ))(45) .
5- وقَالَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ (ع) فِي حَدِيثٍ : (( وَمَنْ ذُكِرَ الْحُسَيْنُ عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِنَ الدُّمُوعِ مِقْدَارُ جَنَاحِ ذُبَابٍ ، كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَلَمْ يَرْضَ لَهُ بِدُونِ الْجَنَّةِ ))(46) .
6- وعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُنْذِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (ع) يَقُولُ : (( مَنْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ ـ أَوْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ ـ فِينَا دَمْعَةً بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً أَوْ حُقُباً ))(47) .
7- عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السّلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَذْكُرُ فِيهِ حَالَ الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) قَالَ : (( وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَبْكِيهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ ، وَيَسْأَلُ أَبَاهُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ وَيَقُولُ : أَيُّهَا الْبَاكِي ، لَوْ عَلِمْتَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ لَفَرِحْتَ أَكْثَرَ مِمَّا حَزِنْتَ ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَ خَطِيئَةٍ ))(48) .
8- وعَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السّلام) قَالَ : (( أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) دَمْعَةً حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ ، بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً ))(49) .