لا ينكر أحد من المسلمين ـ بل وغير المسلمين ـ ما بداخل كل مسلم من حب لكتاب الله، وحب لتطبيقه، وتلاوته، وسماعه، وربما بالغ البعض في هذا الحب فأساء من حيث لا يدري إلى كتاب الله، وأؤكد على قولي: أساء من حيث لا يدري، فإساءته غير متعمدة، إنما أتت من باب النية الحسنة، وربما كان من البعض من باب محاولة ادعاء أنه على علاقة به.
فمثلا تجد قارئ القرآن في المآتم يقرأ القرآن، والجلوس من حوله يتناولون الدخان، وربما يكون القارئ يتلو قوله تعالى: {خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}، فتسمع الترديد خلف الشيخ ممن حوله: الله الله، زدنا زيد الله يزيدك! وكأنه لم يكفهم سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، فيطلبون الزيادة!!
وتمشي في الطرقات في الصيف شديد الحر، فترى محلات عصير القصب، والعرقسوس، وغيره من العصائر، فترفع بصرك إلى اسم المحل، فتجده وقد كتب تحته قوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا}، ولا أدري ما علاقة الشراب الطهور الذي يشربه المؤمنون في الجنة بعصير القصب، الذي ربما كان من نصيب من يشربه زعزوعة قصب، ولا مقارنة بين شراب الدنيا وشراب الآخرة.
ومن مثله وهو كارثة، ما يفعله بعض الإخوة العجم من المسلمين في بلاد كباكستان، وبنجلاديش وغيرها، عندما يرزق أحدهم بمولود، فيريد أن يسميه، فيفتح المصحف تفاؤلا بذلك، ليكون اسم المولود اسما قرآنيا، وأول كلمة تقع عليها عينه يسم المولود به، ولذا رأيت عجبا، فمن هذه الأسماء: اسم (زانية) و(جودي). و(سفينة)، و(لظى)، والسبب أن الأب يفتح المصحف فوجد أول كلمة وقعت عليها عينه قوله تعالى في سورة النور (الزانية والزاني)، فسماها زانية، وكذلك في بقية الأسماء المذكورة!!
وما يصدر من الأفراد بجهل بما يصنعون، يصدر كذلك من بعض الجماعات والحكومات، إما بجهل أيضا، أو بحسن نية، أو بسوء فهم لما يستشهدون به من آيات القرآن الكريم، فمن هذا اللون ما نراه من حشد إحدى الجماعات لكل آيات الخروج في سبيل الله، لتسقط على الالتزام معها، وسلوك سبيلها في الدعوة إلى الله، ونحن لا نختلف معهم في فضلهم، ولا فضل دعوتهم، ولا في خيريتهم، وخيرية كل جماعة عاملة للإسلام، ولكن الذي نختلف معهم فيه هو إسقاط هذه الآيات المعروفة المعنى، المعلومة سبب النزول، العامة في الفهم والمعنى، لتخصص على فصيل معين، وكأن الآية نزلت لتخاطبه وتخاطب الناس أن تؤمن بمنهجه ووسيلته في الدعوة إلى الله.
ومن هذا اللون ما نراه من استخدام كذلك للبيعة التي تتم في بعض الجماعات على أنها بيعة لله، ثم يسقط قوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} على هذه البيعة، وقد تجد هذا الإسقاط عند علماء السلطة، فيتلون الآية على مبايعة لحاكم، يعلمون في قرارة أنفسهم أنه ليس مبايعا هذه المبايعة الشرعية، وهو أساسا لم يهتم قبل البيعة ولا بعدها بمدى شرعية حكمه، ومدى التزامه بهذا الشرع، فمن العبث استدعاء آيات له، هو لم يلجأ إليها قبل ولا أثناء ولا بعد التولي.
ومن هذا أيضا ما أراه ـ أحيانا ـ مكتوبا على مكتبات بعض الإخوة من أهل العلم، أو على بعض المكتبات، فتجد مكتوبا عليها قوله تعالى: {فيها كتب قيمة}.
وأذكر مرة ونحن طلبة في جامعة الأزهر في معسكر للجامعة، وقد تأخر زميل عن الموعد، فسأل أحد الزملاء: أين فلان؟ ففوجئت برد الزميل الذي قال: {إن يعلم الله فيه خيرا يأت به} وهو حديث قاله صلى الله عليه وسلم في شأن أهل تبوك، وقد بين أنه لا يغيب عن هذه الوقعة إلا منافق عليم النفاق، فتعجبت كيف يستشهد بحديث يقال في شأن المنافقين!!
وقد يعذر الأفراد الذين يكتبون الآيات على محلاتهم، أو بيوتهم، لأنهم أفراد، وقد تكون نياتهم حسنة، ولكن الذي لا يقبل أن نجد مثلا على بعض مقار أمن الدولة في مصر، وأقسام الشرطة، قوله تعالى: {ادخلوها بسلام آمنين}، وهي آية وضعت في غير موضعها، فهناك حالات لا يخفى على أحد أن الداخل في هذه الأماكن لا يجد لا السلام والأمان، فكم من بريء عذب، وكم من متهم مات تحت نير التعذيب، وكم من عرض هتك، باعتراف جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان التي في داخل الوطن لا خارجه. وأظن أن الآية التي تناسب هذه المقار: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد} أو {لا تبقي ولا تذر}، وربما كان الأولى أن يكتبوا على أبوابها: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}.
هذه بعض الطوام والإساءات التي يساء بها للقرآن، والواجب على المسلم أن ينزه كتاب الله عن مثل هذه الترهات، فكتاب الله أسمى من كل هذا.