بسم الله الرحمن الرحيم
فداها أبوها
عاشت المعصومة ولم تفترق عن شمس الإمامة لحظة واحدة، واكتسبت من بحر علم أبيها الكاظم وأخيها الرضا (عليهما السلام). بلغت المعصومة في مقتبل عمرها مقاماً مكّنها أن تجيب عن الأسئلة الفقهية والعقائدية لأهل المدينة المنورةـ وأن تحظى أجوبتها برضا أبيها وإعجابه.
نقل المرحوم الحاج السيد نصر الله المستنبط (صهر المرحوم آية الله الخوئي) رواية عن بعض الثقات عن الكتاب القيّم «كشف الثاني» أن جمعاً من الشيعة وردوا المدينة وجاؤوا برسالة تحوي عدداً من الأسئلة إلى الإمام الكاظم (عليه السلام)، فوجدوه مسافراً، كما أن الإمام الرضا لم يكن بالمدينة. فقرر هؤلاء العودة إلى وطنهم في حالة من الحزن والغم لأنهم لم يحظوا برؤية الإمام، فتأثرت لذلك المعصومة (عليها السلام) التي لم تكن آنذاك قد بلغت سن التكليف، فما كان منها إلاّ أن أخذت الرسالة وأجابت عن أسئلتهم، فترك هؤلاء الشيعة المدينة مسرورين، والتقوا الإمام الكاظم (عليه السلام) خارج المدينة وحكوا قصّتهم له وأروه خط السيدة المعصومة، ففرح الإمام بذلك وقال: «فداها أبوها».
نقل المرحوم المستنبط هذه القصة عن كتاب «كشف الثاني» للعالم الشيعي «ابن العرندس» المتوفى بحدود سنة 840 هـ. ولم يطبع هذا الكتاب لحد الآن وله نسخة خطية في مكتبة الشوشتري في النجف الأشرف.
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام)
روى القاضي نور الله عن الصادق (عليه السلام) قال: «إن لله حرماً وهو مكة، ألا إنّ لرسول الله حرماً وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم تُقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى (عليها السلام) وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم».
عن سعد عن الرضا (عليه السلام) قال: «يا سعد، من زارها فله الجنة».
ثواب الأعمال وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال: «من زارها فله الجنة».
كامل الزيارة: عن ابن الرضا (عليهما السلام) قال: «من زار قبر عمتي بقم فله الجنة».
الإمام الصادق (عليه السلام): «من زارها عارفاً بحقها فله الجنة».
الإمام الصادق (عليه السلام): «إلا إنّ حرمي وحرم ولدي بعدي قم».
الإمام الرضا يلقّبها بالمعصومة: قال (عليه السلام): «من زار المعصومة بقم كمن زارني».
واللقب الآخر للسيدة المعصومة هو «كريمة أهل البيت»، وقد لُقّبت بهذا اللقب طبقاً لرؤيا صادقة لأحد العلماء:
كان المرحوم آية الله السيد محمود المرعشي النجفي ـ والد آية الله السيد شهاب الدين المرعشي (رضوان الله عليه) ـ يتمنى أن يتعرف على محل قبر الصديقة الطاهرة، فبدأ بذكر مجرّب وعمله أربعين ليلة. وفي الليلة الأربعين وبعد إتمامه للذكر والتوسل رأى في عالم الرؤيا أنه تشرف عند الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، فقال له الإمام (عليه السلام): «عليك بكريمة أهل البيت».
واعتقد السيد أن الإمام (عليه السلام) يقصد بذلك السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقال: فداك نفسي، لقد قمتُ بأداء هذا الذكر لأتعرّف على مكان قبرها وأتشرّف بزيارتها».
فقال الإمام (عليه السلام): «أنا اقصد قبر السيدة المعصومة في قم».
ثم قال: «لقد أخفى الله تعالى قبر السيد فاطمة الزهراء لحكمة يعلمها، وعليه فإن قبر السيدة فاطمة هو مظهر لتجلّي قبر السيدة فاطمة الزهراء. ولو قُدّر أن يظهر قبر الزهراء ويكون له احترام وتجليل فإن الله تعالى قد أعطى هذا التجليل والتكريم لقبر السيدة المعصومة».
ولما استيقظ السيد المرعشي من نومه قرّر السفر إلى إيران لزيارة السيدة المعصومة؛ فشدّ رحاله مع أسرته من النجف الأشرف قاصداً إيران لزيارة السيدة المعصومة.
كرامات السيدة المعصومة (عليها السلام)
صيانة وحفظ الحوزة
يقول المرحوم آية العظمى الحاج السيد صدر الدين (رضوان الله عليه):
تحمّلت بعد المرحوم آية الله العظمى الحائري (رضوان الله عليه) مسؤولية أمور الحوزة العلمية لمدة، وكنت مسؤولاً عن توزيع الرواتب الشهرية لطلاب العلم، حتى كان أحد الشهور حيث لم يصل إلينا شيء من المال، فاضطررت إلى الاستقراض وصرفت الراتب الشهري، وهكذا حصل في الشهر الثاني، ولمّا حان موعد دفع الرواتب في الشهر الثالث صرت في موقف صعب فلم تطاوعني نفسي على الاستقراض.
جاء بعض الطلاب إلى بيتي حيث اضطرتهم الحاجة ليطالبوا بالراتب، فقلت لهم: ليس عندي أيّ مال وأنا الآن مدين بمبلغ كبير. فسألني بعض الطلاب: إذاً ما نعمل؟ فلا أمان في المدرسة (حيث كانت حكومة رضا خان آنذاك تمارس ضغوطات كبيرة عليهم) ولا يمكننا الرجوع إلى أوطاننا، فإذا اجتمع مع كل هذا فقدان الراتب الشهري فإن علماء وطلبة الحوزة العلمية سيصيبهم الذل والهوان أمام الأعداء.
ثم تحدّث آخرون بكلام طويل بكيت لسماعه، فقلت لهم: أيّها السادة، تفضلّوا بالخروج، وسأعمل غداً إن شاء الله على توفير الرواتب.
ذهب أولئك الطلاب وأخذت أفكر في الليل، إلاّ أنني لم أصل إلى نتيجة. وأخيراً استيقظت في السحر وتوضّأت وتوجّهت نحو حرم السيدة معصومة (عليها السلام)، وكان الحرم خالياً من الزائرين. فصلّيت الصبح وقرأت بعض التعقيبات ثم توجهت نحو الضريح المطهر بحالة من التوتر والغضب، وتحدّثت مع السيدة معصومة (عليها السلام) قائلاً: يا عمة! أهذا من تقاليد إكرام الضيف أن يموت جوعاً بعض جيرانك من طلاب العلم، فإذا استطعت أن تدبّري الأمور فاعملي وإلاّ حوّلي الأمر إلى أخيك المعظم علي بن موسى الرضا (عليها السلام) أو جدك أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ كناية عن نقل الحوزة من قم إلى مشهد أو النجف الأشرف ـ.
تفوّهت بهذه الكلمات بعصبية وخرجت من الحرم المطهر ودخلت بيت المرحوم آية الله الصدر وجلست بين الغرفة والفناء، وفجأة سمعت طرقاً على الباب، فقلت للطارق: ادخل. ففتح الباب ودخل الخادم العجوز محمد وقال أيها السيد! هناك شخص يلبس قبّعة خاصة بمأموري الدولة وفي يده حقيبة، وهو يريد لقاءك حالاً ويقول بأنه ليس عنده وقت ليراك ثانية. فقلت له: لا أعلم هل عاد السيد من الحرم أم لا، فماذا تقول الآن يا سيدي؟
قلت للخادم: أدخله عليّ لعلّه يريحني مما أنا فيه ـ وذلك لأنّ الوقت كان أول الصباح، وكان الخادم العجوز يظن أن هذا الرجل من جلاوزة الحكومة وجاء ليلقي القبض على السيد ـ.
وبعد لحظات عاد الخادم ومعه رجل وقور وهو يلبس تلك القبعة الخاصة ويحمل حقيبة بيده. وضع الحقيبة جانباً وخلع قبعته وسلّم عليّ. فرددت عليه السلام. تقدّم نحوي وقبّل يدي ثم اعتذر قائلاً: آسف لإزعاجك في هذا الوقت. عند مرورنا بالطريق الجبلي المتعرج وقع بصري على قبة السيدة المعصومة وأخذت أفكّر فجأة بأنني في هذه السيارة أسافر في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، فقلت لنفسي: إذا حصل لي حادث ومتّ وتلفت أموالي وبقي دين الله وسهم الإمام بذمّتي، فماذا سأفعل؟ ـ يبدو أنه في الوقت الذي كان المرحوم آية الله الصدر يعرض حاجته على السيدة معصومة (عليها السلام) مرّت هذه الأفكار في ذهن هذا الرجل المؤمن ـ ثم أضاف قائلاً: ولهذا فحينما وصلنا قم طلبت من السائق أن يتوقف قليلاً ليتمكن المسافرون من أداء الزيارة وأحضر أنا بخدمتك.
قال المرحوم السيد: فعدّ هذا الرجل أمواله وظهر أنّ عليه أن يدفع مبلغاً كبيراً كحقوق شرعية، ففتح حقيبته ودفع ما بذمته. وقد استطعت علاوة على أداء الديون السابقة ودفع الرواتب لذلك الشهر أن أدفع الرواتب الشهرية للطلاب على مدى سنة كاملة.
توجّهت نحو حرم السيدة ودخلت إلى ضريحها (عليها السلام)، وقدّمت إليها آيات الشكر.
شفاء الطالب النخجواني
يقول آيه الله مكارم الشيرازي (دام ظله): بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق واستقلال الجمهوريات المسلمة ومنها جمهورية نخجوان، عزم شيعة نخجوان على إرسال بعض شبابهم إلى الحوزة العلمية بقم ليصبحوا مبلّغين إذا عادوا إلى بلادهم.
وبدأ الاستعداد لهذا الأمر بشكل كبير. واختير أخيراً ـ من بين 300 شخص ـ خمسون شخصاً حصلوا على امتيازات عالية تؤهلهم للالتحاق بالحوزة العلمية بقم. وفي هذه الأثناء كان من بين هؤلاء المختارين للذهاب طالب مصاب بعينه بعيب ظاهر مما أدّى إلى منعه من الذهاب مع هؤلاء، إلاّ أنّ إصرار أبيه على المسؤول ذي العلاقة جعله يوافق على إرساله معهم. لقد كان المصوّر الذي يلتقط فلماً لتوديع هؤلاء الطلاب يركّز عدسة الكاميرا على العين المعيبة لهذا الشخص بحيث كانت تظهر جليّاً في هذا الفلم مما أدى إلى إلحاق الأذى بهذا الطالب وحزّ في مشاعره. وأخيراً توجّه هؤلاء نحو قم واستقروا في المدرسة المخصصة لهم. بعد ذلك قصد هذا الطالب الحرم المطهر متوسّلاً بالسيدة معصومة وهو في حالة من التوجّه والإخلاص، وبعد ذلك رأى حلماً، فلم يستيقظ من نومه إلاّ وقد ذهب ذلك العيب من عينه تماماً.
ولما وصل خبر هذه الكرامة إلى نخجوان أصرّ أهلها على أن يعود هذا الطالب الذي عوفي ونال السلامة في عينه ليكون هذا باعثاً على هداية الآخرين وعاملاً في تقوية الارتباط بالعقيدة الإسلامية.
هدية السيدة المعصومة (عليها السلام)
نقل أحد العلماء الاعلام ـ من نواب مجلس الشورى الاسلامي ومن السادة الاجلاء في منطقة آذربيجان الشرقية ـ الحكاية التالية:
مرت سنوات بطلاب العلم ـ قبل زعامة المرحوم آية الله العظمى البروجردي (رضي الله عنه) ـ كانوا فيها يعانون ظروفاً معيشية قاسية، إلى حد انني ـ وحينما كنت مستأجراً لدار في منطقة خاكفرج ـ كنت قد اشتريت بعض الحاجيات من بقال المحلة نسيئة مما جعلني لا اخرج من بيتي خجلاً منه حين مروري عليه، فأخذت افكر واحدّث نفسي: ما هذه الحالة التي نحن فيها؟ والى متى الصبر على هذا؟ ولكني لم أصل إلى نتيجة في تفكيري! حتى قلت لنفسي اخيراً: لأذهب إلى حرم السيدة المعصومة (عليها السلام) فهي عمة السادة وانا سيد ولأصرخ بكلماتي هذه واقول ما في قلبي وليحصل ما يحصل !
وضعت عباءتي على كتفي وانا في حالة توتّر وانفعال وتوجّهت نحو القبر الشريف المطهر. دخلت من الصحن الكبير وتوجهت نحو الصحن القديم، وتقدّمت خطوات في الدهليز الفاصل بين الصحنين ففوجئت بسيدة وقور تقترب مني، وكانت تغطّي وجهها بالقناع، فناولتني ظرف رسالة وقالت: أيها السيد! هذا لك! وحيث كنت متوجهاً نحو الحرم بقصد آخر أخذت الظرف وتقدمت من دون شعور نحو المرقد خطوات، وتوجهتْ تلك السيدة نحو الصحن الكبير، فقلت في نفسي: لأنظر ماذا كتبت في هذه الرسالة؟ وما هي قصتها؟ فتحت الظرف ورأيت فيه ألفي تومان! فأخذت أسأل نفسي: ما يعني هذا؟ فتبعت السيدة لأسألها عن هذه النقود وبأي عنوان هي، ولأيّ مصرف؟ دخلت الصحن الكبير وفتشت عنها في غيره ايضاً ثم ذهبت إلى الابواب الخارجية فلم أر لها أثراً!
فجأة اخذت احدّث نفسي قائلاً: ربما كانت هذه هدية السيدة المعصومة (عليها السلام) لا سيما وان كلمات السيدة التي اعطتني الظرف كانت تومئ إلى ذلك. فحصل في نفسي تغيّر عجيب واخذت بالبكاء وجئت إلى الصحن القديم ودخلت الايوان الذهبي الا انني لم ادخل الرواق المطهر فأخذت اخاطب نفسي: «انت لست لائقاً بالدخول، قف هنا بجانب الباب، لقد كنت غضباناً وفاقداً لتوازنك ولكن السيدة اسرعت وألقت امامك لقمة طعام لكي تهدأ ويذهب عنك الاضطراب!» وعلى كل حال فلقد بكيت كثيراً واخذت اعتذر من سيدتي وعدت إلى بيتي.
وكان هذا السيد الجليل يحكي قصته وقد أخذه البكاء فأضاف قائلاً: لقد صار ذلك المبلغ مباركاً حيث تحسّنت ظروفي المعاشية بحيث لم احتج إلى أحد بعد ذلك بحمد الله تعالى.