عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

دور الأئمة تجاه هذا التسلسل

أما دور الأئمة (عليهم السلام) تجاه هذا التسلسل فيتلخص بأمرين: الأمر الأول: الذي كان الأئمة (عليهم السلام) يعيشونه في حياتهم، هو محاولة القضاء على الانحراف الموجود في تجربة المجتمع الإسلامي، وإرجاعها الى وضعها الطبيعي، وذلك باعداد طويل المدى، وتهيئة للظروف الموضوعية التي تتناسب وتتفق مع ذلك. فمتى ما كانت الظروف الموضوعية مهيأة لذلك،



 كان الأئمة (عليهم السلام) على استعداد لأن يمارسوا إرجاع التجربة الى الوضع الطبيعي، كما مارس أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: بان اللّه سبحانه وتعالى اخذ عهداً على الإنسان ان لا يقر على الظلم مع وجود الناصر، والناصر موجود، وفي كلمة الناصر استبطن كل الحدود والظروف الموضوعية التي سوف تذكر فيما بعد والتي ذكرناها سابقاً. التي تجعل في قدرة الانسان الامام المعصوم، ان يحاول اعادة التجربة الاسلامية الى وضعها الطبيعي ووضعها الصحيح الكامل.

الأمر الثاني: والذي كان يمارسه الأئمة (عليهم السلام)، حتى في حالة الشعور بعدم وجود هذه الظروف الموضوعية، التي تهيئ الامام لخوض معركة في مقام تسلم زمام الحكم من جديد.

فالدور الثاني الذي كان يمارسه الأئمة (عليهم السلام) والذي كان يمارسه الامام (عليهم السلام) هو تعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً للامة نفسها، بغية ايجاد تحصين كاف في صفوفها لكي يؤثر هذا التحصين في مناعتها، وفي عدم انهيارها بعد تردي التجربة وسقوطها، إذ كان من اللازم بعد ان حرمت الامة الاسلامية من التجربة الصحيحة الكاملة للحياة الاسلامية، بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ان تطعم وتغذى الامة كأمة، تطعم الامة وتغذى بالاسلام رسالياً، وتغذى في مجالها الروحي والفكري والاجتماعي والسياسي، لكي تستوعب الاسلام.

واقصد بالامة لا مجموع الامة لأن هذا لا يمكن ان يتحقق بالنسبة الى المجموع الا في حالة قيادة تمارس التجربة وتمارس الحكم وتمارس الدولة في المجتمع، ولكن الذي اقصده في المقام من التعبئة، ايجاد قواعد واعية في الامة، وايجاد روح رسالية، فيها وايجاد عواطف تجاه هذه الرسالة في الامة.

والائمة (عليهم السلام) حتى في حالة شعورهم بعدم امكان استرجاع مركزهم المغصوب، كانوا يعملون عملاً مهماً جداً لانقاذ وجود الامة في المستقبل، وضمان عدم انهيارها الكامل وتفتتها كأمة بعد سقوط التجربة وذلك باعطاء التحصين الكامل المستمر لها، على تفصيل سوف يأتي ان شاء اللّه خلال شرح هذه الفكرة، والفكرة على سبيل الاجمال، ملخصاً لما سبق لتتمة تتبع التسلسل في عرضها.

ولقد وقع الانحراف بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) هذه البداية في تسلسل هذه الفكرة وكان هذا الانحراف الذي وقع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) انحرافاً سياسياً خطيراً جداً، بالرغم من ان هذا الانحراف لم يمس بحسب الظاهر الا ميداناً واحداً من الميادين التي كان يعتمد عليها الاسلام، في بداية الامر لعل كثيراً من الناس بدا لهم ان هذا الانحراف لا يعني اكثر من ان شخصاً كان مرشحاً من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) او من قبل اللّه سبحانه وتعالى، وهذا الشخص قد اقصي او غصب حقه، واعطي لشخص آخر بدلاً عنه، قد يكون هذا الشخص الآخر قادراً على ان يقوم مقامه في هذه المهمة.

الا ان الانحراف لم يكن انحرافاً شخصياً، او سهلاً او بسيطاً بهذا المقدار، لأننا قلنا فيما سبق، بأن الاسلام رسالة تربية للإنسان، رسالة جاءت لتبني الإنسان من جديد، وبناء الإنسان من جديد، يتوقف على السيطرة على كل المجالات، وما لم يمتلك زمام كل تلك الميادين، لا يمكن ان يسيطر على كل ابعاد الانسان، وبالتالي ان يربي الانسان وفقاً للرسالة التي جاء بها، التربية الشاملة الكاملة للانسان بشكل متميزاً كلياً عن إنسان ما قبل الإسلام، عن إنسان الجاهلية، هذا يتوقف على المربي بحيث يسيطر على كل المجالات التي يعمل عليها الانسان يسيطر على مجالات العلاقات الفردية مع ربه، يسيطر على مجالات علاقاته مع الآخرين في النطاق العائلي، يسيطر على مجالات علاقته مع الافراد الآخرين في المجال الاجتماعي وهكذا يسيطر على كل المجالات لأن أي واحد من هذه المجالات، لو انه لم يسيطر عليه، فمعنى هذا انه لم يسيطر على جزء من الانسان، لأن الانسان يتفاعل مع كل هذه المجالات، انتم ترون ان الاب لا يستطيع ان يربي ابنه تربية كاملة شاملة، ليس الاب هو المربي الوحيد لابنه، لأن هناك اشياء اخرى تشاركه في تربية ابنه، يشاركه في تربية ابنه زملاؤه في المدرسة واساتذته فيها. المجتمع الذي يعيش فيه، الشارع الذي يلعب فيه، القوانين التي تطبق عليه من قبل الدولة، كل هذا يشارك في تربية الابن، فالتربية الشاملة الكاملة لهذا الانسان لا تكون الا بالهيمنة الكاملة على كل هذه المجالات، بحيث تؤخذ كل هذه المجالات بيد المربي، وبعد هذا يستطيع ان يحدد الاطروحة الصحيحة للانسان الافضل.

علي هذا الاساس كانت سيطرة الاسلام على كل المجالات بما فيها المجال الاجتماعي الذي هو رأس هذه المجالات، كان هذا جزءاً اساسياً من التركيب الاسلامي ومن الاطروحة الاسلامية، كان من الضروري جداً للنبي (صلى الله عليه وآله) ان يسيطر على كل هذه المجالات لا ان يكون واعظاً في المسجد فحسب، ولا ان يكون استاذاً في حلقة فحسب، بل يكون هذا وذاك، ويكون اضافة الى هذا وذاك، رائداً للمجتمع، حاكماً للمجتمع في كل مكان، في كل ما يمكن ان يصبو اليه المجتمع من آمال واهداف، ويكون مخططاً ومقنناً للمجتمع في كل المجالات، في كل ما يحتاج اليه المجتمع من قوانين وتنظيم، هذا هو اسلوب التربية الشاملة الكاملة الذي اتجه اليه الاسلام، وليس من الكلفة ان يقال في نص نبوي، من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، لأن الارتباط بالامام (عليه السلام) والارتباط بالقيادة جزء من التربية الشاملة الكاملة للانسان، فوجود قيادة اسلامية للحياة الاجتماعية كان جزءاً ضرورياً في الحياة الاسلامية الاجتماعية، وانجاح الثورة الاسلامية، وانتاج الامة والفرد والعائلة التي يريدها اللّه سبحانه وتعالى، والتي يحددها القرآن الكريم وعلى ضوء هذا، نستطيع ان نعرف ان أي انحراف يحصل في هذا المجال، في مجال قيادة المجتمع، أي انحراف يقع في هذه القيادة فهو يهدد المخطط بكامله: لأن هذا الانحراف، سوف يجعل المجال الاجتماعي يفلت من يد الاسلام، واذا افلت هذا المجال من يد الاسلام فسوف يفلت من يد الاسلام جزء كبير من وجود الانسان، وبالتالي، وبقانون التفاعل بين اجزاء الانسان بعضها ببعض، سوف تفلت بقية الاجزاء ايضاً.

هذا الانحراف كان يشكل بداية خطر على التجربة الاسلامية كلها، على عملية التربية الاسلامية كلها، ولم يكن مجرد استبدال شخص بشخص آخر، كان ظلماً للتجربة الاسلامية كلها، وبالتالي للبشرية كلها.

هذا الانحراف وقع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وتمثل في ان جماعة من صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يرتضوا علياً المنصوص عليه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله)، للخلافة فتصدى بعضهم لها، مارس ابو بكر قيادة التجربة الاسلامية بعده مارس عمر بن الخطاب، بعده مارس عثمان بن عفان، هؤلاء الصحابة تارة ننظر اليهم بمنظار شيعي خاص نختص نحن به في مقام النظر اليه، وهذا المنظار لا نريد ان نتحدث عنه، لأننا متفقون على طبيعة هذا المنظار، لكننا نصرف النظر عن هذا المنظار الخاص الذي نحن متفقون عليه فيما بيننا، وننظر الى هؤلاء بقطع النظر عن المنظار الخاص، النظر الى هؤلاء بالمنظار العام، ان تسلم هؤلاء الحكام لزمام زعامة التجربة الاسلامية كان يشكل بداية انحراف، وكان سبباً حتمياً لتأرجح التجربة بين الحق والباطل، واستبطانها شيئاً من الباطل، واتساع دائرة الباطل بالتدريج وذلك لعدة أمور:

اولاً: أن هؤلاء الصحابة الذين تسلموا زمام الحكم بقطع النظر عن ذلك المنظار الخاص الذي جمدناه الآن في حبل الكلام، هؤلاء اناس يشهد التاريخ بانهم عاشوا الجزء الأكبر من حياتهم في عصر جاهلي، وضمن اطار التفكير الجاهلي في كل ما كانوا يفكرون فيه، او يعملون فيه، او يتألمون منه، في كل مجالاتهم العاطفية، ومجالات اهدافهم، ومجالاتهم الفكرية والعقائدية، لم تكن حياتهم قبل الاسلام الا حياة من طرز جاهلي آخر، بعد هذا دخلوا في الاسلام ولا نريد ان نتحدث عن طبيعة دخولهم في الاسلام، افرضوا ان هؤلاء دخلوا في الاسلام دخولاً حسناً، وعاشوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله) عيشة حسنة، الا ان هذه الاهداف المضادة لم تستأصل، وبذور هذه الجاهلية لم تستأصل من افكارهم وعقولهم، بدليل انهم بالرغم من عيشهم مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وبالرغم من الإدعاء بالاستئثار بلطف النبي (صلى الله عليه وآله)، بالرغم من كل هذا كانوا بين حين وحين يعلنون عن تقاليد او عن تصورات ترتبط بالوضع الذي كانوا يعيشونه قبل الاسلام، ومع كل ما نعلم، يضع الخليفة الثاني احتجاجه على متعة الحج، بالرغم من ان متعة الحج عمل عبادي خالص، لا يرتبط بأي مصلحة من مصالح الدنيا المعلومة، الانسان العاقل لا يستطيع ان يدرك بعقله، أيهما احسن، هل الاحسن هي العمرة المستمرة الى الحج، او العمرة المتحلل منها التى يأتي بعدها الحج، هذا بعقولنا لا نستطيع ان نحكم عليه بانه افضل او ذاك افضل، فهي مسألة عبادية ثابتة، هنا عمر لم يتأثر في احتجاجه بعقله، لأن العقل لا يدرك ايهما الافضل، وانما تأثر بطبيعة تربية عادته وتقاليده، وان الجاهلية التي كانت قبل الاسلام، وانما تأثر بطبيعة تربية عادته وتقاليده، وان الجاهلية التي كانت قبل الاسلام، كانت ترفض التحلل بين العمرة والحج، مثل هذه العادة أثرت في نفس الخليفة الثاني اثراً كبيراً، الى درجة ان يرد على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وجهاً لوجه في ذلك، وفي حياتهم شواهد كثيرة على هذا تظهر بين حين وحين، ولا نريد ان نقول من هذا، ان هؤلاء كانوا اناساً يستبطنون الكفر او العداء للاسلام، او البغض لشخص النبي (صلى الله عليه وآله)، فان الحديث عن هذا قد جمدناه بل ان هذا يمكن ان ينسجم حتى مع التصور السني لهؤلاء، اناس صحابة صالحون، ولكنهم مع هذا كله لا يزال الراسب الجاهلي يعيش في اعماقهم بثلاثين في المائة او اربعين او خمسين، لا يزال جاهلياً والباقي اصبح اسلامياً.

في يوم السقيفة طبعاً تعلمون بانهم قالوا: من ينازعنا سلطان محمد....؟؟

محمد كان شيخ قبيلة، وهم شيوخ هذه القبيلة بعد ان مات شيخ القبيلة الأول يتولى شيوخ القبيلة الآخرون، من ينازعنا سلطان محمد...؟ هذا راسب جاهلي، قد لا يكون عمر او ابو بكر قد لا يكون هذا الصحابي يعيش هذا الراسب في تمام حالاته، بل يكون في بعض الحالات يترفع عن هذا الراسب، قد يكون الجانب الاسلامي يتغلب على هذا الجانب الجاهلي، حيث ان الراسب موجود، بالنهاية جزء من نفسه يمثل هذا الراسب، ولهذا يطفو هذا الراسب في لحظات عديدة من حياتهم الاجتماعية والسياسية، اذن فهؤلاء الخلفاء، بحكم وصفهم وحياتهم، لم يكونوا اناساً قد اجتثت الجاهلية من نفوسهم اجتثاثاً كاملاً، بل كانت الجاهلية تعيش في نفوسهم في حالة واضحة ملموسة وملحوظة، تنعكس على سلوكهم بين حين وآخر، وحينئذ فهؤلاء حينما يتزعمون قيادة التجربة الاسلامية فبطبيعة الحال الذي يتولى القيادة، قيادة هذه التجربة الاسلامية، ومن هم، هم مجموع هذه الافكار والعواطف التي سوف تحكم وهي التي سوف تسود ان كان من هذه 50% او 30% جاهلياً فمعنى ذلك ان الجاهلية سوف تشارك الاسلام في الحكم، وسوف يصبح للجاهلية حكم وتزعم في توجيه التجربة الاسلامية التي جاءت لأجل ان تنقذ الانسان من الجاهلية الى الاسلام، وتصنع الانسان الجديد، وتقضي على الانسان القديم، بينما كان المفروض هكذا واذا الجاهلية تشارك في الحكم في المقام.

ثانياً: وهؤلاء لم يكونوا مهيئين للحكم، بقطع النظر عن جهة الراسب الجاهلي، لم يكونوا قد استوعبوا الرسالة الاسلامية استيعاباً كاملاً، لان هؤلاء الصحابة، تأثروا بالمحنة، عاشوا المحنة السياسية للدولة الاسلامية، المحنة العسكرية للدولة الاسلامية، الدولة الاسلامية كانت في خضم الحروب وفي خضم الفتن، وفي المنازعات مع المشركين من ناحية، ومع اليهود من ناحية اخرى، ومع سائر القبائل العربية من ناحية ثالثة.

فخضم هذا الصراع العسكري والسياسي، كان يجعل الصحابة دائماً في دوامة التفكير، في كيفية حماية الدولة، وفي كيفية الدفاع عنها، وفي كيفية المساهمة في حروبها، تعلمون ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) غزا عشرات الغزوات في فترة قصيرة، في عدة سنوات عشرات الغزوات اعم من ان تكون وقع فيها القتال او لم يقع فيها القتال، فالحياة كانت حياة قلقة، حياة صراع عسكري وصراع سياسي مع الاعداء، ومع المشركين ومع المنافقين من كل صوب وحدب، لم يكن يتوفر لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الوقت على تدريبهم او تثقيفهم على مستوى القيادة، صحيح ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كان يمارس تثقيفاً عالمياً لأجل ايجاد امة واعية تتمتع بالحد الادنى من الوعي، اما انه لم يكن هناك تخطيط من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يكن هناك تخطيط من قبلهم ايام النبي (صلى الله عليه وآله) في ان يثقفوا انفسهم ويهيئوا انفسهم لكي يتسلموا الحكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولهذا قال عمر بن الخطاب عندما عجز عن الفتوى، انه الهانا ايام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) القصف في الاسواق عن تعلم مثل هذه الاحكام، ومع هذا هو لم يتهيأ لمستوى القيادة في المقام، قلنا بانه اشتغل في القصف في الاسواق كما هو يعترف، دون الشغل بوضع الدولة الاسلامية وظروفها السياسية والعسكرية، على أي حال لم يتهيأ للقيادة، من هنا نرى ان ابا بكر وعمر كانا عاجزين عن تحديد ابسط الاحكام الشرعية، لأنه لم يكن عندهم تثقيف لفترة ما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).

قلنا في بعض الايام السابقة، ان صلاة الميت التي كان يمارسها النبي (صلى الله عليه وآله) امام المسلمين، وكان يمارسها في كل يوم، لأنه في كل يوم او شهر يموت عدد لا بأس به من المسلمين، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي عليهم، مع هذا اختلف المسلمون بعد هذا، اختلف هؤلاء القادة بان التكبيرات على صلاة الميت كم عددها، هذا كله يعطي المعنى الاتكالي، ان هؤلاء كانوا في ايام النبي (صلى الله عليه وآله) متكلين على القائد ، الرائد، المتوجه، الواحد كان يأتي يأتم بالنبي (صلى الله عليه وآله)، لم يخطر على باله في مرة من المرات ان يحسب هذه التكبيرة الاولى وهذه الثانية وهذه الثالثة وهذه الرابعة حتى يحسب انها خمسة او اربعة، هذا معنى الاتكالية، هذه الاتكالية عاشها هؤلاء الصحابة في عصر النبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن المسلمون متهيئين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) تهيؤاً فكرياً وعقائدياً لتحمل اعباء الرسالة.

ثالثاً: ان التجربة التي عاشها النبي (صلى الله عليه وآله) لو فرض انها هي التي تعطي الامكانيات الفعلية، فمن المعلوم ان هناك فارقاً كبيراً بين ظروف التجربة في ايام النبي (صلى الله عليه وآله) والظروف التي كانت الامة الاسلامية مقبلة عليها حينئذ، الامة الاسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كانت مقبلة على تحول اجتماعي وسياسي كبير وضخم جداً، لأنه كان من المفروض تحقيق فكرة المجتمع العالمي، هذه الفكرة التي دعا اليها النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكنه لم يحققها، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) الى ان توفي لم يمتد نفوذه الى اكثر من النطاق العربي بالرغم من ان النبي (صلى الله عليه وآله) دعا ملوك العالم، دعا كسرى وقيصر، دعا سلطان الحبشة دعا غيرهم الى الاسلام لأجل توعيتهم بالاسلام، ولاجل تسجيل ان الاسلام مجتمع عالمي، ويدعو الى المجتمع العالمي، الذي لا يفرق فيه بين شعب وشعب وبين قومية وقومية، بالرغم من هذا لم يتحقق المجتمع العالمي، ايام النبي (صلى الله عليه وآله) تحقق مجتمع عربي يحمل فكرة العالمية ويقوم على اساس الرسالة، لا على اساس الفكرة القومية او القاعدة القومية للرسالة، هذا المجتمع بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كان من المفروض ان يبنى عالمياً، ان ينشئ المجتمع الاسلامي العالمي، ان يضم في مجتمع واحد العرب والفرس والترك والهنود وجميع شعوب الأرض، هذه المهمة صعبة وعظيمة جداً، تختلف كل الاختلافات عن الظروف الموضوعية للمرحلة الاولى التي عاشها النبي (صلى الله عليه وآله).

هذه المرحلة او هذه المهمة تحتاج الى عقلية رسالية، 100%، الى نزاهة عن كل شائب، وعن كل الانخفاضات الفكرية والعاطفية التي يعيشها الانسان القبلي، او الانسان القومي. عمر او ابو بكر لن يستطيعا ان يجعلا من تجربة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) (بالرغم من انها كانت تمر في المرحلة البدائية) اساساً ضامناً قطعياً لصفحة سيرهم في المرحلة الثانية، في مرحلة انشاء المجتمع العالمي، حتى الآن لم يعيشوا المجتمع العالمي الا كفكرة لم تولد الى النور، أن الناس كلهم اسرة، الناس سواسية كاسنان المشط، ان لا فرق بين عجمي وعربي، هذا كانوا يسمعونه كفكرة من النبي (صلى الله عليه وآله) لكن لم يكونا يريانه مجسداً في المجتمع وفي علاقاتهما، بحيث ان انساناً أعجمياً وانساناً عربياً عاشا مجتمعاً واحداً بصورة متكافئة، وانما هي مجرد فكرة لم يتيسر لمثل هؤلاء ان يحققوا هذه الفكرة ، وان يتولوا تحقيقها في مثل هذه المرحلة الدقيقة من التجربة الاسلامية بطبيعة الحال سوف تحصل هناك انخفاضات فكرية وعاطفية، تجعلهم دون مستوى تحقيق فكرة المجتمع العالمي، وقد تكون بذرة صغيرة جداً في عهد ما، قد تكون هذه البذرة تكبر بعد هذا وتصبح بلاء كبيراً وشراً مستطيراً.

كلكم تعلمون بان في التاريخ امثلة كثيرة على هذا، العمدة على التاريخ في النقل، ان عمر بن الخطاب اعفى نصارى العرب في العراق من الجزية، العرب الذين كانوا موجودين في العراق اعطوا الجزية، عاتبوه قالوا: بان الجزية فيها شأن الذل لا ندفع الجزية فنحن عرب قال لهم، اذن فادفعوا الزكاة، فامر باخذ المال منهم بعنوان الزكاة!!، طبعاً لم تكن الزكاة باصغر من الجزية، لأن المشرك يدفع الجزية والمسلم يدفع الزكاة، غاية الامر كأن الجزية بحسب نفسها علاقة فيها مهانة، عمر بدل الجزية بالزكاة، فامر باخذ الزكاة، هذه البذرة الصغيرة جداً والطفيفة جداً لم تنطبق الا على عشيرة واحدة لا أكثر من عشائر النصارى في العراق، هذه البذرة على مر الزمن تأتي الشر المستطير، لعل هذه البذرة هي الاساس في كل الشرور التي عاشها المسلمون بعد هذا، او التي مني بها المسلمون نتيجة للكيانات القومية التي زعزعت بعد هذا الاسلام، وحطمت الرسالة الاسلامية، الكيانات القومية العربية والفارسية والتركية والهندية، الى غير ذلك من الكيانات القومية الكافرة التي انشئت في العالم الاسلامي، ولا اريد ان اصحح هذه النقطة، لا ادري انها صحيحة او لا، بل اريد ان اقول بان مهمة انشاء مجتمع عالمي، هذه المهمة تحتاج الى قيادة تختلف عن طبيعة الصلاة، والذوق التي كانت موجودة في هؤلاء الخلفاء....؟؟.

رابعاً: أن الشعور بالظلم في نفس الخلفاء، يقيض التوسع في الاضرار، الخلفاء كانوا يشعرون بانهم ظلموا علياً، وانهم غصبوا علياً، وإنهم تعدوا على حق علي المنصوص عليه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله).

نعم لعلهم لم يكونوا يشعرون بانهم أساؤا الى الاسلام بهذا الترتيب، بحيث ان عملهم سوف يؤدي الى هدم الكيان الاسلامي، لعلهم لم يكونوا يشعرون، لعلهم لم يكن لهم دقة نظر وفهم منطق الاحداث، ومنطق التاريخ، لم يكونوا يقدرون بعد ستين سنة من وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ان يشرب الخمر خليفة المسلمين في بيته وفي قصره، لعلهم لا يستطيعون ان يفسروا هذا التفسير، لكنهم على أي حال كانوا يشعرون بانهم غصبوا علياً، وانهم اخذوا حق علي، ولهذا قالوا في تبرير ذلك بينهم وبين انفسهم، ارادوا ان يبرروا، وظهر هذا السبيل على كلماتهم ان عمر، خليفة المسلمين قال: بان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حاول ان يولي علياً، ان يرشح علياً لكني انا منعته، احتياطاً للاسلام، وحرصاً على مصلحة الاسلام، كل هذه التبريرات تبريرات نفسية ازاء وخز الضمير في نفوسهم، هذه التبريرات انتجت انحرافاً خطيراً وانتجت انه لا يلزم التقيد بما يقوله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، هذا المبدأ تبلور في نفوسهم بالتدريج كتبرير للدفاع عن العملية التي قاموا بها، للدفاع عن الذنب الذي كان موجوداً في نفوسهم.

وحينما قام هذا المبدأ انفتحت كل البدع والانحرافات، بعد هذا لم ير عمر بن الخطاب مانعاً ان يقول: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) احرمهما وعاقب عليهما، لم ير مانعاً من هذا بعد ان عاش مدة من الزمن، الشعور بالذنب، وحل هذا التناقض في المبدأ، بعد هذا انفتح باب البدع وباب حمل الشعارات الجزئية الهستيرية الغير الصحيحة، فهذه الامور الاربعة تجعل حتمية انحراف التجربة بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على اساس تولي غير ائمة اهل البيت (عليهم السلام) قيادة هذه الامة....

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدوار السيدة زينب (عليها السلام) ومهامها
اوجه التشابه بين وصي موسى (عليه السلام) ووصي محمد ...
خصائص النبیّ فی القرآن الکریم
عبادة الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ومنزلته ...
من معاجز الإمام الهادي عليه السّلام
اليمن ودورها في عصر الظهور
أشعار في حق الإمام علي ( عليه السلام )
السيدة زينب عليها السلام - في محراب العبادة
حقوق الأئمة الطاهرين عليهم السلام
أدب الامام الجواد عليه السلام

 
user comment