بسـم الله الرحمن الرحـيم
المقدّمـة:
إنّ الحديث عن أهل البيت هو مقام لا يرقى إليه إنسان مهما بلغ من العلم شأوه، أو من المعرفة مداها.. فهم سر من أسرار الوجود أودعه الله في البشرية ليقوم به عماد الحق بين خلقه، وتستضيء به أرواح الناس في آفاق الفكر والتبصر.. فمثلهم في غذاء الروح، كمثل رقائق النسيم في حياة الجسد.. فيها الغناء الذي يحس ولا يرى، ويستشعر ولا يشاهد.
وهم أهل العلم وحماته قبل غيرهم، اصطفاء من الله قبل أن يكون اجتهاداً من عند أنفسهم.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.. ومودتهم إنّما هي للأخذ لا للعطاء، والتعلم لا التعليم.. فكان بذلك آل النبي (صلى الله عليه وآله) امتداداً لحفظ دين الله بين عباده.. وكان العلماء على مدى الزمن عالة على علم أهل البيت (عليهم السلام).
والقرآن الكريم مصدر الفكر، ومنبع التشريع والقيم، وما جاء به القرآن فهو وحي منزل وكلام إلهي مقدّس، يصوغ نظام الحياة، ويشخص قوانينها، وكل مسلم يعلم أنّ ما جاء به القرآن هو شريعته ورسالته في الحياة، وهو ملزم بالعمل به والسير على هداه، وقد تحدّث القرآن عن أهل البيت الكرام مستعملا الأساليب التالية:
1 ـ التصريح باسمهم الاصطلاحي الذي اصطلح عليه القرآن فهو تارة يسميهم «أهل البيت» كما في آية التطهير، وتارة يسميهم «القربى» كما في آية
المودّة، وبذا نزلت آيات كثيرة وضحتها السُنّة النبوية، وبيّنتها للأُمّة في حينها، ورواها المفسّرون والرواة في كتبهم وموسوعاتهم.
2 ـ تسجيل أحداث ووقائع تخص أهل البيت (عليهم السلام) ونزول آيات كثيرة تتحدث عن فضلهم ومقامهم وتثني عليهم، وتوجّه الاُمّة نحوهم، مجتمعين تارة كما في آية المباهلة، وآية الإطعام في سورة الدهر وغيرها، ومتفرقين كما في آية الولاية: (إنّما ولّيكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (المائدة: 55).
وسنتعرّض لبعض هذه الآيات ـ وهي كثيرة ـ التي تحدّثت عن أهل البيت عليهم السلام لبيان فضلهم ومقامهم بشيء من التفصيل والتوضيح.
ومن يستقرئ سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرته العملية وعلاقته بأهل بيته الّذين نصّ عليهم القرآن وعرّفهم هو (صلى الله عليه وآله) «عليّ وفاطمة وابناهما» (رواه الطبراني في المعجم الكبير ج 1 ص 125) يعرف أنّ لأهل البيت دوراً ومسؤولية رسالية وحضارية فريدة في تاريخ هذه الأُمّة، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطّط لها، ويعدّ الأُمّة لتقبلها بأمر من الله سبحانه.
لقد بدأ ذلك الفصل المضيء من التخطيط النبوي ـ بأمر الله سبحانه لرسوله (صلى الله عليه وآله) ـ بتزويجه السيّدة فاطمة للإمام عليّ، وغرس هذه الشجرة المباركة لتمتد فروعها في آفاق هذه الأُمّة عبر مسيرة تاريخها..
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) للإمام عليّ حين زوّجه السيّدة فاطمة: «إن الله أمرني أن أُزوّجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذلك، فقال: قد رضيت يا رسول الله» قال أنس بن مالك: فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «جمع الله شملكما، وأسعد جدّكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيراً طيّباً» قال أنس: فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيّب. (محب الدين الطبري، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى،
ص 30).
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذر عن تزويج السيدة فاطمة كلّما خطبها احد من الصحابة ويقول: «لم ينزل القضاء بعد» (المرجع السابق).
إنّ هذه العناية الإلهية النبوية بتزويج السيدة فاطمة من الإمام عليّ فلا يتم الزواج إلاّ بأمر من الله لتدل دلالة واضحة على مكانة أهل البيت عليهم السلام، وما كان يستهدف الرسول الكريم من وراء علاقته بهم من خير لهذه الأُمّة.
ولعلّ في ما نقتبس ونعرض من روايات وأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل البيت ـ وهي كثيرة ـ يوصلنا إلى اكتشاف العمق والغاية من العناية الإلهية والنبوية في بناء هذا البيت، وإسباغ الحب والبركات والعناية عليه، ليكون أهل هذا البيت دليلا للأُمّة في حيرتها، وسبباً لنجاتها في محنتها، ونظاماً ومحوراً لوحدتها في تفرقها، كما نصّت الروايات والأحاديث على ذلك، وفي روايات عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نجد أنّ أهل البيت هم المنجى لهذه الأُمّة، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقرنهم بكتاب الله، ويجعل دورهم العقائدي والرسالي في هذه الأُمّة ملازماً لكتاب الله، لا ينفك عنه فتتّجه الأُمّة إليهم في فهم القرآن الكريم، واستنباط معانيه وأحكامه.
الفصل الأول
أهل البيت في القرآن الكريم
أهل البيت ذلك العنوان المضيء، والمجد الخالد، والاسم المحبب لكل نفس أحبّت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وآمنت به وسارت على هداه، فقد عرف المسلمون هذا العنوان الشامخ في سماء التاريخ، والمجد المتألّق في أفق القرآن الكريم، منذ أن نطق الوحي بهذه التسمية المباركة فكانت آيات كثيرة في فضائلهم منها:
1 ـ آية التطهير:
قال تعالى: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) (الأحزاب: 33).
بنزول هذه الآية المباركة تحدد مسار ومحور واتجاه داخل الحياة الإسلامية، وجّه القرآن الأنظار إليه، وسلط الأضواء على موقعه الطلائعي الرائد، وأبرز دور أهل البيت في حياة الأُمّة الإسلامية، وخصّهم بإرادة التطهير المؤكّد من لدن الحكيم الخبير.
لقد حددت هذه الآية مركزاً لحركة التاريخ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفق العرف والمنطق الإسلامي، بعد أن وهب الله هذه الصفوة المباركة صفة التطهير من الذنوب والمعاصي والآثام، فقد ثبّت القرآن لهم أفضل درجات التفضيل، وأعلى مراتب الأهلية في الاقتداء والقيادة والريادة في حياة الأُمّة الإسلامية التي ترى وفق فلسفتها العامّة في الحياة: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات: 13).
لقد تضافرت التفاسير والروايات أن المقصود بأهل البيت عليهم السلام هم أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهم: «عليّ وفاطمة والحسن والحسين»، فقد ورد في الدر المنثور للسيوطي: ] أخرج الطبراني عن أُمّ سلمة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة رضي الله عنها: (ائتني بزوجك وابنيه، فجاءت بهم فألقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم كساء فدكياً، ثمّ وضع يده عليهم ثمّ قال: اللهم إنّ هؤلاء أهل محمّد ـ وفي لفظ: آل محمّد ـ فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد).. قالت أُمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنّك على خير) (الترمذي ج 2، مناقب أهل البيت ص 308)[.
وما مواظبة الرسول (صلى الله عليه وآله) على الوقوف بباب الإمام عليّ والسيدة فاطمة شهوراً عديدة ومناداته (صلى الله عليه وآله) لهم عند الفجر، ويدعوهم إلى الصلاة ويسميهم أهل البيت إلاّ ليعرّف بشخصيات اهل البيت، ويفسر للمسلمين الآية «آية التطهير» ويعرف الأُمّة بمقام أهل البيت، ويوجّه نظرها إليهم، ويوجب عليها حبهم وطاعتهم والولاء لهم.
فقد روى الطبراني عن أبي الحمراء قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتي على باب عليّ وفاطمة ستّة أشهر، فيقول: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) (جامع الأصول ج 9 ص 156، نقله عن صحيح الترمذي).
وذكر الفخر الرازي في التفسير الكبير أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد نزول الآية الكريمة: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) (طه: 132) كان يذهب الى عليّ وفاطمة ـ عليهما السلام ـ كل صباح ويقول: «الصلاة» وكان يفعل ذلك أشهراً.
إنّ آية التطهير هي منبع فضائل أهل البيت النبوي لاشتمالها على غرر من مآثرهم والاعتناء بشأنهم حيث ابتدأت بـ (إنّما) المفيدة لحصر إرادته تعالى في
أمرهم، على إذهاب الرجس عنهم وليس منهم، فهم مطهرون ليس فيهم رجس وإنّما تولّى الحق تبارك وتعالى حفظهم، فكل ما فيه رجس يبعده عنهم حتّى يحفظ لهم طهرهم.
فقد روى أبو الشيخ والديلمي قال (صلى الله عليه وآله): «من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لإحدى ثلاث: إمّا منافق، وإمّا ولد زانية، وإمّا امرؤ حملت به أُمّه في غير طهر».
ولذلك التطهير أثر إذ منه إلهام الإنابة إلى الله تعالى وإدامة الأعمال الصالحة، ومن ثم لما ذهبت عنهم الخلافة الظاهرة لكونها صارت ملكاً ـ ولذا لم تتم للإمام الحسن ـ عوضوا عنها بالخلافة الباطنة، حتى ذهب قوم الى أنّ قطب الأولياء في كل زمان لا يكون إلاّ منهم.
ومن تطهيرهم تحريمهم على النار، وكذلك تحريم الصدقات عليهم لأنّها أوساخ الناس مع كونها تنبئ عن ذلّ الآخذ وعزّ المأخوذ منه، وعوضوا عنها خمس الفيء والغنائم المنبئ عن عزّ الآخذ وذلّ المأخوذ منه.
إنّ هذه الآية ترسم طريقاً واسع الدلالة والمحتوى، وتلفت نظرنا إلى حقائق أساسية في الحياة الإسلامية، لئلاّ يضطرب علينا الفهم، وتضيع المقاصد الحقّة لكتاب الله، الذى أراد أن يبني الأُمّة على أساس الطهر والابتعاد عن الرجس والرذيلة، وجعل أهل البيت الكرام هم المحور، والمنار في هذا البناء، فليس في المسلمين من يشهد له القرآن بهذا الوصف، وليس فيهم من خاطبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)بهذه الصفة، صفة الطهارة المطلقة، والبعد عن الذنوب والآثام سوى أهل البيت عليهم السلام، لذا كان سلوكهم قدوة، وشخصياتهم أُسوة.
2 ـ آية الصلاة:
قال تعالى: (إنّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) (الأحزاب: 56).
في هذه الآية أمر واجب بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وآله الكرام عليهم السلام، وتخصيص لهم دون غيرهم، وتعظيم لمقامهم وكرامتهم لتعرف الاُمّة موقعهم الرسالي في حياتها ورسالتها.
وقد سجل الفخر الرازي في تفسيره الكبير ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تفسيره هذه الآية المباركة، فقال: ] سئل النبي (صلى الله عليه وآله) كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فقال: (قولوا: اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.. إلخ [ الفخر الرازي ـ التفسير الكبير ـ تفسير سورة الأحزاب آية 56.
وفي الدر المنثور للسيوطي: أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه، عن كعب بن عجرة قال: قال رجل: يا رسول الله أمّا السلام عليك فقد علمناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قل: «اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».
وقد أورد ثمانية عشر حديثاً غير هذه الرواية تدل على تشريك آل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) معه في الصلاة، رواها أصحاب السنن والجوامع عن عدة من الصحابة منهم: ابن عباس وطلحة وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأبو مسعود الأنصاري وبريدة وابن مسعود وكعب بن عجرة والإمام عليّ (عليه السلام) ولكن بعض الناس قالوا: إنّ الله أمرنا قال: (صلوا عليه) ولم يقل على أهل بيته، فكانوا يصلون على النبي ولا يصلون على أهل بيته، فغضب النبي غضباً شديداً وقال: «لا تصلوا عليّ الصلاة
البتراء». قالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: «تقولون: اللهم صل على محمّد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد». الصواعق المحرقة ـ ابن حجر الهيتمى ص 146.
ويرى الفقهاء وجوب الصلاة على سيدنا محمّد وآله (صلى الله عليه وآله) في تشّهد الصلاة، ووجوب الإتيان بذكر آل سيدنا محمّد في الصلاة لذلك أوجبه الإمام الشافعي آخر التشّهد في الصلاة ومن لم يأت به فصلاته باطلة وقال (رضي الله عنه) :
يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
إنّ المتأمّل في هذه الآية يدرك بوضوح أن الغاية من هذا التشريع والإلزام به، هى تعظيم أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً لتقتدي الأُمّة بهم، وتنهج منهجهم، وتفزع في الفتن والخلافات إليهم. فأُولئك الّذين لا تجوز الصلاة إلاّ بالصلاة عليهم، هم أئمّة الأُمّة، وهم المشار إليهم والمضمون الاقتداء بهم، ولولا ثبوت وضمان استقامتهم وسلامة ما صدر عنهم لما أمر الله المسلمين على الدهور أن يتعلّقوا بهم ويصلوا عليهم في كلّ صلاة، فإنّ في ذلك التكرار تأكيد، وإلفات نظر للمسلمين في كلّ صلاة لأهمية أهل البيت ومنزلتهم، والاقتداء بهم والسير على نهجهم، والتمسّك بمسارهم.
3 ـ آية المباهلة:
قال تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (آل عمران: 61).
بعد أن طهّر الله أهل البيت وجعلهم هم أنوار هذا الوجود كان لا بد أن تظهر هذه الانوار على حقيقتها ليواجه بها النبي الخلائق إظهاراً لمكانتهم العالية.
فقد وقعت حادثة تاريخية خالدة، رواها المؤرّخون والمفسرون كالزمخشري والرازي والطبري وابن كثير والسيوطي، كشفت لهذه الأُمّة حرمة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله).
والحادثة هي «المباهلة» لمّا جاء وفد من نصارى نجران يحاجج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويحاوره، فأمره الله سبحانه بهذه الآية المباركة أن يدعو (علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ) ويخرج بهم إلى الوادي، وأن يدعو النصارى أبناءهم ونساءهم ويخرجوا معهم، ثمّ يدعو الله بأن ينزل العذاب على الكاذبين.. ولمّا دعاهم النبي إلى المباهلة قالوا: حتّى نرجع وننظر فلمّا تخالوا قالوا للعاقب: ـ وكان صاحب رأيهم ومشورتهم ـ يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم معشر النصارى أنّ محمّداً نبي مرسل وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولإن فعلتم لتهلكن، فإن أبيتهم إلاّ إلف دينكم والإقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعليّ خلفها وهو يقول: «إذا أنا دعوت فأمّنوا» فلمّا رأوا أنوار أهل البيت مشرقة متلألئة قال أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم.. رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا، قال: «فإذا أبيتم فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم». فأبوا، فقال: «فإنّي أناجزكم». فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا
تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدّى إليك كلّ عام ألفي حلّة: ألف حلّة في صفر وألف حلّة في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.
وقال (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده، إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا».
إنّ المقام كان يوحي ببروز معسكر الشرك، وإنّ الّذين برزوا هم طليعة ومقدّمة الأُمّة وأقدس ما فيها من نفوس أذهب الله عنها الرجس فطهّرهم تطهيراً، فلا ترد لهم دعوة، ولا تكذب لهم كلمة، ولو أرادت الأُمّة المحمّدية أن تعود لها عزّتها ومكانتها فلا بد أن تقدم أهل البيت الكرام أمام الصفوف حتّى يواجهوا بهم أعداءهم.
ومن هنا نفهم أنّ ما وردنا عن أهل البيت من فكر وتشريع ورواية وتفسير وهداية وتوجيه هو جار مجرى هذا الموقف، فهم الصادقون في لهجتهم وسيرتهم ومنهجهم. فالقرآن تحدّى بهم أعداء الإسلام، وجعل خصومهم الكاذبين، والمعرضين للعنة والعذاب: (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) ولولا ضمان الاستقامة والصدق في ما يصدر عنهم لما منحهم الله هذا الشرف، ولما نطق القرآن بذلك.
وفي هذه الآية الكريمة يباهل الله ورسوله بهم أعداءه فيعرف بمقامهم العظيم، ومكانتهم المقدسة ولولا ما لهم من حرمة خاصّة على الله سبحانه وقدسية متميزة لديه، لما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن يخرج بهذه الكوكبة الطاهرة يتحدّى أعداء الله بنزول العذاب وضمان استجابة الدعاء.
وفي الآية دقائق لغوية لا بد من الوقوف عندها وهي إضافة هذه الكوكبة «الحسن والحسين وفاطمة وعليّ» إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) «ابناءنا» و«نساءنا» و«أنفسنا» فلولا تجسيد الحادثة، وخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه هذه الكوكبة لانصرف الذهن من إطلاق كلمة «نساءنا» الى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) و«أبناءنا» الى فاطمة وبناته الأُخريات، و«أنفسنا» الى ذاته المقدّسة وحدها، إلاّ أنّ رسول الله بإخراجه لهؤلاء الأربعة معه دون غيرهم فسّر لنا صفوة نساء الأُمّة وقدوتها السيّدة فاطمة، وأنّ صفوة أبناء المسلمين الحسن والحسين، ونسبهم القرآن الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فكانوا وفق منطوق الآية أبناءه، واعتبر القرآن الإمام علياً كنفس رسول الله (صلى الله عليه وآله).
4 ـ إحدى عشر آية أُخرى:
1 ـ قال تعالى: (سلام على إل ياسين) (الصافات: 130).
نقل جماعة من المفسرين عن ابن عباس أنّ المراد بذلك سلام على آل محمّد لأنّ ياسين هو سيدنا محمّد وكذا قاله الكلبي (الصواعق المحرقة ص 148).
وذكر الفخر الرازي أنّ أهل بيته (صلى الله عليه وآله) يساوونه في خمسة أشياء:
* في السلام، قال تعالى: (السلام عليك أيها النبي)، وقال: (سلام على إل ياسين).
* في الصلاة عليه وعليهم في التشّهد.
* في الطهارة، قال تعالى: ( طه ) أي يا طاهر، وقال: (ويطهّركم تطهيراً).
* في تحريم الصدقة.
* في المحبّة، قال تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله)، وقال: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى).
2 ـ وقال تعالى: (وقفوهم إنّهم مسؤولون) (الصافات: 24).
أخرج الديلمي عن ابي سعيد الخدري أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (وقفوهم إنّهم مسؤولون)، اي: عن ولاية عليّ وأهل البيت، لأنّ الله أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودة في القربى، والمعنى: أنّهم يسألون هل والَوْهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي (صلى الله عليه وآله)، ام أضاعوهم وأهملوهم فتكون عليهم المطالبة والتبعة؟
وذلك تحقيق للحديث الذي رواه مسلم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيها الناس! إنّما أنا بشر يوشك أن يأتني رسول ربّي عزّ وجلّ فأجيبه وإنّي تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله عزّ وجلّ فيه الهدى والنور، ثمّ قال: وأهل بيتي أذكّركم الله عزّ وجلّ في أهل بيتي ثلاث مرّات».
3 ـ قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) (آل عمران: 102).
أخرج الثعلبي في تفسيره عن سيدنا جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: نحن حبل الله الذي قال الله فيه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). ولهذا يقول الشافعي (رضي الله عنه) :
ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهم مذاهبهم الى أبحر الغيّ والجهلِ
ركبت باسم الله على سفن النجا وهم أهل بيت المصطفى خير الرسلِ
وتمسّكت بحبل الله وهو ولاؤهم كما أمرنا بالتمسك بالحبلِ
وكان سيدي علي زين العابدين (عليه السلام) إذا تلا قوله تعالى: (يا ايها الّذين
آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) يقول دعاءً طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمّة الدين والشجرة النبوية، ثمّ يقول: وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا واحتجّوا بمتشابه القرآن فتأوّلوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر، الى أن قال: فإلى من يفزع خلف هذه الأُمّة وقد درست أعلام هذه الملّة، ودانت الأُمّة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضاً والله تعالى يقول: (ولا تكونوا كالّذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم الى أهل الكتاب وأبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدجى الّذين احتجّ الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدىً من غير حجّة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وبرّأهم من الآفات وافترض مودّتهم في الكتاب؟
4 ـ قال تعالى: (ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)(النساء: 54).
قال أبو الحسن المغازلي عن سيدي محمّد الباقر (عليه السلام) انّه قال في هذه الآية: نحن الناس والله.
5 ـ قال تعالى: (وما كان ليعذّبهم وأنت فيهم) (الأنفال: 23).
أشار (صلى الله عليه وآله) الى وجود ذلك المعنى في أهل البيت وانّهم أمان لأهل الأرض كما كان هو (صلى الله عليه وآله) اماناً لهم.
وأخرج جماعة بسند ضعيف أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «النجوم أمان لأهل السماء واهل بيتي أمان لأُمّتي».
وروى الإمام أحمد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».
وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس».
وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا» وفي رواية مسلم: «ومن تخلّف عنها غرق». وفي رواية: «هلك، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني اسرائيل من دخله غفر له». وفي رواية: «غفر له الذنوب».
وباب حطة هو باب أريحا أو بيت المقدس جعل الله من دخله مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة، وجعل لهذه الأُمّة مودّة أهل البيت سبباً أيضاً للمغفرة.
6 ـ قال تعالى: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى) (طه: 82).
قال ثابت البناني: اهتدى الى ولاية أهل بيته (صلى الله عليه وآله)، وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضاً. وأخرج الديلمي قال (صلى الله عليه وآله): «إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها ومحبيها من النار».
7 ـ قال تعالى: (ولسوف يعطيك ربّك فترضى) (الضحى: 5).
نقل القرطبي عن ابن عبّاس أنّه قال: رضى محمّد (صلى الله عليه وآله) أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار، وقاله السدى أيضاً. وأخرج الملا في الشفا عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «سألت ربّي ألا يدخل النار أحد من أهل بيتي فأعطاني ذلك».
8 ـ قال تعالى: (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البرية) (البينة: 7).
أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عبّاس قال لما نزلت هذه الآية قال (صلى الله عليه وآله) لعلي: هو أنت وشيعتك تأتون يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك
غضاباً مقمحين، قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك.
وروى ابن جرير في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور أنّ النبي (صلى الله عليه وآله)كلّما جاء الإمام عليّ قال: «جاء خير البرية».
9 ـ قال تعالى: (وإنّه لعلم للساعة) (الزخرف: 61).
قال مقاتل ومن تبعه من المفسرين: هذه الآية نزلت في المهدي، والمهدي هو الذي يعيد دولة أهل البيت التي اغتصبها بنو أُمية ولم ترد إليهم حتّى الآن.
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة قال (صلى الله عليه وآله): «لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلا من عترتي، ـ وفي رواية: من اهل بيتي ـ يملؤها عدلا كما ملئت جوراً.
وفي أُخرى لأبي داود والترمذي: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الارض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً».
10 ـ قال تعالى: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)(الاعراف: 46).
أخرج الثعلبي عن ابن عبّاس قال: الأعراف موضع عال من الصراط المستقيم عليه الإمام عليّ وأهل البيت يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه.
11 ـ قال تعالى: (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً) (مريم: 96).
قال محمّد بن الحنفية: لا يبقى مؤمن إلاّ وفي قلبه ودّ لعليّ وأهل بيته.
5 ـ آية الوفاء والإيثار:
قال تعالى: (إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً * عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً * يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً * إنّا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً * فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسروراً * وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريراً) (الإنسان: 5 ـ 12).
في هذه الآيات المباركة يتحدث القرآن عن أهل البيت ويضعهم في قمّة الإيثار والتقوى، ويعرضهم نماذج وقدوة للبشرية لتقتدي بهم الأجيال وتسير على نهجهم، فالحادثة التاريخية التي نزلت بسببها الآية المباركة تشير إلى مقام أهل البيت، وتساميهم في التطبيق والالتزام الشرعي والتجرد الكامل لله تعالى، وأنهم هم الأبرار المبشرون بالجنّة، فمن اقتدى بهم وسار على نهجهم حشر معهم.
فقد أورد الزمخشرى في تفسير هذه الآية وكذلك الفخر الرازي في تفسيره عن الكشّاف، كما أوردها عن الواحدي، وروى الطبري في جامع البيان نفس الرواية: عن ابن عباس رضى الله عنهما أنّ الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهما إن برئا ممّا بهما، أن يصوموا ثلاثة أيام.. فشفيا فطحنت السيدة فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليه سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) مسكين من مساكين المسلمين أطعموني اطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه، ولم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
فنزل جبريل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقال: «خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة».
6 ـ آية المودّة:
قال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى)(الشورى: 23).
في آيه التطهير ثبّت القرآن طهارة أهل البيت، ونقاءهم، وأفهم الأمّة عن طريق إثبات هذا التطهير قيمتهم، ودورهم الرسالي في حياتها، وفي آية المباهلة واجه الحق الخلق بأنوار أهل البيت فعرفوا فضلهم وقدرهم ومكانتهم، وبهذا استحقوا المودّة والإخلاص اللذين أمر بهما القرآن في هذه الآية.
ولا يعني القرآن في هذه الآية، ولا يعني القرآن بهذه المودّة: الارتباط العاطفي، والحب القلبي فقط، فلا قيمة للحب والودّ الذي يعيش في النفس والوجدان، ولا يجد له المصاديق والتحقق، وتحقّق الودّ والحبّ لذوي القربى ـ قربى الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ يكون في الاقتداء بهم، والسير على منهجهم والالتزام بمدرستهم، وما صدر عنهم، ووضعهم في الأُمّة موضع القدوة والريادة.
ويكشف لنا (صلى الله عليه وآله) عمّن يستحقّ هذه المودّة فيقول في ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضي الله عنهم قال: لمّا نزل قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) قالوا: يا رسول الله من قرابتك الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلى الله عليه وآله): «عليّ وفاطمة وابناهما».
ويروي السيوطي لمّا نزلت هذه الآية قال أعرابي: قرباي أم قرباك يا رسول الله؟ قال: بل قرباي أنا، قال الأعرابي: هات يدك أُبايعك على أنّ لعنة الله على من لم يحبّك ويحبّ أهل بيتك. قال النبيّ: آمين.
ومودّة اهل البيت من كمال الإيمان بل وبها النجاة يوم لقاء الله، قال (صلى الله عليه وآله): «الزموا مودّتنا أهل البيت فمن لقى الله عزّ وجلّ وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا» (الطبراني في الأوسط ـ الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي ـ ص 173).
ويحثّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) على هذه المودّة في ما رواه الديلمي: «من اراد التوسّل إليّ وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم».
ولولا ضمان الاستقامة في أهل البيت والقدرة على قيادة الأُمّة في طريق الهدى، وضمان ذلك لما نزل القرآن ولما أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بأن يجعل حقّه على الأُمّة ودّ أهل البيت.
إنّ هذا النص القرآني يعرفنا بضرورة الالتزام بأهل البيت والاقتداء بهم لضمان الطهارة والاستقامة في شخصياتهم، فالقرآن يريد بذلك أن يوحي لنا بالطمأنينة عند التمسّك بحبّ أهل البيت والالتزام بمنهجهم، وأخذ الإسلام عن طريقهم، لأنّهم طريق آمن مضمون الاستقامة.
إنّ هذه الآية المباركة جعلت مودّة أهل البيت حقيقة تعيش في وجدان كلّ مسلم، وتتجسد في سلوكه، وتظهر على مشاعره وعواطفه وتحدد موقفه من أهل البيت، ومن أعدائهم وأحبّائهم ومنهجهم ممّا ثبت عنهم من حديث وفقه، وتفسير وفكر وتوجيه وبيان للعقيدة والشريعة، ومنهج للعمل في القيادة والسياسة. وهذا الوسام والشرف له مغزاه، ودلالته الخاصّة، ينبغي أن يعيه المسلمون ويدركوا عمقه.
هذه هي طهارة وانوار وأخلاق ومكانة أهل البيت الكرام يكشفها لنا إمام من أهل البيت في هذا العصر الإمام المجدّد السيّد محمّد ماضي أبو العزائم (رضي الله عنه)
فيقول:
قف على بابنا ولُذ بحمانا وتمسّك بحبّنا وهوانا
تبلغ القصد والمراد فإنّا نمنح الخير والعطا من أتانا
وتشفع بنا لطه التهامي تعط ما ترتجيه من مولانا
نحن أنواره فبادر إلينا وتوسّل بنا تفز برضانا
هذا عن مكانة أهل البيت في القرآن الكريم، أمّا مكانتهم في السُنّة الشريفة فسوف نشير إليها في الفصل الثاني.