عربي
Sunday 13th of October 2024
0
نفر 0

وحي القرآن الكريم(3)

قال الله تعالى: (ان الحكم الا الله) (96).
وقال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)(97).
وقال: (ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد)(98).
وقال: (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون)(99).
وقال: (وكان الله على كل شيء رقيبا)(100).
ومن هنا يتبين أن الدين السماوي الذي يؤخذ من طريق الوحي هو أقدر من القوانين الوضعية في تحديد المتخلفين عن الاتباع لأن آخر ما يتشبث به القانون الوضعي أنه يجعل مراقبين على اعمال الناس الظاهرة ويضع للمجرم منهم مواد جزائية يعاقبون بها.
أما الدين فله: أولا مراقبون على الأعمال الظاهرة كما في القانون الوضعي، وثانيا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تجعل كل واحد من الناس مكلفا بمراقبة أعمال البقية، وثالثا من العقائد الدينية أن الأعمال كلها تحفظ وتضبط ليوم يجمع الناس في مجمع عام ويحاسبون عليها الحساب الدقيق ورابعا ¬ وهو أهمها وأعظمها ¬ الاعتقاد بأن الله تعالى محيط بالكون وما فيه وهو يعلم ويرى كل الأعمال الصادرة من الانسان.
وبالاضافة إلى المواد الجزائية التي يجازى بها المجرمون في الدنيا فان من جملة العقائد الدينية أن في الآخرة أيضا موادا جزائية وضعت للمتخلفين عن الأوامر الالهية ولايستثنى منها أحد أبدا.
قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(101).
وقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)(102).
وقال: (وان عليكم لحافظين* كراما كاتبين* يعلمون ما تفعلون)(103).
وقال: (وربك على كل شيء حفيظ)(104).

***

اشكال آخر: نستنتج مما مضى أن العقل لايحكم دائما بضرورة رعاية القانون واجتناب التخلف عنه، وهذا ينافي ما ورد عن أئمة اهل البيت عليهم السلام في احاديث ان لله تعالى على العباد حجتين ظاهرية وباطنية هما النبي والعقل، لأن العقل ليس له حكم قاطع في موارد تخلف الانسان عن بعض واجباته فكيف يكون حجة عليه؟.
الجواب: العقل العملي يدعو دائما إلى ما ينفع والاجتناب عما يضر، ولكن الانسان المستثمر عندما يرضخ للتعاون الاجتماعي وتبادل الجهد المشترك انما يفعل ذلك اضطرارا، ومنشا الاضطرار هو القدرة التي يملكها ويستثمر بها بحرية تامة جهود الآخرين او القوة التي تقع في يد من يضع القوانين. وغيرها ذلك من الأسباب التي فصلناها قبل هذا. في هذه الحالة لو لم تكن قوانين خاصة تحد من هذه القوة والقدرة، لايحكم العقل نفسه بلزوم اتباع القوانين، كما لاينهى عن تخلف الانسان عن القوانين ونقضه لها.
ولكن لو رجعنا إلى نظرية الوحي وكان منشأ الاضطرار المذكور هو الحكم الالهي ومراقبة الأعمال والعقيدة بالثواب والعقاب والجزاء وأنها كلها بيد لله تعالى المنزه عن الغفلة والجهل والعجز. في هذا الوقت لم يكن مكان للعقل حتى يتخلى عن الحكم لعدم احساسه بالاضطرار، فلابد أن يتبع العقل الوحي في أحكامه.
قال تعالى: (افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)(105).
وقال: (ان كل نفس لما عليها حافظ)(106).
وقال: (كل نفس بما كسبت رهينة)(107). ح ¬ لايتسرب الخطأ إلى الوحي:
لقد سبق أن من سنن الكون تعليم برامج الحياة الاجتماعية من طريق الوحي، وتبين أيضا أن الخلقة لاتخطأ في أعمالها فالمواد الدينية السماوية التي علم الانسان بها من طريق الوحي لايتسرب اليها الخطأ على طول الخط. قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا* الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا* ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصىكل شيء عددا)(108).
من هنا نعرف أن الانبياء رسل الله يجب أن يكونوا معصومين أي لايخطأون في تلقي الوحي من العالم العلوي وفي ابقاء ما تعلموه وفي تبليغ ماتعلموه. لأنهم عليهم السلام الواسطة في الهداية العامة التي يسير الخلق اليها بطبيعة خلقتهم، فلو أخطأوا في التلقي أو الابقاء أو التبليغ أو خانوا لوسائس شيطانية أو نفسية أو أذنبوا ذنبا ما، فيكون نتيجة كل هذا الخطأ في سنة الكون الدالة على الهداية العامة، وهذا لايكون ابدا. قال تعالى: (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر)(109).
ط ¬ حقيقة الوحي مخفية علينا:
ما استنتجناه من الأبحاث السابقة هو أن حياة الانسان مقدمة للوصول إلى سعادته النوعية، ووظيفة الارشاد اليها على عاتق الخلقة ولا يمكن الوصول اليها من طريق العقل، فلابد من طريق غير الفكر يتمكن الانسان من معرفة واجبه في الحياة بدلالته، وهذه الدلالة هي دلالة الوحي.
ان ما يقتضيه الدليل هو هذا القدر من وجود التنبه الخاص في نوع الانسان، ولانقول أن هذا الالتفات والتنبيه يجب أن يكون في جميع الناس، لأنهم يختلفون كثيرا في صفاء الضمائر وخبثها، والتنبه المذكور لايكون الا فيمن بلغ الغاية في الصفاء والاستقامة، وهو نادر يتحقق في الأوحدي من الناس. ولذا نرى القرآن الكريم يذكر جماعة علىأنهم رسل الله وانبياؤه ولايذكر أعدادهم كاملة، كما لم يصرح الا باسم أربعة وعشرين منهم(110).

أما نحن حيث لم ندرك هذه المنزلة لم نعرف حقيقتها وماهيتها، لم نعرف الا بعض النزر القليل الذي منه القرآن الكريم وبعض الأوصاف التي علمناها بواسطة النبوة، ومع هذا لايمكن أ، نقول انها هي التي علمناها نحن، بل يمكن ان يكون هناك أوصاف وخواص وطرق أخرى لم تشرح لنا.
ي ¬ كيفية وحي القرآن:
مختصر ما نفهمه من القرآن الكريم في كيفية وحيه هو: كان وحي هذا الكتاب السماوي بشكل التكليم، كلم الله تعالى مع الرسول الكريم وتلقى الرسول ذلك الكلام بكل وجوده (لاباذنه فقط).
قال تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بأذنه مايشاء انه علي حكيم* وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي إلى صراط مستقيم)(111).
ذكروا في تكليم الله تعالى أنه ثلاثة أقسام، بقرينة الترديد الموجود في الآية الأولى وأن الوحي في القسم الأول لم ينسب إلى مكان خاص وفي القسم الثالث نسب إلى الرسول، والاقسام الثلاثة هي:
1 -¬ التكليم الذي لم يكن فيه واسطة بين الله والبشر.
2 -¬ التكليم الذي يكون من وراء الحجاب، كشجرة طور حيث كان موسى عليه السلام سمع كلام الله من تلك الناحية.
3 - ¬ التكليم الذي يحمله الملك ويبلغه إلى الانسان، فيسمع كلام الملك وحيا وهو يحكي كلام الله.
وأما الآية الثانية فانها تدل على أن القرآن أوحي إلى النبي بهذا الشكل، ومنه يعلم أن وحي القرآن كان من طريق التكليم والخطاب الشفوي.
وقال تعالى: (نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* بلسان عربي مبين)(112).
وقال: (من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك)(113).
يستفاد من هذه الآيات أن القرآن كله أو بعضا منه أنزل بواسطة ملك الوحي جبرائيل وروح الأمين (وهو القسم الثالث من التكليم) كما يستفاد منها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتلقى الوحي من ذلك الملك بأعماق وجوده(114) لابأذنه فقط.

وقال تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحى* ما كذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على مايرى)(115).
وفي مكان آخر عبر عن الوحي بالتلاوة في الألواح، فقال: (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة)(116).
***
وقبل ان نختم البحث نود أن نقول: في أقسام الوحي وصفاته وخواصه مباحث أخرى تستفاد من القرآن الكريم الا ان الالتزام بالاختصار في فصول هذا الكتاب لم يدع المجال للتحدث عنها طويلا وبسط القول فيها.

______________________

(96) سورة يوسف: 40.
(97) سورة الزلزال: 7 ¬ 8.
(98) سورة الحج: 17.
(99) سورة البقرة: 77.
(100) سورة الأحزاب: 52.
(101) سورة النساء: 59.
(102) سورة التوبة: 71.
(103) سورة الانفطار: 12.
(104) سورة سبأ: 21.
(105) سورة الرعد: 33.
(106) سورة الطارق: 4.
(107) سورة المدثر: 38.
(108) سورة الجن: 28.
(109) سورة النحل: 9.
(110) آدم، نوح، هود، صالح، ابراهيم، لوط، اسماعيل، اليسع، ذو الكفل، الياس، يونس، اسحاق، يعقوب، يوسف، شعيب، موسى هرون، داود، سليمان، أيوب، زكريا، يحيى، اسماعيل صادق الوعد عيسى، محمد.
هؤلاء الأنبياء المذكورون في القرآن باسمائهم، وهناك بعض الأنبياء أشير اليهم فيه كالأسباط في سورة النساء الآية 163، والنبي الذي أشار على بني اسرائيل بانتخاب لوط للملك في سورة البقرة آية 246، والنبي المشار اليه في سورة البقرة آية 258، والأنبياء المشار اليهم في سورة يس آية 14.

 (111) سورة الشورى: 51 ¬ 52.
(112) سورة الشعراء: 192 ¬ 194.
(113) سورة البقرة: 97.
(114) بدليل أن الآيتين صرحتا بتنزيل القرآ على قلب الرسول، وفي عرف القرآن يراد من القلب النفس، كما نرى في عدة من الآيات نسبت الادراك والشعور والمعصية إلى القلب وهي من النفس.
(115) سورة النجم: 10 ¬ 12.
(116) سورة البينة: 2.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النهي عن معاشرة المعرضين عن الحق
عطاشى الحرب في الشريعة
مشروعية البكاء على سيد الشهداء عليه السلام
دعاء امام حسين (ع)في يوم عرفة
عبادة الإمام الرضا ( ع )
في تلاوة الاحاديث المشتملة على مناقب الميت ...
التفسیر
خلق حواء
الإمام الحسن العسكري (ع) والتمهيد لولادة وغيبة ...
صفات أهل البيت عليهم‌السلام

 
user comment