عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

مكة والمدينة في علوم القرآن

 لم تكتف هاتان المدينتان بما حظيتا به من مكانة كبيرة في تاريخنا الإسلامي، فهما تشكلان عاصمتي الدين الإسلامي الحنيف، فمكة عاصمة الانطلاقة الأولى لكلمة لا إله إلاالله وأن محمداً (صلي الله عليه وآله) رسول الله، وكعبتها القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في كل فرض ومستحب ودعاء وفي توجيه أمواتهم وذبائحهم...

والمدينة عاصمة الهجرة والدولة النبوية المباركة .

كما غدا كل منهما أيضاً حرمين آمنين مباركين تشد إليهما الرحال وتأتي إليهما جموع المسلمين لأداء مناسك الحج والعمرة والزيارة.

كل هذا لم تكتف به هاتان المدينتان المقدستان و تقفا عنده، بل راحتا تحتلان مكانة متميزة في علوم القرآن الكريم، أرقى العلوم الإسلامية، وبالذات في مسألة على قدر عالٍ من الأهمية، وهي سوره وآياته وتقسيمها حسب وقت نزولها ومكانها، فكان منها ما نسب إلى مكة وهو (المكي) وبين ما نسب إلى المدينة وهو (المدني).

حتى عدّ العلم بهذه السور والآيات من أرقى الدراسات والبحوث في علوم القرآن، بل غدت منزلة المكي والمدني من أشرف علوم القرآن بما تحمله من تفاصيل وبما تتركه من آثار وبما يترتب على معرفتها من ثمار علمية وتفسيرية وفقهية وتاريخية واجتماعية وسياسية...

يقول أبو القاسم النيسابوري في كتاب التنبيه: «من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته، وترتيب ما نزل بمكة والمدينة وما نزل بمكة وحكمه مدني وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وما نزل بمكة في أهل المدينة وما نزل بالمدينة في أهل مكة، وما يشبه نزول المكي في المدني وما يشبه نزول المدني في المكي ... والآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكيات في السور المدنية، وما حمل من مكة إلى المدينة وما حمل من المدينة إلى مكة ... وما اختلفوا فيه فقال بعضهم: مدني وبعضهم: مكي ..».

ثم يختم كلامه بعد تعداده لهذه العلوم القرآنية ـ وأنا اختصرت كلامه مكتفياً منه بما له علاقة بموضوعنا ـ بقوله:

«فهذه خمسة وعشرون وجهاً من لم يعرفها ويميز بينها لم يحلّ له أن يتكلّم في كتاب الله تعالى» ( 1 ) .

إذن منزلة مكة والمدينة منزلة كبيرة في ضمير الأمة وفكرها ومشاعرها إن على مستوى التاريخ والموقع والدور الذي قاما به بعد أن قدّرته السماء لهما، وإن على مستوى القرآن الكريم وكيف فصلت سوره وآياته بينهما من حيث النزول، وما يحمله هذا الأمر من معان كبيرة ومهمة ودور علمي راح يذكر لهما في كل كتب التفسير وعلومه والشريعة والتاريخ، وفي تفسير القرآن وتأويله...

وهذه المكانة في البحوث القرآنية جعلتنا نأمل من خلال مقالتنا هذه أن نوضح ما نتمكن منها ويتيسر لنا.

فدراسة السور والآيات المكية والمدنية تحتلّ باباً واسعاً في معارف القرآن الكريم، وهو المعجزة الإلهية الخالدة؛ فمعرفة المكي والمدني من القرآن الكريم ـ سواء أكانت سورة أم آية ـ له فوائد كبيرة تتعلق بأسباب النزول وتساعد المفسر والفقيه والباحث في معرفة اتجاه الآية، إذ إن معرفة مكان نزول الآية توقفنا على الأحوال والملابسات التي احتفت بنزولها.. وما يترتب على ذلك من معرفة علوم قرآنية عديدة كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ؛ و أن المتأخر ينسخ المتقدم، والخاص والعام والمقيد والمطلق... فالاطلاع على مكان نزول الآية يعين لا على فهم المراد بالآية ومعرفة مدلولاتها، وما يراد منها فقط، بل يساعدنا على معرفة تاريخ التشريع وتدرّجه الحكيم بوجه عام، وذلك يترتب عليه الإيمان بسموّ المنهج الإسلامي في بناء الصحابة والجماعات تربوياً واجتماعياً... وكذلك معرفة سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) عبر متابعة أحواله ومواقفه بمكة المكرمة، ثم أحواله في المدينة المنورة وسيرته في الدعوة إلى الله تعالى في كل منهما، ومعرفة مدى اهتمام المسلمين وعنايتهم بالقرآن الكريم فهم لم يكتفوا بحفظ النصوص القرآنية فقط، بل راحوا يتتبعون أماكن نزولها، ما كان قبل الهجرة وما كان بعدها، وما نزل منها بليلٍ وما نزل منها بنهار، ما نزل منها في صيف وما نزل منها في شتاء، وما نزل في الحضر وما نزل في السفر..، وكان حرصهم في عملهم هذا يتسم بالجهد والدقة والضبط... وما هذه العناية العظيمة بالقرآن وتقصي أماكن نزوله وأوقاته إلا الدليل الواضح على تلك الجهود المخلصة وعلى مدى الاهتمام الذي بذله المسلمون الأوائل بالقرآن وحبهم له، وهي بالتالي تعزز في النفوس الثقة بعظمة ما بذله الأصحاب والصالحون لحفظ القرآن وإيصاله إلى الأجيال المتعاقبة سالماً من التحريف والنقص..

هذا ملخص ما أورده العلماء وهم يتحدثون عن أهمية هذا العلم وفوائده وأنه أمر لا يستغنى عنه في مجالات البحث العلمي و التحقيق في الأبواب المتعددة تفسيراً وفقهاً وتاريخاً...


البداية

إن الحديث عن بداية علم المكي والمدني توجب علينا الإشارة أولاً إلى أن القران الكريم ـ وكما هو معروف ـ لم ينزله الله تعالى على نبيه الكريم (صلي الله عليه وآله) دفعة واحدة أو كما في الآية جملة واحدة}، بل أنزله منجماً ومفرقاً لأهداف رسمتها الآية الكريمة.


تثبيت قلب رسول الله (صلي الله عليه وآله)

قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً} ( 2 ) .

أي: أنزلناه كذلك لتثبيت فؤادك بالوحي المتتابع فتتجدّد صلتك بالله عزوجل..

تسهيل حفظه وفهمه تمهيداً للعمل به تبليغاً والتزاماً حيث يقرأ عليهم شيئاً فشيئاً كما قال تعالى:

وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً} ( 3 ) .

وحين تتطلّب المقتضيات والوقائع والأسباب والمصالح...

وقد استغرق ذلك الأمر ثلاثاً وعشرين سنة تقريباً، وراح ينزل على رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأماكن متعددة؛ فبعضه كان نزوله في مكة، وبعضه الآخر بالمدينة بعد أن هاجر إليها، وأينما أقام وفي سفر كان أو في حضر، وفي حرب كان أو في سلم.. وهذا أمر طبيعي؛ فالرسول (صلي الله عليه وآله) لم يكن مستقراً في مكان واحد أو في زمن واحد، والوحي يلاحقه فينزل عليه أينما حلّ وفي أي وقت كان..

ونظراً لتعدد الأماكن والأزمنة التي نزل فيها القرآن الكريم، راح الرواة والمفسّرون يحددون أماكن الآيات والسور وأزمنة نزولها..

ثم إن بداية هذا العلم لا تتعدّى كونها أقوالاً تناقلتها ألسنة الصحابة والتابعين، ولم يرد فيه بيان عن النبي (صلي الله عليه وآله) ، وقد يكون السبب أن المسلمين في العصر الأول في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يكونوا في حاجة إلى هذا البيان، وهم مكتفون بمعرفة الآيات القرآنية ومكان نزولها وزمانها وأسباب نزولها، وكما يقال: ليس بعد العيان بيان، حتى نضج هذا الأمر كباقي المفردات الأخرى، لتشكل بدورها منظومة علوم القرآن التي هي بين أيدينا اليوم والتي لا يستغني عنها كل من يريد البحث في هذا الكتاب السماوي العظيم، معجزة الإسلام الخالدة..

فعن ابن مسعود ـ كما روي ـ أنه قال : «والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت».

فيما يقول القاضي أبو بكر في الانتصار:

«إنما يرجع في معرفة المكي والمدني إلى حفظ الصحابة والتابعين، ولم يرد عن النبي (صلي الله عليه وآله) في ذلك قول؛ لأنه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة...».

ويقول السيد الشهيد الصدر : إن لفظ المكي والمدني ليس لفظاً شرعياً حدد النبي (صلي الله عليه وآله) مفهومه... وإنما هو اصطلاح تواضع عليه علماء التفسير... ( 4 )


الاختلاف

وسبب الاختلاف في بيان ما هو مكي وما هو مدني.. حصل نتيجةً لاختلاف آرائهم في الملاك الذي يعودون إليه في تعيين المراد من المكي والمدني؛ فصارت لهم في هذا مذاهب يمكن حصرها في ثلاثة، نذكرها والملاحظات التي سجّلوها عليها:


الأول : الملاك المكاني

فقد جاء هذا الملاك ناظراً إلى مكان نزول السورة والآيات، فما نزل بمكة وضواحيها: منى وعرفات والحديبية .. ولو بعد هجرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلى المدينة يعدّ مكياً. وأما ما نزل في المدينة وضواحيها: بدر وأحد وسلع، وهو جبل بسوق المدينة .. فإنه يعد مدنياً.

فالملاك في هذا القسم هو مكان نزول السورة أو الآية القرآنية.

ويلاحظ على هذا التقسيم:

1 ـ أنه يعد ضابطاً أو ملاكاً خالياً من الدقة، لأن المكان وحدوده واتساع ضواحيه وأنحائه أمر غير واضح ولا يعرف مداه.

فقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} ( 5 ) .

قيل: إنها نزلت في الطائف وقد سكنتها قبائل ثقيف فبنوا عليها حائطاً مطيفاً بها فسموه الطائف . وفيها ضريح الصحابي الجليل حبر الأمة عبد الله بن عباس الذي توفي سنة ثمان وستين للهجرة ودفن في مسجدها.. فهل يصدق لفظ ضواحي مكة على الطائف حتى تكون هذه الآية مكيةً، والطائف تقع على مرحلتين من مكة وقيل: بينهما ستون ميلاً؟

وقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ( 6 ) .

قيل: إنها نزلت في الجحفة والنبي (صلي الله عليه وآله) في طريق هجرته إلى المدينة ( 7 ) .

فهل الجحفة من ضواحي مكة حتى تكون الآية مكية أو من ضواحي المدينة حتى تكون الآية مدنية، والجحفة بينها وبين مكة نحو ستة وسبعين ميلاً، وبينها وبين غدير خم المكان الذي كانت فيه خطبة الوداع التي ألقاها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد حجة الوداع ثلاثة أميال، وكانت تسمى مهيعة ثم سميت الجحفة بعد أن أجحفتها السيول..؟

2 ـ وأنه لا يشمل ما نزل بغير مكة والمدينة وضواحيهما كالذي نزل بتبوك وهو:

قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ} ( 8 ) .

وكالذي نزل ببيت المقدس ليلة الإسراء أو في السموات العلى، وهو قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا...} ( 9 ) .

وبالتالي فيعدّ هذا التقسيم غير حاصر ولا يفي بالمطلوب.

وهناك قولان آخران:

ـ أن ما نزل خارج البلدين مكة والمدينة بعيداً عنهما لا يطلق عليه مكي ولا مدني ضارباً لهذا مثالين وهما الآية: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ( 10 ) ، قيل: إنها نزلت بالحديبية حينما صالح النبي (صلي الله عليه وآله) مشركي قريش، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم ... فقال سهيل بن عمرو وسائر المشركين : ما نعرف الرحمن إلا صاحب مسيلمة الكذاب .. فنزلت الآية ( 11 ) .

وهكذا آية الأنفال الأولى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}، نزلت في بدر عندما اختصم المسلمون في تقسيم الغنائم.. ( 12 ) .

فهما آيتان لا مكيتان ولا مدنيتان على الاصطلاح المذكور.

إن ما نزل بالأسفار ليس من المكي ولا من المدني.. وهذا يدفعنا للقول: إن هناك ثلاثة أصناف: مكي ومدني والثالث لا مكي ولا مدني، وهو ما نزل في أسفاره (صلي الله عليه وآله) ، وقد أخرج الطبراني في الكبير من طريق الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان عن ابن عمر عن أبي أمامة قال:

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) : «أنزل القرآن في ثلاثة أمكنة: مكة، والمدينة، والشام».

قال الوليد: يعني بيت المقدس، فيما قال الشيخ عماد الدين بن كثير : بل تفسيره بتبوك أحسن ( 13 ) .


الثاني: ملاكيّة المخاطب

فما جاء من السور والآيات القرآنية خطاباً لأهل مكة فهو مكي، وما جاء خطاباً لأهل المدينة فهو مدني، وعلى هذا الأساس حملت كل آية صدرها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ...} أو {يَا بَنِي آدَمَ...} على أهل مكة؛ لغلبة الكفر عليهم، وإن كان غير أهل مكة داخلاً فيهم. فيما حملت الآية التي صدرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...} على أهل المدينة لغلبة الإيمان عليهم وإن كان غير أهل المدينة داخلاً فيهم..

ويبدو أن هذا الاصطلاح مأخوذ من كلام ابن مسعود : «كل شيء نزل فيه يا أيها الناس فهو في مكة. وكل شيء نزل فيه يا أيها الذين آمنوا فهو في المدينة» ( 14 ) .

فقد ذكر ابن أبي شيبة في مصنّفه في كتاب فضائل القرآن: حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة : كل شيء نزل فيه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ...} فهو بمكة، وكل شيء نزل فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...} فهو في المدينة . وهذا مرسل قد أسند عن عبد الله بن مسعود . فيما رواه الحاكم في مستدركه آخر كتاب الهجرة عن يحيى بن معين، مسنداً عن عبد الله بن مسعود . ورواه البيهقي في أواخر دلائل النبوة، وكذا رواه البزار في مسنده وابن مردويه في تفسيره في سورة الحج عن علقمة عن أبيه.

«ولأن الغالب على أهل مكة الكفر، والغالب على أهل المدينة الإيمان» ( 15 ) .

وقد نصّ على هذا القول جماعة من الأئمة، منهم أحمد بن حنبل وغيره، وبه قال كثير من المفسرين ونقله عن ابن عباس ( 16 ) .

ولهم ملاحظات على هذا الرأي منها :

أ ـ أنهم لا يملكون ضابطاً دقيقاً لمعرفة الآيات التي تخاطب المكيين أو المدنيين.

ب ـ وأن التصدير بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ليس أمراً مطرداً في جميع الموارد، فهناك أول آية من سورة النساء وهي مدنية، وقد صدرت بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ...} ( 17 ) والآية 21 من سورة البقرة وهي مدنية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ...}. وهناك سورة الحج التي وقع فيها الاختلاف في كونها مكية أو مدنية، وهي تتوفر على ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ...) ( 18 ) . و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} ( 19 ) .

إن هناك آيات كريمة لا تتصدر بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ...} أو {يَا بَنِي آدَمَ...} أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...}، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ...}، مع من ندرجها؟

وإن ردّ بعضهم على هذا بأنّ المراد من ذلك الخطاب هو الأغلبية.

فيجاب : بأن الأغلبية لا تكون ضابطاً حاصراً مطرداً.

وليس لدينا دليل على أن الخطاب المكي مقيّد بصيغة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ...} أو {يَا بَنِي آدَمَ...}، فإن بعض الآيات قد تخاطب الجماعة المؤمنة بذلك في أول الإسلام دفعاً لضرر قد يحاك لهم أو لحل مشكلة خاصة بهم أو من باب التكريم لهم والإجلال والاحترام.

وأيضاً ليس هناك من دليل على أن الخطاب المدني يختص بصيغة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...}، لأن الكفار هم مطالبون بالإيمان والعمل أصولاً وفروعاً كما في الآية 21 من سورة البقرة وهي مدنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ}...


الثالث: ملاكيّة الهجرة النبوية

وغدت الهجرة ووقتها في هذا القسم ـ الذي عد في نظرهم الأشهر ـ هي الملاك، أي أن مصطلح المكي يطلق على ما نزل من القرآن قبل الهجرة وإن كان نزوله ليس بمكة . والمدني ما كان نزوله بعد الهجرة سواء كان نزوله بالمدينة أم بمكة أم في أي مكان آخر.

فالملاك في هذا أو الضابط فيه أن التاريخ الفاصل بين المدني والمكي هو الهجرة؛ فما نزل بعدها ـ بغض النظر عن مكان النزول ـ فهو المدني وما نزل قبلها بغض النظر عن مكان النزول فهو المكي. وبتعبير آخر الملاك هو زمن النزول قبل الهجرة أو بعدها؛ سواء ما نزل بمكة أم بالمدينة، عام الفتح أم عام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار.

وقد أخرج عثمان بن سعد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال:

ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي (صلي الله عليه وآله) المدينة فهو من المكي، وما نزل على النبي (صلي الله عليه وآله) في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني، وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحاً ( 20 ) .

فالآيات التي نزلت في أسفار الرسول (صلي الله عليه وآله) أو في مكة حتى وإن نزلت في جوف الكعبة أو في منى وعرفات، تعد كلها آيات مدنية؛ لأنها جاءت وفق الملاك المذكور، وهو أنها نزلت بعد الهجرة، كما هو الحال في الآية 61 من سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، فإنها نزلت عام الفتح، أي بعد الهجرة وفي جوف الكعبة.

والآية 2 من سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...} نزلت في الجحفة، وعلى رأي ثانٍ نزلت في عرفات، وفي عصر يوم عرفات من يوم الجمعة عام حجة الوداع . وآية {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...} ( 21 ) ، نزلت إما في عرفات على رأي أو في غدير خم على رأي آخر وفي حجة الوداع، وهي آيات مدنية؛ لأنها نزلت بعد الهجرة، وهذا الرأي جعلوه أشهر الأقوال الثلاثة. وهو تفسير بني عندهم على أساس الترتيب الزماني لنزول الآيات؛ وتكون هناك مرحلتان زمانيتان تفصل بينهما هجرة الرسول (صلي الله عليه وآله) .


الترجيح بين الأقوال والنظريات

وقد ذهب العديد من العلماء ومنهم السيد الشهيد الصدر إلى ترجيح الرأي الثالث، وهو يشكل كما رتبه السيد الصدر الرأي الأول في بحثه؛ إذ بعد أن يوجب طرح الرأي الذي يبنى على أساس مراعاة أشخاص المخاطبين، أي المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة والمدني ما وقع خطاباً لأهل المدينة؛ لأنه يقوم على أساس خاطئ، وهو الاعتقاد أن من الآيات ما يكون خطاباً لأهل مكة خاصة ومنها ما يكون خطاباً لأهل المدينة وليس هذا بصحيح، فإن الخطابات القرآنية عامة وانطباقها حين نزولها على أهل مكة أو على أهل المدينة لا يعني كونها خطاباً لهم خاصة أو اختصاص ما تشتمل عليه من توجيه أو نصح أو حكم شرعي بهم، بل هي عامة ما دام اللفظ فيها عاماً...

ثم يقول السيد الشهيد : والواقع أن لفظ المكي والمدني ليس لفظاً شرعياً حدد النبي (صلي الله عليه وآله) مفهومه؛ لكي نحاول اكتشاف ذلك المفهوم، وإنما هو مجرد اصطلاح تواضع عليه علماء التفسير، وما من ريب في أن كل أحد له الحق في أن يصطلح كما يشاء.

ثم يذهب إلى أن مصطلح المكي والمدني على أساس الترتيب الزمني أنفع وأفيد للدراسات القرآنية، وسبب الترجيح هذا ـ كما يذهب إليه السيد الشهيد ـ هو أن التمييز من ناحية زمنية بين ما أنزل من القرآن قبل الهجرة وما أنزل بعدها أكثر أهمية للبحوث القرآنية من التمييز على أساس المكان ـ بين ما أنزل على النبي في مكة وما أنزل عليه في المدينة ـ فكأن جعل الزمن أساساً للتمييز بين المكي والمدني واستخدام هذا المصطلح لتحديد الناحية الزمنية أوفق بالهدف.

ثم يذكر نقطتين تبيّنان أهمية التمييز الزمني من التمييز المكاني وهما:

1 ـ فقهية، أي أنها ترتبط بعلم الفقه ومعرفة الأحكام الشرعية، وهي أن تقسيم الآيات على أساس الزمن إلى مكية ومدنية وتحديد ما نزل قبل الهجرة وما نزل بعدها، يساعدنا على معرفة الناسخ والمنسوخ؛ لأن الناسخ متأخر بطبيعته على المنسوخ زماناً، فإذا وجدنا حكمين ينسخ أحدهما الآخر استطعنا أن نعرف الناسخ عن طريق التوقيت الزمني، فيكون المدني منهما ناسخاً للمكي لأجل تأخره عنه زماناً.

هذه النقطة إنما تكون مهمة ـ والقول للسيد الشهيد محمد باقر الحكيم ـ بناء على المذهب المعروف في علوم القرآن الذي يقول بوجود النسخ بين الآيات القرآنية من خلال افتراض وجود حكمين متخالفين، أحدهما متأخر عن الآخر زماناً، فيفترض أن الثاني ناسخ للأول. وأما إذا التزمنا بعدم وجود النسخ بهذا الشكل وإنما موارد النسخ في القرآن مبينة من خلال نظر الآية الناسخة للآية المنسوخة في مضمونها فلا تبقى أهمية لهذه النقطة وإنما تكون مجرّد فرضية..

2 ـ والنقطة الأخرى التي يذكرها السيد الشهيد الصدر هي: أن التقسيم الزمني للآيات إلى مكية ومدنية يجعلنا نتعرف على مراحل الدعوة التي مرّ بها الإسلام على يد النبي، فإن الهجرة المباركة ليست مجرد حادث عابر في حياة الدعوة، وإنما هي حدّ فاصل بين مرحلتين من عمر الدعوة، وهما: مرحلة العمل في ضمن المجتمع الذي تحكمه السلطة الكافرة المهيمنة على جميع الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية، ومرحلة العمل ضمن دولة الإسلام. ولئن كان بالإمكان تقسيم كل من هاتين المرحلتين بدورهما أيضاً إلى مقاطع زمنية، فمن الواضح ـ على أي حال ـ أن التقسيم الرئيس هو على أساس الهجرة.

فإذا ميزنا بين الآيات النازلة قبل الهجرة وما نزل منها بعد الهجرة، استطعنا أن نواكب تطوّرات الدعوة والخصائص العامة التي تجلّت فيها خلال كل من المرحلتين. وأما مجرد أخذ مكان النزول بعين الاعتبار وإهمال عامل الزمن فهو لا يمدّنا بفكرة مفصلة عن هاتين المرحلتين ويجعلنا نخلط بينهما، كما يحرمنا من تمييز الناسخ والمنسوخ من الناحية الفقهية . . وسوف يتضح أيضاً مزيد من الأهمية عند دراستنا لخصائص المكي والمدني فلهذا كله ـ والقول مازال للشهيد الصدر ـ نؤثر الاتجاه الأول في تفسير المكي والمدني .. وهو الاتجاه الثالث في مقالتنا هذه، وهو القائم على أساس الترتيب الزماني للآيات، وأن الهجرة النبوية المباركة تشكل حداً زمنياً فاصلاً بين مرحلتين؛ فما نزل من القرآن قبل الهجرة يعد مكياً وما نزل بعد الهجرة يعد مدنياً بغض النظر عن مكان النزول ( 22 ) .


كيفية معرفة المكي والمدني

كما ذكرنا في فقرة بداية هذا العلم، وكما يظهر من بعض ما تيسّر من أقوال عدد من العلماء، أن تحديد سور وآيات أنها مكية وأخرى مدنية، وبالتالي صار عندنا علم خاص يطلق عليه المكي والمدني، هذا لم يكن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أمر به، ولم يكن تحديد أن هذه السورة أو الآية مكية وهذه مدنية من وظيفة الرسول (صلي الله عليه وآله) ومهامه حتى يبينه، ولكن التعرض لذلك جاء حين البحث حول القرآن، ومعرفة مكيه ومدنيه، وناسخه ومنسوخه.. فهي بحوث أثيرت بعد الرسول، واعتمدت على روايات وشواهد أعانت على هذا التحديد . وإنما يرجع في معرفة المكي والمدني ـ كما يقول القاضي ابو بكر في الانتصار ـ إلى حفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عن النبي (صلي الله عليه وآله) في ذلك قول؛ لأنه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول (صلي الله عليه وآله) ، وقد ورد عن الصحابة وعن التابعين أيضاً ما يبين أنهم كانوا مهتمين بزمان ومكان نزول الآيات وبمن نزلت ... وهذا ما تكفلت بنقله مصادر الرواية والتاريخ عند الفرق الإسلامية، وبالتالي فقد كان للروايات والنصوص والشواهد التاريخية دور كبير في الكيفية التي تساعد على معرفة كل من المكي والمدني، فقد راحت تلك الروايات تؤرّخ للسورة القرآنية والآيات من حيث وقت نزولها ومكانه، ولاهتمام المفسرين بهذا الأمر انصبّ جزء من جهودهم لتقصّي تلك الروايات والأخبار حتى يصلوا إلى تحديد السور المكية والمدنية، وكذلك الآيات؛ حتى غدا عملهم هذا ذا أسس ومنهج مما جعله علماً مهماً لا يستغني عنه المفسر بل والفقيه والتاريخي في بحوثه وأنشطته العلمية التي تخصّ القرآن الكريم..

إن متابعة السورة والآية يعد علماً مهماً من علوم القرآن الكريم فلا تجد كتاباً يتناول علوم القرآن إلا وتجد باباً خاصاً يسمى المكي والمدني، وتجد أيضاً تقسيماً للسور والآيات مع ذكر أسماء السور والآيات ومن أي قسم هي من المكي أو من المدني...

ومما ذكر من الروايات قول ابن مسعود : «والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت». وكذلك ما ذكروه من أنه سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل . وأشار إلى سلع.

ثم ذكر القاضي أيضاً: «كانت العادة تقضي بحفظ الصحابة ذلك، غير أنه لم يكن من النبي (صلي الله عليه وآله) في ذلك قول، ولا ورد عنه (صلي الله عليه وآله) أنه قال: ما نزل بمكة كذا وبالمدينة كذا. وإنما لم يفعله لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وكذلك الصحابة والتابعون من بعده لما لم يعتبروا ذلك من فرائض الدين لم تتوفر الدواعي على إخبارهم به، ومواصلة ذلك على أسماعهم، وإذا كان الأمر على ذلك ساغ أن يختلف من جاء بعدهم في بعض القرآن هل هو مكي أو مدني؟ وأن يعملوا في القول بذلك ضرباً من الرأي والاجتهاد...» ( 23 ) .

وما دام الأمر ليس من الأمور الشرعية التي لا يجوز مخالفتها أو تكلّفنا البحث عن المراد منه .. وهو بالتالي ليس إلا أن يكون مصطلحاً لا غير، تواضع عليه علماء التفسير ـ كما يقول السيد الشهيد الصدر ـ وما من ريب في أن كل واحد له الحق في أن يصطلح كما يشاء...


منهجان في المكي والمدني

ذكر علماء تفسير القرآن الكريم وعلومه أن هناك منهجين اتبعا لمعرفة كلّ من السور والآيات المكية والمدنية:

1 ـ منهج سماعي: يقوم على النقل، أي يستند إلى روايات الصحابة الذين عاصروا النبي (صلي الله عليه وآله) ومرحلة الوحي وما يأتي به من آيات يلقيها على رسول الله (صلي الله عليه وآله) ، وإلى ما ورد عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم نزول الآيات وقتاً ومكاناً..

2 ـ منهج قياسي اجتهادي: يستند إلى ضوابط و خصائص كل من المكي والمدني، فإذا وردت السورة أو الآية وهي تحمل طابع التنزيل المكي بضوابطه وصفاته أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مكية، وإذا وردت السورة أو الآية وهي تحمل طابع التنزيل المدني، أو تتضمّن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مدنية، وهذا منهج قياسي اجتهادي، ولهذا نجدهم يقولون: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حدّ فهي مدنية، وهكذا في بقية الضوابط والخصائص..

وهذا الجعبري يحدّد ذلك بقوله:

فالسماعي ما وصل إلينا نزوله بأحدهما. والقياسي قال علقمة عن ابن مسعود: كل سورة فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فقط أو «كلا» أو أولها حروف تهجٍّ سوى الزهراوين (البقرة وآل عمران) والرعد ـ في وجه ـ أو فيها قصة آدم وإبليس سوى الطولى (البقرة) أو فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية. وكل سورة فيها حدّ أو فرض فهي مدنية...


الخصائص

ولأهمية هذا العمل ولدقته ذكروا خصائص أو ضوابط لكلّ من المكي والمدني إن توفرت عليها السورة أو الآية درجت تحت واحد من النوعين ذي الخصائص المحددة له.. نعم ذكروا خصائص عديدة إلا أنهم لم يتفقوا على جلّها، فلعل بعضهم ناقش فيها، فيما فند الآخر أكثرها ورفضها غيرهم وقبلها آخرون وهذه جملة منها:

أولاً: إذا كان الخطاب الوارد في السورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فإنه أنزل في المدينة وما كان الخطاب {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو {يَا بَنِي آدَمَ} فإنه أنزل في مكة المكرمة.

تقول الرواية: وكل سورة فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهي مدنية.

وفي هذا نظر؛ فإن الخطاب المدني لم يكتف بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بل استعمل أيضاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} في خطاباته:

كما هو الحال في سورة البقرة وهي مدنية :

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ..} ( 24 ) .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ...} ( 25 ) .

وفي سورة النساء وهي مدنية وفيها:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} ( 26 ) .

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ} ( 27 ) .

وفي سورة الحج وهي مدنية الآيات 1. 5 . 49 . 73.

وفي سورة الحجرات المدنية:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى...} ( 28 ) .

فإن أرادوا الغالب ذلك فهو صحيح، كما هو قول مكي بن حموش: هذا إنما هو في الأكثر وليس بعام، وفي كثير من السور المكية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.

وهناك تفاصيل وتبريرات يرجع فيها إلى الإتقان للسيوطي ( 29 ) .

إن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لم تقع في السور المكية وإن الموجود خال من النداء أو الخطاب {الَّذِينَ آمَنُوا} فانظر السور: ص والزمر وغافر وفصلت وغيرها أيضاً.

إلا أن الزركشي ذكر مثالاً لما يذهب إليه من وقوع الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} في الخطاب المكي، وهو الآية 77 من سورة الحج {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} وله الحق في هذا حسب مبناه من أن هذه الآية مكية، ولكن هذا خلاف المشهور من أن سورة الحج بكاملها مدنية..

ولا بد أيضاً من الإشارة إلى أن ما ذكر في بحث المكي والمدني للسيد الشهيد الصدر عند التعرض لهذه الخاصية من أن سورة الحج تستثنى من ذلك؛ لأنها استعملت الكلمة الثانية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالرغم من أنها مكية.. ولكنّ هذه السورة ـ كما هو المشهور ـ مدنية، وإن قيل بمكيتها عن ابن عباس وعطا ومجاهد، وكما أشير في الهامش من علوم القرآن وأنها استعملت التعبيرين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} في الآيات 1. 5 . 49 . 73. و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ورد مرة واحدة في الآية 77.


ضوابط ومميزات

وإضافة للضابطة أعلاه، هناك ضوابط كلية أسست على التتبع والاستقراء المبني على الغالب، ومميزات أخرى راحوا يستعينون بها لتعيين ما هو مكي وما هو مدني، وإن نوقش فيها، وقد لخصنا أقوالهم في الضوابط والمزايا، وللمزيد يراجع الإتقان في علوم القرآن وكنز العرفان والبرهان للزركشي وغيرها في علوم القرآن فقد بثت فيها هذه الضوابط والمزايا.


تلخيص ضوابط المكي

1 ـ كل سورة فيها سجدة، وتجري هذه الضابطة على القول بأن سورة الرعد والحج مكيتان، وهو ما يذهب له عدد كابن عباس وعطاء ...

2 ـ أو فيها لفظ كلا، كما صرح الجعبري به حتى ورد عن الدريني قوله:

وما نزلت كلا بيثرب فاعلمن

ولم تأت في القران في نصفه الأعلى

وحكمة ذلك أن نصفه الأخير نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة؛ فتكررت فيه على وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم، بخلاف النصف الأول وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه لذلّتهم وضعفهم.

وهذا ما ذكره صاحب الإتقان عن العماني.

3 ـ أو فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة.

4 ـ أو فيها قصة آدم وإبليس ما عدا البقرة.

5 ـ وكل سورة تفتح بحروف التهجي كما عن الجعبري مثل: الم، الر، حم، سوى البقرة وآل عمران «وهما الزهراوان» والرعد.

فكل سورة فيها ضابطة أو أكثر من هذه الضوابط فهي سورة مكية.

وأما ما امتازت به السور المكية فهو:

الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله ، وذكر القيامة والجنة والنار، ومجادلة المشركين. وفضح أعمال المشركين من سَفْك دماء، وأكل أموال اليتامى ، ووأد البنات. وقوة الألفاظ مع قصر الفواصل وإيجاز العبارة.

والإكثار من عرض قصص الأنبياء وتكذيب أقوامهم لهم للعبرة، والزجر، وتسلية للرسول (صلي الله عليه وآله) .

فقد أخرج البيهقي في الدلائل وبسنده:

كل شيء نزل من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون فإنما نزل بمكة...

قال الجعبري: أو فيها قصة آدم وإبليس سوى البقرة فهي مكية، وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية.


مختصر ضوابط السورة المدنية

وضوابط السور المدنية هي:

كل سورة فيها فريضة أو حد أو فيها ذكر المنافقين، أو فيها مجادلة أهل الكتاب.

فكل سورة تتوفر على ضابطة من الضوابط المذكورة أو أكثر فهي مدنية

ومميزات السور المدنية هي:

بيان كل من العبادات والمعاملات والحدود والجهاد والسلم والحرب، ونظام الأسرة وقواعد الحكم ووسائل التشريع.

وتكملةً لما ذكرنا عن البيهقي في الدلائل : ... وما كان من الفرائض والسنن فإنما نزل بالمدينة . وهكذا قال الجعبري : كل سورة فيها فريضة أو حدّ فهي مدنية .

ومخاطبة أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإسلام، والكشف عن سلوك المنافقين وبيان خطرهم على الدين.

وأخيراً طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرّر قواعد التشريع وأهدافه ومراميه.

أما السيد الشهيد الصدر فبعد أن لخّص ما ذكروه من الخصائص الأسلوبية والموضوعية للقسم المكي:

قصر الآيات والسور وإيجازها وتجانسها الصوتي.

الدعوة إلى أصول الإيمان بالله والوحي وعالم الغيب واليوم الآخر وتصوير الجنة والنار.

الدعوة للتمسّك بالأخلاق الكريمة والاستقامة على الخير.

مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم.

استعمال السورة لكلمة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، وعدم استعمالها لكلمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}...

ذكر ما يشيع في القسم المدني من خصائص عامة:

طول السورة والآية وإطنابها.

تفصيل البراهين والأدلة على الحقائق الدينية .

مجادلة أهل الكتاب ودعوتهم إلى عدم الغلو في دينهم.

التحدث عن المنافقين ومشاكلهم.

التفصيل لأحكام الحدود والفرائض والحقوق والقوانين السياسية والاجتماعية والدولية.


موقف السيد الصدر من خصائص السور المكّية والمدنية

قال السيد الصدر: وما من ريب في أن هذه المقاييس المستمدة من تلك الخصائص العامة تلقي ضوءاً على الموضوع، وقد تؤدي إلى ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر في السور التي لم يرد نص بأنها مكية أو مدنية؛ فإذا كانت إحدى هذه السور تتفق مثلاً مع السور في أسلوبها وإيجازها وتجانسها الصوتي وتنديدها بالمشركين وتسفيه أحلامهم، فالأرجح أن تكون سورةً مكية لاشتمالها على هذه الخصائص العامة للسورة المكية.

ولكن الاعتماد على تلك المقاييس إنما يجوز إذا أدت إلى العلم ولا يجوز الأخذ بها لمجرد الظن، ففي المثال المتقدم حين نجد سورةً تتفق مع السور المكية في أسلوبها وإيجازها لا نستطيع أن نقول بأنها مكية لأجل ذلك، إذ من الممكن أن تنزل سورة مدنية وهي تحمل بعض خصائص الأسلوب الشائع في القسم المكي، صحيح أنه يغلب على الظن أن السورة مكية لقصرها وإيجازها ولكن الأخذ بالظن لا يجوز لأنه قول من دون علم.

وأما إذا أدت تلك المقاييس إلى الاطمئنان والتأكد من تاريخ السورة وأنها مكية أو مدنية فلا بأس بالاعتماد عليها عند ذاك، ومثاله النصوص القرآنية التي تشتمل على تشريعات للحرب والدولة مثلاً؛ فإن هذه الخصيصة الموضوعية تدل على أن النص مدني؛ لأن طبيعة الدعوة في المرحلة الأولى التي عاشتها قبل الهجرة لا تنسجم إطلاقاً مع التشريعات الدولية، فنعرف من أجل هذا أن النص مدني نزل في المرحلة الثانية من الدعوة، أي في عصر الدولة ( 30 ) .


شبهات

هناك شبهات أثيرت حول المكي والمدني لأغراض سيئة ومقاصد خبيثة الغرض منها النيل من القرآن الكريم بل من الدين الإسلامي كله عبر اتهام القرآن بأنه من صنع بشري وكتب بيد بشرية هي يد محمد بن عبد الله (صلي الله عليه وآله) ولهذا ترى أسلوبه وما يتصف به من صفات، يتغير وفقاً للظروف والأحوال والواقع الذي عاشه محمد (صلي الله عليه وآله) في مكة ثم في المدينة..

فشأن المكي والمدني شأن العديد من مواضيع الإسلام وأموره، عقيدةً وحوادث وأقوالاً وأحاديث، التي تعرضت للشبهات من قبل أعداء الإسلام، ونحن نتعرض لبعض ما تعرض له هذان القسمان من علوم القرآن من شبهات وباختصار شديد:

أولاً: إن الأسلوب القرآني المكي يتصف بالوعد والوعيد، بالشدة والتهديد..، بينما يتصف الأسلوب القرآني المدني بالسماحة والعفو والليونة...

إذا كان الأمر كما يقولون، إذاً بماذا يصفون هذه الآيات في سورة البقرة وهي مدنية:

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ( 31 ) .

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُم الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُم السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ( 32 ) .


{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ...} ( 33 ) .

وفي سورة آل عمران وهي مدنية :

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} ( 34 ) .

وفي سورة النساء وهي مدنية:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُن اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} ( 35 ) .

أليس في هذا شدة..؟ وبالتالي فإن الشدة والوعد والوعيد ليس مختصاً بالقرآن المكي دون المدني.

وكذلك فإن الليونة والتسامح والصفح ليس قصراً على القرآن المدني؛ فالقرآن المكي تفيض آياته في الكثير من سوره بمثل هذه الصفات:

ففي سورة الأنعام، وهي مكية:

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ( 36 ) .

وفي سورة الأعراف، وهي مكية:

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} ( 37 ) .

وفي سورة يونس وهي مكية:

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ( 38 ) .

وهكذا في سورة الصف 33 ـ 35، والشورى 36 ـ 43، والحجر 87 ـ 88، والزمر 53، والأنعام 108.

{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} ( 39 ) .

أليس في هذه الآيات لين ولطف وصفح مع أنها مكية؟

ثانياً: إن المكي تتصف سوره بالقصر فيما المدني تتصف سوره وآياته بالطول.

والملاحظة هنا تأتي مختصرة؛ فمع ملاحظة أن القسم المكي هو الأكثر، فقد تجاوز ثلثي القرآن الكريم تقريباً.. فقد احتوى القسم المكي على سور طويلة، كسورة الشعراء وآياتها 227، و الأعراف وعدد آياتها 206، والصافات وآياتها 182، والأنعام وآياتها 165، فيما احتوى القسم المدني على سور قصيرة كسورة النصر وآياتها 3، والبينة 8، وكذا الزلزلة، والجمعة وآياتها 11، وكذا المنافقون..

ثالثاً: إن القسم المكي لم يتناول الجانب التشريعي من أحكام وأنظمة بعكس القسم المدني الذي تضمّن الأحكام والتشريعات العديدة..

فمع ملاحظة أن الدين لم يتسنّ له الظهور على الساحة بشكل فاعل ومؤثر وصريح ولم ينج من ملاحقة المشركين له ولاتّباعه، وقد غادر كثير منهم مكة مهاجراً فضلاً عن أن يدخل في تفاصيل التشريعات والأحكام وتطبيقاتها، والرسول (صلي الله عليه وآله) غير قادر على أن يحمي أتباعه، لهذا أذن لكثير منهم بالهجرة، بعكس ما حدث له في المدينة المنورة، ومع هذا نجد شيئاً من التشريع كما في الأنعام، وهي مكية:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ... * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ...} ( 40 ) .

هذا على فرض أن هذه الآيات مكية، كما عن أبي بن كعب وعكرمة وقتادة، وورد هذا في مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي، وأما على قولٍ لابن عباس أن هذه الآيات مدنية وباقي السورة مكية، فإنها لا تصلح رداً..

كما نجد المكي يناقش العديد من تشريعات الديانات الأخرى، مثل الآيات 119 ـ 122، 138 ـ 146 من سورة الأنعام المكية.

هذا تلخيص لبعض الشبهات المثارة والرد عليها، وإلا فهناك العديد من الشبهات والردود، فانظرها فيما كتب عن علوم القرآن سيما ما كتبه الشهيد الصدر في علوم القرآن.


أسماء السور المكية وأسماء السور المدنية

هناك سور وهناك آيات قرآنية نزل بعضها في مكة، ونزل بعضها في المدينة، فيما هناك بعض ثالث وقع في مكان نزوله اختلاف بينهم، والذي يبدو أن هذا الاختلاف إنما وقع لاختلافهم في المراد من المكي والمراد من المدني أو لأن الطريق إلى كل منهما قد يعد أمراً غير متيسر أو لاختلاف في اجتهادهم.. وكما وقع إجماعهم على قسم كبير منها وقع اختلافهم في البقية.. وأيضاً اختلفوا في عدد سور كل من القسمين تبعاً لاختلاف الروايات.

قال ابن سعد في الطبقات: أنبأنا الواقدي، حدثني قدامة بن موسى، عن أبي سلمة الحضرمي، سمعت ابن عباس قال: سألت أبيّ بن كعب عمّا نزل في القرآن بالمدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة.

قال أبو الحسن بن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ : المدني ـ باتفاق ـ عشرون سورة، والمختلف فيها اثنتا عشرة سورة، وما عدا ذلك مكي باتفاق.

وقال البيهقي في دلائل النبوة: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن زياد العدل، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، حدثنا علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، حدثني يزيد النحوي، عن عكرمة والحسين بن أبي الحسن قالا:

أنزل الله من القرآن بمكة ستاً وثمانين سورة.

ثم نظم في ذلك أبياتاً فقال:

 

 


يا سائلي عن كتاب الله مجتهداً

وعن ترتب ما يتلى من السور

وكيف جاء بها المختار من مضر

صلى الإله على المختار من مضر

وما تقدم منها قبل هجرته

وما تأخر في بدو وفي حضر

ليعلم النسخ والتخصيص مجتهد

يؤيد الحكم بالتاريخ والنظر

تعارض النقل في أمّ الكتاب وقد

تؤولت الحجر تنبيهاً لمعتبر

أم القرآن وفي أم القرى نزلت

ما كان للخمس قبل الحمد من أثر

وبعد هجرة خير الناس قد نزلت

عشرون من سور القرآن في عشر

فأربع من طوال السبع أولها

وخامس الخمس في الأنفال ذي العبر

وتوبة الله إن عدت فسادسة

وسورة النور والأحزاب ذي الذكر

ثم الحديد ويتلوها مجادلة

والحشر ثم امتحان الله للبشر

وسورة فضح الله النفاق بها

وسورة الجمع تذكاراً لمدّكر

وللطلاق وللتحريم حكمهما

والنصر والفتح تنبيها على العمر

هذا الذي اتفقت فيه الرواة له

وقد تعارضت الأخبار في أخر

فالرعد مختلف فيها متى نزلت

وأكثر الناس قالوا الرعد كالقمر

ومثلها سورة الرحمن شاهدها

مما تضمن قول الجن في الخبر

وسورة للحواريين قد علمت

ثم التغابن والتطفيف ذوالنذر

وليلة القدر قد خصّت بملتنا

ولم يكن بعدها الزلزال فاعتبر

وقل هو الله من أوصاف خالقنا

وعوذتان ترد الباس بالقدر

وذا الذي اختلفت فيه الرواة له

وربما استثنيت آي من السور

وما سوى ذاك مكي تنزله

فلا تكن من خلاف الناس في حصر

فليس كل خلاف جاء معتبراً

إلا خلاف له حظ من النظر

ومع هذه الاختلافات وأسبابها، فقد غدت أكثر آيات القرآن وسوره موزعةً بين هاتين النسبتين: «المكي والمدني» بعد أن بذل علماء التفسير جهدهم الكبير في تعيين السور والآيات المنسوبة إلى مكة من حيث نزولها وإلى المدينة المنورة، وذكروا آيات مكية في سور مدنية وآيات مدنية في سور مكية .. وعلى ضوء ذلك فإنهم قسموا القرآن الكريم إلى أربعة أقسام:

مكي.. ومدني.. وما بعضه مكي وبعضه مدني.. وما ليس بمكي ولا مدني.

فيما ذكر آخرون أن القرآن موزع بين قسمين : المكي والمدني، غير مكترثين بأن هناك من القرآن ما ليس مشمولاً بإحدى النسبتين، أي لا هو مكي ولا هو مدني، أو بما هو مختلف فيه؛ لهذا راحوا يوزعون القرآن الكريم ـ سوره وآياته ـ بين ما هو مكي وما هو مدني ( 41 ) .

وبعد اتفاق الباحثين على أنّ المكي من السور القرآنية هو الأكثر بكثير من المدني، وأنه يعدّ بتسعة عشر جزءاً من ثلاثين جزءاً، والباقي وهو أحد عشر جزءاً نزل بالمدينة إلا أن أقوالهم في عدد سورهما تعددت بين خمس وثمانين سورة مكية، أو ست وثمانين، أو اثنتين وثمانين..

والمدني بين ثمان وعشرين سورة أو عشرين سورة..

فيما السور المختلف فيها اثنتا عشرة سورة..

والذي يعنينا هو ما نزل مكياً وما نزل مدنياً من السور والآيات.. وبعيداً عن الإطالة نكتفي بما ذكره الشيخ محمد هادي معرفة في كتابه تلخيص التمهيد ( 42 ) ، وقد رتب السور القرآنية مكيها ومدنيها وحسب نزولها، ثم نذكر ما ورد في الإتقان من رواية عن ابن عباس بخصوص ما نزل بمكة وما نزل بالمدينة.

1 ـ السور المكية 86 سورة، وهي الأكثر:

العلق. القلم. المزمل. المدثر. الفاتحة. المسد. التكوير. الأعلى. الليل. الفجر. الضحى. الشرح. العصر. العاديات. الكوثر. التكاثر. الماعون. الكافرون. الفيل. الفلق. الناس. التوحيد. النجم. عبس. القدر. الشمس. البروج. التين. قريش. القارعة. القيامة. الهمزة. المرسلات. ق. البلد. الطارق. القمر. ص. الأعراف. الجن. يس. الفرقان. فاطر. مريم. طه. الواقعة. الشعراء. النمل. القصص. الإسراء. يونس. هود. يوسف. الحجر. الأنعام. الصافات. لقمان. سبأ. الزمر. غافر. فصلت. الشورى. الزخرف. الدخان. الجاثية. الأحقاف. الذاريات. الغاشية. الكهف. النحل. نوح. إبراهيم. الأنبياء. المؤمنون. السجدة. الطور. الملك. الحاقة. المعارج. النبأ. النازعات. الانفطار. الانشقاق. الروم. العنكبوت. المطففين.

2ـ السور المدنية 28 سورة:

البقرة. الأنفال. آل عمران. الأحزاب. الممتحنة. النساء. الزلزال. الحديد. محمد (صلي الله عليه وآله) . الرعد. الرحمن. الإنسان. الطلاق. البينة. الحشر. النصر. النور. الحج. المنافقون. المجادلة. الحجرات. التحريم. الصف. الجمعة. التغابن. الفتح. براءة. المائدة.

هذا، وقد ذكروا أن هناك آيات مدنية ضمن سور مكية، ومكية ضمن سور مدنية، وأيضاً اختلفوا فيها.. وإتماماً للفائدة نكتفي بذكر ما أورده السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، اخترت مما ذكره رواية واحدة عن ابن عباس دوّنها أبو جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ، عما نزل من السور والآيات في مكة والمدينة:

حدثني يموت بن المزرع أو زرع، حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني، أنبأنا أبو عبيدة معمر بن المثنى، حدثنا يونس بن حبيب، سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: سألت مجاهداً عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي، فقال: سألت ابن عباس عن ذلك فقال:

سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ...} ( 43 ) إلى تمام الآيات الثلاث، وما تقدم من السور مدنيات.

ونزلت بمكة سورة الأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر، والنحل سوى ثلاث آيات من آخرها؛ فإنهنّ نزلن بين مكة والمدينة في منصرفه من أحد.

وسورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج سوى ثلاث آيات {هَذَانِ خَصْمَانِ...} ( 44 ) إلى تمام الآيات الثلاث؛ فإنهن نزلن بالمدينة.

وسورة المؤمنون والفرقان، وسورة الشعراء سوى خمس آيات من آخرها نزلن بالمدينة {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ} ( 45 ) إلى آخرها.

وسورة النمل والقصص والعنكبوت والروم، ولقمان سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ...} إلى آخرها.

وسورة السجدة سوى ثلاث آيات: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً...} ( 46 ) إلى تمام الآيات الثلاث.

وسورة سبأ وفاطر ويس والصافات وص، والزمر سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة : {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا...} ( 47 ) إلى تمام الثلاث آيات.

والحواميم السبع وق والذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والصف، والتغابن إلا ثلاث آيات من آخرها نزلن بالمدينة.

والملك ون والحاقة وسأل وسورة نوح، والمزمل إلا آيتين: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ...} إلى آخرهما.

والمدثر إلى آخر القرآن إلا إذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فإنهن مدنيات.

ونزل بالمدينة سورة الأنفال وبراءة والنور والأحزاب وسورة محمد والفتح والحجرات والحديد وما بعدها إلى التحريم.

هكذا أخرجه بطوله وإسناده جيد، رجاله كلّهم ثقات من علماء العربية المشهورين.

وانظر أيضاً ما ذكره أبو جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ، والبيهقي في دلائل النبوة.


آخر ما نزل في مكة وفي المدينة

قبل أن نتعرض إلى الفقرة الأخيرة، نشير بإيجاز إلى آخر السور نزولاً في مكة وفي المدينة، فقد وقع الاختلاف بينهم في آخر ما نزل بمكة:

فابن عباس نسب إليه أنه قال هي (العنكبوت) فيما نسب إلى كل من الضحاك وعطاء أن آخر ما نزل هو سورة (المؤمنون)، أما مجاهد فنسب إليه أنها سورة (ويل للمطففين).

وأن آخر ما نزل في المدينة هي سورة المائدة، حتى ورد أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال في خطبته يوم حجة الوداع : «يا أيها الناس! إن آخر القرآن نزولاً سورة المائدة، فأحلّوا حلالها وحرموا حرامها» ( 48 ) .

ما حمل من مكة إلى المدينة وبالعكس

تحت هذا العنوان ضبط العلماء آيات نزلت في مكان ثم حملها أحد من الصحابة فور نزولها لإبلاغها في مكان آخر فقالوا: ما حمل من مكة إلى المدينة، وما حمل من المدينة إلى مكة.


1ـ فما حمل من مكة إلى المدينة

أول سورة حملت من مكة إلى المدينة سورة «يوسف»، حملها عوف بن عفراء في الثمانية الذين قدموا على رسول الله (صلي الله عليه وآله) مكة، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا وهو أول من أسلم من الأنصار، قرأها على أهل المدينة في بني زريق فأسلم يومئذ بيوت من الأنصار. هذه الرواية عن ابن عباس. ثم حمل بعدها سورة «الإخلاص» كاملة، ثم حمل بعدها من سورة الأعراف قوله تعالى:

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ( 49 ) . فأسلم عليها طوائف من أهل المدينة..

وسورة الأعلى حملها مصعب بن عمير وابن أم مكتوم.

فقد أخرج البخاري عن البراء بن عازب أنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله) : مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي (صلي الله عليه وآله) فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، فما جاء حتى قرأتُ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، في سور مثلها، وهذا المعنى يصدق على كل ما حمله المهاجرون من القرآن وعلّموه الأنصار.


2 ـ وما حمل من المدينة إلى مكة

من ذلك الآية 217 في سورة البقرة:

{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ...}.

وذلك حين أورد عبد الله بن جحش كتاب مسلمي مكة على رسول الله (صلي الله عليه وآله) : بأن المشركين عيّرونا قتل ابن الحضرمي، وهو أول مشرك يسقط بين المشركين قتله الصحابي واقد بن عبد الله اليربوعي ... وأخذ الأموال والأسارى في الشهر الحرام .. وكتب عبد الله بن جحش قائد السرية إلى مسلمي مكة: إن عيروكم فعيروهم بما صنعوا بكم.

فقد روي أن وفداً من المشركين قدموا على النبي (صلي الله عليه وآله) بعد سرية عبد الله بن جحش وقتلهم ابن الحضرمي من المشركين، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وأرجف المشركون، وقالوا: إنهم قتلوه في الشهر الحرام أي رجب، فأنزل الله الآية وكانت دفاعاً عن السرية، واعتذاراً عمّا بدر منها، وأنه شيء قليل بجانب ما يصدر عن المشركين من إجرام في حقّ الله ودينه وبيته والمسلمين، فيكون الوفد لما قرئت عليه حملها معه، أو أرسل النبي (صلي الله عليه وآله) من حملها إليهم في مكة.

ومن ذلك صدر سورة براءة، فقد أرسل النبي (صلي الله عليه وآله) به علياً ليقرأه على الناس في الموسم سنة تسع، كما في الصحيح..

ومن ذلك آية الربا في سورة البقرة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} ( 50 ) .

فقد اختلف بنو عمرو بن عمير من ثقيف مع بني المغيرة بن عبد الله، ورفعوا الأمر إلى أمير مكة عتاب بن أسيد، فرفع الأمر إلى رسول الله، فنزلت، فأرسل بها النبي (صلي الله عليه وآله) إلى عتاب بن أسيد فقرأها عليهم .. فأقروا بتحريمه وتابوا وأخذوا رؤوس الأموال، ثم حملت مع الآيات من أول سورة براءة من المدينة إلى مكة قرأهنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم النحر على الناس...

ثم حملت من المدينة إلى مكة الآية التي في سورة النساء:

{إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} ( 51 ) ...

وهناك آيات حملت من مكة إلى الحبشة ومن المدينة إلى الروم... أعرضنا عن ذكرها؛ لأن مقالتنا مختصة بمكة والمدينة فقط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإتقان في علوم القرآن 1 : 36 في معرفة المكي والمدني؛ والبرهان في علوم القرآن 1 : 192.

(2) الفرقان: 32.

(3) الإسراء: 106.

(4) انظر علوم القرآن : المكي والمدني.

(5) الفرقان: 45.

(6) القصص: 85.

(7) البرهان 1 : 197.

(8) التوبة: 42.

(9) الزخرف : 45 .

(10) الرعد : 30.

(11) أنظر: مجمع البيان، الآية.

(12) ابن هشام، السيرة النبوية 2 : 666.

(13) للسيوطي، انظر الإتقان 1: 38.

(14) الحاكم النيسابوري، المستدرك 3 : 18.

(15) الزركشي، البرهان 1: 187.

(16) المصدر نفسه: 189.

(17) النساء: 1.

(18) الحج: 1.

(19) الحج : 77.

(20) الإتقان 1 : 37.

(21) المائدة: 67.

(22) محمدباقر الحكيم، علوم القرآن: 75.

(23) الزركشي، البرهان 1: 190 ـ 192.

(24) البقرة: 21.

(25) البقرة: 168.

(26) النساء: 1.

(27) النساء: 133.

(28) الحجرات: 13.

(29) الإتقان 1: 69.

(30) علوم القرآن: 77 ـ 79.

(31) البقرة: 24.

(32) البقرة: 11 ـ 15.

(33) البقرة: 275 ـ 279.

(34) آل عمران: 10 ـ 12.

(35) النساء: 167 ـ 169.

(36) الأنعام: 54.

(37) الأعراف: 46.

(38) يونس: 62.

(39) الزمر: 53.

(40) الأنعام: 151 ـ 152.

(41) أنظر: الإتقان والبرهان وتمهيد الشيخ معرفة.

(42) تلخيص التمهيد: 97 ـ 101.

(43) الأنعام: 151 ـ 153.

(44) الحج: 19 ـ 21.

(45) الشعراء: 224.

(46) السجدة : 18.

(47) الزمر: 53.

(48) أنظر: البرهان والإتقان.

(49) الأعراف: 158.

(50) البقرة 278.

(51) النساء: 98 ـ 99؛ وانظر: البرهان: 1: 290 ـ 292، بحث المكي والمدني؛ وكذا أسباب النزول للواحدي؛ والسيرة النبوية لابن هشام، باب بدء إسلام الأنصار.. وغيرهما.


source : محسن الأسدي
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment