تعدّ هذه القاعدة أحد نماذج تفسير القرآن بالقرآن، والتي تقدم بيانها، وقد سبق هناك أن تحدثنا عن حالات ثلاث لتفسير القرآن بالقرآن، كانت إحداها القرينة المنفصلة.
هذا وتعدّ قاعدة التركيب شبيهة وقريـبة من حالة القرينة المنفصلة، إلا أننا في القرينة المنفصلة كنا نسعى إلى أن نستفيد من آية أخرى تـتحدث عن نفس موضوع الآية المراد تفسيرها، فهي ناظرة إليها وقرينة عليها. عمدة ما كان هي مذكورة في موضع آخر من القرآن، كما لاحظنا في قوله تعالى:- ( وجادلهم بالتي هي أحسن) أو آية:- ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا)، أو قوله تعالى:- (ختم الله على قلوبهم).
أما في قاعدة التركيب فنحن نعمد إلى آية أخرى لا نظر فيها إلى الآية موضوع البحث، بل هي تـتحدث عن قضية أخرى، إلا أنها تستخدم نفس الكلمة التي يراد تفسيرها، وحينئذٍ من خلال الجمع والتركيب بين الآيتين، نستطيع أن نعرف ما هو المقصود من الكلمة المراد تفسيرها.
بعض النماذج والأمثلة:
هذا ولنوضح ما ذكرناه ببعض الأمثلة:
إذا أردنا أن نعرف من هم الصادقون في قوله تعالى:- ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، فيمكننا أن نـنظر إلى قوله تعالى:- ( والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)، فنعرف حينئذٍ أن الصادقين هم الذين صبروا في الحروب والشدائد، لأن المراد بالصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أثناء الحرب.
ثم إننا إذا بحثنا عن المصداق الخارجي لذلك وجدنا أن الإمام علي بن أبي طالب(ع) هو أوضح من ينطبق عليه هذا العنوان، وحينئذٍ سوف يكون هو المعني بقوله تعالى:- (وكونوا مع الصادقين).
ومن الأمثلة التي يمكن أن نذكرها لبيان القاعدة، أنه إذا أردنا أن نعرف من هو الذي نزلت عليه السكينة في قوله تعالى:- ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها). تكشف أن الذي أنزلت عليه السكينة هو نفسه الذي أيده الله بالجنود، وذلك هو رسول الله(ص) بالاتفاق.
لكننا نود أن نكشف الأمر من خارج هذه القرينة المتصلة واعتماداً على قاعدة التركيب، وحينئذٍ يجب علينا أن نـنظر في موضعين من القرآن الكريم تحدثا عن نزول السكينة:
الأول: قوله تعالى:- ( فأنزل سكينـته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى).
الثاني: قوله تعالى:- ( أنزل سكينـته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها).
وفي كلا الموضعين نجد أن السكينة قد أنزلت على النبي(ص) وعلى المؤمنين، الأمر الذي استطاع من خلاله بعض العلماء كشيخنا المفيد(قده) أن يستنـتج أمرين:
أولهما: أن النبي(ص) هو الذي نزلت عليه السكينة في الآية السابقة، وهي قوله تعالى:-
( وأنزل سكينـته عليه).
ثانيهما: إن اختصاص النبي(ص) بنـزول السكينة في هذه الآية دون صاحبه، بينما هي نازلة على المؤمنين أيضاً في الآيتين السابقتين، يكشف عن عدم توفر صفة الإيمان في صاحبه المشار إليه في هذه الآية.
ومثال ثالث أنه عندما نود أن نعرف(أهل البيت) في قوله تعالى:- ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)، وهل تشمل نساء النبي أو لا؟...
يمكننا الرجوع لآية أخرى تـتحدث عن نزول الملائكة على إبراهيم(ع) وقولهم:-
( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد). فنلاحظ في الآيات اللاحقة لهذه الآية لدى الحديث عن نزول الملائكة بالعذاب على قوم لوط أنهم:- ( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب).
فنجد أن امرأة لوط قد نزل عليها العذاب، بينما في الآية السابقة كان هؤلاء الملائكة أنفسهم قد أشاروا إلى أن أهل البيت مشمولون برحمة الله وبركاته بقول مطلق، كما في هذه الآية،فدل ذلك على أن امرأة لوط ليست من أهل البيت، حيث قد نزل عليها العذاب، وأبعدت عنها الرحمة، مما يعني أن نساء النبي(ص) لسن من أهل البيت، وهو المعنى الذي جاءت به الروايات الشريفة أيضاً.
source : العبیدان