قامت عقيدة التوحيد على أساس تنزيه الله تعالى عن صفات المادّة ، وهو «واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ويُصوِّر ما يشاء وليس بمصوَّر ، جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه وتعالى عن أن يكون له شبيه ، هو لا غيره ، ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير» .
إلاّ أنّه توافرت هناك بعض الروايات ـ في كتب التفسير بالمأثور عند الجمهور ـ الّتي جعلت صفات الجوارح والأجسام لله سبحانه وتعالى ، وهي متفرعة على مسألة الرؤية ، وشكّلت هذه الروايات أساساً لاثبات الصفات لله ـ تعالى عن ذلك ـ وأنّ له يداً وعيناً ويدين وأعيناً.
وعدّ ابن تيمية «مذهب عامّة السّلف ، ومذهب أئمّة الدِّين ، بل أئمّة المـتكلِّمين ـ القول ـ بثبوت الصفات الخبرية في الجملة» ، إلاّ أنّهم يثبتون الصفات بلا كيف إلا بعض الحشوية الذين يجرون الصفات على ظواهرها.
والأحاديث المرويّة في تلك المعاني كثيرة إلاّ أننا سنتعرض هنا لبعض الروايات الواردة في التفسير كنماذج لما ذكرناه :
1 ـ في تفسـير قـوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَـفُ عن سـاق ويُدْعَونَ إلى السّجودِ فَلا يَسْتَطِيعُون ) (القلم / 42) .
قال السيوطي : أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد : سمعت النبيّ (ص) يقول : «يكشف ربّنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدُّنيا رياءً وسمعةً فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً» .
كما روى عن أبي هريرة عن رسول الله : «يكشف الله عزّ وجلّ عن ساقه» ، وعن ابن مسعود ، قال : «عن ساقيه تبارك وتعالى» .
وفي مقابل هذه الروايات المشوبة بالوضع ، نجد روايات اُخرى صحيحة عن ابن عباس ، قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنّه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر :
أصْبِرْ عِناق
انّهُ شَرٌّ باق
قَد سنّ لي قو
مكَ ضرب الأعناق
وقامَت الحربُ بِـ
ـنا على ساق
قال : هذا يوم كرب وشدّة .
وفي روايات اُخرى عنه : هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة .
وعنه : عن شدّة الآخرة .
كما روي عن سعيد بن جبير أنّه سئل عن قوله تعالى (يَوْمَ يُكشفُ عَن ساق) فغضب غضباً شـديداً وقال : إنّ أقواماً يزعمون أنّ الله يكشف عن ساقه ، وإنّما يكشف عن الأمر الشديد .
2 ـ في تفسير قوله تعالى : (يَوْمَ نَقولُ لِجهنّمَ هَلِ امْتَلأتِ وتقولُ هَلْ مِن مَزِيد) (ق / 30) .
قال الطبري : «وأمّا قوله (هَلْ مِن مَزيد ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله فقال بعضهم : معناه : ما من مزيد . قالوا : وإنّما يقول الله لها : هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط من تضايقها ... » .
وروى بسنده عن ابن عباس أنّه لا يُلقى في جهنم شيء إلاّ ذهب فيها ولا يملأها شيء ، قالت : ألستَ قد أقسمت لتملأني من الجنّة والناس أجمعين ، فوضع قدمه ، فقالت حين وضع قدمه فيها : قد قد ، فإنِّي قد امتلأت فليس لي مزيد ...
وفي رواية اُخرى : أتاها الربّ فوضع قدمـه عليها ، ثمّ قال لها : هل امتـلأت يا جهنم ؟ فتقول : قط قط ، قد امتلأت من الجن والانس فليس فيّ مزيد . قال : ولم يكن يملأها شيء حتّى وجدت مسّ قدم الله تعالى ذكره فتضايقت فما فيها موضع إبرة .
ثمّ روى عن أنس وأبي هريرة روايات اُخرى بنفس المعنى . وقد أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس وأبي هريرة .
وزاد السـيوطي ـ بعد ذكر ما سبق ـ روايتين عن أُبيّ بن كعب عن رسول الله (ص) ، وفي إحداهما : وجهنم تسأل المزيد حتّى يضع فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط . وفي الاُخرى: حتّى يضع فيها ربّ العالمين ما شاء الله أن يضع فتقبض وتغرغر ، كما تغرغر المزادة الجديدة إذا ملئت وتقول قط قط .
- رأي المفسِّرين الشيعة في روايات التجسيم:
ردّ المفسِّرون الشيعة الروايات المذكورة لمخالفتها نصّ الكتاب وعقيدة التوحيد القائمة على تنزيه الله تعالى عن صفات المادّة ، فقالوا ما يلي في تفسير قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عن ساق ويُدعـونَ إلى السجودِ فَلا يَسْتَطِيعُون ) (القلم / 42) .
الطوسي : قال : «وقوله (يوم يُكشف عن ساق ) قال الزجاج : هو متعلق بقوله (فليأتوا بِشُركائِهِم ... يومَ يُكشفُ عن ساق ) وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحّاك : معناه يوم يبدو عن الأمر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة . والساق ساق الانسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها وكل نبت له ساق فهو شجر ; قال الشاعر :
للفتى عقل يعيش به
حيث يهدي ساقه قدمه
فالمعنى يوم يشتدّ الأمر كما يشتدّ ما يحتاج فيه إلى ان يقوم على ساق ، وقد كثر في كلام العرب حتّى صار كالمثل فيقولون : قامت الحرب على ساق وكشفت عن ساق ; قال ]زهير بن جذيمة[:
فإذا شمّرت لكَ عن ساقِها
فَوَيْهاً ربيع ولا تسأم
وقال جدّ أبي طرفة :
كشفت لهم عن ساقها
وبدا من الشرِّ الصراح
وقال آخر :
قد شمّرت عن ساقها فشدوا
وجدّت الحرب بكم فجدّوا
والقـوس فيها وتر غـرد
قال الطبرسي : «أي فليأتوا بهم في ذلك اليوم الّذي تظهر فيه الأهوال والشدائد . وقيل : معناه يبدو من الأمر الشديد الفظيع ، عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير ... » ثمّ أورد ما نقل عن ابن عباس وغيره في المعنى اللّغوي وقال : «فتأويل الآية يوم يشتدّ الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق» .
وفي بحث اللّغة قال : «وتقول العرب قامت الحرب على ساق ، وكشفت عن ساق يريدون شدّتها ، وقال جدّ أبي طرفة :
كشفت لكم عن ساقها
وبدا من الشرّ الصراح»
وبتبنِّيه للرأي اللّغوي الصحيح في تفسير الآية ، أعرض صفحاً عن الروايات الواردة في تفسير الساق بساق الربّ (تعالى عن ذلك) ، فلم يذكرها لعدم اعتقاده بصحّتها ، فإنّه غالباً ما يذكر في تفسيره للآيات مختلف الروايات الّتي تحمل وجهاً من وجوه التفسير المعقولة أو المحتملة .
وقال الطباطبائي بعدما ذكر روايات الدرّ المنثور عن البخاري وغيره ، عن النبيّ (ص) : يكشف ربّنا عن ساقه ... ، قال : «والروايات الثلاث مبنية على التشبيه المخالف للبراهين العقلية ونصّ الكتاب العزيز فهي مطروحة أو مؤوّلة» .
source : البلاغ