عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

حقوق الأولاد

حقوق الأولاد

يُمكن إيجاز حق الولد على والديه بما يأتي :

أولاً : حق الولد في الاسم الحَسَن :

للبعض أسماء جميلة ، تحمل معاني سامية ، وتولد مشاعر جَميلة ، فَتجذبك للشخص المسمَّى بها كما يجذبُ شَذَا الأزهار النحل ، وللبَعض الآخر أسْماء سَمِجة ، مفرغة من أي مَضْمون ، وتحس عند سماعها بِالضيقِ والاشمئزاز ، وما اعظم التأثير النفسي والاجتماعي للاسم الذي نطلقه على أطفالنا .

فكم من الأولادِ قد أرَّق اسمه البشع ليله ، وقضَّ مضجعه ، نتيجة الاستهزاء والازدراء الذي يلاقيه من مجتمعه ، فيتملكه إحساس بالمرارة والتعاسة من اسمه الذي أصبح قدراً مفروضاً عليه ، كالوشم على الجلد تصعب إزالته .

وهناك بالطبع نفوس قوية لم تسمح لسحابة الاسم السوداء أن تنغص حياتها ، فعملت على تغيير اسمها السيئ ، واستأصلته كما يستأصل الجرَّاح الماهر خلية السرطان .

ولم يهمل الإسلام كدينٍ يقود عملية تغيير حضارية كبرى شأن الاسم ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقوم بتغيير الأسماء القبيحة ، أو الأسماء التي تتنافى مع عقيدة التوحيد ، واعتبر من حق الولد على والده أن يختار له الاسم المقبول .

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنَّ أوَّل مَا ينحلُ أحَدكُم وَلده الاسْم الحَسَن فَلْيحْسِن أحدكُم اسْم ولدِهِ ) .

وقد بيَّن ( صلى الله عليه وآله ) في حديث آخر الأبعاد الأخرويَّة المترتبة على الاسم ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اسْتَحسِنُوا أسْمَاءكُم ، فإنَّكم تُدْعَونَ بِهَا يَومَ القِيَامَة : قُم يا فُلان ابن فُلان إلى نُورِك ، وقُم يا فلان ابن فلان لا نُورَ لَك ) .

إن علم النفس قد اكتشف - أخيراً - علاقة وثيقة بين الإنسان واسمه ولقبه ، ويضرب عُلماء النفس لنا - مثلاً - رجلاً اسمه ( صعب ) ، فإن دوام انصباب هذه التسمية في سمعه ووعيه ، يطبع عقله الباطن بطابعه ، ويسم أخلاقه وسلوكه بالصعوبة .

وذلك لا ريب هو سِرّ تغيير الرسول أسماء بعض الناس ، الذين كانت أسماؤهم من هذا القبيل ، فقد أبدل باسم ( حرب ) اسماً آخر هو ( سمح ) ، فهناك - إذن - وحي مستمر توحيه أسمائنا ويلوِّن إلى حَدٍّ كبير طباعنا .

فالاسم ليس مجرَّد لفظ يكتب بالمداد على شهادة الميلاد ، بل هو حق طبيعي للمولود ، يعيِّن هويته ، وتتفتح نفسه الغَضَّة على مضمونه البديع ، كما تتفتح براعم الزهور في الربيع .

ثانياً : حق التأديب والتعليم :

لا شكَّ أن السنوات الأولى من عمر الطفل هي أهم مراحل حياته ، ومن هذا المنطلق يؤكد علماء التربية على ضَرورة الاهتمام الزائد بالطفل ، وأهمية تأديبه بالآداب الحسنة .

فقال الإمام علي ( عليه السلام ) مبيِّناً أهميَّة الأدب وأرجحيَّته على غيره : ( خَيْرُ مَا وَرَّثَ الآبَاءُ الأبْنَاءَ الأدَبَ ) .

وسَلَّط حفيده الإمام الصادق ( عليه السلام ) أضواء معرفية أقوى ، فكشَفَ عن العِلَّة الكامنة وراء تفضيل الأدب على المال ، بقوله ( عليه السلام ) : ( إنَّ خَيرَ مَا وَرَّث الآبَاءُ لأبنائِهِم الأدَبَ لا المَال ، فإنَّ المالَ يَذهَبُ والأدَبُ يَبْقَى ) .

وينبغي الإشارة إلى أن موضوع ( أدب الأطفال ) قد احتلَّ مساحة واسعة من أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فنجد تأكيداً على المبادرة إلى تأديب الأحداث قبل أن تقسو قلوبهم ، ويصلب عودهم ، لأن الطفل كورقة بيضاء تقبل كل الخطوط والرسوم التي تنتقش عليها .

فيقول الإمام علي لولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) : ( إنَّمَا قَلْبُ الحَدَث كالأرْضِ الخَالِيَة ، ما أُلقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبلتْهُ ، فَبَادَرْتُكَ بالأدَبِ قَبلَ أن يَقسُو قَلبُكَ ، ويَشْتَغلُ لُبُّكَ ) .

ويمكن إبراز الخطوط الأساسية لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في بيان تأديب الطفل وتعليمه في النقاط التالية :

الأولى : لا تقتصر تربية الأولاد على الأبوين فحسب ، بل هي مسؤولية اجتماعية تقع أيضاً على عاتق جميع أفراد المجتمع ، وحول هذه النقطة بالذات يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أيُّما ناشئ نشأ في قوم ثمَّ لم يؤدَّب على مَعْصِيَة ، فإنَّ الله عَزَّ وجَلَّ أول ما يعاقِبُهُم فيهِ أنْ يُنقِصَ مِنْ أرْزَاقِهِم ) .

فرؤية أهل البيت ( عليهم السلام ) تنطوي على ضرورة تأديبِ أفراد المُجتَمع - وخصوصاً الأحداث منهم - على الطاعة ، وتميل إلى أن المسؤولية في ذلك لا تُنَاط بالوالدين فحسب ، وإن كان دورُهم أساسيّاً ، وإنما تَتَّسع دائرتها لتشمل الجميع ، فالسنة الاجتماعية بطبيعتها تنطبق على الجميع بدون استثناء .

الثانية : من الضروري مراعاة عمر الطفل ، فلكلِّ عمر سياسة تربوية خاصة ، فمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) سبقت المدارس التربوية المعاصرة بالأخذ بمبدأ ( التدرُّج ) ، وهو مبدأ اِلتَزَمَتْ به المناهج التربوية المعاصرة ، بعد أن أثبتت التجارب العملية فائدته وجدواه .

وهنا يبدو من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الأئمة ( عليهم السلام ) يتبنُّون بصورة عامة تقسيماً ثُلاثياً لحياة الطفل ، ففي كل مرحلة من المراحل الثلاث ، يحتاج الطفل لرعاية خاصة من قبل الأبوين ، وأدب وتعليم خاص .

واستقرأنا ذلك من الأحاديث الواردة في هذا المجال ، وكشاهد على تبنِّيهم التقسيم الثلاثي نورد هذه الرواية :

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( دَع ابْنَكَ يَلعَبُ سَبْع سِنين ، ويُؤدَّبُ سَبع سِنين ، وألزِمْه نفسَكَ سَبْع سِنين ، فأن أفلح ، وإلاَّ فإنَّه لا خَيرَ فِيه ) .

فالمرحلة الأولى هي مرحلة لعب ، والثانية مرحلة أدب ، والثالثة مرحلة تبني مباشر للطفل ، وملازمته كَظِلِّه .

الثالثة : ينبغي عدم الإسراف في تَدليل الطفل ، واتِّباع أسلوبٍ تربويٍّ يعتمد على مبدأ الثواب والعقاب ، كما يحذِّر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من الأدب عند الغضب .

فيقول الإمام علي ( عليه السلام ) : ( لا أدَبَ مَع غَضَبٍ ) .

وذلك لأن الغضب حالة تحرِّك العاطفة ولا ترشد العقل ، ولا تعطي العملية التربوية ثمارها المطلوبة ، بل تستحق هذه العملية ما تستحقه الأمراض المزمنة من الصبر ، والأناة ، وبراعة المعالجة .

فالطفل يحتاج إلى استشارة عقلية متواصلة لكي يدرك عواقب أفعاله ، وهي لا تتحقق - عادة - عند الغضب الذي يحصل من فوران العاطفة وتأججها ، وبدون الاستشارة العقلية المتواصلة لا تحقق العملية أهدافها المَرجوَّة ، فتكون كالطَّرقِ على الحديد وهو بَارد .

وهناك حقٌّ آخر للطفل مكمِل لحقِّه في اكتساب الأدب ، ألاَ وهو حق التعليم ، فالعلم كالأدب وراثة كريمة ، يحث أهل البيت ( عليهم السلام ) الآباء على توريثه لأبنائهم ، فالعِلم كنز ثمين لا ينفذ ، أما المال فمن الممكن أن يتلف أو يسرق ، وبالتالي فهو عرضة للضياع ، ومن هذا المنطلق يقول الإمام علي ( عليه السلام ) : ( لا كَنْزَ أنْفَع مِن العِلْمِ ) .

ولما كان العلم في الصغر كالنقش على الحجر ، يتوجب استغلال فترة الطفولة لكسب العلم أفضل استغلال ، وفق برامج علمية تتبع مبدأ الأولوية ، أو تقديم الأهم على المهم ، خصوصاً ونحن في زمن يشهد ثورة علمية ومعرفية هائلة ، وفي عصر هو عصر السرعة والتخصص .

ولقد أعطى أهل البيت ( عليهم السلام ) لتعلم القرآن أولوية خاصة ، وكذلك تعلم مسائل الحلال والحرام ، ذلك العلم الذي يمكنه من أن يكون مسلماً يؤدي فرائض الله المطلوبة منه .

وللتدليل على ذلك نجد أن من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن ( عليهما السلام ) : ( اِبتدأتُك بِتَعليمِ كِتَاب اللهِ عزَّ وَجَلَّ وتأويلِه ، وشَرائِعِ الإسلامِ وأحْكَامِه ، وحَلالِهِ وحَرامِه ، لا أجَاوزُ ذَلكَ بِكَ إلى غَيره ) .

وزيادة على ضرورة تعليم الأطفال العلوم الدينيَّة من قرآن وفقه ، تركز السنة النبوية المعطَّرة على أهميَّة تعلم الطفل لعلوم حياتية معيَّنة ، كالكتابة ، والسباحة ، والرمي .

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( حَقُّ الوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ أن يُعلِّمَه الكِتَابة ، والسِّبَاحَة ، والرِّمَايَة ، وأنْ لا يَرزُقَه إلاَّ طَيِّباً ) .

وهناك نقطة جوهرية كانت مثار اهتمام الأئمة ( عليهم السلام ) ، وهي ضرورة تحصين عُقول الناشئة من الاتجاهات والتيَّارات الفكرية المنحرفة من خِلال تعليمهم علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) واطِّلاعِهم على أحاديثهم ، وما تَتضمَّنه من بحرٍ زاخر بالعلوم والمعارف .

وحول هذه النقطة بالذات ، يقول الإمام علي ( عليه السلام ) : ( عَلِّمُوا صِبْيَانَكم من عِلْمِنَا ما يَنفَعُهم الله بِه لا تغلبُ عَلَيهم المرجِئة برأيها ) .

حقُّ العدلِ والمُسَاواة :

إنَّ النظرة التمييزية للأطفال - وخصوصاً بين الذكر والأنثى - تزرعُ بذور الشقاق بين الأشقَّاء ، وتحفر الأخاديد العميقة في مجرى العلاقة الأخوية بينهما .

فالطفلُ ذو نفسيَّة حسَّاسة ، ومشاعره مرهفة ، فعندما يحسُّ أن والده يهتم كثيراً بأخيه سوف يطفح صدره بالحقد عليه .

وقد يحدث أن أحد الوالدين أو كليهما يحب أحد أولاده ، أو يعطف عليه - لسبب ما - أكثر من أخوته ، وهذا أمر طبيعي وغريزي ، ولكن إظهار ذلك أمام الأخوة ، وإيثار الوالدين للمحبوب بالاهتمام والهدايا أكثر من أخوته ، سوف يؤدي إلى تعميق مشاعر الحزن والأسى لدى الآخرين ، ويفرز مستقبلاً عاقبته قد تكون وخيمة .

وعليه فالتزام العدالة والمساواة بين الأولاد يكون أشبه بمانعة الصواعق ، إذ تحيل العدالة والمساواة من حصول أدنى شرخ في العلاقة بين أفراد الأسرة ، وإلا فسوف تكون عاملاً مشجعاً لانطلاق مشاعر الغِيرة والحقد فيما بينهم .

وهناك عدة شواهد من السنّة النبوية تعطي وصايا ذهبية للوالدين في هذا المجال ، وتكشف عن الحقوق المتبادلة بين الجانبين ، حيث يلزم الوالد من الحقوق لولده ما يلزم الولد من الحقوق لوالده .

فيقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنَّ لَهُم عليك مِنَ الحَقِّ أن تعدِلَ بينَهُم ، كما أنَّ لكَ عَليهِم مِنَ الحَقِّ أنْ يبرُّوكَ ) .

وأيضاً يقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( اعدِلُوا بَين أولادِكُم في النِّحَل - أي : العطاء - كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البِرِّ واللُّطف ) .

فهنا نجد نظرة أرحب وأعمق للحق ، فكما أن للأب حق البر ، عليه بالمقابل حقَّ العدالة ، فالحقوق يجب أن تكون مُتبادَلة ، وكل يتوجب عليه الإيفاء بالتزاماته .

ويمكن التدليل على عمق النظرة النبوية من قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنَّ اللهَ تَعالى يُحِبُّ أن تَعدِلوا بَينَ أولادِكُم حَتَّى في القُبَلِ ) .

صحيح أن القاعدة العامة في الإسلام تجاه الأبوين هي قاعدة الإحسان لا قاعدة العدل ، فلا يسوغ للابن أن يقول : إن أبي لا يعطيني فأنا لا أعطيه ، أو : إنه لا يحترمني فلا أحترمه ، ذلك أن الأب هو السبب في منح الحياة للولد ، وهو أصله .

ولكن الصحيح أيضاً هو أن يتَّبِع الآباء مبدأ العدل والمساواة في تعاملهم مع أبنائهم ، ليس فقط في الأمور المعنوية من إعطاء الحنان والعطف والتقبيل ، بل أيضا في الأمور المادية في العطية .

فقد أوصى النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) الآباء بقوله : ( سَاوُوا بَين أولادِكُم فِي العَطِيَّة ، فَلو كُنْتُ مُفضِّلاً أحَداً لَفَضَّلتُ النِّسَاء ) .


source : الشیعه
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

كيفية تربية البنات
ذروة الأنسایة
ما هي الطريقة التي يمكن بها منع تكرار الإصابة ...
الطب قبل الاسلام
حقوق الأولاد
الوعي بالزمن في نهج البلاغة
الاستخفاف بالصلاة
آراء أئمة الجرح في حديث النجوم
آداب نهار الصیام
لتخطي العوائق الزوجية00تعلما القفز

 
user comment