قال الله عز وجل:
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). (سورة الأعراف:167-168).
معنى الآيتين الشريفتين: أنه تعالى أعلن وقضى بأنه سيسلط على اليهود من يعاقبهم ويعذبهم إلى يوم القيامة، فهو سريع العقوبة وهو الغفور الرحيم. ومن عقوبته لهم أن شتتهم في الأرض جماعات جماعات، منهم الصالح ومنه الطالح، وامتحنهم بالخير والشر، لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الهدى.
ونجد تصديق هذا الوعد الإلهي بمعاقبة اليهود في كل أدوار تاريخهم ما عدا فترات حكم الأنبياء موسى ويوشع وداود وسليمان عليهم السلام، فقد سلط عليهم أنواعاً من الأقوام والشعوب، وساموهم سوء العذاب.
قد يقال: نعم لقد تسلط عليه ملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والرومان وغيرهم فساموهم سوء العذاب، ولكن المسلمين لم يسومونهم سوء العذاب، بل اكتفوا بأن قضوا على قوتهم العسكرية، ثم قبلوا منهم أن يعيشوا في ظل الدولة الإسلامية، ويتمتعوا بحريتهم وحقوقهم ضمن قوانين الإسلام، ويعطوا الجزية.
والجواب: أن سومهم سوء العذاب لا يعني استمرار قتلهم ونفيهم وسجنهم كما كانت تفعل بهم أكثر الدول التي تسلطت عليهم قبل الإسلام. بل تعني إخضاعهم عسكرياً وسياسياً لسلطة من يسلطه الله عليهم.
والمسلمون وإن كانوا أرحم من غيرهم في معاقبة اليهود وتعذيبهم، ولكنه يصدق عليهم أنهم تسلطوا على اليهود وساموهم سوء العذاب.
وقد يقال: نعم، إن تاريخ اليهود يشهد بتطبيق هذا الوعد الإلهي عليهم، ولكن قد مضى عليهم في عصرنا الحاضر قرن من الزمان أو نصف قرن على الأقل، ولم يتسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، بل مضى عليهم أكثر من نصف قرن من سنة 1936 م. وهم يسومون المسلمين في فلسطين وفي غيرها سوء العذاب، فكيف نفسر ذلك؟
الجواب: أن هذه الفترة من حياة اليهود مستثناة، لأنها فترة رد الكرة، ومرحلة العلو الكبير الموعود لهم بقوله تعالى في سورة الإسراء:(ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (سورة الاسراء:6) فتكون خارجة تخصصاً عن عموم الوعد بالتسليط عليهم، حتى يجئ وعد العقوبة الثانية على يد المسلمين أيضاً.
وقد وردت الأحاديث الشريفة عن الائمة عليهم السلام بأن هذا الوعد الإلهي قد انطبق عليهم أيضاً على أيدي المسلمين.
فقد نقل صاحب مجمع البيان في تفسير هذه الآية إجماع المفسرين على ذلك فقال: (والمعنيُّ به أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند جميع المفسرين، وهو المروي عن أبي جعفر). أي الإمام الباقر عليه السلام.
ورواه القمي في تفسيره عن أبي الجارود عن الباقر عليه السلام أيضاً.
الوعد الإلهي بإطفاء نار اليهود:
قال الله عز وجل:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). (سورة المائدة:64)
وهو وعد إلهي بإطفاء نار الحروب التي يوقدونها، سواء كانوا طرفاً مباشراً فيها أو حركوا لها الآخرين. وهو وعد لا استثناء فيه لأنه بلفظ: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا).
والتاريخ البعيد والقريب يشهد بأنهم كانوا وراء إشعال عدد كبير من الفتن والحروب، ولكن الله تعالى حقق وعده باللطف بالمسلمين والبشرية، وأبطل كيد اليهود وأحبط خططهم، وأطفأ نارهم.
ولعل أكبر نار وفتنة أوقدوها على المسلمين والعالم، نار الحرب الفعلية التي حركوا لها الغرب والشرق، وكانوا طرفاً مباشراً فيها في فلسطين، وطرفاً غير مباشر في أكثر بلاد العالم. ولم يبق إلا أن يتحقق الوعد الإلهي بإطفائها.
ويفهم من الآية الشريفة أن عدوانهم وصراعاتهم الداخلية أحد أبواب اللطف الإلهي لإطفاء نارهم، بقرينة ذكر إطفاء النار في الآية بعدها وكأنه متفرع عليها: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). (المائدة:64)
أما الأحاديث الشريفة عن دورهم في عصر الظهور:
فمنها، ما يتعلق بتجمعهم في فلسطين قبل المعركة القاضية عليهم تفسيراً لقوله تعالى: (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَابِكُمْ لَفِيفاً) (سورة الاسراء:104)، أي جئنا بكم من كل ناحية جميعاً، كما في تفسير نور الثقلين.
ومن ذلك، الحديث الشريف عن مجيئهم وغزوهم لعكا، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هل سمعتم بمدينة جانب منها في البحر؟ قالوا نعم. قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق). ( مستدرك الحاكم:4/476). وعن أمير المؤمنين عليه السلام : (لأبنين بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه.
فقال الراوي وهو عباية الأسدي: قلت له يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت؟ فقال: هيهات ياعباية ذهبت غير مذهب. يفعله رجل مني، أي المهدي عليه السلام ). (البحار:53 /60).
وهذا يدل على أن اليهود يتسلطون أو يتواجدون في كثير من بلاد العرب. وسوف نذكر معركة المهدي عليه السلام مع السفياني ومعهم، في أحداث بلاد الشام وأحداث حركة الظهور.
ومنها، حديث كشفهم للهيكل. فقد ورد في تعداد علامات الظهور عبارة: (وكشف الهيكل)، الذي يبدو أنه كشف هيكل سليمان عليه السلام.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ولذلك آيات وعلامات: أولهن إحصار الكوفة بالرصد والقذف. وتخريق الزوايا في سكك الكوفة. وتعطيل المساجد أربعين ليلة. وكشف الهيكل وخفق رايات تهتز حول المسجد الأكبر، القاتل والمقتول في النار). (البحار:52/273).
ويحتمل أن يكون الهيكل أثراً تاريخياً غير هيكل سليمان عليه السلام ، أو في محل آخر غير القدس، حيث ورد ذكره بصيغة (كشف الهيكل) بنحو مطلق، ولم يذكر من يكشفه.
والفقرات الأولى من الرواية تتحدث عن حالة حرب في الكوفة، التي يرد ذكرها أحياناً بمعنى العراق، وقد تكون هنا بمعنى مدينة الكوفة. وحصارها وقذفها واتخاذ المتاريس في زوايا شوارعها.
أما الرايات المتصارعة حول المسجد الحرام، فهي تشير إلى صراع القبائل في الحجاز على الحكم قبيل ظهور المهدي عليه السلام، وفيه أحاديث كثيرة.
ومنها، الأحاديث التي تعين القوم الذين يسلطهم الله تعالى عليهم بعد إفسادهم وعلوهم في العالم. وقد تقدم بعضها في تفسير الآيات الشريفة، ويأتي ذكر بعضها في الحديث عن إيران وشخصياتها في عصر الظهور، من قبيل حديث الرايات السود المستفيض: (تخرج من خراسان راياتٌ سودٌ فلا يردها شيء حتى تنصب في إيلياء). وغيره.
ومنها، أحاديث استخراج المهدي عليه السلام للتوراة الأصلية من غار بأنطاكية، وجبل بالشام، وجبل بفلسطين، ومن بحيرة طبرية، ومحاجته اليهود بها، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية) (البحار:51/25)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية، وأسفار التوراة من جبل بالشام يحاج بها اليهود فيسلم كثير منهم). ( منتخب الأثر ص 309)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يظهر على يديه تابوت السكينة من بحيرة طبرية، يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليلاً منهم) (الملاحم والفتن ص57)
وتابوت السكينة هو المذكور في قوله تعالى:
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (سورة البقرة: 247)
وقد ورد أن هذا الصندوق الذي فيه مواريث الأنبياء عليهم السلام كان آية وعلامة لبني إسرائيل على إمامة من يكون عنده، وأن الملائكة جاءت به تحمله بين جموع بني إسرائيل حتى وضعته أمام طالوت عليه السلام، ثم سلمه طالوت لداود، وداود لسليمان، وسليمان لوصيه آصف بن برخيا، على نبينا وآله وعليهم السلام. ثم فقده بنو إسرائيل بعد وصي سليمان عليه السلام عندما أطاعوا غيره.
ومعنى: (فيسلم كثير منهم) أو (أسلمت إلا قليلاً منهم) من الذين يرون تابوت السكينة، أو الذين يحاجهم المهدي عليه السلام بنسخ التوراة الأصلية، أو من الذين يبقيهم المهدي عليه السلام في فلسطين بعد تحريرها وهزيمتهم.
وفي رواية أخرى أنه يسلم له من اليهود ثلاثون ألفاً، وهو عدد قليل بالنسبة إلى مجموعهم.
ومنها، أحاديث معارك الإمام المهدي عليه السلام واصحابه مع اليهود، كالحديث الذي تقدم عن إخراج المهدي عليه السلام لليهود من جزيرة العرب، ولا يكون ذلك إلا بالإنتصار عليهم وطردهم من فلسطين، فقد روت مصادر السنة والشيعة أحاديث معركة المهدي عليه السلام الكبرى وأن طرفها المباشر يكون السفياني وخلفه اليهود والروم، ويمتد محورها من أنطاكية إلى عكا، أي على طول الساحل السوري اللبناني الفلسطيني، ثم إلى طبرية ودمشق والقدس. وفيها تحصل هزيمتهم الكبرى الموعودة: حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي فاقتله.. وسيأتي ذكرها في أحداث حركة ظهور المهدي أرواحنا فداه.
ومنها، أحاديث معركة مرج عكا، وقد تكون جزءً من المعركة الكبرى المتقدمة، ولكن المرجح أنها جزء من المعركة الثانية التي يخوضها المهدي عليه السلام مع الغربيين ومن يأتي معهم من اليهود بعد سنتين أو ثلاث سنوات من فتح فلسطين وهزيمة اليهود والغربيين.
فقد ذكرت الأحاديث أن المهدي عليه السلام يعقد بعدها اتفاقية هدنة وعدم اعتداء مع الروم أي الغربيين مدتها سبع سنين أو عشر سنين، ويبدو أن عيسى عليه السلام يكون الوسيط فيها، ثم يغدر الروم وينقضونها بعد سنتين أو ثلاثة، ويأتون ثمانين فرقة كل فرقة اثنا عشر ألفاً، وتكون هذه المعركة الكبرى التي يقتل فيها كثير من أعداء الله تعالى، وقد وصفت بأنها الملحمة العظمى، ومأدبة مرج عكا، أي مأدبة سباع الأرض وطيور السماء من لحوم الجبارين! فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفاً من المسلمين يشهدون الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا). (بشارة الإسلام ص 297).
ومنها، أحاديث تدل على موقع عكا العسكري في عهد المهدي عليه السلام ، وأنه يجعلها قاعدة بحرية لفتح أوربا، فقد ورد أنه عليه السلام (يبني أربع مئة سفينة في ساحل عكا. ويتوجه إلى بلاد الروم فيفتح رومية مع أصحابه). (الزام الناصب ص 224).
وسيأتي ذكر ذلك في أحداث حركة ظهوره عليه السلام.
نورد في هذه الخلاصة الحالة العامة لليهود من زمن موسى عليه السلام الى زمن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد اعتمدنا فيها على كتاب (معجم الكتاب المقدس) الصادر عن مجمع الكنائس للشرق الأدنى، وكتاب (تاريخ اليهود من أسفارهم لمحمد عزت دروزة). وينقسم تاريخ اليهود في هذه المدة إلى عشرة عهود:
1 - عهد موسى ويوشع عليهما السلام 1270 ق. م 1130 ق. م
2 - عهد القضاة 1130 ق. م 1025 ق. م
3 - عهد داود وسليمان عليهما السلام 1025 ق. م 931 ق. م
4 - عهد الإنقسام والصراع الداخلي 931 ق. م 859 ق. م
5 - عهد السيطرة الأشورية 859 ق. م 612 ق. م
6 - عهد السيطرة البابلية 597 ق. م 539 ق. م
7 - عهد السيطرة الفارسية 539 ق. م 331 ق. م
8 - عهد السيطرة اليونانية 331 ق. م 64 ق. م
9 - عهد السيطرة الرومانية 64 ق. م 638 م
10 - عهد السيطرة الإسلامية 638. م 1925. م
عاش النبي موسى عليه السلام مئة وعشرين سنة، منها نحو ثلاثين سنة أول عمره الشريف في قصر فرعون مصر. ونحو عشر سنوات عند النبي شعيب عليه السلام، في قادش برنيع الواقعة في آخر سيناء من جهة فلسطين، قرب وادي العربة.
وتذكر التوراة الموجودة أن عدد بني إسرائيل الذين خرجوا معه عليه السلام ست مئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد. (سفر الخروج ص12: 37، وسفر العدد ص 33:36) ويقدرهم بعض الباحثين الغربيين بستة آلاف نسمة.
ويرجح المؤرخون أن الخروج من مصر حدث في مطلع القرن الثالث عشر قبل الميلاد، حدود1230 ق. م. على عهد الفرعون منفتاح.
وفي الجبل عند قادش توفي موسى عليه السلام فدفنه وصيه يوشع بن نون عليه السلام ، وأخفى قبره. وقد تحمل من بني إسرائيل أنواع الأذى في حياته وبعد وفاته!
تقول توراتهم عنه وعن هارون عليه السلام: (كلم الرب موسى قائلاً: مت في الجبل كما مات أخوك هارون في جبل هور. لأنكما خنتماني. عند ماء برية مريبة قادش في برية سين إذ لم تقدساني. فإنك تنظر الأرض من قبالتها ولكنك لا تدخل إلى هناك إلى الأرض التي أنا أعطيتها لبني إسرائيل) (سفر التثنية ص32: 5- 53)!!
وتقول: (يوشع بن نون هو يدخل إلى هناك). ( سفر التثنية، ص1: 38).
وتولى قيادة بني إسرائيل بعد موسى وصيه النبي يوشع عليه السلام، فسار بهم إلى الضفة الغربية لنهر الأردن وبدأ بمدينة أريحا وفتح معها 31 مملكة صغيرة الواحدة منها عبارة عن مدينة أو بلدة قد يتبعها قرى زراعية. وكان السكان من الوثنيين الكنعانيين. وقسم المنطقة على أسباط بني إسرائيل المتحاسدين!
وقد ذكرت الإصحاحات 15إلى19 من سفر يوشع أسماء مدن وقرى المنطقة، مئتين وستة عشر مدينة، حسب تعبيرها.
وتوفي يوشع عليه السلام عن عمر قارب مئة وعشر سنوات، حوالي1130ق.م.
عهد القضاة أو الخلفاء وسيطرة الدول المحلية عليهم:
انتقلت قيادة بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام إلى القضاة من قبائل اليهود، وهم أشبه بالخلفاء من قبائل قريش، وحكم منهم خمسة عشر قاضياً.
وتميز عهدهم بأمرين سنراهما مرافقين لبني إسرائيل دائما هما: انحرافهم عن خط الأنبياء عليهم السلام، وتسليط الله تعالى عليهم من يسومهم سوء العذاب، كما ذكر سبحانه في القرآن.
يتحدث سفر القضاة في الإصحاح الثالث والخامس عن انحراف بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام فيقول:(سكنوا في وسط الكنعانيين والحيثيين والأموريين والفرزيين والحيويين واليبوسيين، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا لبنيهم، وعبدوا آلهتهم).
ويذكر في الإصحاح:3:8 أن أول من تسلط عليهم وأخضعهم كوشان رشتعايم ملك آرام النهرين، مدة ثمان سنين.
ثم هاجمهم بنو عمون والعمالقة واستولوا على مدينة أريحا. قضاة،إصحاح3-13.
ثم تسلط عليهم يابين ملك كنعان في حاصور عشر سنين.قضاة،اصحاح4:3.
ثم استعبدهم بنو عمون والفلسطينيون ثمان عشرة سنة. قضاة، اصحاح 1: 8.
ثم نكل بهم الفلسطينيون وتسلطوا عليهم مدة أربعين سنة.قضاة،اصحاح13: 1
وقد امتد حكم القضاة من بعد يوشع عليه السلام إلى زمن النبي صموئيل عليه السلام، الذي ذكره الله تعالى في القرآن بقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). (سورة البقرة:246)
ويقدر المؤرخون هذه المدة بحوالي قرن، من سنة 1130 ق. م. إلى عهد طالوت وداود عليهما السلام 1025 ق. م بينما يفهم من سفر القضاة في التوراة أنها أكثر من ذلك.
source : علي الكوراني العاملي