عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول أرض تخرب الشام، يختلفون على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني). (البحار:52/212).
ويبدو أن هذا الزعيم الأبقع أي المبقع الوجه يكون في العاصمة، لأن الرواية تذكر أن ثورة الأصهب تكون من خارج العاصمة أو المركز، فيثور عليه الأصهب فلايستطيع أحدهما أن يحقق نصراً حاسماً على الآخر، فيستغل السفياني هذه الفرصة ويقوم بثورته من خارج العاصمة أيضاً فيكتسحهما معاً.
ومن المحتمل أن يكون الأصهب غير مسلم، لأن بعض الأحاديث وصفته بالعلج، وهو وصف للكفار عادة.
كما يبدو أن المرواني الذي ورد ذكره في مصادر الدرجة الأولى، مثل غيبة النعماني، هو الأبقع نفسه، وليس زعيماً منافساً للسفياني.
أما الإتجاه السياسي للأبقع والأصهب فيظهر من أحاديث ذمها أنهما معاديان للإسلام ومواليان لأعدائه من القوى الكافرة.
وعلى هذا، يكون معنى اختلاف رمحين في بلاد الشام الوارد في الأحاديث هو اختلاف زعيمين يمثلان اتجاهين متنازعين، فقد جاء في الحديث المتقدم عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال الجابر الجعفي(ره):
(إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكره لك: اختلاف بني فلان، ومناد ينادي في السماء، ويجيؤكم الصوت من ناحية دمشق بالفرج، وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية. وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة. وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة. فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني).
والمقصود باختلاف بني فلان كما ستعرف في حركة الظهور، اختلاف أسرة حاكمة في الحجاز أو غيره، يظهر على أثره المهدي عليه السلام.
والصوت الذي يجئ من ناحية دمشق لا بد أن يكون صوت الفتنة وبداية الأحداث، وليس النداء السماوي الموعود في شهر رمضان.
وفي رواية أخرى (ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويتبعها هرج الروم).
(البحار:52/237)، فقد عبر عنهم من ناحية الترك، فيحتمل أن يكونوا أتراكاً ويحتمل أن يكونوا أقواماً أخرى كالروس يجيئون من جهة الترك.
يبقى أن نشير إلى رواية وصفت الرايات الثلاث التي تختلف في بلاد الشام بأنها راية حسنية وراية أموية وراية قيسية، وأن السفياني يأتي فيقضي عليها. فقد رواها في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
(يا سدير إلزم بيتك وكن حلسا من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك.
قلت: جعلت فداك، هل قبل ذلك شيء؟ قال: نعم، وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام وقال: ثلاث رايات، راية حسنية، وراية أموية، وراية قيسية. فبينما هم على ذلك إذ قد خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع، ما رأيت مثله قط).
ويشكل قبول هذه الرواية لأنها تعارض الأحاديث الكثيرة التي تحدد الرايات الثلاث بأنها راية الأبقع والأصهب والسفياني، ولأن الكليني(ره) رواها في الكافي:8/264، إلى قوله عليه السلام: (ولو على رجلك) فقط، فيحتمل أن يكون آخرها إضافة أو تفسيراً لبعض الرواة اختلط بالأصل.
السفياني من الشخصيات البارزة في حركة ظهور المهدي عليه السلام.
فهو العدو اللدود المباشر للإمام المهدي عليه السلام، وإن كان بالحقيقة واجهة للقوى المعادية التي تقف وراءه كما ستعرف.
وقد نصت الأحاديث الشريفة على أن خروجه من الوعد الإلهي المحتوم، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: (إن أمر القائم حتم من الله، وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني). (البحار:53/182).
وأحاديث السفياني متواترة بالمعنى، وقد يكون بعضها متواتراً بلفظه. وفيما يلي جملة من ملامح شخصيته وحركته وأخباره.
المتفق عليه بين العلماء أن تسميته بالسفياني نسبة إلى أبي سفيان لأنه من ذريته. كما يسمى ابن آكلة الأكباد نسبة إلى جدته هند زوجة أبي سفيان التي سميت بذلك لأنها حاولت أن تأكل كبد الحمزة سيد الشهداء رضي الله عنه بعد شهادته في أحد. فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال:
(يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس. وهو رجل ربعة (أي مربوع) وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور. اسمه عثمان وأبوه عيينة (عنبسة)، وهو من ولد أبي سفيان، حتى يأتي أرض قرار ومعين فيستوي على منبرها) (البحار:52/205).
وفي حديث آخر أنه من ولد عتبة بن أبي سفيان (البحار: 52/213) وأولاد أبي سفيان خمسة: عتبة ومعاوية ويزيد وعنبسة وحنظلة.
ولكن ورد في إحدى رسائل أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية النص على أنه من أبناء معاوية، جاء فيها: (وإن رجلاً من ولدك مشومٌ ملعون، جلفٌ جاف، منكوسُ القلب، فظٌّ غليظ، قد نزع الله من قلبه الرحمة والرأفة، أخواله كلب، كأني أنظر إليه، ولو شيءت لسميته ووصفته وابن كم هو، يبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون في القتل والفواحش، ويهرب منهم رجل زكي نقي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كماملئت ظلماً وجوراً. وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته).
وفي مخطوطة ابن حماد ص75 عن الإمام الباقر عليه السلام أنه: (من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان).
وقد يكون جده الذي ذكرت روايات أنه عنبسة أو عتبة أو عيينة أو يزيد، من ذرية معاوية بن أبي سفيان، فيرتفع الإلتباس.
والمشهور عند علماء السنة أن اسمه عبد الله، وفي مخطوطة ابن حماد ص 74 أن اسمه (عبد الله بن يزيد) وقد ورد أن اسمه عبد الله في رواية في مصادرنا أيضاً (البحار:53/208)، ولكن المشهور أن اسمه عثمان كما ذكرنا.
خبثه وطغيانه وحقده على أهل البيت وشيعتهم:
يتفق رواة الأحاديث على نفاقه وسوء سيرته، ومعاداته لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللمهدي عليه السلام.
والأحاديث التي رواها الجميع عن شخصيته وأعماله واحدة أو متقاربة. كما في مخطوطة ابن حماد ص76 عن أبي قبيل قال: (السفياني شر ملك، يقتل العلماء وأهل الفضل ويفنيهم. يستعين بهم، فمن أبى عليه قتله)، وفي ص80 قال: ( يقتل السفياني من عصاه، وينشرهم بالمناشير، ويطبخهم بالقدور، ستة أشهر)!
وفي ص84 عن ابن عباس قال: (يخرج السفياني فيقاتل، حتى يبقر بطون النساء ويغلي الأطفال في المراجل) أي القدور الكبيرة!
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس. أشقر أحمر أزرق، لم يعبد الله قط، لم ير مكة ولا المدينة. يقول يا رب ثاري والنار) (البحار:52/354).
ومن أبرز صفاته التي تذكرها أحاديثه، حقده على اهل البيت عليهم السلام. بل يظهر منها أن دوره السياسي هو إثارة الفتنة المذهبية بين المسلمين وتحريك السنة على الشيعة تحت شعار نصرة التسنن. في نفس الوقت الذي يكون عميلاً لأئمة الكفر الغربيين واليهود.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله. قلنا صدق الله وقالوا كذب الله. قاتل أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقاتل معاوية بن أبي سفيان علياً بن أبي طالب عليه السلام وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليه السلام والسفياني يقاتل القائم عليه السلام) ( البحار:52/90).
وعنه عليه السلام قال: (كأني بالسفياني- أو بصاحب السفياني- قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه: من جاء برأس(من) شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره ويقول هذا منهم، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم! أما إن إمارتكم يومئذ لاتكون إلا لأولاد البغايا، وكأني أنظر إلى صاحب البرقع! قلت: من صاحب البرقع؟ قال: رجل منكم يقول بقولكم، يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلاً رجلاً أما إنه لايكون إلا ابن بغي)! (البحار:52 /215).
وقد رأينا في عصرنا بعض أصحاب البراقع المقنعين من عملاء اليهود يدخلون معهم إلى مناطق المسلمين التي يسيطرون عليها، وقد أخفوا وجوههم السوداء ببراقع سوداء أو غيرها يدلونهم على المؤمنين ويحوشونهم لهم، فيأخذونهم إلى السجن أو يقتلونهم!
والسفياني من تلامذة هؤلاء، وملثموه من نوع ملثميهم.
وفي مخطوطة ابن حماد ص82: (وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان، فيقتلون شيعة آل محمد بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي).
وقد ذكرت بعض الأحاديث أن رايته حمراء، وهي ترمز إلى سياسته الدموية، كمافي البحار:52/273، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ولذلك آيات وعلامات.. وخروج السفياني براية حمراء، أميرها رجل من بني كلب).
وتدل الأحاديث على أنه غربي الثقافة والتعليم، وربما تكون نشأته هناك أيضاً، ففي غيبة الطوسي ص278 عن بشر بن غالب مرسلاً قال: (يقبل السفياني من بلاد الروم متنصراً في عنقه صليب. وهو صاحب القوم)، أي مسيحياً بعد أن كان أصله مسلماً. وتعبير: (يقبل من بلاد الروم) يعني أنه يأتي من هناك إلى بلاد الشام ثم يقوم بحركته.
ويدل أيضاً على أن ولاءه السياسي للغربيين واليهود، أنه يقاتل المهدي عليه السلام الذي هو عدو الروم أي الغربيين، ويقاتل الترك أو إخوان الترك الذين يحتمل أن يكونوا الروس.
وأنه يلجأ أثناء الحرب أمام زحف جيش المهدي عليه السلام من دمشق إلى الرملة بفلسطين التي ورد أنه تنزل فيها مارقة الروم.
بل يظهر أنه يخوض المعركة مع المهدي عليه السلام باعتباره خط الدفاع الأمامي عن اليهود والروم، لأن الأحاديث الشريفة تتحدث عن انهزام اليهود بهزيمته.
كما يدل على ولائه للغربيين أن جماعته بعد هزيمته وقتله، يهربون إلى الروم ثم يسترجعهم أصحاب المهدي عليه السلام ويقتلونهم.
فعن ابن خليل الأزدي قال: (سمعت أبا جعفر يقول في قوله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لاتَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) (سورة الأنبياء: 12-13) قال: إذا قام القائم وبعث إلى بني أمية بالشام هربوا إلى الروم، فيقول لهم الروم لا ندخلكم حتى تنصَّروا، فيعلقون في أعناقهم الصلبان ويدخلونهم. فإذا بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح، فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا. قال فيدفعونهم إليهم. فذلك قوله تعالى: (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُون). قال: يسألهم عن الكنوز وهو أعلم بها، قال: فيقولون: (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ). بالسيف). (البحار:52/377).
ومعنى: (إذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان): أن أصحاب المهدي عليه السلام يحشدون قواتهم في مواجهة الروم ويهددونهم. والمقصود ببني أمية أصحاب السفياني كما نصت على ذلك أحاديث أخرى.
ويبدو أنهم وزراؤه وقادة جيشه، وأن لهم أهمية سياسية كبيرة، ولذلك تصل قضيتهم إلى حد تهديد المهدي عليه السلام وأصحابه للروم بالحرب إذا لم يسلموهم إياهم.
محاولته إعطاء حركته الطابع الديني:
وهو أمر طبيعي بملاحظة المد الإسلامي الذي يتعاظم قرب ظهور المهدي عليه السلام. وبملاحظة أن حركته خطة رومية يهودية لمواجهة المد الإسلامي.
والمتتبع لأخبار السفياني يجد الأدلة والإشارات على محاولته هذه.
منها، ما في مخطوطة ابن حماد ص75 أن السفياني: (شديد الصفرة به أثر العبادة)، مما يعني أنه يظهر بمظهر المتدين، ولكن ذلك يكون أول أمره فقط كما يذكر حديث آخر.
وقد يستشكل في وجه الجمع بين ذلك وبين كونه متنصراً يعلق صليباً في عنقه عندما يأتي من بلاد الروم، ولكن ما نراه من حالة السياسيين العملاء للغرب يرفع الإشكال حيث يعيش بعضهم مع النصارى حتى لايكاد يتميز عنهم، وقد يتقرب إليهم بلبس الصليب الذهبي في عنقه أو في ساعته وحضور مراسمهم في الكنائس. حتى إذا زعَّموه على المسلمين تظاهر بالصلاة والتدين، لكي يخدع المسلمين بأنه منهم!
بل يدك الحديث المتقدم عن مخطوطة ابن حماد ص76: (يقتل العلماء وأهل الفضل ويفنيهم، ويستعين بهم، فمن أبى عليه قتله)، على أنه يحرص على إعطاء الطابع الإسلامي لحركته والشرعية لحكمه، ويجبر العلماء على ذلك. ولعل تعبير يفنيهم مصحف عن: (يفتنهم).
تدل الظروف المذكورة في الأحاديث على أن حركة السفياني عنيفة وسريعة، فالوضع العالمي الذي تصل فيه درجة الصراع بين الدول إلى حد الحرب، ووضع بلاد الشام الذي تمخضه فتنة فلسطين مخض (الماء في القربة) ويعاني من الضعف والإنقسام والتوتر.
لذلك يبادرون إلى اختيار زعيم قوي يستطيع أن يخضع المنطقة المحيطة بإسرائيل لسيطرته إخضاعا كاملاً، ويقوم بدوره في تقوية خط الدفاع عن إسرائيل والغرب، ويطلقون يده في غزو العراق واحتلاله من أجل إيقاف الخطر عليهم.
كما يطلقون يده في إسناد حكومة الحجاز الضعيفة والقضاء على الحركة الأصولية الجديدة حركة الإمام المهدي عليه السلام في مكة المكرمة.
هذه الإعتبارات التي تذكرها الأحاديث صراحة أو تشير إليها، تساعد على فهم السرعة والعنف اللذين تتحدث عنهما روايات السفياني.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (السفياني من المحتوم، وخروجه من أوله إلى آخره خمسة عشر شهراً. ستة أشهر يقاتل فيها. فإذا ملك الكور الخمس، ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً). (البحار:52/ 248).
والكور الخمس هي دمشق والأردن وحمص وحلب وقنسرين، التي كانت مراكز لحكم منطقة سوريا. وقد نصت الأحاديث على دخول الأردن فيها.
أما لبنان فقد كان جزءً من بلاد الشام وتابعاً لكورها الخمس، فلا يبعد شمول حكم السفياني له.
ولكن بعض الروايات تستثني من حكم السفياني طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه، كما سيأتي، قد يكون أهل لبنان منهم.
وتحدد الأحاديث وقت حركته بأنه يكون في شهر رجب، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ومن المحتوم خروج السفياني في رجب). (البحار:52/ 249).
وهذا يعني أن خروجه يكون قبل ظهور المهدي عليه السلام بنحو ستة أشهر، لأنه عليه السلام يظهر في مكة في ليلة العاشر أو يوم العاشر من محرم من تلك (السنة). ويعني أيضاً أن سيطرة السفياني على منطقة بلاد الشام تتم قبل ظهور المهدي عليه السلام، الأمر الذي يمكنه من إرسال جيشه إلى العراق، ثم إلى الحجاز للقضاء بزعمه على أنصار المهدي وحركته.
وعلى هذا، تكون مراحل حركة السفياني ثلاثة:
مرحلة تثبيت سلطته في الستة أشهره الأولى.
ثم مرحلة غزوه ومعاركه في العراق والحجاز.
ثم مرحلة تراجعه عن التوسع في العراق والحجاز، ودفاعه أمام زحف جيش المهدي عما يبقى في يده من بلاد الشام، وعن إسرائيل والقدس.
ومما يلاحظ في أحاديث السفياني أنها تذكر معاركه بالإجمال في الستة أشهر الأولى، وهي معارك داخلية مع الأصهب والأبقع أولاً، ثم مع القوى الإسلامية وغير الإسلامية المعارضة له، حتى تتم له السيطرة على بلاد الشام. ولكن الطبيعي بالنظر إلى نوع حركته أن تكون هذه الأشهر الستة مليئة بأعمال عسكرية مكثفة، حتى يحكم سيطرته ويستطيع تجنيد قوات كبيرة لمهامه ومعاركه الواسعة في التسعة أشهر التالية.
وقد تكون أطراف معاركه في الستة أشهر الأولى مضافاً إلى الأبقع والأصهب حاكم الأردن ولبنان، وغيرهما من القوى المعارضة.
وتشير رواية إلى عنف معاركه مع الأبقع والأصهب وأنها تسبب دمار الشام، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (وخسف قرية من قرى الشام تسمىالجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة. واختلاف كثير عند ذلك فيكل أرض، حتى تخرب الشام (وفي رواية وأول أرض تخرب الشام) ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني). (الإرشاد للمفيد ص359).
أما خراب دمشق المقصود بقول أمير المؤمنين عليه السلام: (ولأنقضن دمشق حجراً حجراً. يفعله رجل مني)، فالظاهر أنه التدمير الذي يكون في معركة فتح القدس الكبرى التي يخوضها الإمام المهدي عليه السلام مع السفياني واليهود والروم.
أما في التسعة أشهر الأخيرة من حكم السفياني فيخوض حروباً كبيرة، أهمها حربه مع الترك وأعوانهم في قرقيسيا، ثم معاركه مع الإيرانيين في العراق، ومعهم اليماني كما في بعض الأحاديث.
وقد تكون للسفياني أيضاً قوات في المدينة المنورة تحارب المهدي عليه السلام إلى جانب قوات سلطة الحجاز، في المعركة التي يحتمل أن يخوضها الإمام المهدي عليه السلام لتحرير المدينة المنورة.
وبعد هزيمة السفياني في العراق والحجاز ينكفئ إلى الشام حتى تكون له مع المهدي عليه السلام أكبر معاركه على الاطلاق: معركة فتح القدس الكبرى.
تكاد تتفق الروايات على أن السفياني يبدأ حركته من خارج دمشق من منطقة حوران أو درعا على الحدود السورية الأردنية. وقد سمت الروايات منطقة خروجه بالوادي اليابس والأسود. فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري. إذا رأيته حسبته أعور. اسمه عثمان وأبوه عنبسة (عيينة) وهو من ولد أبي سفيان. حتى يأتي أرض قرار ومعين فيستوي على منبرها). (البحار:52/205). وقد ورد في تفسير الربوة ذات القرار والمعين المذكورة في القرآن الكريم، أنها دمشق. وفي مخطوطة ابن حماد ص75 عن محمد بن جعفر بن علي قال: (السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة، بوجهه آثار جدري، وبعينه نكتة بياض. يخرج من ناحية مدينة دمشق من واد يقال له وادي اليابس. يخرج في سبعة نفر، مع رجل منهم لواء معقود). وفي ص74 أن بداية حركته (من قرية من غرب الشام يقال لها أندرا في سبعة نفر). وفي ص 79 عن أرطاة بن المنذر قال: (يخرج المشوه الملعون من عند المندرون شرقي بيسان على جمل أحمر وعليه تاج). وينبغي التنبيه على أن ابن حماد وغيره رووا روايات عديدة عن التابعين لم يسندوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أهل بيته عليهم السلام تتحدث عن أمور أشبه بالأساطير عن السفياني وبداية حركته. وأنه يؤتى في منامه فيقال له قم، وأنه يحمل بيده ثلاث قصبات لا يقرع بهن أحداً إلا مات.( ابن حماد ص 75). وهي روايات متأثرة بالأمويين، تبالغ في شخصية السفياني أو في دوره، أو تريد إعطاءه كرامة إلهية! لكن الأحاديث الأخرى تتفق على أن حركته سريعة وعنيفة، وأن شدة بطشه أمرٌ معروفٌ للرواة الشيعة، حتى أن أحدهم يسأل الإمام الصادق عما يفعله الشيعة إذا خرج، فعن (الحسن بن أبي العلاء الحضرمي قال( قلت لأبي عبد الله عليه السلام أي الإمام الصادق: كيف نصنع إذا خرج السفياني؟ قال: تغيب الرجال وجوهها منه. وليس على العيال بأس. فإذا ظهر على الأكوار الخمس، يعني كور الشام فانفروا إلى صاحبكم) (البحار:52/272) ويبدو أن أقوى معارضيه هم الأبقع وجماعته، وأنهم المقصودون ببني مروان في رواية مخطوطة ابن حماد ص77: (فيظهر على المرواني فيقتله. ثم يقتل بني مروان ثلاثة أشهر. ثم يقبل على أهل المشرق (أي الإيرانيين) حتى يدخل الكوفة). وتدل بعض الأحاديث على أن الشيعة في منطقة الشام لا يكونون هم العدو الأساسي للسفياني عند خروجه، بل جماعة الأبقع والأصهب الذين هم أعداء للشيعة وللسفياني معاً. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم، مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم منه بأس، حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم. فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ فقال: يتغيب الرجال منكم عنه فإن خيفته وشرته فإنما هي على شيعتنا، فأما النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى. قيل إلى أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ قال: من أراد أن يخرج منهم إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان. ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم. وإنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله تعالى) (البحار:52/141) وهذا يدل على أن حملته على الشيعة في بلاد الشام تبدأ في رمضان بعد خروجه. وتذكر الروايات أن سيطرته على المنطقة تكون قوية مطلقة حيث يتغلب على كل مصاعب الوضع الداخلي: ( فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه) (البحار:52/252). ويفهم بعضهم من تعبير هذا الحديث أن الشيعة في لبنان وبلاد الشام سوف لا يشملهم حكم السفياني ولا ينقادون له، وهو محتمل. وأقل ما يدل عليه استثناء طوائف من أهل الشام من الانقياد له، وأن جماعات مؤمنة يمتنعون بعصمة الله تعالى عن المشاركة في حركته وأعماله العسكرية في العراق والحجاز. ولايبعد أن يكون لهم وضع سياسي مميز عن المواطنين العاديين في دولة السفياني، يمكنهم من هذا القدر من الاستقلالية، من قبيل الوضع اللبناني الفعلي بالنسبة إلى سوريا. على كل، يتفرغ السفياني من أعمال سيطرته على المنطقة، ويبدأ مهمته الخارجية، فيعد جيشه الكبير لمواجهة الإيرانيين الممهدين ( فلا يكون له همة إلا الاقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسيا فيقتتلون بها) (البحار:52 / 237). قرقيسيا، مدينة صغيرة عند مصب نهر الخابور في نهر الفرات. وهي اليوم أطلال قرب مدينة دير الزور السورية الواقعة عند الحدود السورية العراقية. والقريبة نسبياً من الحدود السورية التركية. وفي معجم البلدان للحموي:4/328: (وقيل سميت بقرقيسيا بن طهمورث الملك. قال حمزة الاصبهاني: قرقيسيا معرب كركيسيا وهو مأخوذ من كركيس وهو اسم لإرسال الخيل المسمى بالعربية الحلبة. وكثيراً ما يجئ في الشعر مقصوراً). انتهى. وقد وردت روايات عن معركة عظيمة تقع فيها، وبعضها لم تحدد وقتها، وبعضها حددتها بأنها بين بني العباس وبني أمية، وبعضها ربطتها بالسفياني الذي يكون في زمن الإمام المهدي عليه السلام ، وبعضها ذكرت أن سببها كنز يظهر في مجرى الفرات ويقع الخلاف عليه بين السفياني والأتراك.. وهذه روايتها العامة: في الكافي:8/295: عن الإمام الباقر عليه السلام قال لميسر: ( يا ميسر كم بينكم وبين قرقيسا؟ قلت: هي قريب على شاطئ الفرات فقال: أما إنه سيكون بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض ولا يكون مثلها ما دامت السماوات والأرض مأدبة للطير. تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء، يهلك فيها قيس ولا يدعى لها داعية) قال: وروي غير واحد وزاد فيه وينادي مناد هلموا إلى لحوم الجبارين. وفي غيبة النعماني ص278: عن حذيفة بن المنصور، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إن لله مائدة-وفي غير هذه الرواية مأدبة- بقرقيسياء يطلع مطلع من السماء فينادي يا طير السماء ويا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين). وهذه الرواية تربطها ببني العباس وبني أمية: في غيبة النعماني ص303: عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء، يشيب فيها الغلام الحزور، يرفع الله عنهم النصر، ويوحي إلى طير السماء وسباع الارض اشبعي من لحوم الجبارين، ثم يخرج السفياني). وهذه الرواية تربطها بالسفياني وظهور الإمام المهدي عليه السلام: في الإختصاص للشيخ المفيد ص 255: عن جابر الجعفي قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا جابر إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف ولد فلان، وما أراك تدرك ذلك ولكن حدث به بعدي، ومناد ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، ويخسف بقرية من قرى الشام تسمى الجابية وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، و يعقبها مرج الروم، وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى تنزل الرملة، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب فأول أرض المغرب[أرض] تخرب الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات راية الأصهب وراية الأبقع، وراية السفياني فيلقي السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه ويقتل الأصهب، ثم لايكون همه إلا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً. فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوى المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم، وخرج رجل من موالي أهل الكوفة فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران عليه السلام، وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء أبيدي القوم فيخسف بهم البيداء فلا يفلت منهم إلا ثلاثة، يحول الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا...) قال: والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به ينادي: يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم ونحن أولى الناس بالله وبمحمد... الخ. وهذه رواية غير مرفوعة في كتاب الفتن لابن حماد: تربطها بالسفياني، لكنها تجعل أطرافها مقابله الترك والروم، وتجعل لمصر مشاركة مع السفياني! قال في ص170: (عن أرطاة قال: إذا اجتمع الترك والروم وخسف بقرية بدمشق وسقط طائفة من غربي مسجدها رفع بالشام ثلاث رايات الأبقع والأصهب والسفياني ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ظهر السفياني بجيشه عليهم فيقتل الترك والروم بقرقيسيا حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم). أما الروايات التي تربطها بالكنز المختلف عليه، فهي عديدة، ومن أوضحها ما في مخطوطة ابن حماد ص92 عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ينحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة. فإن أدركتموه فلا تقربوه). وفيها أيضاً: (الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب، تنكب عليه الأمة فيقتل من كل تسعة سبعة). ولا يعرف المقصود بالفتنة الرابعة في هذا الحديث، فإن الأحاديث التي تعدد الفتن متعارضة، نعم يسهل تمييز الفتنة الأخيرة منها لأن أحاديثها نصت على ظهور الإمام المهدي عليه السلام بعدها. ولا يمكن الحكم على نصوص مرسلة من هذا النوع، وإن صحت فيحتمل أن يكون الكنز المذكور مصادر نفط أو مناجم ذهب وفضة تكتشف هناك وتكون موضع خلاف بين الدول الثلاث أما الطرف المقابل للسفياني في هذه المعركة فأكثر الأحاديث تذكر أنه الترك، ويمكن أن يكون الجيش التركي لأن النزاع على ثروة عند حدود سوريا وتركيا. ويحتمل أن يكون المقصود بالترك هنا الروس فقد ذكرت بعض الأحاديث أنهم قبل خروج السفياني ينزلون الجزيرة التي هي جزيرة ربيعة أو ديار بكر، القريبة من قرقيسيا. وذكرت أحاديث أخرى أن السفياني يقاتل الترك ثم يكون استئصالهم يدل على يد المهدي عليه السلام، والمقصود بالجزيرة تلك المنطقة الواقعة قرب الموصل المسماة بهذا الاسم وبإسم ديار ربيعة أيضاً، وليس جزيرة العرب. وكذا المقصود بنزول قوات الروم في الرملة يحتمل أن يكون رملة فلسطين أو رملة مصر.
source : علي الكوراني العاملي