وهي قصيدة للبهائي العاملي رحمه الله،وقدأعجب بها قاضي القضاة بدمشق فأمر الشيخ أحمد المنيني أن يشرحها، فشرحها سنة1151 ه. في سبعين صفحة، وطبع شرحه بمصر في آخر كتاب (الكشكول) المنسوب للبهائي، كما طبع مستقلاً.
سرى البرقُ من نجدٍ فجددَ تِذكاري *** عهوداً بحَزْوى والعذيْب وذي قارِ
وهيَّجَ من أشواقنا كل كامن *** وأجَّج في أحشائنا لاهبَ النار
ألا يا لُيَيْلاتِ الغوِيرِ وحاجرٍ *** سُقيتِ بهامٍ من بني المُزْنِ مِدرار
ويا جيرةً بالمأزمين خيامُهم *** عليكم سلامُ الله من نازح الدار
خليليَّ مالي والزمان كأنما *** يطالبني في كل آنٍ بأوْتار
فأبعدَ أحبابي وأخلى مرابعي *** وأبدلني من كل صفو بأكدار
وعادلَ بي من كان أقصى مَرامهِ *** من المجدأنيسمو الى عُشرِ معشاري
ألم يدر أني لا أزالُ لخطبه *** وإن سامني خسفاً وأرخص أسعاري
مقامي بفرق الفرقدين فما الذي *** يؤثره مسعاه في خفض مقداري
وأني امرؤٌ لا يدرك الدهر غايتي *** ولا تصلُ الأيدي إلى سر أغواري
أخالطُ أبناء الزمان بمقتضى *** عقولِهِمُ كي لايفوهوا بإنكاري
وأظهرُ أني مثلهم تستفزني *** صروف الليالي باحتلاء وإمرار
وأني ضاوِي القلبِ مستوفزُ النهى *** أُسَرُّ بيُسْر أو أساءُ بإعسار
ويُضجرني الخطبُ المهولُ لقاؤه *** ويُطربُني الشادي بعودٍ ومزمار
وتُصْمي فؤادي ناهدُ الثدي كاعب *** بأسمرَ خطارٍ وأحورً سحَّار
وأني أسَخِّي بالدموع لوقفةٍ *** على طَلل بال ودارسِ أحجار
وما علموا أني امرؤٌ لا يروعني *** تَوَالي الرزايا في عشي وإبكار
إذا دُكَّ طودُ الصبر من وقعِ حادثٍ *** فطودُ اصطباري شامخٌ غيرُ مُنهار
وخطبٍ يزيلُ الروع أيسرُ وقعه *** كؤودٍ كوخزٍ بالأسنة شعَّار
تلقيتُه و الحتفُ دون لقائه *** بقلبٍ وقور في الهزاهز صبَّار
ووجهٍ طليقٍ لا يُمَلُّ لقاؤه *** وصدرٍ رحيبٍ في وُرودٍ وإصدار
ولم أبدِهِ كي لا يساءَ لوقعه *** صديقي ويأسَى من تَعَسُّرِهِ جاري
ومعضلةٍ دهماءَ لا يُهتدى لها *** طريقٌ ولا يُهدى إلى ضوئها الساري
تشيبُ النواصي دون حل رموزها *** ويُحجمُ عن أغوارها كل مغوار
أجَلْتُ جياد الفكر في حلباتها *** ووجهتُ تلقاها صوائبَ أنظاري
فأبرزتُ من مستورها كل غامض *** وثَقَّفْتُ منها كل قسْورِ سوَّار
أأضرعُ للبلوى وأغضي على القذى *** وأرضى بما يرضى به كلُّ مخوار
وأفرحُ من دهري بلذة ساعة *** وأقنعُ من عيشي بقرص وأطمار
إذن لا ورى زَندي ولا عزَّ جانبي *** ولا بزغتْ في قِمَّةِ المجدِ أقماري
ولا بُلَّ كفي بالسماحِ ولا سّرَتْ *** بطيب أحاديثي الركابُ وأخباري
ولا انتشرتْ في الخافقين فضائلي *** ولا كان في المهديِّ رائقُ أشعاري
خليفةُ رب العالمين وظلُّهُ *** على ساكن الغبراءِ من كلِّ ديَّار
هو العروةُ الوثقى الذي من بذيله *** تمسكَ لا يخشى عظائمَ أوزار
إمامُ هدىً لاذَ الزمانُ بظلِّه *** وألقى إليه الدهرُ مقودَ خوَّار
ومقتدرٍ لو كَلَّفَ الصمَّ نُطْقَها *** بأجذارها فاهتْ إليه بأجذار
علومُ الورى في جنب أبحرِ علمِهِ *** كغَرْفَةِ كفٍّ أو كغمسةِ منقار
فلو زار أفلاطونُ أعتابَ قدسه *** ولم يُعْشِهِ عنها سواطعُ أنوار
رأى حكمةً قدسيةً لا يشوبها *** شوائبُ أنظارٍ وأدناسُ أفكار
بإشراقها كل العوالم أشرقت *** لما لاحَفي الكونينِ من نورها الساري
إمامُ الورى طوْدُ النُّهى منبعُ الهدى *** وصاحبُ سرِّ الله في هذه الدار
به العالَمُ السفليُّ يسمو ويعتلي *** على العالم العلويِّ من دون إنكار
ومنه العقولُ العشر تبغي كمالها *** وليس عليها في التعلم من عار
همامٌ لو السبعُ الطباقُ تطابقت *** على نقضمايقضيهمنحكمه الجاري
لنكَّسَ من أبراجها كل شامخٍ *** وسكَّنَ من أفلاكها كلَّ دوَّار
ولا انتشرتْ منها الثوابتُ خيفةً *** وعاف السرى من سورها كل سيَّار
أيا حجةَ الله ا لذي ليس جارياً *** بغير الذي يرضاه سابقُ أقدار
ويا من مقاليدُ الزمان بكفه *** وناهيكَ من مجد به خصُّه الباري
أغث حَوْزةَ الإيمانِ واعمُرْ ربوعَه *** فلم يبقَ فيها غيرُ دارسِ آثار
وأنقذْ كتابَ الله من يد عُصبة *** عصوْا وتمادوْا في عتوٍّ وإصرار
وأنعشْ قلوباً في انتظارك قرَّحت *** وأضجرها الأعداء أيَّةَ إضجار
وخلِّص عبادَ الله من كل غاشم *** وطهِّر بلادَ الله من كلِّ كفار
وعجِّلْ فداكَ العالمونَ بأسرهم *** وبادرْ على اسمِ الله من غير إنظار
تجدْ من جنود الله خير كتائب *** وأكرمَ أعوان وأشرفَ أنصار
بهم من بني همدان أخلصُ فتية *** يخوضون أغمار الوغى غير فكار
بكل شديدِ البأس عَبْلٍ شَمَرْدَل *** إلى الحتف مقدام على الهوْل مصبار
تُحَاذرُهُ الأبطال في كل موقف *** وتَرهبُهُ الفرسانُ في كل مضمار
أيا صفوةَ الرحمن دونك مدحةً *** كدُرِّ عقودٍ في ترايب أبكار
يهنَّى ابنُ هاني إن أتى بنظيرها *** ويعنو لها الطائيُّ من بعد بَشَّار
إليك البهائيُّ الحقيرُ يزفُّها *** كغانيةٍ مياسة القدِّ مِعْطار
تغارُ إذا قيستْ لطافة نظمها *** بنفحةِ أزهارٍ ونَسْمَةِ أسحار
إذا رُددت زادت قبولاً كأنها *** أحاديث نجدٍ لا تُمَلُّ بتَكرار
مات التصبر في انتظارك *** أيها المحيي الشريعهْ
فانهض فما أبقى التحمل *** غير أحشاء جزوعه
قد مزقت ثوب الأسى *** وشكت لواصلها القطيعة
فالسيفُ إن به شفاءَ *** قلوب شيعتِك الوجيعه
فسواهُ منهم ليس يُنعش *** هذه النفسَ الصريعه
طالت حبال عواتق *** فمتى تكون به قطيعه
كم ذا القعود ودينكم *** هدمت قواعده الرفيعة
تنعى الفروعُ أصولَه *** وأصولُه تنعى فروعَه
فيه تَحَكَّمَ من أباح *** اليومَ حوزته المنيعة
فاشحذ شَبَا عضبٍ له *** الأرواح مذعنة مطيعه
إن يدعها خفتْ لدعوته *** وإن ثقلت سريعه
واطلب به بدم القتيل *** بكربلا في خير شيعه
ماذا يُهيجُك إن صبرتَ *** لوقعة الطف الفضيعه
أترى تجئ فجيعةٌ *** بأمضَّ من تلك الفجيعه
حيث الحسينُ على الثرى *** خيلُ العدى طحنت ضلوعه
قتلته آلُ أمية *** ظام إلى جنب الشريعة
ورضيعُهُ بدم الوريد *** مخضبٌ فاطلب رضيعه
يا غيرة الله اهتفي *** بحمية الدين المنيعه
وضبا انتقامك جَرِّدي *** لطَلا ذوي البغي التليعه
ودعي جنود الله تملأ *** هذه الأرض الوسيعه
(رياض المديح والرثاءص32)
فيا مُغِذّاً على وجناءَ مرتعُها *** قطعُ الفجاج ولمعُ الآل ما تردُ
حِبْ في المسير هداك الله كلَّ فلا *** عن الهدى فيه حتى للقطا رصد
حتى يُبَوِّ ءَكَ الترحالُ ناحيةً *** تُحَلُّ من كَرَبِ اللَّاجي بها العقدُ
وروضةٌ أنجمُ الخضراء قد حسدتْ *** حصباءها، وعليها يُحمد الحسد
وأرضُ قدس من الأملاك طاف بها *** طوائفٌ كلما مروا بها سجدوا
فأرخِصِ الدمع من عينين قد غلتا *** على لهيب جوىً في القلب يَتَّقِدُ
وقل ولم تَدَعِ الأشجان منك سوى *** قلب الفريسة إذ ينتاشُها الأسد
يا صاحب العصر أدركنا فليس لنا *** ورد هنئ ولا عيش لنا رغد
طالت علينا ليالي الإنتظار فهل *** يا بن الزكيِّ لليل الإنتظار غد
فاكحلْ بطلعتك الغرَّا لنا مُقَلاً *** يكادُ يأتي على إنسانها الرَّمد
ها نحن مرمى لنبل النائبات وهل *** يغني اصطبارٌ وهى من درعه الزرد
كم ذا يؤلَّف شملُ الظالمين لكم *** وشملُكم بيديْ أعدائكم بَدَدُ
فانهض فدتك بقايا أنفسٍ ظفرتْ *** بها النوائب لما خانها الجلد
هب أن جندك معدودٌ فجدك قد *** لاقى بسبعين جيشاً ماله عدد
(رياض المدح والرثاء ص91)
source : http//m-mahdi.com