عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

الفصل الثامن عشر : بكاء الأئمة على الحسين (عليه السلام)


           

الفصل الثامن عشر

بكاء الأئمة على الحسين (عليه السلام)

أما حزن الأئمة (عليهم السلام) من أولاد الحسين (عليه السلام) وذريته وسائر العلويين، ونياحتهم عليه في سرهم وعلنهم، وفي محافلهم الرسمية ومجالسهم الخاصة، وفي دورهم وأنديتهم ودواوينهم. فحدث عنها ولا حرج، حيث أنها لم تنقطع، بل استمرت استمرار حياتهم. ولقد تحدثت الروايات وتناقلت الأسفار والكتب عن ذلك بوفرة وكثرة منها: ما ذكرته عن بكاء وحزن الإمام الرابع علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين مدة أربعين سنة عاشها بعد استشهاد والده المظلوم، وبكاء الإمام الصادق (عليه السلام) لمصيبة جده الشهيد واستنشاده الشعر في رثائه. وكذا الإمام الكاظم (عليه السلام) الذي كان لا يرى ضاحكاً إذا أقبل شهر محرم الحرام، وكان يرى كئيباً حزيناً في العشرة أيام الأولى من هذا الشهر. وهكذا الإمام الرضا (عليه السلام) وغيرهم من الأئمة.

وها أني أنقل تالياً ما روي عن حزن الأئمة ونياحهم وبكائهم على جدهم الحسين الشهيد (عليه السلام)، وحثهم أسرهم وشيعتهم المفجوعين بإحياء هذه الذكرى الأليمة والمأساة العظمى باستشهاد الإمام الحسين وصحبه الميامين يوم العاشر من محرم سنة (61)هـ.

قال السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة (93) من تأليفه (إقناع اللائم) عند بحثه عن نياحة الأئمة (عليهم السلام) على جدهم الشهيد ما نصه:

(أما أنهم - أي الأئمة - بكوا على الحسين، وعادوا مصيبته أعظم المصائب وأمروا شيعتهم ومواليهم وأتباعهم بذلك، وحثوا عليه، واستنشدوا الشعر في رثائه، وبكوا عند سماعه، وجعلوا يوم قتله يوم حزن وبكاء. وذموا من اتخذه عيداً وأمروا ترك السعي فيه في الحوائج، وعدم ادخار شيء فيه. فالأخبار مستفيضة عنهم، تكاد تبلغ حد التواتر رواها عنهم ثقات شيعتهم ومحبيهم بأسانيدها المتصلة إليهم...).

أ- حزن الأمام الرابع زين العابدين (عليه السلام)

وقد شهد الأمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين وسيد الساجدين مصرع أبيه وأخوته وبني عمه وأصحاب أبيه وغيرهم وتجرع الغصص والغم والألم من هذه المشاهد المفجعة. ثم قاسى مرارة الأسر ولم تنقطع عبرته على ذلك مادام حياً.

1- جاء في الصفحة (82) من كتاب (زين العابدين) تأليف عبد العزيز سيد الأهل ما عبارته عند ذكر ورع الإمام: (بل كان كلما جاء وقت الطعام وفتحت مصاريع الأبواب للناس ووضع طعامه بين يديه دمعت عيناه. فقال له أحد مواليه ذات مرة: يا ابن رسول الله، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له زين العابدين: ويحك أن يعقوب (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابناً فغيب الله واحدا منهم فابيضت عيناه من الحزن وكان ابنه يوسف حياً في الدنيا. وأنا نظرت إلى أبي، وأخي وعمي، وسبعة عشر من أهل بيتي، وقوماً من أنصار أبي مصرعين حولي، فكيف ينقضي حزني؟..).

أقول: وقد نقل هذا الحديث كل من العاملي في (أعيان الشيعة) وابن شهراشوب في بعض مؤلفاته.

2- روي ابن قولويه في (الكامل) بسنده قال: (أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له:

(يا علي بن الحسين، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه. فقال: ويلك أما والله لقد شكا يعقوب إلى ربه من أقل مما رأيت، حين قال: يا أسفاً على يوسف. وإنه واحداً وأنا رأيت أبي وجماعة من أهل بيتي يذبحون حولي).

ولقد نقل هذه الروايات وأمثالها عن الإمام زين العابدين كثير من كتب الحديث وغيرها مع تغير طفيف في العبارة.

3- وروى أيضاً كما في (أعيان الشيعة) أن الإمام علي بن الحسين بكى حتى خيف على عينيه. وكان إذا أخذ ماء بكى حتى يملأها دماً. فقيل له في ذلك، فقال: كيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش. وقيل له: أنك لتبكي دهرك، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا. فقال: نفسي قتلتها وعليها أبكي.

4- نقل كتاب (إقناع اللائم) رواية عن ابن قولويه في كامله بسند معتبر عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) (إنه قال: ما اختضبت منا امرأة، ولا أدهنت، ولا اكتحلت، ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد. وما زلنا في عبرة بعده. وكان جدي علي بن الحسين (عليه السلام) إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة...) إلى أن قال (عليه السلام): (وما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدى حقنا. وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكية إلا الباكي على جدي، فإنه يحشر وعينيه قريرة، والبشارة تلقاه والسرور على وجهه).

5- وفي (إقناع اللائم) أيضاً برواية عن ابن شهر أشوب في مناقبه عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: (عاش على بن الحسين أربعين سنة وما وضع طعام بين يديه إلا وبكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك، يا ابن رسول الله، إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال (عليه السلام)، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون. إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة...).

6- جاء في الصفحة (146) من كتاب (المجالس السنية) ما عبارته:

(وعن الصادق (عليه السلام) إنه بكى على أبيه الحسين أربعين سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله، فإذا أحضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه، فيقول: كل يا مولاي. فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً. قتل ابن رسول الله عطشاناً، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه. فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل).

7- جاء في الصفحة (146) من الكتاب نفسه ما لفظه:

(قال الصادق (عليه السلام): البكاءون خمسة، آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين ـ إلى أن يقول (عليه السلام): وأما علي بن الحسين (عليهما السلام) فبكى على أبيه الحسين أربعين سنة، وما وضع طعام بين يديه إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك، يا ابن رسول الله، أني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون. أني لم أذكر مصرع ابن فاطمة إلا خنقتني العبرة).

8- وجاء في الصفحة (147) من نفس الكتاب ما عبارته: (روى إنه كان إذ أحضر الطعام لإفطاره ذكر قتلاه وقال: واكرباه، يكرر ذلك. ويقول: قتل ابن رسول الله خائفاً. قتل ابن رسول الله عطشاناً حتى يبل بالدموع ثيابه. وحدث مولى له، أنه مر يوماً إلى الصحراء قال: فتعقبته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة. وقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه ألف مرة وهو يقول: لا إله ألا الله حقاً حقا. لا إله إلا الله تعبداً ورقاً. لا إله إلا الله إيماناً وتصديقاً. ثم رفع رأسه من سجوده وإذا لحيته ووجه قد غمرا بالماء من دموع عينه. فقلت: يا سيدي، أما آن لحزنك أن ينقضي،ولبكائك أن يقل؟ فقال لي:ويحك..) إلى آخر القصة التي مر ذكرها.

جاء في الصفحة (249) من موسوعة (أعيان الشيعة) المجلد (4) القسم الأول، عند ذكر شعر الإمام زين العابدين هذه الأبيات:

نـحــن بـنــوا الــمـصـطفى ذو غصص          يـجـرعـهـــا فـــي الأنـــام كــاظـمـنـــــا

عـظـــيــمــة فــي الأنـــام مــحـنـتـنـــــا          أولـــــــنـــــا مــبــتــلـــي وآخـــرنــــــا

يــــفــــرح هـــــذا الـورى بـــعــيــدهـم          ونـــــــــحــــن أعـــيــــادنــــا مـآتـمنــا

والـــنــاس فـي الأمـــن والـسرور وما          يــــأمـــن طـــــول الـــزمـــان خـائـفـنا

ومـا خـصـصنا به من الشـرف الـطائل          بــــــيــــــن الأنـــــــــــــام آفـــــتـــنــــا

يـــحــــكم فـــيـنـــا والـحـكـم فــيـه لـنـا          جـــــاحـــدنـــا حـــقـنـــا وغــــاصـبـنـا

10- وفي الصفحة (107) من كتاب (إقناع اللائم) ما عبارته: (روى عن علي بن إبراهيم في تفسيره، وابن قولويه في الكامل، والصدوق في ثواب الأعمال بأسانيدهم: إن الإمام الخامس الباقر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين يقول: أيما مؤمن دمعت عينيه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق في الجنة...).

11- وروى في الكامل بسنده عن أبي جعفر الصادق (عليه السلام) قال (كان علي بن الحسين يقول من ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عز وجل ولم يرض له بدون الجنة..).

12- جاء في الصفحة (645) من (موسوعة آل النبي) عند ذكر اسم الإمام زين العابدين في سلسلة أسماء البكائين ما نصه: (ويضاف اسمه - أي اسم زين العابدين - إلى أسماء البكائين فيقال: وبكى زين العابدين أباه الحسين...).

ب: بكاء الإمام الخامس محمد الباقر (عليه السلام)

أما الإمام الخامس محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) الباقر فقد شحت الروايات عن ذكر إقامة المآتم والنياحات العلنية على عهده. وسبب ذلك هو شدة ضغط الأمويين عليه وعلى آله وصحبه، الأمر الذي كان يدعو الإمام (عليه السلام) وآله إلى اتخاذ جانب الحيطة والحذر والتقية، وإقامة مثل هذه المآتم في بيوتهم الخاصة وراء الأستار الكثيفة ولم يحضرها سوى خاصتهم، وفيما يلي بعض الروايات عن ذلك.

جاء في الصفحة (152) من كتاب (نهضة الحسين) ما نصه: (يحدثنا التاريخ الإسلامي عن إعلام أهل البيت النبوي أنهم كانوا يستشعرون الحزن كلما هل هلال المحرم، وتفد عليهم وفود من الشعراء العرب لتجديد ذكرى الحسين لدى أبنائه الاماجد. وقد القوا روائع في فن الرثاء والتسلية والتذكير بأسلوب ساحر أخاذ، وظل شعرهم خالداً رغم مر العصور.

فقد كان الشاعر العربي (الكميت بن زيد الأسدي) من شعراء العصر الأموي، والمتوفى في سنة (126) هـ قد جعل معظم قصائده في مدح بني هاشم وذكر مصائب آل الرسول (عليه السلام) حتى سميت قصائده بالهاشميات، وكان ينشد معظمها في مجالس الإمام الصادق، وأبيه محمد الباقر، وجده على بن الحسين (عليه السلام)).

2- جاء في (كامل الزيارة) لابن قولويه صفحة (174) عن مالك الجهني قال: (إن الباقر قال في يوم عاشوراء: وليندب الحسين ويبكه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبة بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء عليه، بعضهم في البيوت. وليعز بعضهم بعضاً بمصاب الحسين. فأنا ضامن على الله لهم إذا احتملوا ذلك أن يعطيهم ثواب ألفي حجة وعمره وغزوه مع رسول الله والأئمة الراشدين).

3- جاء في الصفحة (126) من كتاب (الشيعة والحاكمون) عند ذكر شاعر آل البيت (الكميت الأسدي) صاحب (الهاشميات) قوله:

(فحينئذ قدم الكميت المدينة وأنشد الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين، فلما بلغ من الميمية قوله:

وقـتــيــــل بـــالـطـــف غـــودر مـنـهــم          بـيـن غــوغـــاء أمـــــــــــة وطـغــــام

بكى الإمام. ثم قال: يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك، ولكن لك ما قال الرسول لحسان بن ثابت: لا زلت مؤيداً بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت...).

4- جاء في الصفحة (106) من كتاب (إقناع اللائم) ما عبارته:

(وروى الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجد) بسنده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) إنه قال وذكر ثواب زيارة الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً وقال:

(إن البعيد يومي إليه بالسلام، ويجتهد في الدعاء على قاتله، ويصلي من بعده ركعتين. قال: وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ثم ليندب الحسين وليبكه، ويأمر من في داره ممن لا يتبعه بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه... ).

5- وجاء في الصفحة (105) من الكتاب نفسه ما نصه: (روى أبن قولويه في كامله بسنده عن الباقر (عليه السلام) إنه قال: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً..).

6- في الصفحة (33) من كتاب (ثورة الحسين) لمؤلفه السيد محمد مهدي شمس الدين، المطبوع في النجف، سنة 1390هـ قوله:

(لقد بدأت تظهر آثار ثورة الحسين في الوجدان الشعبي من شعر الرثاء لشهداء الثورة. وفي شعر النوح والتوبة أولئك الذين قعدوا عن مناصرة الثورة أو ساهموا في الحرب ضدها...).

ثم يستطرد المؤلف ويقول: (ولكن نشوب الثورة في الحجاز ضد الحكم الأموي وامتدادها إلى العراق وغيره، وانطلاق الأعمال الانتقامية ضد الأمويين وأعوانهم، أطلق فيضاً من الشعر الرثائي لثوار كربلاء.

ويبدو لي إنه في هذه المرحلة بالذات بدأت المآتم الحسينية بشكل بسيط. ولابد أنها بدأت على شكل اجتماعات صغيرة، يعقدها نفر من المسلمين الناقمين من إتباع أهل البيت وغيرهم في بيت أحدهم، فيتحدثون عن الحسين وعما جرى عليه، وينتقدون السلطة التي حاربته وامتدادها القانوني المتمثل في السلطة المعاصرة له ويتبرأون منها. وربما انشدوا شيئاً من شعر الرثاء الذي قيل في الثورة، وفي بطلها وقتلاها وقد تطورت هذه المآتم عبر العصور فمرت في أدوار متميزة حتى انتهت إلى أيامنا هذه إلى الشكل الذي تقام به الآن...).

ثم يواصل الكاتب كلامه ببيان العوامل التي أنشأت هذه المآتم ويقول ما عبارته:

(الرابع: تشجيع أئمة أهل البيت على أحياء هذه الذكرى، وحثهم على نظم الشعر وإنشاده في شأنها، وعقدهم لمجالس الذكرى في بيوتهم، واستقبالها للشعراء وسماعهم لهم.

وقد تعاظم تركيز الأئمة على هذا منذ عهد الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) ومن الأسماء البارزة في هذه المجالس الكميت بن زيد الأسدي، والسيد الحميري، وجعفر بن عفان، ودعبل الخزاعي، وغيرهم ....).

ج ـ بكاء الإمام السادس جعفر الصادق (عليه السلام)

أما الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فأنه كان من أكثر الأئمة (عليهم السلام) حزناً وبكاء ونياحة على جده الإمام الشهيد (عليه السلام)، والروايات في وصف بكاءه ونحيبه كثيرة ومتواترة. وقد ملأت بطون كتب التاريخ وأسفار الحديث والمرويات. وأنقل تالياً بعض هذه الروايات:

روى كتاب (إقناع اللائم) صفحة (97) عن ابن قولويه في (الكامل) بسنده عن ابن بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فدخل عليه ابنه، فقال: مرحباً وضمه وقبله. وقال حقر الله من حقركم، وأنتقم ممن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً. فقد طال بكاء السماء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء، ثم بكى، وقال: يا أبا بصير،إذا نظرت إلى ولد الحسين آتاني ما لا أملكه بما أوتي إلى أبيهم وإليهم. يا أبا بصير إن فاطمة لتبكي... )

ثم يستطرد الإمام فيقول:

(أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة فبكيت حين قالها فما قدرت على النطق من البكاء).

2- وفي (إقناع اللائم) أيضاً ما نصفه: (عن معاوية بن وهب قال: دخلت يوم عاشوراء إلى دار مولاي جعفر الصادق (عليه السلام) فرأيته ساجداً في محرابه فجلست من ورائه حتى فرغ، فأطال في سجوده وبكاءه، فسمعته وهو ساجد يناجي ربه ويدعوا بالغفران لنفسه ولاخوته ولزوار أبي عبد الله الحسين ويكرر ذلك ...).

ثم يستطرد معاوية فيقول: (فلما رفع مولاي رأسه أتيت إليه وسلمت عليه وتأملت وجهه، فإذا هو كاسف اللون، متغير الحال، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب. فقلت: يا سيدي مم بكاؤك لاأبكي الله لك عيناً؟ وما الذي حل بك؟ فقال لي: أوفي غفلة أنت عن هذه اليوم؟ فبكيت لبكائه، وحزنت لحزنه. فقلت يا سيدي فما الذي فُعل في مثل هذا اليوم؟ فقال: ياإبن وهب، زر الحسين (عليه السلام) من بعيد أقصى، ومن قريب أدنى وجدد الحزن عليه، وأكثر البكاء عليه والشجو له..).

ثم يواصل معاوية الكلام ويقول: (فقلت جعلت فداك: لم أدر أن الأجر يبلغ هذا كله حتى سمعت دعاءك لزواره فقال لي:يا ابن وهب أن الذي يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعون لهم في الأرض، فإياك أن تدع زيارته لخوف من أحد. فمن تركها لخوف أحد. رأى الحسرة والندم. يا ابن وهب، أما تحب أن يرى الله شخصك؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة؟ قلت: يا سيدي فما قولك في صومه من غير تبييت؟ فقال لي: لا تجعله صوم يوم كامل، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة، على شربة من ماء، فإنه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرسول وانكشفت الغمة عنهم، ومنهم في الأرض ثلاثون قتيلاً، يعز على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصرعهم، ولو كان حياً لكان هو المعزى بهم. ثم بكى الصادق (عليه السلام) حتى اخضلت لحيته بدموعه، ولم يزل حزيناً كئيباً طول يومه ذلك، وأنا أبكي لبكائه وأحزن لحزنه..).

3- روى الصدوق في (الأمالي)، وابن قولويه في (الكامل) بسنديهما عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين بن علي، فأنشدته فبكى، ثم أنشدته فبكى قال: فو الله مازلت أنشده فيبكي حتى سمعت بكاء من في الدار. فقال: يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة...).

4- وروى (الكشي) في كتاب (الرجال) عن زيد الشحام قال: كنا عند أبي عبد الله جعفر الصادق، ونحن جماعة من الكوفيين، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله، فقربه وأدناه، ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك، جعلني الله فداك، قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين (عليه السلام) وتجيد فقال له نعم، جعلني الله فداك، قال: قل، فأنشده، فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثم قال: يا جعفر، والله لقد شهدت ملائكة الله المقربين هاهنا يسمعون قولك في الحسين، لقد بكوا كما بكينا أو أكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها، وغفر الله لك فقال: يا جعفر،أولا أزيدك!! قال: نعم يا سيدي، قال: ما من أحداً في الحسين شعراً فبكى وأبكى به ألا أوجب الله له الجنة وغفر له).

5- وروى أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه، بسنده عن علي بن إسماعيل التميمي، عن أبيه، (قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد، فأستأذن آذنه للسيد الحميري، فأمر بإيصاله، وأقعد خلف ستر، ودخل فسلم وجلس، فأستنشده فأنشد قوله:

أمــــــرر عــــــلــــى جــــدث الـحـسين          فــــــقــــــل لا عــظــمـــه الـــزكـيـــــة

آ أعــــظـــمـــاً لا زلـــــــــــــت مــــــن          ‍وطـــــفــــــاء ســــــاكــــبــــة رويـــــه

وإذا مـــــــررت بــــــــقـــــبــــــــــــــره          فـــــــأطـــــــــــل بـــه وقـــف الـمطيه

وأبـــــــك الـمـــطـــهـــر لـلــمـــطـــهـر          الــــــمــــطـــــهــــرة الـــتـــقــيـــــــــه

كـــبـــــكـــــاء مـــعــــولـــــة أتــــــــت          يــــومـــــــــــاً لـــواحـــــدهـــا الـمـنـية

قال: فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر على خديه، وأرتفع الصراخ من داره حتى أمره بالإمساك فأمسك..).

وروى أبو الفرج في أغانيه، عن التميمي، عن أبيه، عن فضيل الرسان، قال: أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيد:

لأم عـمـــــــرو بــــاللــــوى مـــــربـــع          طـــــامـــســــة أعـــلامــــه بــــرقـــــع

فسمعت النحيب من داره فسألني لمن هي؟ فأخبرته أنها للسيد، وسألني عنه فعرفته وفاته، فقال: رحمه الله...).

6- وروى الصدوق في (ثواب الأعمال) بالإسناد إلى أبي هارون المكفوف، قال: أدخلت على أبي عبد الله الصادق، فقال لي: يا أبا هارون، أنشدني في الحسين، فأنشدته، فقال لي: أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة فأنشدته، أمرر على جدث الحسين - فقل لأعظمه الزكية قال: فبكى.. ثم قال: زدني، فأنشدته القصيدة الأخرى،

مــــا لــــذ عـــيــــش بـعــــد رضــــــك          بــــــالــجــــيـــــاد الأعـــــــــوجــــيـــة

فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر.

7- وفي (إقناع اللائم) عن خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) قال: (لقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليه السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود، وتشق الجيوب..).

8- وفي بعض الروايات:

(إن الصادق (عليه السلام) قال: من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى غفر الله له، ووجبت له الجنة..).

9- في الصفحة (150) من (المجالس السنية) ما نصه: (روى عن الصادق أنه قال: ما اكتحلت هاشمية، ولا اختضبت، ولا روئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد.

وعن فاطمة بنت علي بن أبي طالب أنها قالت: ما تحنأت امرأة منا، ولا أجالت في عينها مروداً، ولا أمتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد..).

10- وفي صفحة (81) من كتاب (المجالس الحسينية) السالف الذكر، من دعاء للإمام الصادق (عليه السلام):

(اللهم أرحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وأرحم تلك القلوب التي حزنت واحترقت لنا.. وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا...).

11- جاء في الصفحة (108) من (إقناع اللائم) ما يلي:

(روى ابن قولويه في الكامل بأسانيده عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله جعفر الصادق في يوم قط فرئي مبتسماً ذلك اليوم إلى الليل، وكان أبو عبد الله يقول: الحسين عبرة كل مؤمن..).

12- وجاء في الصفحة (105) منه أيضاً ما يلي: (روى الشيخ الطوس في الأمالي، عن المفيد، بسنده عن أبي عبد الله الصادق إنه قال:

(كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين...).

وروى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق، إنه قال: (إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي (عليه السلام) فإنه فيه مأجور...).

هذا ومما يجدر الإشارة إليه هنا: أن النائحين على الحسين قد وجدوا متنفساً على أواخر عهد الإمام الباقر وطوال عهد الإمام الصادق لبيان حزنهم، وإقامة مآتمهم، وأحياء ذكرى عزاء الحسين وآله وأصحابه.

إذ أن الفترة الواقعة في زمن هذين الإمامين بين عهد مروان الحمار آخر الخلفاء الأمويين، وأبو العباس السفاح أبو الخلفاء العباسيين، كانت فرصة مؤآتية للإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق لبث علوم أهل البيت ونشرها على الناس، وأحياء ذكرى الإمام الحسين وإذاعتها، والنياحة عليه علناً بعد أن كانت سراً.

د- بكاء الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)

والمرويات عن نياحة وبكاء الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) ضئيلة. وأنقل تالياً ما عثرت عليها من ذلك في بطون الكتب.

1- نقل عن الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) المدفون في مشهد طوس بخراسان في إيران أنه قال: (كان أبي إذا دخل محرم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي منه عشرة أيام، فإذا كان اليوم العاشر منه كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه جدي الحسين...).

أقول: أما سبب عدم تحرك أهل البيت ونشاطهم ومواليهم في أحياء ذكرى مجزرة كربلاء ومقتل الإمام الشهيد وأصحابه على عهد هذا الإمام، فهو الضغط الشديد عليهم من جراء السياسة الخشنة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون ولاسيما هارون الرشيد ضد آل البيت والعلويين. وما كان يلاقيه الإمام موسى الكاظم من عنت ومعارضة وتحديد لحريته، وتقيد لحركاته وسكناته من قبل السلطات الممثلة للخلفاء العباسيين، وكانت نكبة آل البيت وشيعتهم على هذا العهد رهيبة للغاية، وأصبحت اجتماعاتهم ومجالسهم محدودة جداً، ومراقبة مراقبة شديدة. كما كانت تحصى عليهم حركاتهم وسكناتهم وحتى أنفاسهم. خاصة وإن إمامهم موسى بن جعفر (عليه السلام) قضى أكثر أيامه مطارداً أو رهين سجن العباسيين، ذلك السجن الذي قضى فيه نحبه مسموماً...).

هـ - بكاء الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام):

وقد امتلأت كتب التاريخ ومؤلفات الرواة بأخبار حزن ونياحة الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) على جده الحسين (عليه السلام) وأنقل تالياً نبذاً منها:

1- جاء في كتاب (إقناع اللائم) أنه:

(روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا (عليه السلام) قال: إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النار في مضاربنا، وانتبهت ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب والبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فلبيك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).

2- وروى الصدوق في (الأمالي والعيون) بسنده عن الريان بن شبيب قال: (دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم محرم، قال: يا ابن شبيب، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتل لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها، ولا حرمة نبيها (صلى الله عليه وآله) لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً. يا ابن شيب، إن كنت باكياً لشيء فأبك للحسين بن علي بن أبي طالب، فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً مالهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونوا من أنصاره وشعارهم: (يا لثارات الحسين) يا ابن شبيب، لقد حدثني أبى، عن أبيه عن أبيه أنه لما قتل جدي الحسين (عليه السلام) أمطرت السماء دماً وتراباً احمراً، يا ابن شييب، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب ٍ أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً... إلى آخر الحديث..).

3- وحكى عن الشاعر الشهير دعبل الخزاعى انه قال:

(دخلت على سيدي ومولاي على بن موسى (عليه السلام) بمرو في أيام عشرة المحرم، فرأيته جالسا جلسة الحزين الكئيب وأصحابه جلوس حوله، فلما رآني مقبلا قال لي: مرحباً بك يا دعبل، مرحبا بناصرنا بيده ولسانه، ثم انه وسع لي في مجلسه، وأجلسني إلى جانبه، ثم قال، يا دعبل: أحب أن تنشدني شعراً، فان هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيام سرور كانت على أعدائنا، خصوصا بنى أمية، ثم انه نهض وضرب سترا بيننا وبين حرمه وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين، ثم التفت إلي وقال: يا دعبل، ارث الحسين، فأنت ناصرنا ومادحنا مادمت حياً، قال دعبل: فاستعبرت، وسالت دموعي وأنشأت:

أفـــاطــم لــو خـلـت الـحـسـيـن مـجدلا          وقــد مــات عـطـشـــانــاً بـشـط فــرات

إذاً لـلـطــمـــت الـــخــد فـاطــم عـــنده          وأجـــريـــت دمـــع اـلعين في الوجنات

إلى آخر القصيدة التائية التي تناقتلها جميع كتب التاريخ وأسفار الحديث، واعتبرتها من ابلغ القصائد رثاء وفجيعة وحزناً.

4- وفي (إقناع اللائم) ما نصه:

(روى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله على أبي الحسن على بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال له، يا ابن رسول الله، أنى قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا انشدها أحداً قبلك، فقال (عليه السلام)، هاتها، فانشده:

مـــدارس آيـــات خــلـت مــن تــــلاوة          ومـــنـــزل وحـــي مـقـفـــر الـعـرصات

فلما بلغ البيت

أرى فـيـئـــهـم فـي غـيـرهـم مـتـقـسماً          وأيـديـــهم مــن فـيـــئــهـــم صـفــرات

بكى الإمام الرضا (عليه السلام) وقال له، صدقت يا خزاعي.

5- نقلت كتب الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن يوم عاشورا ما يلي:

(من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وأدخر لمنزله شيئاً لم يبارك فيما أدخر).

6- وجاء في الروايات، إن الشاعر إبراهيم بن عباس دخل على الإمام الرضا (عليه السلام) وأنشد قصيدته التي يقول في أولها:

أزال عـــزاء الــقــلــب بـعـــد الـتـجـلـد          مـصــــارع أولاد الـنــبـي محمد (ص)

فبكى الإمام (عليه السلام)، وبكى من في مجلسه عند إنشاد هذه القصيدة.

7- جاء في الصفحة (178) من كتاب (الشيعة والحاكمون) عند ذكر قصيدة دعبل التائية وإنشاده أمام الإمام الرضا قوله:

(وبكى الإمام الرضا حين أنشد دعبل القصيدة، وبكت معه النسوة والأطفال، ومازال الشيعة يتلونها إلى اليوم على المنابر ويبكون..).

أقول، أن قصيدة (دعبل الخزاعي) هذه بلغت (120) بيتاً، وكل أبياتها شجية، ومن أشجاها هذان البيتان:

سـأبــكـيــهـم مـا ذر في الأفـق شـارق          ونــادى مـنـــادي الـخـيـر للـصــلــوات

ومـــا طــلـعــت شـمس وحان غروبها          وبـالـلــيـــل أبـكـــيــهـــم وبـالــغـدوات

وقد عاش دعبل (98) سنة وكان مجيئه إلى (مرو) لزيارة الإمام الرضا عن طريق البصرة سنة (198) هـ، وبقى فيها عند الإمام إلى سنة 200هـ. وتوفى سنة (246) هـ بالطيب، وهي بلدة بالقرب من الأهواز.

وأجد مناسباً هنا بأن أنقل بعض ما نظمه دعبل في رثاء الإمام الشهيد (عليه السلام) والنياحة عليه، فمن قصيدة له فيه:

زر خـيـــر قـبـــر بــالـعـــراق يــــــزار          وأعـصــــى الـحـمـار فـمن نهاك حمار

لـــم لا أزرك يــا حـــســـيـن لـك الــفدا          قــومـــي ومـــن عـطـــفـت عـليه نزار

ولــك الـمـــودة مـن قلوب ذوى النهى          وعـلـــى عــــدوك مـقـــتــة ودمـــــــار

يـا ابــــن الـــشـــهـيـد ويا شهيدا عمه           خـيــر الــعـمـــومــة جـعـفـر الـطـيــار

ولدعبل أيضاً من قصيدة:

رأس ابـــن بـنـت مـحـمــد ووصــيــــه          يــالـلـــرجـــال عــلـى قــنــاة يـــرفـــع

والـمـسلــمــون بـمـنـظـر وبـمـسـمـــع          لا جـــــــازع مــــن ذا ولا مــتــخـــشع

أيــقـــظــت أجـفـــانـا وكـنـت لـها كري          وأنـمــــت عـيـنـاً لــم تـكـن بــك تهجع

كـحـلـت بـمـنـظـرك الـعـيـون عـمـايـــة          وأصــــم نـعــيـك كـــل إذن تـســـمــــع

مــــا روضــــــة إلا تــمـنـــت أنــهـــــا          لـــك مـضـجــع ولـحــط قـبـرك موضع

و: بكاء أئمة الهدى (عليهم السلام) على جدهم

أما شعائر النياحة والحزن، وإقامة المآتم والعزاء على شهيد كربلاء وآله، بعد الإمام الثامن على بن موسى الرضا وعلى عهد الأئمة الأربعة الآخرين: (الإمام التاسع: محمد بن علي التقي، والإمام العاشر: علي بن محمد النقي، والإمام الحادي عشر: الحسن بن علي العسكري، والإمام الثاني عشر: القائم، محمد بن الحسن (عليهم السلام) فقد أخذت تسير سيراً صعودياً أحياناً، وهبوطياً أحياناً أخرى، تبعاً للسياسة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون وسلطاتهم تجاه شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهؤلاء الأئمة الأربعة الهداة. وكانت الحرية تطلق بعض الوقت لهؤلاء الأئمة ومواليهم وشيعتهم بإقامة شعائرهم ومناحاتهم على الإمام الشهيد، فيقيمونها سراً أو علناً كما كانت تحدد هذه الحرية زمناً، ويمنع إقامة هذه الشعائر الحزينة علناً، وحتى سراً أحياناً. ففي عهد الإمام التاسع محمد الجواد التقي، نالت الشيعة بعض الحرية في إقامة شعائرهم الكئيبة هذه، لأن الخليفة المأمون كان متساهلاً معهم خاصة وإن الإمام محمد الجواد كان صهره على ابنته أم الفضل. وكانت المآتم على الإمام الحسين تقام في دور العلويين علناً ودون أي ضغط، وليس من يعارضهم في ذلك. وقد استمرت هذه الحالة على عهد المعتصم أيضاً الذي كان يسعى لمراعاة شعور العلويين والموالين لآل البيت، ويمنع إدخال الضغط عليهم إلى حد ما، ويسمح لهم بإقامة المناحات على الحسين الشهيد، في دورهم وخارجها، سراً وعلناً.

أما بعد المعتصم أي على عهد الأئمة الثلاثة الآخرين فقد أخذت السلطات الحاكمة بإيعاز من الخلفاء العباسيين الذين خلفوا المعتصم تشدد على هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم ومواليهم، وتمنعهم من إقامة شعائر العزاء والحزن على الحسين (عليه السلام)، وتحد من حرياتهم في ذلك. غير أن المقيمين لهذه المآتم لم يمتنعوا عن إقامتها سراً في دورهم وان لم يستطيعوا إقامتها علنا وجهارا، وكانوا يستعملون التقية، ويسدلون الأستار على الأماكن التي كانوا يقيمون فيها هذه الشعائر الحزينة في دورهم، وخاصة عند قبور الأئمة، كقبر الإمام الحسين بكربلاء، وقبر الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في النجف، وقبري الإمامين والجوادين في الكاظمية (مقابر قريش)، ولذلك نجد أخبار وروايات إقامة هذه الشعائر المأتمية على عهد هؤلاء الأئمة الثلاثة شحيحة جداً.

وهكذا كان شأن إقامة هذه النياحات والمآتم، وحفلات الحزن وشعائر العزاء، على الحسين الشهيد، على عهد الأئمة الأطهار الاثنى عشر (عليهم السلام) بين مدو جزر ولكنهم (عليهم السلام) كانوا لا يتركون أية فرصة في كل عصر وجيل إلا حثوا شيعتهم ومواليهم على البكاء على الحسين، والحزن لقتله، ورثائه بالأشعار والقصائد، وإقامة العزاء و المآتم عليه، واتخاذ يوم عاشوراء خاصة يوم حزن وبكاء ونياحة.


source : اهل بیت
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عشر في تقدم الشيعة في فنون الشعر في الإسلام
حالة العالم قبل البعثة المحمدية
مناظرة هشام مع ضرار
ابو طالب (علیه السلام)
المذهب الحنبلي
المقال الذي سبب أزمة فى مصر
أقوال شاذة :
مقام الإمام المهدي عليه السلام عند الله تعالى:
المتعة ؛ سنة في زمن الرسول(ص) و أبي بکر ـ (الحلقة ...
الأزارقة

 
user comment