عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

القضاء في فكر الإمام علي ( عليه السلام )

القضاء في فكر الإمام علي ( عليه السلام )

أولى الإسلام القضاء أهمية كبرى ، فعدّه من أرفع المناصب وأسماها ، فهو إمارة شرعية يمارسها ولي أمر المسلمين وخليفتهم بنفسه لأنّه من الوظائف الداخلة تحت الخلافة ، والمندرجة في عمومها ، لا بل أنّه غصن من شجرة الرئاسة العامّة للنبي وخلفائه ، وهو المراد من الخليفة في قوله تعالى : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص : 26 .

وسمّي القضاء قضاء لأن القاضي يتم الأمر المتنازع فيه بالفصل والحسم ، وقد جاء قوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) غافر : 20 .

فالقضاء إذن ، منصب حسّاس ومهامّة حيوية ودقيقة لتعلّقها بحقوق الناس وحرّياتهم ، إضافة إلى حقوق الباري تعالى ، وحسبه درجة أن يكون بادئ ذي بدء من حقوق الرسول الكريم ، إذ أنّه أوّل قاض في الإسلام ، ثمّ أناط أمر القضاء لبعض أصحابه ممّن توسّم فيهم الكفاءة في مركز ولايته وغيرها من الأمصار .

وسلك نهجه المقدّس خلفاؤه من بعده ، مع ملاحظة أنّ الإمام علي ( عليه السلام ) كان قد قضى بين الناس في خصوماتهم على عهد النبي الأمين ( صلى الله عليه وآله ) ، وفي عهود من تولّى الخلافة من بعده ، وحسبه منزلة أن وصفه نبي الأمّة بأنّه أقضا الأمّة .

وعندما آلت الخلافة إليه ، واتخذ من الكوفة مركز خلافته وولايته الميمونة ، اشترط على قاضية شريح بن الحارث فيها أن لا ينفذ القضاء في ما يخص الحدود وبقيّة حقوق الله تعالى حتّى يعرضه عليه ، ولقد قال له يوماً : ( يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي أو شقي ) .

وإذا كانت مهمّة القاضي تنصب أساساً على إلزام أحد المتخاصمين بقول ملزم بما عليه للآخر حالة ثبوته وإلاّ فترد دعواه ، فإنّ القول الملزم هذا هو ما يعبّر عنه بالحكم أو قرار الحكم بتعبير أدق ، الذي به تحسم الدعوى وينقطع التخاصم فيه .

ومن هنا يبدو واضحاً مدى خطورة أمر الفصل في المنازعات وحيويته وأهميته ، ومن يظن بأنّ مهمّة الفصل في الخصومات بين الناس ـ حسماً للتداعي وقطعاً للتنازع ـ سهلة أو يسيرة واهم بالتأكيد .

ولمّا كان القضاة هم الجهة المختصّة في القضاء والموكلة إليهم مهمّة إدارته ، فلابد والحالة هذه من أن تتحقّق في أشخاصهم مؤهّلات وضوابط معيّنة تؤهّلهم للعمل القضائي بجدارة .

وبالرغم من اختفاء الكثير من آثار الإمام علي ( عليه السلام ) في هذا الجانب ، بفعل الظروف المعروفة التي أعقبت استشهاده ، إلاّ أنّ ما بقي منها فيه ما يكفي للوقوف على خصوصيته الفذّة في فقه القضاء وفنّه ، فقد أظفرتنا أقواله الشريفة وسوابقه الفريدة في جزئيات المسائل ، الخاصّة بمفردات الحياة اليومية للإنسان ، بكنوز نفيد منها في معرفة ما ينبغي أن يكون عليه القاضي من ضوابط ومواصفات ، سواء في شخصه أم في سيرته داخل مجلس القضاء أو خارجه .

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
بطولة الإمام علي ( عليه السلام ) في معركة بدر
إصلاحات الإمام علي ( عليه السلام ) السياسية ...
منزلة القرآن الكريم في خطب أمير المؤمنين في نهج ...
دور الإمام علي ( عليه السلام ) في إرساء الحضارة ...
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في غزوة الخندق
معانات الإمام علي ( عليه السلام ) وأهل بيته من ...
آداب الأخوة عند الإمام علي ( عليه السلام )
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في فتح خيبر
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في معركة النهروان

 
user comment