عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

تواضع الحكيم السبزواري


 
يذكر أن الشيخ مرتضى الأنصاري(1)(قدس سره) ، كان قـد درس عند الحكيم السبزواري(2) كتاب ( الشوارق ) للاهيجي ، وبعض الأبحاث الفلسفية وذلك بمدرسة الحاج حسن بمشهد المقدسة ولمدة سنتين كاملتين .

وينقل عن الحكيم السبزواري قوله : كنت أنا والشيـخ الأنصاري نعكف معاً على خدمة الإسلام .

ومضت السنون ، وغدا الأنصاري المرجع الأعلى للشيعة في زمانه ، وتذكر أستاذه بالأمس ، فأرسل إليه من يوصل إليه سلامه وتحياتـه ، وعندما وصل الرسول وهو يحمل السلام كان الحكيم السبزواري جالساً في زاوية من زوايا المدرسة .

وما أن سمع الأستاذ السلام ، حـتى انتفض قائماً احتراماً وتوقيراً للشيخ الأنصاري ، وهو يقول . ( منه السلام وإليه يرجع السلام وعليه السلام ) .
 
قليل ما هم
 
يقول أحد العلماء : لقد كنت أؤمن بوجود التقوى كنظرية في بطون الكتب فقط ، وكنت أنكر وجودها على صعيد الواقع العملي فـي هذا الزمن الرديء ، الذي طغت على الناس فيه مظاهر المادة والمنكر والفساد ، واعتادت فيه بطونهم وأنظارهم على الحرام ومشاهده .

كان هذا هو اعتقادي ، إلى أن قيّض لي أن عاشرت رجلـين اثنـين بدّلا تفكيري ، وقلَّبا ذلك الاعتقاد عندي . أحدهما في مدينة قم المقدسة وهو الشيخ أبو القاسم ، والآخـر فـي مدينـة النجـف الأشرف وهـو السيد مرتضى الكشميري .

ثم ذكر العالم المذكور بعض أحوال الشيخ أبي القاسم فقال : ذات ليلة ، أرسل ( صمصام ) رئيس شرطة قم كيساً فيه مبلغ كبير من المال إلى الشيخ ، غير إن الشيخ رفض تسلًّم المبلغ ، وأمر ابنه أن يعيده .

ولما أن رأى من ابنه الممانعة في رده ، والتعذر بأنهم في أمس الحاجة إلى ذلك المال ، قال له الشيخ إن الله سبحانه ، قد منَّ علينا ـ يا ولـدي ـ بالعقل . وهذا المال هو في أحسن الأحوال دَيْنٌ وجَميلٌ للقـوم علينا . وأنت تعلم أنهم لايعطون شيئاً من دون مقابل ، ولعلهم يطلبون منا أشياء فيما بعد ، لا يجوز لنا أن نلبيها لهم .

فاقتنع الابن وأعاد الأموال إلى مرسلها .

ومما ذكر العالم المذكور في حق الشيخ إنه كان يمر على باب دار الشيخ عبد الكريم الحائري(3) (مؤسس الحوزة العلمية في قم) ويقول : ( إن النظر إلى باب داره ثواب ، والحضور في درسه ثواب ) .

ولم يكن الشيخ أبو القاسم يتصرف في سهم الإمام (عليه السلام) ، مع ما كان عليه من ضعف الحال ، وضيق ذات اليد ، إلى درجة أنه لم يكن يجد ـ أحياناً ـ ما يأكله ، كما نقل أولاده .

وحينما تدرّ عليه السماء برزقها تجده لا يدخر وسعاً فـي دعـوة الفقراء والمحتاجين ليشاركوه في سرائه ونعمته .. ثم يشكر الله سبحانه على رزقه وما أجراه من الخير على يديه .

ومما ذكره بعضهم في أحواله إنه كان يكنّ احتراماً فائقاً وواضحاً لزوجته الكريمة ، وذلـــك بسبب انتسابها إلــى الرســول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي السرّاء كان يغدق عليها في العطاء ، وفي الضراء كان يطعم نفسه رغيف الشعير من أجل أن تهنأ زوجته برغيف الحنطة .
 
هو كالملائكة لا يستحي من لا يعلم
 
سئل أحد العلماء عن مسألة ، فقال : لا أعلم ‍.

قال أحد الحضور وفي حالة استنكار : وأي جواب هذا ؟

هلاّ ورّيت أو أجملت ؟ أو لا تستحي من قول لا أعلم ؟

فأجاب ذلك العالم في هدوء : ولماذا أستحي من شيء لم تستح منه الملائكة، حينما قالوا : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا )(4).
 
صيانة الأمانة
 
خارت قوى أحد العلماء ، بسبب ما أصابه من الجـوع والهـزال ، حتى تداركه أحد المؤمنين ببعض الطعام ، أعاد له شيئاً من صحته .

وفي الأثناء دخل عليه أحد رجال الدين يسأله شيئاً من المال . فاستوى العالم المذكور قائماً ودسّ يده فـي صندوق وضع في كوّة الحجرة ، واستخرج منه بعض المال أعطاه للسائل .

ولم يلبث غير قليل حـتى دخل عليه آخر كان ينتسب إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكانت عليه آثار الحاجـة بادية ، فأعطاه كما أعطى سابقة .

تعجب بعض الحاضرين ، وقال : كيف يكون عندك كل هذا المال ، ويحلّ بك ما حلّ بك من الجوع والفاقة ؟

أجاب العالم : هذه الأموال ليست لي ، وإنما هي أمانة وضعها الناس عندي، لكي أوصلها الى مستحقيها . ولو تصرّفتُ بها لكنت خائناً للأمانة ، وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمة .
 
سيحرقون لحيتي بنار جهنم
 
كان الشيخ جعفر المحلاتي (قدس سره) من العلماء الكبار في مدينة شيراز الإيرانية ، وكان ـ في بداية أمره ـ ميسور الحال ، يبذل الأموال والأعطيات للفقراء والمحتاجين ، إلاّ أنه ابتلي في شيخوخته بفقر مدقع .

ولقد حدث نزاع ـ ذات يوم ـ بين أبناء ( مؤيد الملك ) وإخوته ، على تولّي الموقوفات التي تركها ( المؤيد ) بعد وفاته .

اختصم الطرفان عند الشيخ عبد الكريم الحائري ، لكنه رفـض البتّ فـي القضية مع وجود الشيخ جعفر المحلاتي في شيراز .

رفعـوا القضية إلـى مراجع آخرين ، لكنهم كرّروا عليهم نفس جواب الحائـري ، فأضطر المتخاصمون إلى رفعها إلى الشيخ محلاتي ولكن عبر وسطاء.

عرض الوسيط الموضوع على الشيخ المحلاتي ، وقدّم الوثائق والحجج للطرفين ، ثم أظهر له أن الجميع قد ارتضوه حكماً فيما بينهم وإن المهم عندهم هو إنهاء النـزاع ، وعرض عليه الوسيط مبلغ أربعة آلاف تومان لقاء أتعابه في القضية ، وكان هذا المبلغ يعدّ كبيراً ومغرياً في ذلك الزمان .

لكن الشيخ مع ذلك ، اعتذر عن البت في النـزاع .

قال له الوسيط : شيخنا ، إن أطراف النـزاع مستعدون لدفع عشرة آلاف تومان(5) إن أصدرت الحكم ، ولا فرق عندهم فيمن تختاره لتولّي الموقوفات ، سواءً أكان منهم أم من غيرهم .

وبعد إصرار متبادل من الشيخ ومن الوسيط ، أمسك الشيخ لحيته بيده وقال: إنهم يريدون إحراق لحيتي البيضاء بنار جهنم ‍!

هذا الرفض صدر من الشيخ فـي وقت لم يكن يملك المـال لشـراء طعام العشاء ، الأمر الذي اضطرّه إلى بيع قدر من قدور المنـزل ، لشراء عدّة أرغفة من الخبز لعائلته .
 
المهم أن لا يملكك شيء
 
كان المرحـوم الشيخ أحمد النراقـي(6) (قدس سره) من العلماء الأجلاّء والأغنياء الموفوري الحال ، كان له فـي ما يملك بستان واسع زاخر بالخيرات والنعم .

وذات يوم التقاه صوفي ، عند دخوله الحمام . قال الصوفي للنراقي : كيف تدّعي لنفسك الزهد والدين ، ولك ما لك من الأملاك مما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ؟!

فلم يجبه النراقي ، حـتى إذا فرغا من الحمّام توجه إلى صاحبه قائلاً : أيّها المرشد ‍! هل ذهبت إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء ؟

أجاب الصوفي بالنفي ، فدعاه النراقي لصحبته إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وافق الصوفي وانطلقا معاً ، وبعد عـدّة خطوات طلب الصّوفـي من النراقي أن يمهله عدّة لحظات حتى يعود ‍!

قال النراقي : لماذا ؟

قال الصوفـي بعد أن ضرب يده بالأخرى : لقد نسيت كشكولي(7) فـي الحمّام ، ولابّد أن أصحبه معي.

قال النراقي : أيها الصوفي ، إنك شهدت بأن لـي ثروة طائلـة ، وأموالاً كثيرة ، لكنني أودعتها عند ربّي حينما عزمت على السفر إلى العتبات المقدّسة ، وأخرجت حبّها من قلبي ، وأما أنت فلم تستطع أن تترك كشكولاً واحداً ولم تملك أن تنـزع حبّه من قلبك ، فإن الزهد ـ كما قال الإمام علي (عليه السلام) ـ (أن لا يملكك شيء لا أن لا تملك شيئاً) .
 
هكذا يصنعون التاريخ
 
نقل الميرزا هادي الكفائي(8)، قصّة حضور والده درس الحكيم الملّا هادي السبزواري (قدس سره) قال : قرّر والدي الذهاب مـن مدينة طوس إلـى النجف الأشرف ، ضمن قافلة متوجهة إلى العراق.

وفي الطريق توقفت القافلة بمدينة سبزوار .. وفي صباح اليوم التالي حضر والدي درس الحكيم السبزواري ، لكنه إختار مكاناً منفصلاً شيئاً ما عن حلقة الدرس ، بحيث صار يستمع لأقوال الأستاذ السبزواري .

وطوال مدّة توقف القافلة في تلك المدينة ، واظب والدي على حضور درس السبزواري ، ولمّا قرّرت القافلة استئناف الحركة لمتابعة الرحلة نحو العراق البلد المقصود ، إذا بوالدي يفاجئ الجميع بقراره البقاء في سبزوار . قال : لقد عثرتُ على ضالّتي فـي الملاّ هادي ، ولن أغادر سبزوار قبل أن أغترف مـن علومه وحكمته ومعارفه .

وأمام دهشتهم وتعجبهم قال والدي : لا تقلقوا عليّ ، فسوف أواصل سفري حالما أشعر بالكفاية من إفادات هذا العالم الفاضل .

وهكذا بقي والدي في سبزوار قرابة ثلاثة أشهر ، كان وجوده ، وإصغاؤه الملفت ، وصمته الدائم ، خلال تلك الفترة مثار فضولهم واحترامهم في وقت واحد . فاجتمعوا ذات يوم حول أستاذهم السبزواري يسألونه .

قالوا : أيها الحكيم منذ مدّة ونحن نلاحظ حضور هذا الشاب ـ يريدون الخراساني ـ وهو يصغي بإمعان إلى كلّ ما تتحفنا به دون أن يكلم أحداً منّا ، فمن هو ؟ ومن أين جاء ؟ وهل التقى بك يوماً ؟

هنالك ارتسمت ابتسامة على شفتي الأستاذ السبزواري ، وقال لهم : لقد قَدِم هذا الشاب ، واسمه محمد كاظم ، من مدينة طوس ، وهـو يعـزم على الذهاب إلى النجف الأشرف للتلمّذ على فحولها هناك ، وقد رأيته وتحدّثت معه وقرأت في عينيه بريق النبوغ ، كما تدل سيماه على آثار عظيمة تتحلّى بها نفسه ، وتشير إلى مستقبل علمـي زاهر له ، بحيث يستفيد من إشعاع علمه آلاف البشر ، ويتخرج على يديه كثير من العظماء ، وسيكون لتوجيهاته الأثر البالغ في تغيير مستقبل الأمّة .

دهش الطلاب لكلام أستاذهم ، الذي لم يعوّدهم منه علـى إسباغ المديح والإطراء لأحد ، وصارت نفوسهم تتوق إلى مجالسة ذلك الشاب وتختزن له كل ودٍّ وإكبار .

ولم تمض غير فترة وجيزة حتى اختفى الشيخ محمد كاظم الخراساني عن أنظارهم ، وذلك بمجرّد أن انتهى أستاذهم السبزواري من إلقاء الدروس .

وبعد سنين أدرك الطلاب أن صاحبهم الشاب بالأمس قد طبقت شهرته الآفاق في المنقول والمعقول ، وقـد أصبح أحد الذين قادوا ثورة المشروطة في إيران ، وأطاحوا بالاستبداد ، ووقفوا بوجه الاحتلال الروسي الغاشم لبلادهم .

وفوق ذلك كله صار من مراجع التقليد العظام ، الذي قلّده الملايين في كثير من الأمصار وصار كتابه ( الكفاية ) محور الدرس والبحث في كل الحوزات العلميّة .

وما تزال نظريات الآخوند الخراساني وآراؤه الأصولية إلى اليوم أحد المحاور الرئيسية التي تفرض نفسها على الأوساط العلميّة الدينيّة .
 
مفتاح النجاح
 
يقول صاحب أعيان الشيعة : إن للمرحوم الشيخ محمـد البهـاري أربعة وأربعين كتاباً فـي مختلف العلوم والفنون ، وأن بدايـة درسه كانت عند الآخوند ، لكنه ما كان يعي الدروس ويستوعبها .

وقد نقل عنه أنه رأى في منامه الإمام الحسين (عليه السلام) وبشّره ، بأنه سيكون علـى منـزلة عالية من العلم والمعرفة ، وبعـد تلك الرؤيا ، وعرف الشيخ بالفطنة والنباهة والفهم والذكاء ، فواصل دروسه بروح ثابته ، وهمّةٍ عالية ، حتى أصبح من العلماء الأجلاّء .

إن إخلاص الشيخ وتقواه هما اللذان أورثاه هذه النعمة ، ومثابرته على طلب العلوم ومقاومته للعقبات هما اللذان اوصلاهُ الـى هذه الكمالات ومثل  الشيخ محمد البهاري كان العلامة المولى صالح المازندراني ، بل تلك هي الحال بالنسبة لعشرات العلماء والرجال البارزين في التاريخ .
 
شمعة أم شمس ؟
 
رأى السيد مرتضى الطباطبائي والد السيد محمد مهدي بحر العلوم ( قدس سرّهما ) ، في المنام ، أن الإمام الرضا (عليه السلام) أعطى لمحمد بن إسماعيل بن بزيع شمعة ، فأخذها وأسرجها فوق داره ، فنشرت تلك الشمعة ضياءً عجيباً .

ولم تكن تلك الرؤيا غير بشارة بولادة السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، حيث أبصر النور في نفس الليلة ، وهي الليلة الجمعة من شهر شوّال .

 
 
1 ـ الشيخ مرتضى بن محمد امين الانصاري ، ولد سنة 1314هـ‍ ، آلت اليه المرجعية بعد وفاة استاذه الشيخ محمد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر ، توفى في النجف سنة 1381هـ‍ . ترك عدّة مؤلفات أهمها كتاب المكاسب في الفقه والفرائد في الأصول . 

2 ـ الشيخ هادي بن مهدي السبزواري : ولد سنة 1212هـ‍ ، وأضحى من الفلاسفة المعروفين في عصره ، وكان له حلقة درس عامرة بالطلاب والفضلاء ، توفى سنة 1289هـ‍ ، وترك مؤلفات عديدة  منها : شرح اللآلي المنتظمة في المنطق ، غرر الفرائد في الحكمة ، ارجوزة في الفقه سماها النبراس ، الجبر والاختيار ، شرح دعاء الصباح .

3 ـ الشيخ عبد الكريم بن جعفر الحائري ، ولد في يزد سنة 1276هـ‍ لهُ باع طويل في نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)، أسس الحوزة العلمية في قم المقدسة ، توفى سنة 1355هـ‍ ، وترك عدّة مؤلفات منها درر الفوائد في الاصول ، الصلاة والمواريث في الفقه .

4 ـ سورة البقرة : الآية 32.

5 ـ وكان هذا المبلغ يعادل عشرة آلاف دولار .

6 ـ الشيخ احمد بن مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني ، من العلماء الإجلاء الذي اشتهر بعلمه وأخلاقه وتواضعه ، وكان يسكن مدينة كاشان ويدرس فيها ، توفى سنة 1382هـ‍ ، من مؤلفاته : عوائد الأيام ، مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، منهاج الوصول إلى علم الأصول ، مفتاح الأحكام في أصول الفقه ، جامع السعادات .

7 ـ الكشكول : وعاء للمتسوّل يجمع فيه ما يأخذه من أيدي الناس .

8 ـ هو الابن الأكبر للمحقق الخراساني ، الشيخ محمد كاظم الآخوند ، زعيم الحركة الدستورية في إيران .
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟

 
user comment