عربي
Saturday 4th of May 2024
0
نفر 0

انتظار الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) بين السلب و الإيجاب

انتظار الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) بين السلب و الإيجاب

قد يظن بعض الناس ، أن الظهور يتوقف على امتلاء الأرض ظلماً و جوراً انطلاقاً من النصوص ، التي تفيد بأن الإمام ( عليه السلام ) ، يملأ الأرض قسطاً و عدلاً ، بعد أن ملئت ظلماً و جوراً . و بالتالي فإنهم يعتقدون بأن تطور الظلم و الجور في حياتنا السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الإدارية و القضائية شرط و عامل مؤثر في الظهور و تعجيل الفرج . فإذا امتلأت الأرض ظلماً و جوراً ظهر الإمام ( عليه السلام ) ، و أعلن ثورته ضد الظالمين ، و فرّج عن المظلومين و المعذبين و المقهورين .

و من الواضح ، أن هذا الاعتقاد إن لم يؤَدِّ إلى المساهمة في توسيع رقعة الفساد و الظلم و الجور في الأرض ، فهو يؤدي في الحد الأدنى إلى عدم مكافحة الظلم و الجور ، و الخضوع للأمر الواقع الفاسد ، لأن العمل خلاف ذلك يؤدي إلى إطالة زمن الغيبة و تأخير الفرج .

و لاشك في أن ذلك مخالف لمفاهيم القرآن ، الذي يدعو إلى رفض الظلم ، و عدم الركون إلى الظالمين ، فقال الله تعالى : ( وَ لاتَركَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ، ( هود : 113 ) . كما إن ذلك يعني تعطيل أهم فرائض الإسلام و أحكامه و تشريعاته ، كفريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و الدعوة إلى الله و الجهاد في سبيله ، و هي تكاليف عامة لاتختص بزمان دون زمان ، أو مكان دون آخر .

 إن سيطرة الظلم و الجور ليست سبباً في تأخير فرج الإمام ( عليه السلام ) أو شرطاً في تعجيله .

على أنه ليس معنى ( تمتلئ الأرض ظلماً و جوراً ) الواردة في بعض النصوص ، هو أن تنعدم قيم الحق و التوحيد و العدل على وجه الأرض ، و لايبقى موضع يُعبد الله فيه ، فهذا الأمر مستحيل ، و هو على خلاف سنن الله . و إنما المقصود بهذه الكلمة طغيان سلطان الباطل على الحق في الصراع الدائر بين الحق و الباطل . و لايمكن أن يزيد طغيان سلطان الباطل على الحق أكثر مما هو عليه الآن ، فقد طغى الظلم على وجه الأرض و بلغ ذروته . فالذي يجري على مسلمين العراق و فلسطين بأيدي الظلمة ، أمر يقل نظيره في تاريخ الظلم و الإرهاب .

كما إن ما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الإسلام و المسلمين ، و ما تفرضه على العالم الإسلامي بلغ الذروة في الاستكبار و الطغيان ، و الهيمنة و فرض النفوذ و السيطرة على دول المنطقة و شعوبها و مواردها الحيوية .

و قد كانت غيبة الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) بسبب طغيان الشر و الفساد و الظلم ، فكيف يكون طغيان الفساد و الظلم شرطاً و سبباً لظهور الإمام ( عليه السلام ) و خروجه ؟ ، على أن الموجود في النصوص هو : ( يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما مُلئت ظلماً و جوراً ) ، و ليس : ( يملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد أن ملئت ظلماً و جوراً ) . فليس معنى ذلك أن الإمام ( عليه السلام ) ، ينتظر أن يطغى الفساد و الظلم أكثر مما ظهر إلى اليوم ليخرج . و إنما معنى النص أن الإمام ( عليه السلام ) ، إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً ، و يكافح الظلم و الفساد في المجتمع حتى يطهر المجتمع البشري منه ، كما امتلأ بالظلم و الفساد من قبل .

و خلاصة القول ، إن سيطرة الظلم و الجور ليست سبباً في تأخير فرج الإمام ( عليه السلام ) أو شرطاً في تعجيله . و لعل من أهم العوامل المؤثرة في تحقيق ظهوره ( عليه السلام ) ، بل و تقريبه و تعجيل فرجه ، هو توافر العدد الكافي من الأنصار و الموطئين ، الذين يعدون المجتمع و الأمة لظهور الإمام ( عليه السلام ) . فإنهم لابد أن يوطِّئون الأرض ، و يمهدونها لثورته الشاملة ، و يدعمون حركة الإمام ( عليه السلام ) ، و يسندونها . و من دون هذا الإعداد ، و هذه التوطئة لايمكن أن تحصل هذه الثورة الشاملة في سنن الله تعالى في التاريخ ، و ذلك انطلاقاً من الحقائق التالية :

الأولى :

 إن الإمام ( عليه السلام ) لايقود حركة التغيير الشاملة بمفرده ، لأن الفرد الواحد مهما أوتي من قوة و كمال عقلي و جسمي و روحي ، لايمكن أن يحقق إنجازاً كبيراً بحجم الإنجاز الضخم الذي سيحققه الإمام ( عليه السلام ) على امتداد الأرض . خصوصاً إذا تجاوزنا الفرضية الآتية ، و هي استخدام المعجزة من قبله ( عليه السلام ) من أجل تحقيق النصر .

الثانية :

إن الإمام ( عليه السلام ) لايحقق الإنجازات الكبيرة ، التي ادخره الله لأجل تحقيقها في آخر الزمان عن طريق المعجزة و الأسباب الخارقة . و قد نفت الروايات استخدام الإمام ( عليه السلام ) المعجزة في ثورته ، و أكدت دور السنن الإلهية في التاريخ و المجتمع في تحقيق هذه الثورة الكونية الشاملة و تطويرها و إكمالها . و لايعني ذلك أن الله سبحانه و تعالى لايتدخل إلى جانب هذه الثورة بألطافه و إمداده الغيبي . فإن ثورة الإمام ( عليه السلام ) في مواجهة الطغاة و الأنظمة و المؤسسات الاستكبارية الحاكمة و المتسلطة على رقاب الناس ، لاتحصل من دون إمداد غيبي ، و إسناد و تأييد من قبل الله سبحانه . و النصوص الإسلامية تؤكد وجود هذا الإمداد الإلهي في حركة الإمام ( عليه السلام ) ، و تصف كيفيته .

إلا أن هذا المَدَد الإلهي أحد طرفي القضية ، و الطرف الآخر هو دور الأسباب الطبيعية و الوسائل المادية في تحقيق هذه الثورة و حركتها . فإن الاعتماد على هذه الأسباب لايتعارض مع المدد و الإسناد الإلهيين ، فقال عزَّ وجل : ( وَ أَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَ مِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَ عَدُوَّكُم وَ آَخَرِينَ مِن دُونِهِم لاتَعلَمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُم ) ، ( الأنفال : 60 ) .


source : تبیان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حقدت على الشيعة في البداية وكتب الشيخ المفيد سبب ...
دور العقل في فهم وتفسير القرآن
الفرق بين الخير والسعادة
لماذا إثنا عشر إماماً فقط
المجتمع الإسلامي في كلمة القائد
لماذا اعرض الصحابة عن مدلول حديث الغدير
هل كل كافر يدخل النار؟
ضيافة الله
تحكم بغرائزك.. تقوى إرادتك
مصير الحجّة بعد الرسول ( ص ) في القرآن

 
user comment