الضرورة الحقّ
بعد رحيل كلّ رسول.. تتعرّض الرسالة إلى تيّارات عديدة، من: التشكيك و الارتداد، و التأويل و تصارع الأراء، و اختلاط الدخيل بالأصيل من الأحكام، و بالتالي تظهر الدعوات الهجينة الضالّة، و الفِرق المنحرفة المضلّة.
و حسب قاعدة اللطف الإلهي، بعث الله تبارك و تعالى أنبياءه و رسله لهداية البشر.. لذا، و حسب قاعدة اللطف نفسها جعل سبحانه من بعدهم أولياء أوصياء حُماةً لدينه. كما ورد هذا المعنى في دعاء الندبة من قول الإمام المهديّ صلوات الله عليه: و كُلاً شرعتَ له شريعةً و نهجت له منهاجاً, و تخيّرت له أوصياءه مستحفَظاً بعد مستحفَظ، من مدّةٍ إلى مدّة؛ إقامةً لدينك، وحجّةً على عبادك؛ و لئلا يزولَ الحقّ عن مقرّة، و يغلبَ الباطل على أهله..
و من هنا ـ أيّها الإخوة الأحبّة ـ كانت الضرورة، فكان للنبيّ الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم أوصياؤه الاثنا عشر، و منهم صادق آل البيت عليه و عليهم السلام، إماماً حجّةً يقيم الدين من بعد الرسول الحقّ، و يهدي إلى سبيل الحقّ.
* * *
لمحات من سماء الإمامة
هو الإمام جعفر بن الإمام محمّد الباقر،.. ينتهي نسبه الطاهر إلى أمير المؤمنين عليّ و الزهراء فاطمة صلوات الله عليهما، أي إلى النبيّ المصطفى صلّى الله عليْه و آله. اُمّه الجليلة المكرّمة فاطمة اُمّ فروة من الصالحات القانتات، و من أتقى نساء زمانها.
وُلد عليه السلام سابع عشر ربيع الأوّل سنة 83 من الهجرة المباركة، في المدينة المنوّرة.. و كان أوصى النبيّ صلّى الله عليْه و آله أن يُعرَّف بالصادق.
كُناه: أبو عبد الله، و أبو إسماعيل، و أبو موسى، و اوّلها أشهر.
ألقابه: الصادع، و الفاضل، و الطاهر، و القائم، و الكافل، و الصابر، و أوّلها أشهر.
نقش خاتمه: ما شاء الله، لا قوّة إلا بالله، أستغفر الله.
حكّام عصره: أقام مع جدّه (السجّاد) و أبيه (الباقر) معاً اثني عشرة سنة، و مع أبيه بعد جدّه تسع عشرة سنة، و بعد أبيه ـ و هي مدّة إمامته ـ أربعاً و ثلاثين سنة. و كان في أيّام إمامته: بقيّة حكم هشام بن عبد الملك، و الوليد بن يزيد بن عبد الملك، و يزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقّب بـ (الناقص)، و إبراهيم بن الوليد، و مروان الملقّب بـ (الحمار). و هؤلاء من بني اُميّة، ثمّ كان مُلْك بني العبّاس، فأدرك عليه السلام حكم أبي العبّاس السفّاح، ثمّ حكم أبي جعفر المنصور.. و في زمان هذا لبّى نداء ربّه جلّ و علا، إذ قضى شهيداً مسموماً، عن عمر مبارك ناهز السبعين.
* * *
شذرات زاهية من هداه
على سمت المصطفى الأعظم صلّى الله عليْه و آله و سلّم، و على هداه.. نشأ الإمام جعفر الصادق عليه السلام. و يكفيه هذا اللقب المبارك، إذا كان أصدقَ أهل زمانه: مع الله تعالى، و مع الناس. حتّى لم يُعرَف عنه إلا الحقّ و الفضل و الخير، و الخلُق الرفيع السامق، و بذلك شهد المخالف قبل المؤالف.. فحين سمع المفضّل بن عمر ـ و هو أحد أصحابه ـ بعض كفريّات ابن أبي العوجاء غضب لله و قال له: يا عدوَّ الله، ألحدتَ في دين الله! فتعجّب ابن أبي العوجاء و قال للمفضّل: إن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد فما هكذا يخاطبنا، لقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعتَ فما أفحش في خطابنا، و لا تعدّى في جوابنا، و إنّه الحليم الرزين، العاقل الرصين، لا يعتريه خرق، و لا طيش و لا نزق، يسمع كلامنا و يُصغي إلينا، و يتعرّف حجّتنا، حتّى إذا استفرغنا ما عندنا و ظننّا أنّا قد قطعناه.. دحض حجّتنا بكلام يسير، و خطاب قصير، يُلزمنا به الحجّة، و يقطع العذر، و لا نستطيع لجوابه ردّا. (1)
و قد عُرف عليه السلام أيضاً بالتبتّل و الانقطاع إلى الله عزّ شانه، و كثرة العبادة و الخشية من ربّه، حتّى قال فيه الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعيّ: هو من عظماء أهل البيت و ساداتهم، ذو علوم جمّة، و عبادة موفّرة، و أوراد متواصلة، و زهادة بيّنة، و تلاوة كثيرة.. يقسّم أوقاته على الطاعات بحيث يحاسب نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، و استماع كلامه يزهّد في الدنيا، و الاقتداء بهديه يورث الجنّة. (2)
أمّا إمام المالكيّة مالك بن أنس فيقول فيه: جعفر بن محمّد، اختلفت إليه، فما كنت أراه إلا على إحدى خصال ثلاث: إمّا مصلّ، و إمّا صائم، و إمّا يقرأ القرآن. (3)
و إذا وقفنا أمام كلمات الإمام الصادق عليه السلام فإنّنا نقف عند خزائن العلم و المعرفة، و آفاق الإيمان و الهدى، و سبل الخير و التقوى. فهي دستور حياة طيّبة، و منهاج كرامة في الدارين، ينعم العامل بها.. فلنمتّع قلوبنا ـ أيّها الإخوة الأحبّة ـ بشذرات منها، حيث يقول:
ـ الإيمان: إقرار، و عمل، و نيّة.
ـ لا يستكمل عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتّى تكون فيه ثلاث خصال: الفقه في الدين، و حسن التقدير في المعيشة، و الصبر على الرزايا.
ـ من أوثق عرى الإيمان: أن تحبّ في الله، و تبغض في الله، و تعطي في الله، و تمنع في الله.
ـ لا زاد أفضل من التقوى، و لا شيء أحسن من الصمت، و لا عدوّ أضرّ من الجهل، و لا داء أدوى من الكذب.
ـ وجدت علم الناس كلّهم في أربعة: أوّلها ـ أن تعرف ربّك، و الثاني ـ أن تعرف ما صنع بك، و الثالث ـ أن تعرف ما أراد منك، و الرابع ـ أن تعرف ما يخرجك من دينك.
ـ الصفح الجميل أن لا تعاقب على الذنب. و الصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى.
ـ لا تذهب الحشمة بينك و بين أخيك، و أبقِ منها؛ فإنّ ذهاب الحشمة ذهاب الحياء، و بقاء الحشمة بقاء المودّة.
ـ الغضب مفتاح كلّ شرّ.
ـ من تعلّق قلبه بالدنيا تعلّق قلبه بثلاث خصال: همٍّ لا يفنى، و أمل لا يُدرَك، و رجاء لا يُنال.
ـ التواصل بين الإخوان في الحضر: التزاور، و التواصل في السفر: المكاتبة.
ـ و سُئل: ما الدليل على أنّ الله واحد ؟ فقال عليه السلام: اتّصال التدبير، و تمام الصنع، كما قال عزّ و جلّ:« لوكان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسَدَتا ».
ـ و سُئل: على ماذا بنيتَ أمرك؟ فقال عليه السلام: على أربعة: علمت أنّ عملي لا يعمله غيري، فاجتهدت. و علمت أنّ الله مطّلع علَيّ، فاستحييت. و علمت أنّ رزقي لا يأكله غيري، فاطمأننت. و علمت أنّ آخر أمري الموت، فاستعددت.
ـ و أوصى ولدَه موسى الكاظم عليه السلام قائلاً له: يا بنيّ، من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، و من سلّ سيف البغي قُتل به، و من احتفر لأخيه بئراً سقط فيها، و من داخل السفهاء حُقِّر، و من خالط العلماء وُقِّر، و من دخل مداخل السوء اتُّهِم.
ـ و أوصى أصحابه و أتباعه قائلاً: أُوصيكم بتقوى الله عزّوجلّ و الورع في دينكم، و الاجتهاد لله، و صدق الحديث و أداء الأمانة، و طول السجود، و حُسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلّى الله عليه و آله. أدّوا الأمانة إلى مَن ائتمنكم عليها: بِرّاً و فاجراً..
ـ و في وصيّته لأحد أصحابه: أقِلَّ النوم بالليل و الكلام بالنهار، فما في الجسد شيء أقلّ شكراً من العين و اللسان.
ـ و كان من دعائه عليه السلام قوله: الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني، و إن كنت بطيئاً حين يدعوني. و الحمد لله الذي أسأله فيعطيني، و إن كنت بخيلاً حين يستقرضني. و الحمد لله الذي استوجب الشكرَ علَيّ بفضله، و إن كنت قليلاً شكري. فرضيت بلطفك يا ربّ لطفا، و بكفايتك خلفا..
عبارات راشدة، و كلمات ناصحة، تُفرَغ عن لسان الحق جُملاً يهتدي بها من طلب الهداية، و يرعوي بها مَن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد.
* * *
الظروف المحيطة
عاصر الإمام الصادق عليه السلام دولتين حريصتين على المُلك أشدّ الحرص: الدولة الاُمويّة، و قد عُرفت بالفتك و القتل لأهل البيت عليهم السلام و لأصحابهم و مواليهم. و الدولة العبّاسيّة التي أرادت أن تثبّت سلطانها بأيّ ثمن، فأعملت سيفها، و وسّعت السجون، و شرّدت كلّ مخالف، و لم تتورّع هي الاُخرى عن إزهاق الأنفس و تعذيب الأجساد و مصادرة الأموال.. بعد أن استبدّت بذهنها و قلبها هواجس المعارضة و وساوس فقدان الحكم و الزعامة.
و من هنا تحمّل الإمام الصادق عليه السلام من الدولتين ما تحمّل، و عانى ما عانى، و كان أشدّ مرحلةٍ عليه فترة حكم المنصور الدوانيقيّ، حيث حبس بعض أصحاب الإمام عليه السلام، مثل: عبد الحميد، و سديد، و عبد السلام.. و قتل آخرين، مثل: المعلّى بن خُنيس. مضافاً إلى فتكه بآل أبي طالب صلباً و بناءً في الاسطوانات و تشريداً و حبساً في الطوامير المظلمة، و قتلاً في الزنزانات الشاقّة الرهيبة. أمّا مع الإمام الصادق عليه السلام، فقد أشخصه إلى الربذة و إلى العراق مرّات عديدة.. هكذا كان منه لعشر سنوات مريرة، و قد قصده بالقتل مراراً و تكراراً، لكنّ الله صرفه عن ذلك. قال المفضّل بن عمر: إنّ المنصور همّ بقتل أبي عبد الله غير مرّة، فكان إذا بعث إليه و دعاه ليقتله، فإذا نظر إليه هابه و لم يقتله. (4)
و قال قيس بن الربيع: حدّثني أبي قال: دعاني المنصور يوماً فقال: أما تري الذي يبلغني عن هذا الحسينيّ؟! قلت: و من هو يا سيّدي؟ قال: جعفر بن محمّد، و اللهِ لأستأصلنّ شأفته. ثمّ دعا بقائد من قوّاده فقال له: انطلق إلى المدينة في ألف رجل، فاهجم على جعفر بن محمّد و خذ رأسه و رأس ابنه موسى في مسيرك. (5) و أمر بإحراق بيته (6)، و احضره تسع مرّات (7)، و كانت للإمام الصادق سلام الله عليه دعوات يدفع بها نوايا المنصور الخبيثة كلّما استدعاه و طلبه ليقتله، منها:
ـ اللّهمّ احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بركنك الذي لا يُرام.. اللهمّ أنت أكبر و أجلّ ممّا أخاف و أحذر. اللهمّ بك أدفع في نحره، و أستعيذ بك من شرّه. (8)
ـ حسبيَ الربّ من المربوبين، و حسبيَ الخالق من المخلوقين، و حسبيَ الرازق من المرزوقين، و حسبيَ اللهُ ربُّ العالمين. حسبي مَن هو حسبي، حسبي من لم يزل حسبي، حسبيَ الله لا إله إلا هو عليه توكّلت و هو ربّ العرش العظيم.
و كان المنصور يقعد في قصره في القبّة الخضراء، أو الحمراء، و كان له يوم يقعد فيه يُسمّى بـ (يوم الذبح). و كم أشخص الإمامَ الصادق عليه السلام إلى بغداد من المدينة! يقول للربيع حاجبه: سر الساعة إلى جعفر بن محمد فأْتني به على الحال الذي تجده عليه، لا تغيّر شيئاً ممّا هو عليه. (9) و كم هيّأ له سيفاً و نطعاً، و استلّ و ردّ في الغمد ما همّ به من إفراغ حقده و حسده.. هذا، مع أنّ علماء السيرة أجمعوا على انصراف الإمام عليه السلام عن الرئاسة و إعراضه عن المُلك، و تنزّهه عن مزاحمة المنصور و أمثاله؛ فالإمامة أسمى، و هي منصب إلهيّ شامخ، هي ـ كما يعرّفها الإمام الرضا عليه السلام ـ: زمام الدين، و نظام المسلمين، و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين. إنّ الإمامة اُسّ الإسلام النامي، و فرعه السامي... الإمام أمين الله في خلْقه، و حجّته على عباده، و خليفته في بلاده، و الداعي إلى الله، و الذّابّ عن حُرم الله... نظام الدين، و عزّ المسلمين، و غيظ المنافقين، و بَوار الكافرين.
و قد دخل عليه السلام يوماً فقال له المنصور ـ و كان متضجّراً من وقْع الذباب عليه ـ: يا أبا عبد الله، لمَ خلق الله الذباب؟! فأجابه عليه السلام: ليُذلّ به الجبابرة. (10)
و كتب المنصور يوماً إلى الإمام عليه السلام: ألا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، و لا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له. و لا أنت في نعمة فنهنّئك، و لا تراها في نقمة فنعزّيك بها. فما نصنع عندك؟فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه عليه السلام:من أراد الدنيا لا ينصحك،ومن أراد الآخرة لا يصحبك. (11)
و بعث عليه السلام إليه رسولاً يقول له: إن كففتَ و إلا أجريتُ اسمك على الله عزّوجلّ في كلّ يوم خمس مرّات. و قال له: إنّه لم ينل أحدٌ منّا ـ أهلَ البيت ـ دماّ إلا سلبه اللهُ مُلكه.
و كان المنصور يفهم هذا، بل رأى ذلك بأمّ عينيه حين تهاوت الدولة الاُمويّة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، و انهارت و ما قامت لبني اُميّة قائمة.. لكنّ الحقد أعمى قلبه، و الحسد أضلّه عن سبيل الرشاد، و الحرص على الملْك جعله يعيش هاجس الشك و الريبة ليله و نهاره.. و هو يرى إجلال الناس لرسول الله صلّى الله عليْه و آله في الإمام الصادق سلام الله عليه، و يرى رجوعهم إلى أهل البيت صلوات الله عليهم فيه.. و هو وريثهم عليه السلام في العلم و التقوى و العبادة و الزهد و الشريعة و القرآن و السنّة المطهّرة.
و كان الإمام عليه السلام قد استثمر الفترة الانتقالية التي شُغل فيها الكثير بالتكالب على السلطة، و هي فترة الصراع المحتدم بين الاُمويّين و العبّاسيّين، و انهيار الحكم الاُمويّ و تسلّط بني العبّاس على زمام الأمور.. فأسّس سلام الله عليه مدرسته العلميّة الرفيعة، و بثّ من خلالها المعارف الحقّة و القيم السامية ما انتبه به الناس أنّه الأولى بخلافة النبيّ الأعظم صلّى الله عليْه و آله و سلّم من المنصور و غيره.
* * *
و كان الذي لابدّ..
رجلٌ كالإمام الصادق عليه السلام ـ أيّها الإخوة الأعزّة ـ ينشر العلم و التقوى، و يرشد إلى الأخلاق و الصلاح، و يحذّر من الفساد و الضَّلال.. لا يرتاح لوجوده الطغاة و الظلمة و المفسدون، بل لا يطيقون أن يسمعوا بفضائله و احتفاء الناس به. فكان من المنصور أن أخرجه من بيته حافياً حاسراً بطريقة همجيّة، و فرض عليه الإقامة الجبريّة، و وضع عليه عيون المراقبة و التجسّس، و سخّر له من يأتيه بالأخبار.وكان المخبرون من أهل السعاية و الوشاية و الوقيعة، فأتوه بالأكاذيب و الأقاويل ما أثاروا دفائن حقده و قلقه و ريبته،حتّى أخذ يخشاه على سلطته، فكان يقول:هذا الشجا المعترض في حلّقي! (12)
و تأجّجت النيران الشيطانيّة في قلب المنصور، فأقدم على سمّ الإمام الصادق عليه السلام بيد غادرة.. بأمر مباشر منه، و بتنفيذ مباشر من قِبل عامله على المدينة محمّد بن سليمان. فقضى سلام الله عليه شهيداً في الخامس و العشرين من شوّال ـ عام 148 من الهجرة الشريفة. و ذلك ما أكّدته المصادر التاريخيّة، منها: إسعاف الراغبين، لابن الصبّان الشافعيّ. و نور الأبصار، للشبلنجيّ. و تذكرة خواصّ الاُمّة، لسبط ابن الجوزيّ. و الصواعق المحرقة، لابن حجر العسقلانيّ. و المصباح، للكفعميّ. و إقبال الأعمال، للسيّد ابن طاووس. و بحار الأنوار، للشيخ المجلسيّ.. و غيرها كثير من كتب التاريخ و السيرة.
* * *
مدفنه عليه السلام
قال المسعوديّ: و دُفن عليه السلام بالبقيع مع أبيه و جدّه، و قيل: إنّه سُمّ، و على قبورهم في هذا الموضع من البقيع رخامة مكتوب عليها.. (13)
و كان له تشييع مهيب، يصفه العجليّ ـ و هو من شعراء أهل البيت المجاهرين بولائهم ـ:
أقولُ و قد راحـوا به يحـملونـه | على كـاهلٍ من حامـليه و عـاتقِ | |
أتدرون ماذا تحمـلون من الثَّـرى | ثبيراً هوى من رأسِ علياءَ شاهـقِ | |
غذاةَ حثا الحاثون فوق ضـريحـه | تراباً.. و أولى كان فوق المَفـارقِ | |
أيا صادقُ ابنَ الـصادقـينَ أليّـةً | بآبـائك الأطـهارِ حـلفةَ صـادقِ | |
لحقّاً بكم ذوالعرش أقسم في الورى | فقال تعالـى الله ربُّ المـشـارقِ | |
نجوم هي اثنا عشْـرَ كُـنّ سُبّقـاً | إلى اللهِ في علمٍ من الله سابقِ (14) |
و دُفن بدنه الزاكي في أرض البقيع الطيّبة، خلف آبائه الطاهرين: الإمام الحسن بن عليّ السبط المجتبى، و الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، و الإمام محمّد بن عليّ الباقر، سلام الله عليهم جميعاً.. فوقف عندهم الأديب المحبّ الموالي يقول:
و لله أفـلاك البـقيع فـكـم بـها | كواكبُ مـن آل الـنبيِّ غـواربُ | |
حوت منهمُ ما ليس تـحويه بقـعة | و نالت بهم مـا لم تنله الكـواكبُ | |
فبُوركتِ أرضاً كلَّ يـوم و ليـلةٍ | تطوف من الأمـلاك فيـكِ كتائبُ | |
و فيكِ الجبالُ الشمّ حـلماً هوامـدٌ | و فيكِ البحور الفعم جوداً نواضبُ | |
مناقبهـم مثـلُ الـنجـوم كأنّهـا | مصائبهم لم يُحصِها الدهرَ حاسبُ | |
و هم للورى إما: النعـيم مـؤبَّدٌ | و إمّا عذابٌ في القيامة واصـبُ |
* * *
هدم وهتك
و أقبلت القلوب المؤمنة تشيّد القباب و الأضرحة الطاهرة، رموزاً شريفة جاذبة للعيون و الأرواح من بعيد، فكان البقيع عامراً بزائري أئمّة الهدى عليهم السلام قروناً.. حتّى هُدمت قبوره المباركة في الثامن من شوّال سنة 1344 هـ، ثمّ طُوّقت بسور مانع للوافدين عليها.
لكنّ القلوب التي أنعم الله عليها بمودّة قربى النبيّ صلّى الله عليْه و آله، لم تحجبها الأسوار و لا المسافات عن التوجّه إلى أهل البيت الرسالة و النبوّة محمّد و آله صلوات الله عليهم، فهم أبواب الإيمان، و أُمناء الرحمن، و أئمة الهدى، و أعلام التقى، و كهف الورى، و محالّ معرفة الله، و مساكن بركة الله.. عليهم سلام الله.
source : http://www.imamreza.net