الحقيقة النبوية
بما أن نبي الإسلام محمد بن عبدالله’ سواء من ظاهر الأمر أو باطنه هو الجذر والأصل الوجودي لأهل البيت^ فهم من النبي’ كالفرع من الأصل، والشعاع من الشمس فإن معرفة آل النبي’ لا تتم إلا بمعرفته’، وقد جاء في الروايات والآثار وكتب الأخبار إشارات حول أربع حقائق على أساس أنها أول الخلائق:
1ـ أول ما خلق الله النور([1]).
2 ـ أول ما خلق الله القلم([2]).
3ـ أول ما خلق الله العقل([3]).
4 ـ أول ما خلق الله نوري([4]).
5 ـ أول ما خلق الله روحي([5]).
إن الوجود المبارك لرسول الله’ هو المصداق للنور التام وللقلم والعقل؛ وعلى ذلك دلّت كراماته والى ذلك إشارات معجزاته وكشفت عن عظميته عظمة آثارة وقد شعّت حقيقته على العالمين، ولذا فإننا نجد روايتين أخريين تشيران إلى أن أول ما خلق الله عز وجل نوره وروحه وما هذه الروايات الأربع إلا لتدلّ على عنوان واحد أحد وهو الرسول محمد’.
وهذه مسألة في غاية الأهمية نبحثها من دون تعصب ولا إدعاء، وإنما في ضوء العقل وبالاستناد إلى دلالة الآيات الكريمة والروايات.
النور
يقول الحكماء في تعريف النور، إنه حقيقة جليّة بذاتها مظهرة لغيرها.
والمراد من العقل في الرواية هو الحقيقة التي تربط بين الإنسان وجميع معارف وحقائق الخلق، وقد عبر القرآن الكريم عن الرسول الأكرم محمد’ بـ (السراج المنير) أي المصباح الساطع قال سبحانه وتعالى! {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً}([6]).
فهو نور وحقيقة ساطعة بذاتها مضيئة لغيرها وهو بالنسبة لجميع حقائق الوجود في ارتباط ظاهري وباطني وعلى أعلى درجات الوعي للوجود متحمس في نقل هذا الوعي إلى غيره فيكونوا على وعي وعلاقة مع ظاهر وباطن الوجود وهنا تكمن هوية النور ومعانيه وقد قال الحكماء في تعريف النور:
>النور: كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها<([7]).
إن الله عز وجل الرحمن الرحيم الحنان المنان شاء أن يخلق شمس محمد([8]) ونوره أول ما خلق الله سبحانه، بهذا تفيد الروايات الكثيرة من شعاع تلك الشمس ومن أنوارها فانكشفت الظلمات ببركة ذلك النور عن الأشياء وانزاحت الأستار والحجب فظهرت أوجه جميع الكائنات فهو السبب المتصل بين جميع الأشياء وبارئها.
ومن هنا قال في بعض ما ورد من أحاديث موثوقة: >أنا الشمس([9])، وما أعجب هذا التشبيه: >أنا الشمس إليها تستمد منها النور والدفء ومقومات الوجود.
إن نور النبي’ خلقه الله عز وجل قبل كل شيء وشاء الله أن يكون مصدر الوجود لكل الكائنات الأخرى، فنور النبي’ نبع لجميع الأشياء وما هذه الكائنات إلا من نور النبي محمد’.
فكما أن الكواكب السيارة تشكل تجلياً للمنظومة الشمسية ومؤلفة لها فهي أجزاء شمسية لكنها تتجلى بثوب آخر وحلّة أخرى وعلى حدّ تعبير الفلاسفة، أنها كائنات تعيّن نزولها في إطار آخر وفي حلّة أخرى.
فإنّ الكائنات الملكية والملكوتية والغيبية والشهود ية هي كذلك وبإرادة الحق تعالى هي تعينات تنزلية من شمس محمد.
فنشأت من حقيقته المباركة الأقمار والنجوم، وقد جاء في الأثر عن النبي:
>أنا الشمس وعلي القمر، وفاطمة الزهرة، والحسن والحسين الفرقدان<([10]).
وهذا الحديث عن النبي’ الذي عصمه الله من الخطأ فلا ينطق عن الهوى، وعلى هذا فهو ينطوي على دلالات عميقة، وقد اختار النبي في حديثه مفردات يفهمها الكل ويدركها الجميع.
إن الحقيقة المحمدية متصلة بالحق اتصال الشعاع بالشمس، بل أن اتصال النبي بالحق أقوى وأوثق من اتصال شعاع الشمس بالشمس، وقد شاء الله عز وجل أن يكرم رسوله محمد’ بأنواع المكارم فجعله سبباً في تحقق جميع الكائنات في هذا الوجود الفسيح فكل الكائنات والمخلوقات مدينة له وهو من أكثرها قرباً واتصالاً بالحق تبارك وتعالى.
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}([11]).
{وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}([12]).
أجل أن ملكية جميع النعم هي بيد النبي’ بإذن الله تبارك وتعالى والجميع يأكل من مائدته بأذنه فعليهم أن يدركوا أن عليهم حقوقاً يجب أن يؤدوها بكل شوق ورغبة وليعلموا أن ما يؤدونه يعود إليهم بلطف رسول الله الكريم الأكرم:
>قل ما سألتكم من أجر فهو لكم<([13]).
([6]) سورة الأحزاب: الآيتان 45 ـ 46، يقول المرحوم المجلسي في بحار الأنوار: 31/308 باب 11 في تفسير الآية الكريمة (وسراجاً منيراً)، يهتدي بك في الدين كما يهتدي بالسراج المنير الذي يصدر من جهته، أما بفعله وإما لأنه سبب له فالقمر منير والسراج منير لهذا المعنى<، وجاء في البحار أيضاً في توضيح خطبة لأمير المؤمنين×: >وسراجاً منيراً< يستضاء به في ظلمات الجهالة ويقتبس من نور أنوار البصائر.