ان البهرجة والاسراف ـ في نظر الباري تعالى ـ من الاعمال الشيطانية والاُمور المرفوضة ، ومن الممارسات التي تتماشى مع الاهواء النسيّة والشهوات الحيوانية .
ما المانع في ان يلتزم المرء بالحدود الالهية لا سيما القناعة في جميع مرافق الحياة ؟ فالقناعة مصدر الراحة ، والدافع نحو الانعتاق ، والعلاج الناجع للاضطراب والقلق النفسي .
ان حاجة البدن تُسدُ ببيت مناسب لشأن الفرد مركب بسيط وملبس ومأكل على قدر الحاجة .
ينبغي تجنب تقليد الآخرين في بناء الحياة ، والاكتفاء بما هو متيسر من المصروفات ، والابتعاد عن الاسراف واقتناء ما يُعدّ بهرجة واسرافاً .
عينا ان لا نقتدي بالغرب في الزي ونمط الحياة فانهم قد وقعوا بالكثير من الاخطاء ، ولا يؤدي التطور الصناعي والفني الذي بلغوه إلى ان نتصور صواب وصحة كل ما يقولونه ويكتبونه وان ما هم عليه من اناقة ، واسلوب في المعيشة مطابق للواقع .
ما يحظى بالاهتمام في الاسلام هو سلامة الروح والبدن والمدينة والمحلّة ، والذي تُعنى به الثقافة الاسلامية من الاُمور المادية والمعنوية ، والاخلاقية ، والايمانية للفرد والمجتمع هو ما يصب في مصلحة الانسان في الدنيا والآخرة ، والاسراف والبهرجة والانهماك بالمصاريف المرهقة وتجميل ظواهر الحياة بعيداً عن القناعة والاقتصاد ـ حتى في بناء المساجد التي هي مراكز العبادة بالنسبة للمسلمين ـ من الاُمور التي يذمها هذا الدين وهذه المدرسة التي تبني الانسان .
يجب ان تكون المساجد والبيوت زاخرة من الداخل بالروح المعنوية وباعلى درجاتها ، وفي ظاهرها يجب ان تتصف بالبساطة والوداعة كي لا تبتلي القلوب بالوسوسة والتجبر ولا تبتعد النفوس عن ساحة الحق تعالى .
البسوا ما بسط من الملابس ولكم التزموا آداب اللباس ، وكلوا ما يسدُّ رمقكم من الطعام وتمثلوا آداب الطعام ، واقتنوا ما يناسبكم من السيارات ولكن عليكم عدم الغفلة عن آداب السياقة ، واستحصلوا الدار الضرورية لحياتكم على ان لا تصبحوا اسرى لهذه الدار ، كل ذلك من ثمار التقوى والزهد والتوجه إلى الله تعالى .
ان حياة اليهود والنصارى هي التي يطغى عليها الاسراف ، في اقتنائهم الدار والاثاث وواسطة النقل والملابس والطعام ، فكنائسهم ومعابدهم تغص بالذهب والزخارف والتماثيل والجواهر الاثرية واللوحات النفسية التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات .
وحياة الحاخامات والقساوسة بل وحتى البابا تضج بالاسراف والتبذير إلى حد يبعث الدهشة والتعجب ، فلو بيع التاج الخاص بالبابا وملابسه لا مكن انقاذ الملايين من الجياع .
ان اكتناز الثروة وأكل الربا وممارسة السرقة في وضح النهار وغيرها من الفضائح هي اعمال اعداء الله ، أما احباء الله فيتعين عليهم الالتزام بما اراده هو وصيانة انفسهم من الوقوع بين فكي الاسراف والتبذير .
والتقوى هي السبب في الحصول كل المحاسن وهي التي تحفظها ، فالبيت العامر بالتقوى ، والازواج الذين يتحلّون بالتقوى انما يتوفرون على كنز الهي وثروة ملكوتية ، وبذلك تغدو حياتهم ترفرف عليهم السعادة والصفاء والمحبة وراحة البال والأمن والسلامة والانصاف والكرامة والشرف .
ينبغي ان يتمتّع المسجد والبيت بوضع بحيث يشعر فيهما الانسان بالأمن والاطمئنان ويتخذ منهما منطلقاً للعروج نحو محبوبه .
وباختصار ، يمكن تشييد بناء الزوجيّة عن طريق التزام التقوى والقناعة والتوجه نحو الله تعالى والاستعداد ليوم الدين ، بنحو يكون البناء وسيلة لبلوغ السعادة الاخروية ونيل رضى الحق تعالى .
وفي عصرنا الراهن أيضاً يمكن العيش بالقليل من الدخل بشرط التزام التقوى والقناعة ، وإذا ما عرضت مشكلة اثناء ذلك وعجز المؤمن عن مقاومتها ، بما توفر لديه من دخل يتحتم على المؤمنين ان يهبّوا لا عانته قبل فوات الاوان وانقاذه مما يلم به ضيق ومحن .