الكرامة الأولى : شفاعة العلامة الأميني عند الأمير (ع) !
الشاعر المصري المعروف محمد عبد الغني حسن كتب أبياتا من الشعر في إطراء الغدير ومؤلفه، وقد رد عليه العلامة الأميني يشكره على قصيدته، ولكنه سأله: لماذا تركت الأصل وتمسكت بالفرع، فلماذا لا تظهر محبتك لأمير المؤمنين (ع) وتكتب غديرية لتسجل اسمك ضمن شعراء الغدير، وتبقي اسمك خالدا.
مضى شهران ولم يكتب محمد عبد الغني ردا على رسالة الأميني، ثم كتب رسالة يشرح فيها علة التأخير في الجواب، وقال فيها: ليس لي في هذه الدنيا سوى بنت واحدة، ولقد أصاب الأطباء اليأس من شفائها وتحسن حالتها، وهي تحتضر الآن، ومن ثم فلا أملك أي قريحة شعرية، ولكن من حيث طلبتم مني ذلك فقد أنشدت هذه الغديرية بعين باكية، وها أنا ذا أرسلها إليكم.
وصلت الرسالة يوم الخميس إلى العلامة الأميني فتوجه في ليلتها (ليلة الجمعة) إلى حرم أمير المؤمنين (ع)، وفي اليوم التالي سلم رسالة إلى ابنه الشيخ رضا وطلب منه أن يرسلها بالبريد إلى الشاعر محمد عبد الغني، وقال له: لقد قرأت غديريته البارحة في الحرم أمام أمير المؤمنين (ع)، وأنا أحسب أنني قد أخذت شفاء ابنته منه.
كان يقول ذلك وهو واثق من أنه في ارتباطه بأمير المؤمنين (ع) قد نال مراده.
بعد إرسال الرسالة إلى مصر جاء الجواب من الشاعر محمد عبد الغني بعد أسبوعين يقول فيها: سبحان الله، في نفس الليلة التي قلتم أنكم أنشدتم غديريتي في حرم أمير المؤمنين (ع)، أصاب ابنتي حمى شديدة، ثم تحسنت حالتها بعد ذلك وشفيت.
القصة الثاني : مع الشيخ الوهابي في كتابه !
أما الحادث الآخر فهو أن العلامة الأميني (قد) كان مشغولا في تأليف موسوعته \"الغدير\"، وقد وصل إلى طريق مسدود فيما يرتبط بفصل مهم من فصول الكتاب، لأن الكتاب الذي فيه تتمة بحثه مفقود وتعطل البحث لفقدان الحلقة التي تربط سلسلة أحاديثه بعضها بالبعض. ولما عجز عن ذلك قصد كعادته حرم أمير المؤمنين (ع)، واقفا أمام الضريح المطهر شاكيا إليه معاناته في الحصول على هذا المصدر.
وفي اليوم الثاني زاره العلماء والفضلاء، فأخذ يسألهم عن الكتاب المفقود، فقال أحدهم: الكتاب الذي تبحث عنه في الأعظمية في بغداد (وهي منطقة يقطنها في الغالب أهل السنة) عند أحد علمائها، وهو متعصب جدا وناصبي، بالإضافة إلى أنه ضنين بكتابه لا يعيره لأقرب المقربين إليه، فكيف تستطيع الحصول عليه؟!!
قال العلامة الأميني (قد): أستعين بالله عليه، قال: في اليوم الثاني عزمت السفر إلى الكاظمية، وكان ذلك في شهر رمضان والوقت صائف وحار جدا، خرجت من النجف الأشرف فجرا قاصدا زيارة سيد الشهداء (ع) في كربلاء، وكنت صائما ثم فطرت على الماء فقط، ومن ثم قصدت الإمامين الجوادين (ع) في الكاظمية، وبعد أداء مراسم الزيارة توجهت إلى الأعظمية، لأبحث عن الكتاب المفقود وصاحبه. وصلت الأعظمية ضحى، سألت عن دار الشيخ فدلني أحدهم عليه، فلما طرقت الباب خرج الشيخ بنفسه، وما أن رأيته سلمت عليه مصافحا وأقبلت عليه معانقا، فبهت الرجل واستوليت على كيانه ومشاعره، قلت له: علمت أن في مكتبتك الكتاب الفلاني، وقد جئت من النجف لأطالعه وأقرأه، أخذ الرجل وبهت ولم يحر جوابا، وبحكم الهيمنة عليه ما استطاع أن يعتذر مني أو يردني، فقال: تفضل شيخي واصعد إلى المكتبة لتطلع على ما تريد، وصعد معي.
قال العلامة الأميني: دخلت المكتبة وشاهدت الغبار يعلو جميع أجزاء المكتبة، والكتب مبعثرة هنا وهناك، وكأنها مهجورة منذ زمن بعيد ولم تمسها يد منذ أشهر وربما سنين، تركني صاحب المنزل وحدي ونزل، عند ذلك فتحت حزامي ووضعت عمامتي وقبائي فيها وغطيتها عن الغبار، وابتدأت بتنظيف الكتب، وإزالة الغبار وعزلها، وأنا أتصبب عرقا من شدة الحر والجو الخانق، لا مروحة، ولا ماء، حتى ولا طعام، واختلط الغبار بالعرق على رأسي ووجهي وأطرافي، وأنا مشغول في مطالعاتي واستنساخي، حتى العصر وأخذني الإعياء، ولم أصل فريضتي الظهر والعصر، ولا مر علي أحد، وقد احتجت إلى الماء لأشرب وأتطهر.
عند ذلك طرقت الباب الداخلي فجاء الشيخ والنعاس في عينه فارتبك لما رآني بهذه الحالة، ثم قال: أنت لا تزال هنا؟!! وما هذا الغبار الذي يعلو رأسك ووجهك، فو الله لقد نسيت أنك لا تزال هنا بهذا الحر ونسيتك تماما، وقد تناولنا الغداء ولم يبق عندنا شيء نقدمه لك من الطعام إلا القليل، قال الشيخ: لا بأس عليك، آتني بماء لأشرب وأتوضأ، فنزل مسرعا وجاء بالماء، وبعد أن أتم الشيخ صلاته جاءه بالطعام معتذرا لقلته، وقال: هذا الذي فضل من غدائنا مما يدل على أن شهر الصيام لم يصل إلى دارهم بعد\".
القصة الثالثة : علماء العامة يحاولون منع كتاب الغدير -1
يقول الحاج حسين الشاكري:
\"حدثني العلامة الأميني (قدس سره) في داره بالنجف الأشرف، أو في داري ببغداد سنة 1965 م، لا أتذكر ذلك أنقلها بالمعنى: قال:
اجتمع بعض المعممين من رجال الدين من أبناء العامة، وبعض من الشخصيات المرموقة في أجهزة الدولة، ومن العسكريين، والقضاة حينذاك وغيرهم. اجتمعوا بالحاكم الطائفي \"نور الدين النعساني\" بعد أن طغى وتجبر بأحكامه العرفية بالأبرياء من الشباب المؤمنين، حينذاك، وطلبوا منه إحالة \"العلامة الأميني\" على القضاء ومحاكمته بإثارة الطائفية، والتفرقة بين المسلمين بسبب تأليفه كتاب \"الغدير\" الذي أثار الشبهات على الخلفاء الثلاثة بأحاديث الغدير وغيره.
وأخذ هؤلاء النفر يحرضونه على الانتقام منه عن طريق القانون، قال الحاكم \"النعساني\": آتوني كتابه حتى أقرأه ثم أجيبكم على طلبكم، فلما جاءوا إليه بالأجزاء المطبوعة من كتاب \"الغدير\" طلب منهم مهلة ليقرأها، وليجد بعض الثغرات القانونية، وليقدمه إلى المحاكمة ويحكم عليه بأقسى مواد القانون دون رحمة أو شفقة.
مرت أيام وتبعتها أسابيع و\"النعساني\" لم يتطرق إلى كتاب \"الغدير\" بشيء، على الرغم من الاجتماع بهم الذي كاد يكون يوميا، ولما طال بهم الانتظار طالبه بعضهم بالجواب.
قال: باستطاعتي الحكم عليه بالإعدام وتنفيذه وحرق كتبه ومصادرة أمواله وكل ممتلكاته، وإجراء أشد التنكيل به وبمن يلوذ به بشرط واحد، هل تستطيعون تحقيقه؟ فتحمس المجتمعون وقالوا كلهم: نعم ننفذ ونحقق كل ما تطلبه منا، عند ذلك قال: الشرط هو أن تحرقوا جميع مصادركم ومسانيدكم وكتبكم وصحاحكم، حتى لا تكون له الحجة علينا عند تقديمه للمحاكمة، فبهت الذين ضلوا وانحرفوا وقالوا مستفسرين: كيف يمكن ذلك؟! قال: لأن جميع الأحاديث والروايات التي نقلها هي من صحاحكم ومسانيدكم وسيركم وأثبتها في كتابه \"الغدير\" في محاججاته ومناظراته ومناقشاته، عند ذلك أسقط ما في أيديهم ورجعوا بخفي حنين، خائبين مخزيين مخذولين\".
القصة الرابعة : علماء العامة يحاولون منع كتاب الغدير -2
يقول الشيخ رضا الأميني:
\"يحضرني أن بعض علماء أهل السنة اعترضوا على نشر الجزء الثالث والجزء السادس من كتاب \" الغدير \" في العراق عند رئيس الوزراء نوري السعيد، أحدهم حاكم في مدينة الموصل وأحد علماء تلك المنطقة مع أربعة أشخاص متنفذين، وطلبوا منه - أي من نوري السعيد - أن يتدخل ويمنع نشر كتاب \" الغدير \"، والدفاع، عن الخلفاء الثلاثة، فطلب منهم مهلة لمطالعة الكتاب، وبعد فترة رفض طلبهم وقال: بأن مصادر الكتاب كله من كتبنا، ولا يتضمن إلا الأحاديث التي نقلها وكتبها علماء، أهل السنة والجماعة من كتبهم\".
القصة الخامسة : قصة كتاب \"الصراط المستقيم\"
يقول العلامة الأميني:
\" حينما كنت أكتب \"الغدير\" احتجت إلى كتاب \"الصراط المستقيم\" تأليف زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي البياضي، وكان كتاباً مخطوطاً بأيدي أشخاص معدودين، فسمعت أن نسخة منه موجودة عند أحد الأشخاص في النجف.
ذات ليلة وفي أول وقت المغرب رأيته واقفاً مع بعض أصدقائه في صحن الحرم الشريف، دنوت منه وبعد السلام والاحترام ذكرت له حاجتي للكتاب مجرّد مطالعة لأنقل منه في كتابنا \"الغدير\" ما ذكره المؤلف من فضائل أمير المؤمنين (ع).
العجيب أن الرجل فاجأني بالاعتذار! وهو أمر لم أكن أتوقعه!
قلت: إن لم تعطني إياه استعارة اسمح لي أن آتيك منزلك كل يوم في ساعة معينة، أجلس في غرفة الضيوف وأطالع في الكتاب.. ولكنه رفض وأبى!
قلت: أجلس على الأرض في الممر أو خارج المنزل بحضورك إن خفت على الكتاب أو المزاحمة، إلا أنه قال بصلافة أكثر: غير ممكن، وهيهات أن يقع نظرك على الكتاب.
فتأثرت بشدة ولكن ليس لتصرفه الجاهلي، بل كان تأثري لشدة مظلومية سيدي ومولاي أمير المؤمنين (ع) ....
تركته ذاهباً إلى الحرم فوقفت أمام الضريح الشريف مجهشاً بالبكاء، حتى كان يهتز جسمي لشدة البكاء الذي انطلق من غير إرادة مني وبينما أحدث الإمام (ع) مع نفسي بتألم إذ خطر في قلبي: أذهب إلى كربلاء غداً في الصباح.
وعلى الأثر انحسرت دموعي وشعرت بحالة من الفرح والنشاط، عدت إلى البيت وأخبرت زوجتي بنيتي الذهاب إلى كربلاء ورجوتها أن تهيئ لي فطور الصباح مبكراً.
قالت مستغربة: في العادة تذهب ليلة الجمعة لا وسط الأسبوع، ما الأمر؟، قلت: عندي مهمة.
وهكذا وصلت إلى كربلاء فذهبت إلى حرم الإمام الحسين (ع)، رأيت هناك أحد العلماء المحترمين، تصافحنا بحرارة ثم قال: ما سبب مجيئك إلى كربلاء وسط الأسبوع، خيراً إن شاء الله؟ قلت: جئت لحاجة، فإذا به يقول برجاء: أريد أن أطلب منك أمراً؟ قلت: تفضل، قال: ورثت من المرحوم والدي كمية من الكتب النفيسة، لا أستفيد منها في الوقت الحاضر، شرّفنا إلى المنزل وخذ ما ينفعك منها إلى أي وقت تشاء.
وعندما قصدته في صباح اليوم الثاني وضع الكتب بين يدي وكان في طليعتها نسخة من كتاب \"الصراط المستقيم\"! ما إن وقع نظري عليه وأخذته بيدي حتى انهمرت دموعي بغزارة، فسألني عن سبب بكائي.. فحكيت له القصة، فبكى هو الآخر، هكذا أخذت الكتاب واستفدت منه، وأرجعته إليه بعد ثلاث سنوات\".
القصة السادسة : عناية أمير المؤمنين عليه السلام بالعلامة الأميني في المحشر ..
قال السيد محمد تقي الحكيم مؤلف كتاب \"الأصول العامة للفقه المقارن\" في النجف الأشرف، بعد وفاة العلامة الأميني (رض):
حدثني أحد علماء خوزستان الأجلاء، قال: رأيت فيما يرى النائم، كأن القيامة قد قامت، والناس في المحشر يموج بعضهم في بعض، وهم في هلع شديد، وفي هرج ومرج، كل واحد منهم مشغول بنفسه، ذاهل عن أهله وأولاده، ويصيح: إلهي نفسي نفسي النجاة، وهم في أشد حالات العطش، ورأيت جماعة من الناس يتدافعون على غدير كبير، من الماء الزلال، تطفح ضفتاه، وكل واحد منهم يريد أن يسبق الآخر لينال شربة من الماء، كما رأيت رجلا نوراني الطلعة، مربوع الجسم، مهيب الجانب يشرف
على الغدير، يقدم هذا ويسمح لذاك أن ينهل ويشرب، ويذود آخرين ويمنعهم من الورود والنهل، عند ذلك علمت أن الواقف على الحوض والمشرف على الكوثر هو الإمام علي أمير المؤمنين (ع)، فتقدمت وسلمت عليه فاستأذنت منه لأنهل من الغدير وأشرب، فأذن لي فتناولت قدحا مملوءا من الماء فشربته، ونهلت، وبينما أنا كذلك إذ أقبل العلامة الأميني (قد) فاستقبله أمير المؤمنين (ع) بكل حفاوة وتكريم معانقا إياه، وأخذ كأسا مملوءا بالماء وهم أن يسقيه بيده الشريفة، فامتنع الأميني في بادئ الأمر، تأدبا وهيبة، ولكن الإمام (عليه السلام) أصر على أن يسقيه بيده الكريمة، فامتثل الأميني للأمر وشرب، فلما رأيت ذلك تعجبت، وقلت: يا سيدي يا أمير المؤمنين، أراك رحبت بالشيخ الأميني، وكرمته بما لم تفعله معنا، وقد أفنينا أعمارنا في خدمتكم وتعظيم شعائركم، واتباع أوامركم ونواهيكم، وبث علومكم؟!! فالتفت إلي أمير المؤمنين (ع) وقال: \"الغدير غديره\".
القصة السابعة : كيف سيقابل أمير المؤمنين (ع) صنيع العلامة الأميني؟
يقول الشيخ محمد هادي الأميني:
\" مما لا ريب فيه أن العلامة الأميني ما كان يمكنه تأليف كتاب الغدير إلا بإمدادات غيبية من الأئمة المعصومين (ع)، وكان أهلا لذلك، لما تميز به شيخنا الوالد من الإخلاص والعبادة والتهجد وتلاوة آيات القرآن المجيد.
فعندما أردت العودة إلى إيران من النجف الأشرف، وذلك بعد وفاة شيخنا الوالد - تغمده الله برحمته - سنة 1390 ه = 1970 م ذهبت إلى سماحة آية الله السيد محمد تقي بحر العلوم - وهو من أحفاد بحر العلوم الكبير - فعندما رآني بكى، فقلت: ما يبكيك؟!
قال: منذ أن توفي المرحوم والدك كنت أفكر كيف سيقابل أمير المؤمنين (ع) صنيع والدك! حتى رأيت فيما يرى النائم في إحدى الليالي، كأن القيامة قائمة والناس محشورون في صحراء المحشر، وأنظارهم باتجاه بناء عرفت - فيما بعد - أنه حوض الكوثر، فتقدمت نحو الحوض فوجدت أمير المؤمنين (ع) واقفا على الحوض يسقي من يعرفه بأقداح من البلور، فما زال الأمر كذلك حتى سمعت همهمة قد ارتفعت من القوم، فقلت: ما الخبر؟! قيل: جاء الأميني، فصرت أنظر إلى أمير المؤمنين (ع) كيف يواجهه وماذا يصنع به، فإذا به (ع) ترك الأقداح وملأ كفيه بالماء ثم نثره على وجه الشيخ الأميني، وقال: بيض الله وجهك بيضت وجوهنا، فعرفت عند ذلك منزلة الأميني عند أمير المؤمنين لتأليفه كتاب الغدير\".
القصة الثامنة : عتاب العلامة الأميني لأمير المؤمنين عليه السلام
يقول العلامة الأميني:
\" كنت في إحدى ليالي الجمع زائرا حرم أمير المؤمنين (ع) مشغولا بالزيارة والدعاء، طالبا من الله سبحانه وتعالى وبشفاعة أمير المؤمنين أن يهيئ لي كتاب \"درر السمطين\" النادر في حينه قبل أن يطبع لإكمال بحث مهم من فصول الغدير، وبينا كنت مشغولا بالدعاء إذ حضر قروي لزيارة أمير المؤمنين (ع) طالبا من حضرته أن يقضي حاجته ويشافي بقرته، وبعد أسبوع جاء القروي نفسه للزيارة ليشكره على استجابة طلبه وقضاء حاجته.
ومن حسن الصدف أني كنت حاضرا بالحرم الشريف أجدد العهد وأقوم بواجب أداء الزيارة، ولما سمعت كلام القروي هزتني الحادثة، لأن أمير المؤمنين (ع) قضى حاجة القروي ولم يقض حاجتي وطلبي. أخذت مني هذه الحادثة مأخذها وانفعلت، فقلت مخاطبا الإمام: استجبت طلب القروي وقضيت حاجته!! وأنا صار لي مدة أتوسل إلى الله بحقك أن أحصل على الكتاب المفقود ولم أحصل عليه، وهل أن الكتاب أريده لنفسي أو لكتابك الغدير؟ بكيت وجرت دموعي، ثم خرجت من الحرم وأنا في حالة نفسية سيئة، وتلك الليلة ما أكلت شيئا من شدة تأثري وأويت إلى فراشي أرقا، رأيت كما يرى النائم أني تشرفت بخدمة أمير المؤمنين، قائلا لي: القروي ضعيف الإيمان وما يصبر عن حاجته، فنهضت من نومي وأنا فرح مستبشر.
وفي الصباح وأنا على مائدة الإفطار إذ طرق الباب جار لنا وكان شغله بناء، فلما دخل سلم وقال: شيخنا أني اشتريت دارا جديدة أوسع من هذه، ونقلت معظم فرشي فوجدت هذا الكتاب القديم وكان عندنا في زاوية الغرفة، قالت لي زوجتي: هذا الكتاب ما ينفعك ولا تقرأه، قدمه هدية إلى جارنا الشيخ الأميني لعله يستفيد منه، قال الأميني: أخذت الكتاب ونفضت ما عليه من غبار، وإذا به نفس الكتاب الخطي الذي كنت أبحث عنه من مدة غير قصيرة، عند ذلك سجدت لله شكرا على هذه النعمة\".
القصة التاسعة : قصة كتاب \"ربيع الأبرار\" مع الشيخ محسن أبو الحب
يقول السيد عباس الكاشاني:
زرت العلامة الأميني في النجف الأشرف مع السيد مصطفى الكشميري والسيد عبد الكريم الكشميري والشيخ محمد علي السنقري من أجلة علماء كربلاء، فقال لي العلامة الأميني:
\" عندما وصلت في تأليفي إلى الجزء السادس من \" الغدير \" احتجت لبعض الأحاديث والروايات المهمة في كتاب \"ربيع الأبرار\" للزمخشري، وهذا الكتاب - قبل أن يطبع وينشر - كان خطيا ونادرا ولا يوجد منه إلا ثلاث نسخ خطية، واحدة منها عند الإمام يحيى في اليمن، والثانية في المكتبة الظاهرية بدمشق، والنسخة الثالثة عند أحد الآيات العظام في النجف الأشرف، ولما توفي هذا العالم (رحمه الله)، ورث المكتبة - بما فيها هذا الكتاب – ولده، فقصدته بنفسي وطلبت منه أن يعيرني الكتاب ثلاثة أيام، فامتنع، قلت له: أعرنيه يومين فامتنع، طلبته يوما واحدا فامتنع أيضا، قلت له: أعرنيه ثلاث ساعات امتنع، وأخيرا قلت له: اسمح لي أن أطالعه عندك في دارك، فامتنع كذلك !!
أسقط ما في يدي، وتحيرت، ماذا أعمل، ولمن أذهب؟!! قصدت بعدها المرجع الديني الأعلى السيد أبو الحسن الأصفهاني يومذاك، ليشفع لي في إعارة الكتاب، ففعل وامتنع الوارث، ثم ذهبت الى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء لعله يعيره الكتاب، فامتنع عن إعارته.
وبعد أن أصابني اليأس قصدت الحرم المطهر وشكوت أمري إلى أمير المؤمنين (ع)، ثم ذهبت إلى داري مهموما مغموما، وبعد سهر الليل، أخذتني سنة من النوم، فرأيت فيما يرى النائم أمير المؤمنين (ع) فشكوت إليه حالي وما عانيت بسبب الحصول على الكتاب المزبور، فقال لي: جواب سؤالك عند ولدي الحسين، فاستيقظت على أثر ذلك وقمت من فراشي، وأسبغت الوضوء - وكان ذلك قبيل الفجر - وارتديت لباسي قاصدا حرم سيد الشهداء (ع) في كربلاء، استأجرت سيارة من موقف السيارات، وما أن وصلت كربلاء حتى قصدت الحرم المطهر، وبعد أداء فريضة الصبح ومراسيم الزيارة شكوت للإمام أبي عبد الله الحسين (ع) حالي وما أمرني به أبوه أمير المؤمنين (ع).
وبعد ذلك خرجت من الحرم متجها إلى حرم أبي الفضل العباس (ع)، وبعد أداء مراسيم الزيارة، شكوت له حالي كما شكوت قبل ذلك إلى أبيه وأخيه، لعلي أجد ضالتي، ثم خرجت إلى الصحن الشريف، وكان ذلك أوان شروق الشمس، وما أن جلست في أحد الأواوين وأنا أحدث نفسي إذ أقبل إلي الخطيب المفوه الشيخ محسن أبو الحب - وهو أبرز خطيب في كربلاء في حينه - فسلم علي وعانقني مرحبا بي، ثم دعاني إلى داره القريبة للاستراحة ولتناول فطور الصباح، فأجبت الدعوة وذهبت معه، وكان الوقت صائفا فجلسنا في المكان المعد لنا في حديقة داره، وبعد استراحة قصيرة قلت له: أرني مكتبتك، قال: إن شاء الله بعد أن نتناول الفطور، قلت: إني آنس بالمكتبة والكتاب أكثر مما آنس بالجنينة وأزهارها، فامتثل الشيخ محسن أبو الحب، فرافقني إلى مكتبته، وإذا بها مكتبة عامرة كما وكيفا، فصرت أجول بين الكتب: أقلب هذا، وأتفحص ذاك، وأطالع الآخر حتى عثرت على ضالتي المنشودة، ووجدت الكتاب الذي أبحث عنه \"ربيع الأبرار\" للزمخشري.
ولما مسكته بيدي عرفت سر أمر أمير المؤمنين (ع)، ثم خنقتني العبرة وأجهشت بالبكاء، فجاءني صاحب الدار مستغربا، ومستفسرا عن سر بكائي! فحدثته عن مجريات الأمور مفصلا، وقلت له: إن أمير المؤمنين (ع) أمرني وحولني على ابنه أبي عبد الله الحسين (ع)، والذي حولني بدوره عليك.
فلما سمع الشيخ محسن أبو الحب ذلك بكى ثم هزته الأريحية، فأمسك بالكتاب وقال: شيخنا الجليل، هذا الكتاب الخطي يعتبر من النوادر، وإن قاسم محمد الرجب - الناشر وصاحب مكتبة المثنى ببغداد - دفع لي به مبلغ ألف دينار لشرائه حتى يطبعه فما أعطيته إياه، فأخرج القلم من جيبه وكتب عليه إهداءه إلى العلامة الأميني، وقال: هذا جواب حوالة سيدي الإمامين أمير المؤمنين علي والحسين (عليهما السلام)\".
القصة العاشرة : قصة كتاب نادر جداً
يقول السيد محمد علي الشهرستاني:
\"في مجلس شيق ضمنا وإياه وكان منشرحا، حدثنا بقوله (ره): احتجت إلى كتاب نادر لإكمال بحثي، قصدت دار أحد الآيات العظام لأستعير الكتاب امتنع وقال: إذا شئت الكتاب تفضل في مكتبتي وطالعه هنا فإني لا أعير أي كتاب ولا يخرج من مكتبتي أبدا، وبما أن ذلك كان محرجا لنفسي ووقتي، تركت داره وتوجهت إلى الحرم المطهر، وشكوت حالي إلى أمير المؤمنين )ع) وكأن نداء طرق سمعي: عقدة كتابك يحلها ولدي الحسين (ع).
خرجت فورا من الحرم وتوجهت فورا إلى كربلاء وبعد إتمام مراسيم زيارة سيد الشهداء الحسين (ع) وأخيه أبي الفضل العباس (ع)، وكان الوقت ظهرا وفي عز الصيف، وصلت قريبا من موقف السيارات المتجه إلى النجف سلم علي شاب مؤدب، لباسه \"جاكيت وبنطلون\" من سكان كربلاء وقال: هل تشرفت إلى الحرم وأديت مراسيم الزيارة؟ قلت: نعم وكانت عندي حاجة عند الإمام الحسين والآن أريد العودة إلى النجف الأشرف، قال لي الشاب شيخنا في هذا الوقت في عز الحر! وأنت عازم قطع هذه الصحراء القاحلة، هذا غير صحيح وخطر، لا سمح الله لو تعطلت السيارة في الطريق فأنت تعرض حياتك للخطر، أنا ابن فلان، فعرفته، أرجوك أن تتفضل معي وتستريح في داري، وبعد الغداء وأخذ القيلولة والراحة، ترجع سالما إلى النجف الأشرف.
استجبت دعوته وذهبت معه إلى داره، وبعد أداء صلاة الظهر والعصر، قدم لي الشاب الغداء، وبعده أخذني إلى مكان آخر لآخذ قسطا من الراحة والنوم، وقبل أن يتركني جاء برزمة كتب غير مرتبة وعليها غبار متراكم وقدمها بين يدي وقال: شيخنا إني ما توفقت لاتباع منهج أجدادي وآبائي في التحصيل ودراسة العلوم الدينية، لكن والدي ترك لي هذه الرزمة من الكتب لتكون تذكارا له عندي، وهي الآن تحت تصرفكم، قال هذه الكلمة وودعني وتركني وحدي فأخذت أزيل الغبار والأتربة عن الكتب وأول كتاب أخذته كان ذلك الكتاب الذي أبحث عنه، وبمجرد أن أمسكته بيدي سجدت لله شكرا على هذه النعمة التي مدني بها عالم الخفيات والتي أرشدني إليها إمامي وسيدي أمير المؤمنين وولده الإمام الحسين (ع)\".
القصة الحادية عشر : لا تترك زيارة عاشوراء لأي سبب وفي أي وقت ولا تنساها !
يقول الدكتور محمد هادي الأميني:
\"بعد مضي أربع سنوات من وفاة والدي العلامة الأميني النجفي، وفي سنة1394هـ رأيته في عالم الرؤيا إحدى ليالي الجمعة وقبل أذان الفجر فرحا ومسرورا، تقدمت نحوه، وبعد عرض السلام وتقبيل اليد قلت له: أبي، أي الأعمال استوجبت نجاتك وسعادتك؟ قال : ماذا تقول؟ قلت له ثانية :سيدي في هذا المكان الذي تقيم فيه الآن أي الأعمال تسبب في نجاتك : كتاب \"الغدير\" أو بقية التآليف أو تأسيس مكتبة أمير المؤمنين (ع) ؟
قال : لا أعرف ما تقول؟! تكلم بشكل أجلى وأوضح، قلت : أبي العزيز، لقد رحلت عنا وانتقلت إلى عالم آخر، ففي الموضع الذي أنت فيه أي الأعمال كان سببا في نجاتك من بين مئات الخدمات والأعمال العلمية والمذهبية والدينية الكبيرة؟ وبعد تأن وتأمل قال: فقط زيارة أبي عبد الله الحسين (ع)، قلت له : أنت تعلم أن العلاقات السياسية بين إيران والعراق متوترة حاليا ولا يمكننا السفر إلى كربلاء، فقال: شارك في المجالس التي تقام لأجل عزاء الإمام الحسين (ع) فإنهم يعطونك ثواب زيارة الإمام الحسين (ع)، ثم قال لي: يا ولدي العزيز لقد أوصيتك في السابق كثيرا وأوصيك الآن أيضا أن لا تترك زيارة عاشوراء لأي سبب وفي أي وقت، ولا تنساها، اقرأ زيارة عاشوراء بشكل دائم واعتبر ذلك وظيفة لك, فإن لهذه الزيارة فوائد وبركات وآثار كثيرة, وهي طريق نجاتك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
كان العلامة الأميني مع كثرة مشاغله وتآليفه واهتمامه بمكتبة أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف مواظبا على قراءة زيارة عاشوراء، ويوصي دوما بقراءتها\".