عربي
Tuesday 23rd of April 2024
0
نفر 0

وقفات مع دولة الامام المهدى عليه السلام

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

(( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ))

صدق الله العلي العظيم

تمر الأمة الاسلامية هذه الايام بمنعطف خطير ربما كان هو الاخطر في تاريخ حياتها منذ ان اشرق فجر الإسلام قبل أربعة عشر قرنا على يد خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا ومولانا ابي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله) .

وبنظرة سريعة لحال أمة القرآن والأرض التي نمت عليها حضارتهم الإسلامية الخاتمة والتي كانت يوما ما قبلة الامم ومنبر العلم لكل شعوب الارض , نجد أن هذه البلاد التي كانت تحيى يوما في أرقى درجات العزة والكرامة والحرية والتقدم والرفاهية بما من الله به عليها من ثروات وخيرات في باطن الارض وفوقها وموقع جغرافي متميزفي مركز العالم جعلها ملتقى اتصالاته ومركز انطلاقه , قد أمست مرتعا لعصابات السلب والنهب ومصاصي الدماء المدعومين بقوى الشر والطغيان والاستكبار العالمي , فاستباحوا ديارها ونهبوا ثرواتها وخيراتها ودنسوا مقدساتها حتى رسولها الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يسلم من الطعن والتطاول على ذاته الشريفة المقدسة .

يحدث هذا فى امة خرجت جيوشها يوما تثار لإمرأة أن جذب يهودي ثوبها فصاحت .. وامعتصماه ... فأجابها الخليفة .. لبيك يا إمرأة !!! .

وهنا تنكشف لنا حقائق اخرى اكثر مرارة وهي :

أن هذه القوى الشيطانية المتغطرسة قد وعت دروس الماضي القريب وتعلمت من تجاربها السابقة فكبلت ابناء الامة الاسلامية ورجالها بقيود حديدية حريرية , هم من قدمها لهم وأعانهم عليها بعد أن زينوا لهم حب الدنيا وكراهية الموت وإن كان في سبيل الله أو دفاعا عن مقدساتهم وأعراضهم , فتركوا كتاب الله وراء ظهورهم واتخذوه مهجورا فلم يبق لهم من القرآن إلا رسمه ومن الاسلام إلا اسمه يسمون به وهم ابعد الناس عنه , ولم يقنع الشيطان الاكبر وحلفه بما حققوه من مكاسب ومطامع , وان مكرهم لتزول منه الجبال ، فاستقطب إلى معسكره علماء الضلالة وفقهاء الفتنة الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان فرفعهم إلى جنبه وأجلسهم إلى جواره ونفخ فيهم من روحه بما يمتلك من خزائن عامرة وآلة إعلامية كاسحة لانجاز مخططاته المشؤومة في بلاد المسلمين , فغرروا بابناء الامة وخيرة شبابها وزجوا بهم في حرب مريرة على أرض أفغانستان المسلمة تحت شعار براق هو (( الجهاد الاسلامي في مواجهة الالحاد الكافر )) ولم يتبادرإلى ذهن هؤلاء الذين تركوا ديارهم وذراريهم من خلفهم وجاءوا من شتى البلاد الاسلامية للجهاد في سبيل الله , إنما هم يقومون بحرب بالوكالة عن الجيش الامريكي وحلف الناتو للقضاء على العدو اللدود والخصم الاوحد لامريكا وهو روسيا وحلف وارسو , وبعد أن أنجز المجاهدون المهمة على الوجه الاكمل , جاءت المكافاة من الشيطان الأكبر , فشن حربا شعواء على أرض أفغانستان فأمطروها بالصواريخ والقنابل الفتاكة فجعل عاليها سافلها وهدم البلاد فوق رؤوس أهلها من النساء والأطفال والشيوخ ومن استطاع الهرب منهم لجأ إلى الكهوف والمغارات ومن عاد الى بلاده وجد ابواب السجون والمعتقلات مفتحة أمامه , ومن وقع في الاسر اقتيد إلى جوانتانامو !! .

ولم يتوقف المخطط ولم يع المسلمون الدرس ويتعلموا من تحاربهم السابقة القريبة فتعود الأفعى الأمريكية مرة أخرىوتبث سمومها بين ابناء أمة الاسلام فتضرب على أوتار خلافات مذهبية وطائفية بالية كانت قد اندثرت منذ قرون بين طائفتين عظيمتين هما عصب الامة الإسلامية , ومرة أخرى يقف الأخوة المجاهدون في مواجهة إخوانهم في بلاد الرافدين , لكن هذه المرة تحت شعار (( الجهاد الاسلامي في مواجهة الرافضة )) ويعنون بهم شيعة أهل البيت عليهم السلام , فيشتبك الطرفان في حرب طاحنة أتت على الأخضر واليابس وأفنت خيرة الشباب والابناء , حرب يراد لها أن تنتقل إلى دول الجوار وسائر البلاد الاسلامية فيثب الجار على جاره والأخ على اخيه راجيا بذلك وجه الله تعالى كما أخبرهم بذلك علماء الضلالة وفقهاء الفتنة .

ومن العجيب أن يتوجه هؤلاء إلى الله تعالى ويرفعوا إليه اكف الضراعة ربنا اكشف عنا العذاب إنا راغبون , بل ويسالونه أن يظهر لهم مهدي هذه الامة الذي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ليقطع دابر المتكبرين ويجتث اصول الظالمين وهم لا يعلمون من منهم سيكون من أتباعه ومن منهم سيقف مع أعدائه , من منهم سيمد له يده بالبيعه فيقبلها ومن منه سيمده له فيقطعها , هل هم الذين لزموا آبائه واجداده من أئمة أهل بيت النبوة ولم يرتضوا بغيرهم بدلا ولم يبغوا عنهم حولا , أم الذين عادوهم وحاربوهم وصدوا الناس عن موالاتهم واتباعهم والتمسك بهم والتلقي عنهم , فمن الثابت المتواتر عند كافة المسلمين أن عند ظهور حجة الله ووليه الإمام الهادي المهدي عليه السلام يخرج عليه رجل أبرص قرشي يدعي الاسلام وهو السفياني في جيش جرار من مائة الف مسلم على اقل الروايات ذكرا ، لقتال الإمام المهدي المنتظر عليه السلام وهو يومئذ بمفرده إلا من نفر من اصحابه بعدد أهل بدر

يقول الله تعالى : (( هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من رؤوسهم الحميم ))

فلمسلم أن يسال اي الفريقين أحق بالأمن ؟ وفي اي المعسكرين سيكون مقامه وموقفه ؟

\" بنفسي انت من مغيب لم يخل منا , بنفسي انت من نازح ما نزح عنا , بنفسي انت أمنية شائق يتمنى من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنا \"

ان تدبر قول رسول الله (ص) عن وليه (عليه السلام ( يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يعني أن العدل في دولة الإمام المهدي عليه السلام سوف يعم كل بني الإنسان على الأرض وليس المسلمون خاصة بل إنه ليمتد ويشمل حتى ينعم به الطير في الهواء والحيتان في البحار , فعند الظهور المبارك يخاطب الإمام المهدي عليه السلام جميع أهل الديانات السماوية انطلاقاً من عالمية ثورته ويدعوهم إلى تحقيق الأهداف السماوية التي جاء بها انبياء الله ورسله الكرام , وهذا يعني أنه سيكون له من الأصحاب والأعوان من كان يظن أنه ليس منه من العرب والعجم وغيرهم , تماما كما كان من اصحاب رسول الله (ص) الذي آمنوا به وايدوه ونصروه ولم يرتابوا فيه ولا فيما آتاهم به , فهل يوجد بيننا من هم على نفس الدرجة من صلابة الإيمان وصفاء العقيدة والاخوة والمحبة في الله والتراحم والتسامح ولين الجانب التي كانت لاصحاب الرسول الأكرم (ص) ؟

إن عدم ظهور الإمام المهدي المنتظر حتى اليوم يرجع سببه إلى المسلمين أنفسهم بما قدمت ايديهم !

فمنهم من مزقتهم خلافاتهم وكثرة انشقاقهم على انفسهم وتعصبهم لما يرونه حقا في دين الله , ,قذفهم لكل من خالفهم بالكفر والشرك والضلال , فتفرقوا إلى جماعات وفرق شتى وانكسرت شوكتهم فسهل على أعدائهم قهرهم واستعبادهم من حيث لا يشعرون أو يشعرون !

هذا هو حالهم رغم زعمهم الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله (ص) مع تضييعهم لفريضة الإمامة التي شرعها الله تعالى لخلافة النبوة في حفظ الدين وسياسة الرعية وإقرارهم بوجوبها وفرضها فرض العين على كل مسلم ، , وان عقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم , واشترطوا في أهل الإمامة سبعة شروط وهي:

الأول : العدالة على شروطها الجامعة

الثاني : العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام

الثالث : سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان

الرابع : سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض

الخامس : الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح

السادس : الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو

السابع : النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه

والمدقق في هذه الشروط وأكثر منها يجد أنها لا تتوفر إلا في رجال من أهل بيت النبوة رفعهم الله فوق درجة العدالة , فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , واصطفاهم من بين خلقه بسابق علمه وحكيم قدرته من سلالة الأنبياء وأبناء الأنبياء من ذرية آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين , ثم أورثهم الكتاب فجعلهم باب مدينة العلم النبوي وتراجمة وحي الله وحملة كتاب الله وأوصياء نبي الله (ص) الذي أوصى الامة بهم قائلا : يوشك ان أدعى فاجيب وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض , آخرهم هو الإمام الهادي المهدي عليه السلام الذ قال فيه جده المصطفى (ص) المهدي من عترتي من ولد فاطمة , وهل قريش إلا ذرية إبراهيم وآل محمد على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام ، أول من سكن مكة وجاور بيت الله الحرام واستجاب الله فيهم دعوة ابراهيم عليه السلام (( ربنا انى اسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك الحرام ، ربنا ليقيموا فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم ))

لكن القوم كانوا قد أعرضوا عن آل بيت رسول الله وائمة الهدى )ص( ، ولم يرضوا بهم أئمة وقادة , لذلك لا أكون مبالغا إذا قلت أن منهم من سيحارب الإمام المهدي عند ظهوره وسيتأول عليه كتاب الله كما تأوله من قبل الخوارج على أمير المؤمنين عليه السلام ورموه بالكفر , بل سيقفون في الخندق المواجه له مع السفياني وجنده

يقول الله تعالى :

\"أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ\" البقرة الشريفة - الاية الكريمة رقم 246

عن الباقر عليه السلام ان بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن امر ربهم وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه ، وروي انه ارميا النبي فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط فأذاهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ أموالهم واستعبد نساءهم ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر ولم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد فمن ذلك قالوا إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فقال لهم نبيهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا وكان كما قال الله تعالى فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم وقالوا نحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف وكان طالوت من ولد ابن يامين اخي يوسف لأمه ولم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة قال لهم نبيهم ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم وكان أعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان أعلمهم الا أنه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال .

فظهور الإمام المهدي في آخر الزمان أمر لا خلاف عليه بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم , كما أخبر بذلك رسول الله (ص) وبشّر به وذكر ألقابه وصفاته وعلاماته وغير ذلك ، ومن هذه الاوصاف والعلامات انه من ذرية رسول الله (ص) من أهل بيت النبوة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وتطهيرا , ومن ولد الامام الحسين تحديدا , وهو من الذين اصطفاهم الله بسابق علمه وجليل حكمته من ذرية آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين , يقول الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } آل عمران33,34

فهل يقبل الناس بأن يكون إمامهم من اهل بيت رسول الله (ص) ) من ذرية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء أهل الجنة , أم أن سيرتهم معه ستكون كسيرة اسلافهم مع آبائه وأجداده ؟ هل سيقبلونه ويرتضونه إماما عليهم فيسمعون ويطيعون له ؟ أم انهم سيرفضونه ويرفضون إمامته كما رفضوا من قبل إمامة أئمة أهل بيت النبوة , الإمام علي والامام الحسن والامام الحسين وذريتهم عليهم السلام ؟

إن الامام المهدي عليه السلام يسير بسيرة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) الذي قال فيه : (( رجل من عترتي يُقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي )[1] وقد سمي المهدي لأنه يهدي الناس الى أمر قد دُثر وضل عنه الجمهور»[2] وهو يحيي صورة الحكم الإسلامي التي جسدها من قبل وبأسمى صورها رسول الله (ص) ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كان همه الكبير كقائد رسالي بعد رسول الله (ص) محاولة تطبيق الصيغة الاسلامية الصحيحة للحياة الانسانية على المجتمع المسلم في سبيل بناء الانسان المتكامل , كان همه الأول بناء المجتمع وإيجاد افضل الطرق والوسائل التي ترتقي بمعيشته الاجتماعية وترتفع بها إلى آفاق متجددة من القوة والهيبة والامان والرفاهية داخل الاطار الاسلامي المحمدي الاصيل , فكان عهده إلى واليه على مصر مالك الاشتر والذي عرف بعهد الاشتر أو كما لقبه رجال القانون فيما بعد بـ )) دستور الولاة )) الذي لم تر البشرية - كما شهد بذلك علماؤها ومفكروها - حتى اليوم مثيلا له في شموله وتمامه وعبقريته كذلك إحكامه وصرامته مع الحاكم وعطفه وإعذاره للرعية بل وأمتعتها ودوابها , يقول أمير المؤمنين عليه السلام لواليه :

وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة والمحبّة لهم و اللّطف بهم , ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان إمّا أخ لك في الدّين وإمّا نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزّلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الّذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، واللّه فوق من ولاّك , وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم

ويقول لعامله على الصدقات :

((...... ثمّ تقول : عباد اللّه ، أرسلني إليكم وليّ اللّه وخليفته لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم ، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه ؟ فإن قال قائل لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم ، فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه ، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة . فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه ، فإنّ أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليه دخول متسلّط عليه ولا عنيف به ، ولا تنفّرنّ بهيمة ولا تفزعنّها ولا تسوءنّ صاحبها فيها ((

والامام المهدي أو المهدي المنتظر أوالمصلح العالمي كما يتوسمه أهل المذاهب الفكرية والفلسفية , هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً كما تواترت بذلك الأحاديث النبوية الشريفة ، وهذا الامر يتطلب علما وفقها تاما ومطلقا بأحكام الشريعة الاسلامية , ليس فقط ما يخص المسلم وما ملكت يداه , بل حتى الدواب والانعام والحشرات ,وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام : وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُ [3]

وهناك من ينتظر ظهور قائم آل محمد عليه السلام لينعم بالخير والعدل في كنفه وتحت ولايته يوم أن يخرج ليملأ الأرض قسطا وعدلا وهو غافل عن وجوب تربية وتهيئة نفسه والآخرين إن استطاع حتى يمهد الظروف المناسبة لاستقباله الشريف آخذ بالفهم السطحي الساذج لحديث رسول الله (ص) : أفضل اعمال أمتي انتظار الفرج على أنه الاكتفاء بالعبادات والصلوات والنوافل وترك العمل والسعي إلا لكسب المعيشة وسد الحاجة .

أما من فهم الحديث بالمعني الذي اراده رسول الله وبينه من بعده أهل بيته (صلوات ربي عليهم اجمعين)فقد واصل العمل والجهاد بيده ولسانه وقلبه ليلا ونهارا إعدادا لظهور الإمام عليه السلام وتمهيدا لقيام دولة العدل الإلهي تحت إمرته مبتغيا بذلك وجه الله تعالى .

وهذا يعني وجوب وجود افراد على جهوزية عالية عقائدياً ونفسياً وبدنياً ومن حيث الكفاءات ليكونوا في خدمة القائد المهدي عليه السلام .

فالعقبات والموانع التي تحول بيننا وبين ظهوره الشريف عليه السلام والتي ستتصدى لبرنامجه ومنهجه القرآني بعد قدومه المبارك ليست افراداً فقط وجماعات بل دول وانظمة وأمم منحرفة وظالمة وطاغية , وهذا ما لا يمكن مواجهته والتصدي له بالصلاة والدعاء والأوراد فحسب ولا بشكل فردي دون عمل جماعي منضبط ومتنامي

عن الصادق عليه السلام في وصف أنصار الامام المهدي عليه السلام قال: رجال لا ينامون الليل لهم دوي كدوي النحل ، يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، وهم من خشية اللّه مشفقون

ومن ثم فلما وجدت رجال حملوا على كواهلهم هموم وأعباء أمتهم , كان الحدث الذي غير وجه التاريخ ومسار حركة الكون ، الا وهو اندلاع الثورة الإسلامية المباركة في إيران بعزيمة شباب وكهول عزل وقيادة روح الله الموسوي الإمام الخميني قدس الله سرة الشريف ، ذلك الرجل الذى اخلص تمام الاخلاص ووصل الى حق حقيقة اليقين بامام زمانه صلوات الله وسلامه عليه ، وتمكن بفضل وعناية الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف ان ينهض بالامة الايرانية لتكون ممهدة وبحق للظهور الشريف بل استطاع بفضل عمق ارتباطه بامام الزمان وبفضل سحقه التام لنفسه والتوجه المطلق لوجه الله تعالى ان ينهض بالعديد من الافراد والتكتلات والجماعات فى شتى ارجاء الارض صانعا بذلك الارضية المناسبة لاستقبال الحدث الاكبر الذى تنتظره البشرية جمعاء الا وهو ظهور المخلص الحجة بن الحسن صلوات الله وسلامه عليه .

فاطاح الامام باكبر إمبراطورية ترتكز على أقوى وأمنع الاسلحة ، وانطبق عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام قال : يخرج رجل من قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم كزبر الحديد لا تزلزلهم الحوادث ولا يملون ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين [4]

وبديهي أن هذا النصر ما كان ليتحقق إلا بالعمل الايجابي لمفهوم انتظار الفرج , وما كان هؤلاء الرجال لينجحوا فيما عزموا عليه وخرجوا من أجله وخلفوا ذراريهم وبيوتهم من ورائهم إلا بعد أن استقامت معرفتهم بإمامهم وما فرضه واوجبه عليهم من واجبات وتكاليف فرسخ في افئدتهم أن كل ما يقدمونه من عمل وجهاد وتضحية إنما هو عين ما فرضه الله على عباده , فكيف عرف هؤلاء الفتية إمامهم ومراده منهم ؟

جاء في دعاء زمن الغيبة المروي

عن الامام الصادق عليه السلام :

(( اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك ، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ((

فحتما ليست المعرفة هى ما يصطلح عليها بالمعرفة الأطفالية اى معرفة اسمه المهدى صلوات الله وسلامه عليه وانه غائب وسيعود ، فأطفالنا يعرفون هذا ، ولكن موضوع المعرفة موضوع جد عميق والكلام فيه سيطول ، لان للمعرفة درجات منها ما لا يمكن الوصول اليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : \" يا على ، لا يعرف الله الا انا وانت ، ولا يعرفنى الا الله وانت ، ولا يعرفك الا الله وانا \" ، وكقول سيد الساجدين صلوات الله وسلامه عليه : \" ولم تجعل للخلق طريقا الى معرفتك الا بالعجز عن معرفتك \" .

ومنها المعرفة النورانية وهى التى نطالب نحن كمؤمنين بها وسنسأل عنها فى الدنيا والآخرة وهى المعرفة التى اشارت اليها الآيات والروايات الشريفة كما ورد فى توديع الائمة صلوات الله عليهم اجمعين حيث تخاطبهم فتقول : \" بأبى انتم وامى ونفسلى ومالى واهلى اجعلونى من همكم ، وصيرونى فى حزبكم ، وادخلونى فى شفاعتكم ، واذكرونى عند ربكم \" فهم صلوات الله عليهم اجمعين الهم الوحيد الذى يهون التضحية من اجله بكل العلائق الدنيوية وان كانت الانفس والاهل والاولاد والاموال ...

ولا يتحقق هذا الهم على الصعيد النفسى والاجتماعى الا بمراعاة الاتى:

اولا : تربية النفس الانسانية حتى تصير مرتبطة ارتباطا حقيقيا مع امام زمانها والولى على الانفس والعقول .

ثانيا : تربية وتهيئة الاخرين للوصول لنفس الغرض السامى اى الارتباط بمهدى آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين .

ثالثا : الحب العميق المستتبع للتسليم شيئا فشيئا الى ان يصل المسلم الى التسليم المطلق لامامه عجل الله فرجه

الشريف ، تطبيقا للمعانى القدسية العالية الشريفة التى وردت فى العديد من الآيات القرآنية الشريفة كقوله تعالى : \" ان الله وملائكته يصلون على النبى ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما \" و \" ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ، واتقوا الله لعلكم تفلحون \" ، حيث ورد فى الروايات الشريفة ان المرابطة هى مرابطة امام زمانكم ، فالنفس المؤمنة متى وصلت الى التسليم الحقيقى تحلت بالصبر عن المعاصى والمصابرة على الطاعات ومرابطة صاحب الامر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه ، وعندئذ تشرق أنوار معارف مهدى آل محمد فى تلك النفس التى خلصت وسلُمَت وسلَّمت ذاتها وقلبها وسرها لولى امرها صلوات الله وسلامه عليه .

وهذا ما تجسد للعيان فى الامام الخمينى قدس سره وفى شعبه الايرانى العزيز الذي أتوجه إليه بالكلمة :

لقد قمت بثورة عظيمة ليس لها مثيل في التاريخ وصمدت خلال حرب الثمان سنوات مدافعا عن بلادك وحريتك أمام قوى الشر والاستكبار العالمي وحلفائها ، وفي الواقع أنت كنت تحارب العالم كله وأنت تزأر بصوت أبي عبد الله الإمام الحسين عليه السلام (( هيهات منا الزلة .... هيهات منا الزلة )) حتى رددت جيوشهم مدحوره وقادتهم أذلة خاسئين , وتحملت سنوات حصار ظالم خاسر مرير , وتحمل آلامه ومعاناته الاطفال والشيوخ قبل الرجال والنساء .

ولله در الإمام الخميني حين يقول (( اللهم ارحم غربتنا في هذا العالم )) ، لكنه يراه قدس سره أنه (( لطف من الله ورحمة !!! )) .

وأدرك الشعب الفطن ما يعنيه قائده الملهم فأجابه من فوره (( فلنصنع نحن , ولنعتمد على سواعدنا )) ومن ثم كانت إيران العزة والحرية... إيران الكرامة والإباء راية الحق ومنارة الشرفاء والأحرار على أرض هذا العالم في سنوات قليلة هي في عمر الشعوب دقائق معدودة .

ثم كان حزب الله إحدى ثمار هذه الثورة المباركة الذي قضى على أوهام كيان سرطاني لقيط جاء إلى بلادنا في غفلة من الزمن فخاض معه حرب طويلة حتى أجلاه عن أرض لبنان الحبيبة , ثم كانت حرب تموز التي اذهلت العالم ومازالت بما حققته من مكاسب وانجازات لامة الاسلام التي استرجعت سنوات مجدها وعزها وعلى الصعيد الدولي الذي بدأ في مراجعة حساباته ومخططاته وحتى داخل الكيان الصهيوني الذي بدا يستشعر أفراده أن دولتهم إلى زوال في المستقبل القريب .

[1] فتن ابن حماد: 102، القول المختصر لابن حجر: 7، برهان المتقي: 95

[2] سنن الدارمي: 101، فتن ابن حماد: 98، عقد الدرر: 40، اثبات الهداة: 3/ 527.

[3] الخطبة 223 من نهج البلاغة

[4] سفينة البحار ج2 ص 446

[5] آل عمران61 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فاطمة عليها السلام وليلة القدر
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها
مدة حكم المهدي المنتظر
العمل الصالح
معالم " نهضة العلماء "
قصة استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه ...
زيارة السيد عبد العظيم الحسني علیه السلام
التوسل بأُم البنين عليها‌السلام
الحب بعد الأربعين
الامام محمد الباقر علیه السلام

 
user comment