النقطة الاولى
قد لا نبالغ إذا قلنا إن كل المذاهب الاجتماعية تسعى لاعطاء صورة عن الانسان الكامل ، وتبني تعاليمها على اساس من السعي لتحقيق هذه صورة . وربّما كان هذا المبدأ من تأثيرات الفطرة الانسانية نفسها ، وإن كان المذهب نفسه لا يؤمن بالفطرة .
فحتّى اولئك الذين يهبطون بالانسان إلى مستويات حيوانية سفلى هم في الواقع يخطئون في المصداق ، وبالتالي يسلكون المنهج الخاطئ لتحقيق اهدافهم . على أنهم يعلمون انهم يخاطبون موجوداً معيناً له شروطه في التقبل ، ومن أوائل هذه الشروط أن تكون الفكرة المفروضة منسجمة مع نداءاته الانسانية عموماً وإن اخطأت في المصداق.
النقطة الثانية
إن الوجدان ـ وهو المحكمة التي يرجع اليها الانسان قبل أن يدخل إلى عالم المعرفة والدين والفكر المتطور ـ يقضي لاول وهلة بأن الانسان موجود متميز على غيره بعناصره الذاتية ، ولا يملك أي مذهب أن ينكر هذه الخصيصة المتميزة ، حتى ولو كان لازم كلامه هذا الانكار نتيجة لخطئه في الفهم والتصور .
إن الانسان قبل كل شيء يتحدث عن امور يعبر عنها بواسطة مصطلحات من قبيل الحق والعدالة والانسانية والاخلاق والفن وغير ذلك ، وهذه الامور لايمكن أن يستقيم لها معنىً إلاّ إذا آمنا بالخصائص الذاتية ، وإلاّ لم يعد هناك فرق بين الحق الانساني وأي حق آخر ، وبين السلوك العادل والسلوك الظالم ، والسلوك الانساني والسلوك الحيواني ، وهذا المعنى يخالف الوجدان البتة .
والاسلام يطلق على هذه الخصائص الذاتية اسم الفطرة ويضع لها مخططها، في حين تحاول المذاهب الاخرى أن تنكر الفطرة من جهة ، وأن تبقي على استعمالها لتلك المصطلحات من جهة أخرى ، وهذا ما نراه عين التناقض.
النقطة الثالثة
تجيب على هذا التساؤل : لماذا التركيز على اهل البيت(عليهم السلام) ؟
وتتلخص الاجابة في أن اهل البيت(عليهم السلام) هم المفسرون للقرآن الكريم ، وهم المرجع العلمي الثاني بعد القرآن ، وهم النموذج العملي للاسلام بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) . هذه الحقائق اكّدها الرسول الكريم مراراً في حديث الثقلين وغيره ، حتى إن المسلمين لم يكونوا ليختلفوا في هذه المرجعية ، وإن كانوا اختلفوا في مسألة القيادة السياسية .
وقد اكّد الواقع العملي هذه الحقيقة عبر قرنين ونصف من الزمان ، فقد كانوا(عليهم السلام) معدن العلم ، ومرجع الامة ، وحماة الحق ، لم تقصر لهم باع ، ولم يقفوا امام تساؤل ، حتى لقد عبر الخليل بن احمد الفراهيدي ـ وهو من هو في العلم ـ بقوله يصف علياً(عليه السلام) : «استغناؤه عن الكل واحتياج الكل إليه دليل امامته» ، وعبر الامام احمد بن حنبل وهو ينقل حديث سلسلة الذهب بقوله : «لو تلي هذا الاسناد على مجنون لبرئ من علته» .
فمن الطبيعي إذن أن نرجع إليهم في معرفة هذا المنهج ، منهج بناء الانسان الكامل ، لنسلك سبيلهم ونقتدي بهداهم .
النقطة الرابعة
إننا نلمح لدى العرفاء ومريدي التصوف تعرضاً للانسان الكامل ، حيث يتعرض البسطامي (المتوفى سنة 261 هـ) للانسان الكامل الذي يصل إلى هذا المقام بعد الفناء في الذات الالهية ، يتحدث عنه ابن العربي في فصوص الحكم والفتوحات المكية كما يلخصه عزيز الدين النسفي بالاقوال الحسنة ، والافعال الحسنة ، والمعارف ، ولكنا نتصور أن تعريفاتهم ناقصة ومغلقة احياناً ، وأنها تفتقد المنهج التربوي الواقعي، بل تحاول أن تنأى عن الواقع ، وأنهم إنما اخذوا في كثير من الاحوال عن منابع اهل البيت(عليهم السلام) ; فالاحرى اذن أن نعود إلى المنهج الصافي الرقراق .
وإذا اردنا القاء نظرة على منهجهم في مجال بناء الانسان الكامل ، تبدو امامنا الخطوط التالية :الخطوط العريضة لمنهج اهل البيت(عليهم السلام)
الخط الاول : التوعية بحقيقة المسيرة التكاملية للانسان .
وتركز النصوص الواردة عنهم(عليهم السلام) على ذلك ، مؤكدة أن على الانسان أن يجعل اللّه تعالى هدفه في كل عمل ، وأن كل خطوة تكاملية إنما تتم إذا كانت في اطار التقرب إلى اللّه ، وفي اطار تحقيق الرضا الالهي لاغير ، وأن كل المصائب والمتاعب تُنسى إذا كانت بعين اللّه ; وهنا يتم التركيز على عنصر النية باعتباره المنبع الفياض المستمر لمسيرة منسجمة في خط التقرب إلى اللّه ، وبها تتحول حياة الانسان اينما كان إلى عبادة ، وتتحول الارض كلها إلى مسجد، فيتسع مفهوم المسجد ليشمل الحياة ، وذلك بدلاً من حصر الحياة في المسجد أو الفصل بينها وبينه كما يفعل الاخرون .
والنصوص في هذا المجال كثيرة نذكر منها مايلي :
1 ـ الامام علي(عليه السلام) كان يؤكد : «إن اللّه تبارك وتعالى اخفى رضاه في طاعته ، فلا تستصغرن شيئاً من طاعته فربما وافق رضاه وانت لاتعلم »(1) .
2 ـ ويقول(عليه السلام) : «هيهات ! لا يخدع اللّه عن جنته ، ولا ينال ما عنده إلاّ بمرضاته»(2) .
3 ـ وكان الامام الحسين(عليه السلام) يردد في مراحل نهضته : «رضا اللّه رضانا اهل البيت . نصبر على بلائه ويوفّينا اجور الصابرين » .
4 ـ وكان يقول(عليه السلام) : « من طلب رضا اللّه بسخط الناس كفاه اللّه امور الناس ، ومن طلب رضا الناس بسخط اللّه وكله اللّه إلى الناس »(3) .
5 ـ وعن علي(عليه السلام) : «الرضا ثمرة اليقين »(4) .
الخط الثاني : العمل على تقوية العناصر النظرية الانسانية وترشيدها .
وهذه العناصر التي يشهد بها الوجدان هي عنصر التعقل ، وعنصر الارادة ، والميول والدوافع الغريزية وقد سعت النصوص الواردة عنهم(عليهم السلام) الى تقوية هذه العناصر وتجليتها في السلوك الانساني ، مع تأكيد على الحالة المتوازنة فيها بحيث تؤدي دورها الطبيعي دون أن يطغى بعضها على البعض الاخر ، وإلاّ انقلب الامر إلى ضده وتحولت إلى عناصر سلبية قاتلة . وتتجلى هذه العملية التربوية الانسانية فيما يلي :
أ ـ تنمية عنصر التعقل واعطاؤه الدور الاساسي في البين :
والحديث عن هذا المجال رحب فسيح والروايات كثيرة وكتب احاديثهم ملاى بالتوجيهات ، وقد اوجدت التأثير في المجال العقائدي، كما في مسألة التركيز على ضرورة الايمان العقلي باصول العقيدة أو في مسألة التحسين والتقبيح العقليين حيث طرحت اروع نظرية اسلامية في البين أو في مسألة الصفات الالهية أو في مجال القضاء والقدر وغير ذلك ، كما كان لها الاثر في المجال الاستنباطي ، حيث عاد العقل اصلاً من اصول الفقه على التفصيلات المذكورة في محلها . هذا فضلاً عن الحث على إعمال المنهج العقلي في مختلف مجالات المعرفة الاخرى . ونورد هنا بعض النصوص نماذج محيلين الراغبين في المزيد إلى الكتب الحديثية المفصلة :
1 ـ عن الامام امير المؤمنين(عليه السلام) : «من قعد به العقل قام به الجهل»(5) .
2 ـ عنه(عليه السلام) : «العقل اقوى اساس »(6) .
3 ـ وعنه(عليه السلام) : «العقل رسول الحق »(7) .
4 ـ عن الامام الصادق(عليه السلام) : «لا غنى أخصب من العقل ، ولا فقر احطّ من الحمق »(8) .
5 ـ عن الامام الكاظم(عليه السلام) : «يا هشام ، ما قسّم بين العباد افضل من العقل»(9) .
6 ـ عن الامام الباقر(عليه السلام) : «إنما يداقّ اللّه العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا»(10) .
7 ـ وعن الامام علي(عليه السلام) : «العقول أئمة الافكار ، والافكار أئمة القلوب ، والقلوب أئمة الحواس ، والحواس أئمة الاعضاء» .
8 ـ وعن الامام الكاظم(عليه السلام) : «من اراد الغنى بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة في الدين ، فليتضرع إلى اللّه عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله »(11) .
9 ـ وعن الامام الصادق(عليه السلام) : «حجة اللّه على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين اللّه العقل »(12) .
10 ـ وعن الامام علي(عليه السلام) : «ما آمن المؤمن حتى عقل »(13) .
11 ـ وعنه(عليه السلام) : «العقل عقلان : عقل الطبع وعقل التجربة ، وكلاهما يؤدي المنفعة »(14) .
12 ـ وعنه(عليه السلام) : «لو لم ينه اللّه سبحانه عن محارمه لوجب أن يجتنبها العقل »(15) .
13 ـ وفي الحديث عن وصايا لقمان : «تواضع للحق تكن اعقل الناس»(16).
ب ـ تقوية عنصر الارادة الانسانية :
وهذا المعنى امر يؤكده الاسلام ويخطط له تخطيطاً واسعاً ويفرد له جزءاً كبيراً من برامجه ، ومن المقطوع به أن أحد أهداف الصوم ، وكذلك احد اهداف عملية الحج ، هو تقوية الارادة الانسانية عبر التدريب على الصبر ، وهو المعنى المعطى للصوم ، وعبر تفهيم الانسان أن عليه أن يضبط حواسه بارادته ولا يدع نفسه تتغلب عليه ، وإلاّ عاد كالحيوان همه علفه .
وقد عمل اهل البيت(عليهم السلام) على تقوية هذه الارادة ، وتربية الاتباع الواعين الصابرين عبر النصوص المؤكدة على ذلك ، وعبر التأكيد على ضرورة ضبط النفس والسيطرة على الهوى .
يقول امير المؤمنين(عليه السلام): «العقل صاحب جيش الرحمن والهوى قائد جيش الشيطان والنفس متجاذبة بينهما، فأيهما غلب كان في حيزه»(17) .
وعنه(عليه السلام) : «العاقل يتقاضى نفسه بما يجب عليه ولا يتقاضى لنفسه بما يجب له»(18) .
وعن الامام الكاظم(عليه السلام) : «اكثر الصواب في خلاف الهوى»(19) .
وقال الامام الحسن(عليه السلام) : «ايها الناس ، إنما اخبركم عن اخ كان من اعظم الناس في عيني . كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد . كان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه . كان خارجاً من سلطان الجهالة فلا يمدّ يده إلاّ على ثقة لمنفعة »(20) .
وعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : «ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان : الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل ، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، ومن إذا قدر لم يتعاط ماليس له »(21) .
ويقول الامام علي(عليه السلام) : «لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتى يؤثر دينه على شهوته »(22) .
ويقول(عليه السلام) : «كان لي فيما مضى أخ في اللّه ، وكان يعظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه ... »(23) .
ويقول(عليه السلام) : «اكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب ; فأنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حراً»(24).
ويقول(عليه السلام) : «الصبر احسن خُلل الايمان واشرف خلائق الانسان »(25) .
ويقول الامام الصادق(عليه السلام) : «لا ينبغي ... لمن لم يكن صبوراً أن يعد كاملاً»(26) .
ويقول(عليه السلام) : «من جعل له الصبر والياً لم يكن بحدث مبالياً»(27) .
ويقول الامام علي(عليه السلام) :«بالصبر تدرك معالي الامور»(28) .
ويقول الامام الصادق(عليه السلام) : «الصبر رأس الايمان »(29) .
ج ـ التركيز على ضرورة الاستجابة المتوازنة للميول والغرائز :
فهي في التصور الاسلامي من عطاء اللّه تعالى ، فيجب ألا تكبت من جهة وألاّ يفسح المجال لها لتؤثر على السلوك تأثيراً اعمى ، بل يتم التوازن في عملها باختلاف الظروف والاحوال ووفق هدى الشريعة الغراء وعبر اعمال الارادة الانسانية الواعية .
فالغرائز طاقات فوّارة عُبئت في الذات الانسانية لتقوم بدفع الانسان للحفاظ على ذاته وللابقاء على نوعه ، والاندفاع نحو استكناه المجهول واعمار الارض واثراء المسيرة الانسانية والوصول بعد ذلك إلى التدين الواقعي ، ومالم يدعمها تعقل صحيح ويهديها وحي اصيل وعلم الهي واسع وتضبطها إرادة قوية ، فسوف تتحول إلى قوى مخّربة وهّدامة تمزق الانسان وتهوي به في مكان سحيق .
ومن هنا جاءت الروايات الشريفة عن اهل البيت(عليهم السلام) لتؤكد هذه الحقيقة ولتدفع الانسان نحو المسيرة المتوازنة .
فللانسان أن يحب ذاته ويعمل لها ، ولكن ينبغي ألاّ ينسى أن ذاته مكتوب لها الخلود فعليه أن يعد لذاته في عالم الاخرة ، كما أن عليه ألاّ ينسى أن هناك حباً اسمى للّه تعالى الجمال والكمال المطلق ، وحينئذ ينسى نفسه في حب اللّه .
يقول الامام امير المؤمنين في مناجاته : «الهي ، كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً . وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً . انت كما احب فاجعلني كما تحب».
ويقول الامام الصادق(عليه السلام) : «لا يمحض رجل الايمان باللّه حتى يكون اللّه احب إليه من نفسه وابيه وامه وولده واهله وماله ومن الناس كلهم »(30) .
ويقول الامام الباقر(عليه السلام) : «الدين هو الحبّ والحبّ هو الدين »(31) .
ويقول الامام الصادق(عليه السلام) : «إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب اللّه وكان عنه اهل الدنيا كأنه قد خولط ، وإنما خالط القوم حلاوة حب اللّه فلم يشتغلوا بغيره »(32) .
وقل نفس الشيء عن الغرائز الاخرى كالغضب والتدين والتملك والغريزة الجنسية وغريزة الامومة وغيرها . ولن نطيل في هذا المجال فالحديث عه واسع .
ولا ننسى أن هناك ثروة دعائية ضخمة ورثناها عن اهل البيت(عليهم السلام) ، وهي تركز عنصر التعادل والتوازن اروع تركيز ، وهو ما نلاحظه مثلاً في دعاء الامام علي(عليه السلام) الذي رواه كميل بن زياد ، والادعية الواردة في الصحيفة السجادية وغيرها .
يقول الامام زين العابدين في دعاء مكارم الاخلاق : «اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ولا ترفعني في الناس منزلة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها ، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلاّ احدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها ... اللّهم لا تدع خصلة تعاب مني إلاّ أصلحتها ولا عائبة أؤنّب بها إلاّ حسّنتها ولا اكرومةً فيّ ناقصة إلاّ اتممتها ... اللّهم اجعلني اصول بك عند الضرورة واسألك عند الحاجة واتضرع اليك عند المسكنة ... اللّهم خذ لنفسك من نفسي ما يخلّصها وأبق لنفسي من نفسي ما يصلحها ، فإن نفسي هالكة أو تعصمها» .
ولا يسع المجال للتوسع فإن العطاء واسع .
الخط الثالث : التربية العملية للافراد على السير نحو الكمال .
ذلك أن الاسلام ـ كما هو واضح للمتتبع لبرامجه وخططه ـ لايكتفي بطرح النظرية العامة في مختلف المجالات ، بل يعمل على تفصيلها وتوضيحها وتقديم النماذج العملية والحسية لها لتتوضح امام الاذهان وتتركز في النفوس .
ولكي ينظر الناس إلى اهل البيت(عليهم السلام) نماذج حية للانسان الكامل نجد الايات الكريمة والروايات الشريفة تطرحهم بوضوح ، وتؤكد على مرجعيتهم العلمية وكونهم نماذج عليا تطبيقية للمفاهيم المتقدمة ، فهم رمز الطهارة ، وهم محلّ المودة ، وهم سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، وهم باب حطة ، وهم باب مدينة العلم ، وهم مع الحق والحق معهم ، وهم حبل اللّه ، وهم الثقل الاصغر بعد الثقل الاكبر وهو القرآن ، وهم محل الولاية واصولها ، وهم الراسخون في العلم ، وغير ذلك .
ولكي يتجلى الحب والمودة وترتبط الامة ارتباطا عاطفياً حاراً بهم ، نجد الصلاة والسلام عليهم تقارن الصلاة والسلام على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وتكملها ، وإلاّ عادت بتراء .
بعد كل هذا نلاحظ أن تاريخهم وسيرتهم يكشفان عن نماذج عالية هي الاسلام المجسَّد والقرآن المطبَّق في مختلف المجالات الانسانية ، فهم الخلق العالي والسلوك السامي والخلق الحميد ، والعلم الواسع ، والاهتمام الاقصى بقضايا الامة اينما كانت ، والسهر على مصالحها وتقديم مصلحتها على أية مصلحة اخرى ، فالامام الباقر يؤسس مدرسة علمية ضخمة يستمد من معينها العلماء ، والامام الصادق يعمل على توسعتها ودفع الشبه المثارة حول الاسلام والوقوف بوجه الاتجاهات الفقهية الخطيرة والمنحرفة ، والامام الكاظم يتحمل العذاب الطويل لبيان الحق ، والامام الرضا يدخل في قلب العمل الاجتماعي ويكافح الانحراف ، والامام العسكري يبعث بتلامذته إلى الكوفة ليردوا على شبهات بعض الفلاسفة ، وهكذا نجدهم(عليهم السلام) قمماً في الفكر والسلوك تستحق أن تقتدي بها الاجيال .
والتاريخ ينقل لنا الكثير من الاساليب العملية التي نفذّوها لبناء جيل اسلامي طليعي متقدم ، وزرع افراده في قلب الامة ليقوموا بدورهم في اكسابها السلوك الاجتماعي الذي يطلبه الاسلام ، بعد أن كانوا هم القمة في الورع والخلق الحميد .
وكتب الروايات زاخرة باوصاف هذه الفئة الطليعية . يقول الامام العسكري(عليه السلام) : «شيعة علي هم الذين لا يبالون في سبيل اللّه أوقع الموت عليهم أو وقعوا على الموت ، وشيعة علي هم الذين يؤثرون اخوانهم على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ، وهم الذين لا يراهم اللّه حيث نهاهم . ولا يفقدهم من حيث امرهم . وشيعة علي هم الذين يقتدون بعلي في اكرام اخوانهم المؤمنين»(33).
ويقول الامام الباقر(عليه السلام) : «ما شيعتنا إلاّ من اتقى اللّه واطاعه ، وما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع والتخشّع واداء الامانة وكثرة ذكر اللّه ...»(34) .
ويقول الامام علي(عليه السلام) : «شيعتنا المتباذلون في ولايتنا المتحابون في مودتنا المتزاورون في احياء امرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا وإن رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاوروا ، سلم لمن خالطوا»(35) .
نسأل اللّه جل وعلا أن يجعلنا منهم ويوفقنا للسير على خطى اهل البيت(عليهم السلام) .