يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكُم شُعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكُم عند الله أتقاكُم].(الحجرات/13)
[ يا أيّها النّاسُ اتّقوا ربّكُمُ الّذي خلقكُم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهُما رجالاً كثيراً ونساء واتُقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكُم رقيباً]. (النساء/1)
من المسلّمات الأساسية التي يجب على الباحث والمفكّر والدارس للاسلام أن يقيم أبحاثه ودراسته عليها هي الالتزام بمنهج توحيدي يقوم على أساس الايمان بالله إيماناً توحيدياً نقّياً يمُكّن الباحث من الربط بين العقيدة من جهة، وبين القوانين والقيم الاسلامية من جهة أخرى، وبدون هذا النهج تصبح الدراسة عقيمة، والأحكام التي يصدرها هذا الباحث أو ذاك قاصرة عن بلوغ الأهداف وتشخيص الحقيقة.
فالايمان بالله الأحد المتّصف بالعلم والقدرة والعدل والحكمة ...الخ؛ يؤثّر تأثيراً مباشراً على الموقف من التشريع والتقنين الصادر عن الله تعالى، لأنّ الايمان بهذه الحقائق يقود إلى الايمان بانعكاس هذه الصفات على التشريع الالهي، والتصديق بعدالته وحكمته، والتسليم بقيامه على أُسس واقعية، فإذا ترسّخت هذه العقيدة ونما هذا المفهوم في تفكير ووعي من يتعامل مع الشريعة الاسلامية يشاهد هذه الصفات؛ العدالة، والحكمة، والعلمية الواقعية، متجسّدة في كلّ حقيقة أتى بها الاسلام، وإذا شئنا تطبيق هذا المبدأ الأساس في البحث والتفكير والتعامل مع الاسلام على القوانين والمفاهيم والتشريعات التي أتى بها الاسلام لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة والأسرة لوجدناها مفاهيم علمية، لا مكان للخرافة والتحجّر والظلم فيها، ونحن نستطيع أن نستنتج هذا المفهوم من المقارنة العلمية بين واقع المرأة في ظلال الاسلام وواقعها المزري في ظلال المفاهيم والقوانين غير الاسلامية - وقد استعرضنا جانباً منها في بحثنا السابق من هذا الكتاب ـ.
ونعود هنا فنؤكّد انّ الاسلام بنى كلّ مفاهيمه، وقيمه، وتشريعاته الخاصّة بالأسرة والمرأة وعلاقتها بالرجل والمجتمع، منطلقاً من قاعدة علمية أساسية وهي الايمان بوحدة النوع الانساني، وانّ المرأة والرجل تجمعهما صفة الانسانية، ولا فرق بينهما في هذه الحقيقة:
[ قو الّذي خلقكُم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها]. (الأعراف/189)
[ يا أيُّها النّاس إنّا خلقناكُم من ذكر وأنثى ]. (الحجرات/13)
[ يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكُم الّذي خلقكُم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهُما رجالاً كثيراً ونساءً ]. (النساء/1)
فالرجل والمرأة في عرف الاسلام يمثّلان سكّتي قطار الحياة.
والاسلام لا يفرّق بين رجل وامرأة من حيث الانسانية، فهما من نفس واحدة، والأكرم منهما هو المتّقي- رجلاً كان أو امرأة - وليس لديه مفاهيم ولا تشريعات خاصّة برجل وأخرى بامرأة، إلاّ بحدود ما يتعلّق بطبيعة النوع في كلّ منهما من الناحية التكوينية والوظيفة الحياتية، لذا فانّ دعوى حقوق المرأة وتحريرها ومساواتها بالرجل في التعليم والسياسة والحقوق المدنية...الخ، تعتبر دعوى غريبة على روح الاسلام، وليس في الاسلام مبدأ حرمان المرأة من حقوقها حتى تطرح مثل هذه الدعاوى، وينادى بتحريرها واعطائها حقوقها.
فالاسلام ثّبت لها حقوقها في اليوم الذي ثّبت فيه للرجل حقوقه، وتعامل مع شطري المجتمع (الرجل والمرأة) تعاملاً إنسانياً على حدّ سواء، فهو بعد أن أقرّ بوحدة النوع الانساني، وسحب الخصائص الانسانية على كلّ من الرجل والمرأة على حدّ سواء؛ جعل تشريعاته وقيمه كلّها قائمة على أساس الايمان بهذا المبدأ (وحدة النوع الانساني)، هذا النوع الذي حظي بتكريم الله سبحانه وعنايته ورأفته.
أمّا ما نسمعه من دعاوى وحوار وصيحات تنطلق من هنا وهناك وصراع محتدم في مجتمعات المسلمين القائمة الآن، فهو صراع بين تيّارين لا علاقة للاسلام بهما، ولا رابطة لهما بالاسلام.
هو صراع بين تيّار إباحي تسلل مع الغزو الحضاري والثقافي الأوربي لعالمنا الاسلامي من جهة، وبين تيّار متخلّف يلتزم بعادات وتقاليد وضعيّة اجتماعية خلقتها ظروف البيئة والتخلّف عبر القرون عن المرأة وعلاقتها بالرجل والمجتمع والحياة من جهة أخرى، ولا ارتباط لها بمفاهيمه وأفكاره، بل هي وليدة تخلّف المسلمين وظاهرة تدلّ عل غياب العلاقات والمفاهيم الاسلامية.
لذلك يجب الفصل بين وضع المرأة في الشعوب والبلدان الاسلامية وبين وضعها في الشريعة والمبادئ والقيم الاسلامية.
ولا يصح تحميل الاسلام - كشريعة وقانون - مسؤولية تخلّف المسلمين، ولا يجوز الحكم عليه - في أيّ موقع من مواقعه- بالصورة الاجتماعية المتخلّفة التي يعيشها المسلمون بعد ان ابتعدوا عنه، وعزلوه عن ميدان العمل والتطبيق.
الاسلام يكرم المرأة
تتمتّع المرأة في الاسلام - فضلاً عن حقوقها القانونية والمدنية- بمزيد من الرعاية والحب والحنان في المجتمع الاسلامي، فهي في رأي الاسلام حريّة بأن تُمنح هذا العطف، وتغمر بهذه المشاعر، اليست هي الأم الحنون؟ أو الزوج الحبيب؟ أو البنت العطوف؟ وانّ أصدق من يترجم هذه الحقيقة، ويعبّر عنها هو القرآن الحكيم والسنة النبويّة المطهّرة:
[ ووصّينا الإنسان بوالديه حملته اُّمّهُ وهناً (23) على وهن وفصالُهُ في عامين أن اشكُر لي ولوالديك إليّ المصير]. (لقمان/14)
[ وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهمُا وصاحبُهما في الدنيا معروفاً واتبّع سبيل من أناب اليّ ثُمّ إليّ مرجعكُم فأبنئُكُم بما كُنتُم تعملون]. (لقمان/15)
[ ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أُمّهُ كُرهاً (24) ووضعتهُ كرهاً وحملُه وفصالهُ ثلاثون شهراً حتّى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنةً قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك ألتي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاهُ وأصبح لي في ذُريتي إني تبتُ إليك وإني من الُمسلمين]. (الاحقان/15)
[ وقضى ربّك ألا تعبدوُا إلا إيّاهُ وبالوالدين إحساناً إمّا يبلُغن عندك الكبر احدُهما أو كلاهما فلا تقُل لهُما أُف ولا تنهرهما وقُل لهُما قولاً كريماً * واخفض لهُما جناح الذلّ (25) من الرحمة وقًل ربّ ارحمهُما كما ربياني صغيراً]. (الإسراء/23-24)
[ ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون]. (الروم/21)
[ وعاشروهُن بالمعروف].(النساء/19)
[ ولهُنّ مثلُ الذي عليهنّ بالمعروف]. (البقرة/228)
[ فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهُنّ بمعروف]. (البقرة/231)
وفي السنّة النبويّة تجد للمرأة قيمة وموقعاً سامياً كما هي مكانتها في القرآن الحكيم. فالسنّة عندما تتحدّث عن المرأة وتبين موقعها الاجتماعي، تحيطها بإطار من الحبّ والتكريم والعناية، خصوصاً عندما تتحدّث عن الأُم والزوّجة والبنت.
فهذا رسول الله (ص) وهو يخطب في المسلمين في حجّة الوداع ويثّبت لهم ما يخشى ويخاف ضياعه من بعده، ويجعل قضية المرأة إحدى هذه القضايا الهامّة فيوصي بها قائلاً: ((فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهنً خيرا)) (26).
وها هو يؤكّد في موقع آخر قرب المرأة من نفسه، ومكانتها في حياته، فقد روى عنه حفيده الامام جعفر بن محمد الصادق، قال (ع): (( قال رسول الله \" صلى الله وآله وسلم\" : ( من أخلاق الأنبياء حب النساء)) (27).
وروي عنه (ع) أيضاً أنّه قال: ((ما أظن رجلاً يزداد في الايمان خيراً إلاّ ازداد حباً للنساء)) (28).
وجاء رجل إلى الامام الصادق (ع) فقال: [ان صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوّج، فقال له: (( انظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرّك، فان كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق))].
وجاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: [ يا رسول الله من أبرّ؟ قال: ((أمّك))، قال: ثّم من؟ قال: (( أمّك))، قال: ثّم من، قال: ((أمّك))، قال ثّم من؟ قال: ((أباك))] (29).
وعن الامام الصادق(ع):((قال رسول الله (ص): من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنّة، فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة))(30).
وجاء عن الامام أبي الحسن الرضا (ع) انه قال:
[ قال رسول الله (ص): ((انّ الله تبارك وتعالى على الاناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة))] (31).
وعن الامام الصادق (ع): انّه قال: ((البنون نعيم، والبنات حسنات، والله يسأل عن النعيم ويثيب على الحسنات)) (32).
هذه اضمامة من النصوص والمفاهيم الاسلامية تتحدّث عن المرأة وتدعو إلى تكريمها وغمرها بمشاعر الحبّ والحنان والرعاية بشكل لم تحظ به في أيّة حضارة أو مبادئ، أو مجتمع.
وليس غريباً على روح الاسلام هذا الذي عرضناه، وتحدّثنا عنه من مواقف ومفاهيم وقيم، فالاسلام جاء لحفظ الحقوق وتكريم الانسان وبسط أجنحة الرحمة على كلّ ربوع الأرض: ( وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين). (الانبياء/107)
لذلك وجدناه-فيما عرضنا من نصوص،يتحدّث عن المرأة الأُم والزوجة والبنت والأُخت،وكلّ امرأة- يعطي المرأةهذه المكانة والعناية،ويؤكّد أنّها شقيقة الرجل،وانّها الحريّة بالمودّة والرحمة والاحسان،فهو يوصي بالانثى قبل أن يوصي بالذكر،ويعتبر حبّ المرأة مظهراً من مظاهر الايمان،وليس هذا وحسب، بل ارتفع بهذا الحبّ فجعله من خلق النبيين، وان المرأة هي أمينة الرجل على ماله ودينه وسرّه.