عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

مكانة المرأة قبل الإسلام


المرأة في الأمم غير المتمدِّنة :

كانت حياة النساء في الأمم والقبائل الوحشية كالأمم القاطنين بأفريقيا والتي هي الآن كحياة الحيوانات الأهلية نسبةً إلى حياتنا العادية .

فكما أن الإنسان يرى لنفسه حقاً أن يمتلك الأنعام وسائر الحيوانات الأهلية ويتصرَّف فيها كيفما شاء ، كذلك كانت حياة النساء عند الرجال في هذه الأمم والقبائل حياة تبعية ، وكانت النساء مخلوقة عندهم لأجل الرجال .

وكان للرجل أن يبيع المرأة ممَّن شاء وكان له أن يهبها لغيره ، وكان له أن يقرضها لمن استقرضها للفراش أو الاستيلاد أو الخدمة أو غير ذلك ، وكان له أن يسوسها حتى بالقتل ، وكان له أن يخلي عنها ، ماتت أو عاشت ، وكان له أن يقتلها ويرتزق بلحمها كالبهيمة ، وخاصة في المجاعة وفي المآدب .

وكان على المرأة أن تُطيع الرجل ، أباها أو زوجها ، في ما يأمر به طوعاً أو كرهاً ، وكان عليها أن لا تستقلَّ عنه في أمر يرجع إليه أو إليها .

وكان عليها أن تلي أمور البيت والأولاد وجميع ما يحتاج إليه حياة الرجل فيه ، وقد بلغ عجيب الأمر إلى حيث أن المرأة الحامل في بعض القبائل إذا وضعت حملها قامت من فورها إلى حوائج البيت .

هذا وضع المرأة بشكل إجمالي عند هذه الأمم ، ولكل جيل من هذه الأجيال الوحشية شكل خاص من السنن والآداب القومية باختلاف عاداتها الموروثة .

المرأة في الأمم المتمدِّنة :

نعني بهم الأمم التي كانت تعيش تحت الرسوم المليئة المحفوظة بالعادات الموروثة ، من غير استناد إلى كتابٍ أو قانون ، كالصين ، والهند ، ومصر القديم ، وإيران ، ونحوها .

تشترك جميع هذه الأمم ، في أن المرأة عندهم ، كانت ذات استقلال وحرية ، لا في إرادتها ولا في أعمالها ، بل كانت تحت الولاية والقَيمومة ، لا تنجز شيئاً من قبل نفسها ، ولا كان لها حق المداخلة في الشؤون الاجتماعية من حكومة أو قضاء أو غيرهما .

كما كان عليها أن تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب وغير ذلك ، وفي نفس الوقت كان عليها أن تختص بأمور البيت والأولاد ، وكان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها .

وكانت المرأة عند هؤلاء أرفه حالاً بالنسبة إليها في الأمم غير المتمدنة ، فلم تكن تقتل ويؤكل لحمها ، ولم تحرم من تملك المال بالكلية ، بل كان لها حقّ الإرث وغير ذلك ، وإن لم تكن لها أن تتصرَّف فيها بالاستقلال ، وكان للرجل أن يتَّخذ زوجات متعددة من غير تحديد وكان له تطليق من شاء منهن .

ولكل أمة من هذه الأمم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع ، كما أن تمايز الطبقات في إيران ربما أوجب تميّزاً لنساء الطبقات العالية من المداخلة في الملك والحكومة ، أو نيل السلطنة ونحو ذلك ، أو الزواج بالمحارم من أمٍّ أو بنت أو أخت أو غيرها .

وكان الزواج في الصين بالمرأة نوعاً من اشتراء نفسها ومملوكيتها ، وكانت هي ممنوعة من الإرث ، ومن أن تشارك الرجال حتى أبنائها في التغذي .

وكان للرجال حق في أن يتشاركوا في أكثر من واحدة في الزواج ، والجميع يشتركون في التمتع بها ، والانتفاع من أعمالها ، ويلحق الأولاد غالباً بأقوى الأزواج .

وكان النساء بالهند من تبعات أزواجهنَّ ، لا يحل لهُنَّ الزواج بعد توفي أزواجهن أبداً ، بل إما أن يحرَقْن بالنار مع جسد أزواجهن أو يعشْنَ مذلَّلات ، وهن في أيام الحيض أنجاس خبيثات يلزم اجتنابهُنَّ ، وحكمهن حكم النجاسة .

ويمكن أن يلخص شأنها في هذه الأمم أنها كالبرزخ بين الحيوان والإنسان ، يستفاد منها استفادة الإنسان المتوسط الضعيف ، الذي لا يحقُّ له إلا أن يمدَّ الإنسان المتوسط في أمور حياته ، كالولد الصغير بالنسبة إلى وليِّه ، غير أنها تحت الولاية والقيمومة دائماً .

المرأة قبل الميلاد :

كانت الأمم المذكورة آنفاً أمماً تجري معظم آدابها ورسومهم الخاصة على أساس اقتضاء المناطق والعادات الموروثة ونحوها ، من غير أن تعتمد على كتاب أو قانون ظاهراً .

لكن هناك أمم أخرى كانت تعيش تحت سيطرة القانون أو الكتاب ، مثل : الكلدانيِّين والرومانيِّين واليونانيِّين .

فالكلدانيُّون والآشوريُّون قد حكم فيهم شرع ( حامورابي ) بتبعية المرأة لزوجها ، وسقوط استقلالها في الإرادة والعمل ، حتى أن الزوجة لو لم تطع زوجها في شيء من أمور المعاشرة ، أو استقلَّ بشيء فيها كان له أن يخرجها من بيته ، أو يتزوج عليها ، ويعاملها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضاً .

ولو أخطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان له أن يرفع أمرها إلى القاضي ثم يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم .

وأما الرومانيُّون فهم من أقدم الأمم وضعاً للقوانين المدنية ، فقد وضع فيها القانون لأول مرة حوالي سنة أربعمِائة قبل الميلاد ، ثم أخذوا في تكميله تدريجاً .

وبالجملة كانت المرأة عندهم طفيلية الوجود ، تابعة وإرادتها بيَد ربِّ البيت ، من أبيها إن كانت في بيت الأب ، أو زوجها إن كانت في بيت الزوج أو غيرهما .

فربَّما باعَها ، وربَّما وهَبها ، وربما أقرضها للتمتُّع ، وربما أعطاها في حقٍّ يراد استيفائه منه كدين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما .

كما أن بيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالزواج أو الكسب مع إذن وليِّها ، لا بالإرث لأنَّها كانت محرومة منه ، وبيد أبيها أو واحد من سراة قومها تزويجها ، وبيد زوجها تطليقها .

وأما اليونانيون فالأمر عندهم في تكون البيوت وربوبية أربابها فيها كان قريب من وضع الرومانيِّين .

فقد كان المجتمع عندهم متقوِّماً بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلا تحت ولاية الرجال ، لكنهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك .

فإن قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ، ولا تحكم لهنَّ إلا بالتَّبَع إذا وافق نفع الرجال ، فكانت المرأة عندهم تعاقَب بجميع جرائمها بالاستقلال ، ولا تثاب لحسناتها ، ولا يراعى جانبها إلا بالتَّبَع ، وتحت ولاية الرجل .

المرأة عند العرب :

سكن العرب في شبه الجزيرة العربية ، وهي منطقة حارَّة جدبة الأرض ، وهم قبائل بدوية بعيدة عن الحضارة والمدنية ، يعيشون على شَنِّ الغارات ، ويجاورهم من الشرق بلاد فارس ومن الشمال الروم ومن الغرب بلاد الحبشة والسودان .

ولذلك فقد كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحش ، وربما وجد خلالها شيء من عادات الروم وبلاد فارس ، ومن عادات الهند ومصر القديمة أحياناً .

وكانت العرب لا ترى للمرأة استقلالاً في الحياة ولا حرمة إلا حرمة البيت ، وكانت لا تورث النساء ، وكانت تجوِّز تعدُّد الزوجات من غير تحديد بعدد معين كاليهود ، وكذا في الطلاق .

وكانت العرب تئد البنات ، وإذا ولدت للرجل منهم بنت يعدُّها عاراً لنفسه ، يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به ، لكن يسرُّه الابن مهما كثر ، ولو بالإدعاء والإلحاق ، حتى انهم كانوا يتبنُّون الولد لزنا محصنة ارتكبوه ، وربما نازع رجال من صناديدهم وأولي الطول منهم في ولد ادَّعاه كل لنفسه .

وربما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصة للبنات في أمر الزواج فكان يراعى فيه رضى المرأة وانتخابها ، وهذا يشبه ما يجري عند أشراف بلاد فارس القائم على تمايز الطبقات .

وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة أهل الحضارة من الرومانيّين وأهل فارس ، كتحريم الاستقلال في الحقوق ، والشركة في الأمور الاجتماعية العامة ، كالحكم والحرب ، وأمر الزواج إلا استثناءً ، ومن معاملة أهل التوحش والبربرية ، فلم يكن حرمانهن مستنداً إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم ، بل من باب غلبة القوي ، واستخدامه للضعيف .

فهذه جمل من أحوال المرأة في المجتمع الإنساني من أدواره المختلفة قبل الإسلام ، آثرنا فيها الاختصار التام ، ويستنتج من جميع ذلك ما يلي :

أولاً :

أنهم كانوا يرونها إنساناً في أفق الحيوان ، أو إنساناً ضعيف الإنسانية ، منحطاً لا يؤمن شرُّه وفساده لو أطلق من قيد التبعية ، واكتسب الحرية في حياته ، والنظر الأول أنسب لسيرة الأمم الوحشية والثاني لغيرهم .

ثانياً :

أنهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعي أنها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه ، وإنما هي من شرائطه التي لا غناء عنها ، كالمسكن لا غناء عن الالتجاء إليه ، أو أنها كالأسير المسترقّ الذي أصبح من توابع المجتمع الغالب ، ينتفع من عمله ، ولا يؤمن كيده على اختلاف النظرتين .

ثالثاً :

أنهم كانوا يرون حرمانها من عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها .

رابعاً :

أن أساس معاملتهم قائم على غلبة القوي على الضعيف ، وهذا في الأمم غير المتمدِّنة ، وأما الأمم المتمدِّنة فيضاف عندهم إلى ذلك ما كانوا يعتقدونه في أمرها ، وهو أنها إنسان ضعيف الخلقة ، لا تقدر على الاستقلال بأمرها ، ولا يؤمن شرها ، وربما اختلف الأمر باختلاف الأمم والأجيال .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السيد محمد قلي اللكهنوي
الألفة والحبّ
عندما تتعب الروح ما هو العلاج؟
آية الله الآصفي: من سمع مظلوما يستغيث فلم يغثه ...
تربية الأطفال بين الهدف والوسيلة
زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة
تأثير التلفزيون على الأطفال
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
دعوة للتكامل مع الاحتفاظ بخصوصية الآخر
خصائص الأسرة المسلمة

 
user comment