عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

احمد راسم النفيس ( مصر ـ شافعي ) - 2

احمد راسم النفيس ( مصر ـ شافعي ) - 2

مسؤولية من أرادها أموية وكرهها إسلاميّة: قام ملك \"بني فلان\" الذين رأى النبي(صلى الله عليه وآله) أنهم ينزون على منبره نزو القردة، ولا نعفي أحداً من المسؤولية، لا الذين أضعفوا سلطان آل محمد على قلوب الناس وجعلوا منهم مستشارين عند الضرورة، ولا الذين جعلوا الإمام علياً سادساً في ما أسموه بالشورى، وقد قال (عليه السلام) في ذلك: \"متى اعترض الريب فيَّ مع الأوّل منهم، حتى صرت أُقْرَنُ إلى هذه النظائر\"، ولا الذين مهّدوا لمعاوية سلطانه في الشام، ولما رأوا ما هو فيه من الأبهة والسلطان قالوا: \"لا نأمرك ولا ننهاك\"، كأن ابن آكلة الأكباد استثناء، ولا الذين حرصوا على سلب أهل البيت أموالهم التي أعطيت لهم من قبل السماء، فأخذوا فدكاً من الزّهراء وحرموا آل محمد حقهم في الخمس، ولا الذين حرصوا على إعطاء بني أمية ما يتقوون به لإقامة دولتهم، فأعطوا مروان بن الحكم وابن أبي سرح خمس غنائم أفريقيا، ولا الذين أشعلوا نار الفتنة في موقعة الجمل،... الخ الخ، كلهم مسؤولون وشركاء في هذه الكارثة (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْـُولُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)(1)، كلهم أرادوها أموية وكرهوها إسلاميّة خالصة لله. ____________ 1- الصافات: 24 ـ 26. شريعة ملوك السّوء: لا بأس بأن نورد نماذج من تطبيق الشريعة الإسلامية، على الطريقة الأموية، وهو ما يتمناه بعض المخدوعين في هذا الزمان: أولاً: النهج الأموي يبيح شرب الخمور روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن بريدة قال: \"دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش، ثم أتينا بالطعام، فأكلنا. ثم أتينا بالشراب، فشرب معاوية، ثم ناول أبي، ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله\"(1). ____________ 1- مسند أحمد بن حنبل: 5 / 407، ح 23005، ط دار الكتب العلمية بيروت 1413هـ ـ 1993م. ثانياً: النهج الأموي يبيح الربا أخرج مالك والنسائي وغيرهما، من طريق عطاء بن يسار أنَّ معاويةَ باعَ سِقايَة من ذهب، أو ورق، بأكثر من وزنِها، فقال له أبو الدرداء(رضي الله عنه): سمعتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، يَنْهى عن مِثْلِ هذا إلاّ بِمِثْل، فقال له معاوية: ما أرى بمثلِ هذا بأساً(1). ____________ 1- سنن النسائي بشرح السيوطي: 7 / 279. دار الكتب العلمية ـ بيروت، الموطأ لمالك بن أنس، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: 2 / 634 ح 33 توزيع دار الكتب العلمية ـ بيروت. ثالثاً: استلحاق زياد \"وصّى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أن الولد للفراش وللعاهر الحجر\". متفق عليه. \"وقال (صلى الله عليه وآله) من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام\". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. أمّا ابن آكلة الأكباد فجاء بزياد، وكان يدعي زياد ابن أبيه، وتارة زياد ابن أمّه، وتارة زياد بن سميّة، وأقام الشهادة أن أباه أبا سفيان قد وضعه في رحم سميّة، وكانت بغيّا، وسماه زياد بن أبي سفيان ليستخدمه في قمع المسلمين الشيعة وقتلهم. رابعاً: قتل الأحرار من أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله) قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَ لِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَ ائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(1). روى الطبري في تاريخه: \"استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة وأوصاه: لا تحجم عن شتم علي وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان... والإدناء لهم والاستماع منهم. وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً، وهو من أحسن شيء سيرة، وأشدّه حبّاً للعافية غير أنه لا يدع ذم علي والوقوع فيه والعيب لقَتلة عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه، فكان حجر بن عدي، إذا سمع ذلك قال: بل إياكم فذمّم الله ولعن. ثم قال فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: (كُونُواْ قَوَّ مِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ)(2) وأنا أشهد أن من تذمّون وتعيرون لأحق بالفضل وإن من تزكّون وتطرون أولى بالذم\"(3). واستمرت هذه الحال حتى ولي زياد الكوفة فقال مثلما كان يقول المغيرة، وردّ عليه حجر رضوان الله عليه بمثل ما كان يرد على المغيرة، فأرسل زياد إلى أميره معاوية فأمر باعتقاله (وفقاً لقانون طوارىء بني أمية) وأرسل إلى ابن آكلة الأكباد مشدوداً في الحديد فأمر بقتله، فقال حجر للذين يلون أمره: دعونى حتى أصلي ركعتين، فقالوا: صلّ، فصلى ركعتين خفّف فيهما ثم قال: لو لا أن تظنوا بي غير الذي أنا عليه، لأحببت أن تكونا أطول مما كانتا، ثم قال لمن حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديداً ولا تغسلوا عني دماً فإني ألاقي معاوية غداً على الجادة، ثم قدم فضربت عنقه. لم يكن حجر بن عدي النموذج الوحيد الدال على ظلم هذه الدولة الجائرة التي يزعم جاهلو أمرها، وحدهم، أنها كانت تُحكم أو تَحكم بشريعة الإسلام. لقد كان بنو أميّة يدأبون ليل نهار لإطفاء نور الله، وفي الوقت نفسه كان خط الأئمة (عليهم السلام) قد تحول إلى مشروع تأسيس لإقامة دولة المهدي المنتظر وإن تأخر ذلك قروناً وقروناً. أما بنو أمية فيجهدون لإحداث أكبر قدر من الدمار بالأمة الإسلامية وبرجالاتها وبقيمها. وفي الوقت نفسه كان خط آل بيت محمد حريصاً على إبقاء قيم الإسلام الرسالي الأصيل حية ومتوهجة، والتأكيد على أن مرحلة التمهيد وتأسيس دولة الإمام المهدي ليست مرحلة هدنة سلبية، وليست إيثاراً للإبقاء على حياة مجموعة من البشر وإنما إبقاءً للقيم وإمدادها بكل ما يبقيها متألقة وحية حتى زمن الظهور. ____________ 1- المائدة: 32. 2- النساء: 135. 3- تاريخ الطبري: 4 / 188 ـ 190، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت. محاولة تحويل \"النهج الأموي\" إلى قدر أبدي: نفذ معاوية سياسة واضحة المعالم، من أبرز معالمها: أ ـ لعن آل البيت (عليهم السلام) ، وخاصة إمام الأئمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) على منابر الأمة، صباح مساء. ب ـ العمل على رفع مكانة مناوئي أهل البيت ومنافسيهم باختلاق الروايات المنسوبة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله). ج ـ القضاء على خطوط الدفاع بقتل رجال الشيعة واغتيالهم، مثل حجر وعمرو ابن الحمق، كما أسلفنا بل وحتى قتل أي معارض آخر له وزن وإن لم يكن من شيعة أهل البيت، ومثال ذلك سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد. د ـ إستعمال سياسة الرشوة وإفساد الذمم لاستمالة من تبقى. وهذه السياسات نفسها هي التي بدأ بها تمدّده السرطاني في جسد الأمة. امتداد الملك، يزيد ولي عهد: أراد ابن آكلة الأكباد أن يمهِّد الأمر ليزيد ابنه ليمتد الملك في عقبه حتى قيام الساعة. ومن يتتبع أخبار الرواة، في هذا الصدد، يجد تبايناً، فمن قائل يقول: إن هذا الأمر كان بمبادرة من المغيرة بن شعبة ليمد له معاوية في ولايته على الكوفة، ومن قائل يقول: إن هذا كان بأمر من معاوية، واتفاق مع الضحّاك بن قيس، وما اعتقده أن هذه أمور واحدة... كل المنافقين يعلمون رغبة سيدهم والكل يتبارى في اختيار الأسلوب الملائم للتنفيذ، ولا باس بإيراد بعض النماذج التي توضح طبيعة الملك الأموي وسياسته: \"أوفد المغيرة بن شعبة عشرة من شيعة بني أمية إلى معاوية، ليطالبوا ببيعة يزيد، وعليهم موسى بن المغيرة، فقال معاوية: لا تعجلوا بإظهار هذا، وكونوا على رأيكم، ثم قال لموسى: بكم اشترى أبوك هؤلاء من دينهم، قال: بثلاثين ألفاً، قال: لقد هان عليهم دينهم\". لما اجتمعت عند معاوية وفود الأمصار بدمشق، بإحضار منه، دعا الضحاك بن قيس، فقال له: إذا جلست على المنبر، وفرغتُ من بعض موعظتي وكلامي، فاستأذني للقيام، فإذ أذنت لك، فاحمد الله تعالى، واذكر يزيد، وقل فيه الذي يحق له عليك، من حسن الثناء عليه، ثم ادعني إلى توليته من بعدي، فإني قد رأيتُ وأجمعتُ على توليته، فاسأل الله في ذلك، وفي غيره الخيرة وحسن القضاء. ثم دعا عدة رجال فأمرهم أن يقوموا إذا فرغ الضحاك، وأن يصدقوا قوله، ويدعو إلى يزيد. ثم خطب معاوية فتكلم القوم بعده على ما يروقه من الدعوة إلى يزيد فقال معاوية: أين الأحنف؟ فأجابه، قال: ألا تتكلم؟ فقال الأحنف، فحمد الله وأثنى عليه وقال بعد مقدمة: إن أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حياً. فغضب الضحّاك ورد غاضباً: ما للحسن وذوي الحسن في سلطان الله الذي استخلف به معاوية في أرضه؟ هيهات ولا تورث الخلافة عن كلالة ولا يحجب غير الذكر العصبة، فوطّنوا أنفسكم يا أهل العراق على المناصحة لإمامكم، وكاتب نبيكم وصهره، يسلم لكم العاجل، وتربحوا من الآجل. ثم قام الأحنف بن قيس فحمد الله وأثنى عليه فقال: قد علمت أنك لم تفتح العراق عنوة، ولم تظهر عليها قصعا، ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود الله ما قد علمت، ليكون له الأمر بعدك(1). أما عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان من خواص أصحاب معاوية فقد لقي حتفه مسموماً حيث حدثته نفسه بالسلطة والإمارة بدلاً من يزيد. جاء في تاريخ الطبري: \"أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام، أو مال إليه أهلها كما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه حتى خافه معاوية، وخشي على نفسه منه لميل الناس إليه فأمر ابن آثال أن يحتال في قتله وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص. فلما قدم عبد الرحمن بن خالد لحمص منصرفاً من بلاد الروم دس إ ابن آثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها، فمات بحمص\"(2). ويحكي لنا التاريخ صورة أخرى من مشاورات معاوية في خلافة يزيد، ومن بينها كلمات ذلك الأحمق الذي قام فقال: \"هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ واشار إلى يزيد ـ ومن أبى فهذا ـ وأشار إلى سيفه ـ قال معاوية: إجلس فأنت سيد الخطباء\"(3). لم يكن عبد الرحمن بن خالد وحده هو الذي طمع في الخلافة بعد معاوية، فهناك سعيد بن عثمان بن عفان الذي وجد له أنصاراً من أهل المدينة يقولون: والله لا ينالها يزيد حتى يعض هامه الحديد، إن الأمير بعده سعيد، ولكن كان أمره هيناً; حيث خرج من حلبة المنافسة راضياً بولاية خراسان(4). من الواضح أن الصراع السياسي كان دائراً على أشدّه حول قضية خلافة معاوية، وقد هددت هذه القضية الصف الأموي بالتفكك والانهيار، وأن الخلافة اليزيدية لم تكن أمراً مستقراً حتى في داخل البيت الأموي نفسه، حتى أن معاوية اضطر لتأجيل إعلان هذا الأمر إلى ما بعد هلاك زياد، وأن مروان بن الحكم، والي معاوية على المدينة، عارض هذا الأمر بشدة ما اضطر معاوية إلى إعفائه من منصبه، ويمكننا أن نُرجع هذه المعارضة الداخلية لعدة أسباب منها: أ ـ إن انتقال السلطة إلى يزيد، من طريق ولاية العهد، كان اقتباساً من النظام السياسي البيزنطي الذى لم يعرفه العرب في سابق تاريخهم، ولعل قرب موقع معاوية من دولة الروم كان مصدر معرفته بهذا النظام الملكي الإمبراطوري الذي صار هو النظام السياسي في الأمة الإسلامية في ما بعد. ب ـ إن هذا الأسلوب كان إهداراً لنظام الشورى الذي توهم المسلمون أنه القانون الأساسي للمسلمين. والواقع أن الشورى لم تكن قد مورست بصورة جيدة في الحِقَب السابقة مما يسمح باستقرار معالمها وأساليب ممارستها. فأن يأتي معاوية لينقل المداراة إلى ديكتاتورية صريحة كان هذا أمراً ثقيلاً على كثيرين، وخاصة على أولئك الذين توهموا أنهم أهل الحل والعقد، ولم يكن معاوية ليبقي على نفوذهم ولا على وجودهم نفسه، إذا تعارض ذلك مع رغباته السلطوية الجامحة. ج ـ صفات يزيد الشخصية وافتقاده الحد الأدنى من المقومات جعلت زياداً، وهو من هو في بغيه وعدوانه ونسبه، كارهاً لبيعته وإمارته قائلاً: \"ويزيد صاحب رَسْلة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد\"(5) وكتب إلى معاوية يأمره بالتؤدة وألا يعجل\". لم تستعصِ الأغلبية على معاوية ولا على أساليبه، فهناك المتطوعون السابقون إلى مرضاة الطواغيت، مثل الضحّاك بن قيس والمغيرة بن شعبة وسمرة بن جندب، ولا بأس هنا بأن نورد بعضاً من منجزات سمرة، هذا \"الصحابي\" الذي استخلفه زياد على الكوفة ثم عاد إليه فوجده قد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له: \"هل تخاف أن تكون قد قتلت أحداً برئياً؟، قال: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت. أو كما قال، وعن أبي سوار العدوي قال: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً كلهم قد جمع القرآن\"(6) \"ثم عزله ـ معاوية ـ فقال سمرة: لعن الله معاوية والله لو أطعتُ الله كما أطعتُ معاوية ما عذّبني أبدا\"(7). لقد أجاد معاوية سياسة \"فرّق تسد\"، فلما أحس أن رجالات المدينة يمتنعون من بيعة يزيد، راسلهم أولاً ثم ذهب إليهم نفسه، في عام خمسين للهجرة، مستخدماً سياسة المخادعة عازفاً على أوتار النفوس ومكامن الأهواء، عالماً أن الامة التي أسلمت علياً والحسن لن تجتمع كلمتها خلف الحسين (عليه السلام) ، ومن ثمّ فإن المطلوب هو كسب الوقت وتفتيت المعارضة وضرب الناس بعضهم ببعض حتى يصل الملك إلى يزيد غنيمة باردة. ____________ 1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري، تحقيق علي شيري: 1 / 188، 191 ـ 192. 2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب للقرطبي: 2 / 372 ـ 373، رقم 1410. 3- تاريخ الأمم والملوك للطبري: 4 / 171. 4- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 214 ـ 216. 5- الإمامة والسياسة، تحقيق علي شيري: 1 / 213 ـ 214. 6- تاريخ الأمم والملوك للطبري: 4 / 224 ـ 225. 7- المصدر نفسه: 4 / 176. نهج الثورة الحسينية: ما أحوج الأمة، وسط هذا الظلام الأموي وهذه الفتنة العمياء إلى موقف حسيني يبدد الظلمات، موقف حسيني لا يتحدث عن الحق وإنما يفعله، ولا يفعله فعلاً يراه بعض الناس ويغفل عنه بعضهم الآخر، وإنما يفعله فعلاً يبقى مسطوراً ومحفوراً في عمق الأرض وفي عمق الوجدان البشري. ما أحوج الأمة الإسلامية والبشرية كلها إلى هذا النور المتوهج لتبقى شمس الحسين تهدي الحائرين وتدل السائلين على الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، بين مرضاة الله وسخطه. هكذا كانت ثورة الحسين. لم تكن حالة انفعالية نشأت عن حالة الحصار التي تعرض لها أبو عبد الله الحسين ولا كانت حركة إلى المجهول أملتها أجواء رسائل البيعة المشكوك في صدقها، منذ البدء كانت فعلاً مدروساً وخططاً منذ لحظة ولادته وبدأت خطوات تنفيذها في اللحظة التي تخيل فيها ابن آكلة الأكباد أنه لا إسلام حقيقيّاً بعد اليوم، وليبق الدين لعقٌ على ألسنة بعض القادة يصعدون به على أعناق الناس يطلبون الدنيا بادعاء النسك والزهادة على أن يدعوا ما لقيصر لقيصر، وما تبقى إن تبقى شيء فهو لله. اكتمال عناصر التحرّك: كتب أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام) يقولون: ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. وتوالت الكتب تحمل التوقيعات تدعوه إلى المجيء لاستلام البيعة وقيادة الأمة في حركتها في مواجهة طواغيب بني أمية، وهكذا اكتملت العناصر الأساسية للحركة الحسينية، وهي: أ ـ وجود قيادة شرعية تمثل التصور الحقيقي للإسلام، وهي قيادة أبي عبد الله الحسين. ب ـ وجود الظروف الداعية إلى حمل لواء التغيير، وتتمثل في تمادي الفساد الأموي ورغبته في مصادرة إرادة الأمة مرة واحدة وإلى الأبد في شكل مبايعة يزيد \"القرود\". ج ـ وجود إرادة جماهيرية تطلب التغيير وتستحث الإمام الحسين للمبادرة إلى قيادة الحركة وكان موقع هذه الإرادة في الكوفة، تمثلت في رسائل البيعة القادمة من أهلها. وهكذا لم يكن بوسع أبي عبد الله الحسين أن يقف من هذه الأمور كلها موقف المتفرج الهارب بنفسه من ساحة الوغى أو \"الفار بدينه\" إلى ساحات الاعتزال والانعزال، وهي جميعها أشكال مختلفة من الهروب والتهرب من تحمل المسؤولية، وهو مسلكٌ فضلاً عن ضرره البليغ على الواقع الراهن في تلك اللحظة يعطي المبرر لكل من تعرض لهذه الظروف أو ما شابهها أن يهرب بنفسه وينجو بشحمه ولحمه حتى يستوفي الأجل المحتوم، ويبقى في وجدان الأمة رمزاً من رموز الكهنوت الهارب من مواجهة الشيطان في أرض الواقع واللائذ بالنصوص والتبريرات. كان بوسع الحسين (عليه السلام) ، أن يفعل مثلما فعل ابن عمر فيبايع بيعة المضطر ليزيد، ونضيف إلى لائحة الروايات التبريرية التي رواها الرجل على لسانه أو على لسان النبي الأكرم عدة نصوص أخرى ربما كانت تحتل مكاناً أبرز من نصوص أبن عمرو كان البخاري ومسلم سيحتفلان بها، فها هو ابن الرسول وعلي وفاطمة يوجب السمع والطاعة ليزيد القرود ويدعو إلى توحيد الجماعة صفاً واحداً خلف حفيد آكلة الأكباد وحفيد أبي سفيان عدو الله ورسوله حتى آخر نفس. ولو كان فعل هذا ـ وحاشاه ـ لاستشهد به الأفاقون والمنافقون والمخادعون في كل موقف يرون فيه ضرورة إسناد حزب الشيطان ومنعه من الانهيار، ولما قال أحد: ثار الحسين رافضاً الظلم واستشهد في سبيل الله، ولماتت هذه الأمة إلى نهاية الدهر. إقامة الحجّة وبيان الحقيقة: ثمّ جاء صباح عاشوراء، ووقف الحسين (عليه السلام) يدعو ربه: \"أللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة\"(1). ثم إن الحسين أضرم ناراً وراء البيوت لئلا يأتيه أعداء الله من الخلف، فجاءه شمر بن ذي الجوشن وقال: \"يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟،فقال الحسين: من هذا؟، كأنّه شَمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا: نعم أصلحك الله، هو... هو. فقال: يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صُليَّاً. فقال مسلم بن عَوْسَجَة: يا ابن رسول الله جُعلتُ فداك ألا أرميه بسهم. فإنه قد أمكنني وليس يسقط سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين. فقال له الحسين: لا ترمِه فإني أكره أن أبدأهم\"(2). سلام الله عليك يا أبا عبد الله،ها أنت، وأنت في قمة المواجهة مع أعداء الله من بني أمية محافظاً على موقف فقهي، وأخلاقي، وعقائدي راسخ. سلام الله عليك يا من أنت من نور أبيك وأمك، ومن نور رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فالإمام علي (عليه السلام) لم يبدأ أعداءه، أعداء الله يوماً بقتال لا أصحاب الجمل، ولا الخوارج، ولا بني أمية يوم صفين، فالقوم أدعياء إسلام دخلوا هذا الدين من بوابة النبوة، ولسنا بصدد تكفيرهم ولا استباحة دمائهم (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(3)، (فَلاَ عُدْوَ نَ إِلاَّ عَلَى الظَّــلِمِينَ)(4). هذا هو المبدأ الراسخ في العلاقة بين أبناء الأمة المنتمين إليها حتى ولو كان ذلك بمجرد الإسم والادعاء. وإن فتح باب التكفير وقتل المسلمين، حتى الأدعياء منهم، فإن ذلك يعني فتح باب فتنة لا يُغلَق. ____________ 1- تاريخ الأمم والملوك للطبري: 4 / 321 ط. الأعلمي ـ بيروت (غير مؤرّخ). 2- المصدر نفسه: 4 / 322. 3- البقرة: 194. 4- البقرة: 193. معاني خروج حرائر آل البيت: بقي أن نسجل ما كشفته الأحداث عن معانى خروج حرائر أهل البيت (عليهم السلام) مع الحسين. لقد قتل الحسين (عليه السلام) ولم يشهد أحد من المؤمنين هذه الجريمة إلا حرائر أهل بيت النبوة، من ينعاك إذاً يا ابا عبد الله إلا بنات علي وفاطمة؟،ها هي زينب(عليها السلام)حتى تمرُّ بالحسين (عليه السلام) صريعاً فتبكيه، وتقول: \"يا محمداه يا محمداه صلّى عليك ملائكة السماء هذا الحسين بالعرا مرمَّل بالدما مقطع الأعضا، يا محمداه وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا. فأبكت والله كل عدو وصديق\"(1). ثم ها هي أسيرة في مجلس ابن زياد، فيسأل: \"من هذه الجالسة؟. فلم تكلّمه، فقال ذلك ثلاثاً كل ذلك لا تكلّمه، فقال بعضُ إمائها: هذه زينب ابنة فاطمة. فقال لها عبيد الله: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت: الحمد لله الذى أكرمنا بمحمد(صلى الله عليه وآله) وطهرنا تطهيراً لا كما تقول أنت، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر. قال: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟. قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتخاصمون عنده. قال: فغضب ابن زياد واستشاط. قال له عمر بن حريث: أصلح الله الأمير إنما هي امرأة، وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها (...)(2) فقال لها ابن زياد: قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة والمردة من أهل بيتك. فبكت ثم قالت: لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت\"(3). ____________ 1- المصدر السابق: 4 / 348. 2- عبارة محذوفة. 3- الطبري: م. س: 4 / 349 ـ 350. محاولات إخفاء الحقيقة، ابن كثير يناقض نفسه: كلمات واضحة يفهمها من يقرأها، تستعصي على التزوير، لكن يد الغش والخيانة أخفت كل شيء وزورت كل شيء، ونشأت أجيال وأجيال لا تعرف من ذكرى الحسين إلا أنه ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنه خرج يطلب الملك والإمارة فخذله المسلمون الشيعة، وقتله بنو أمية وهم أصحاب الدولة الشرعية، وأما الشيعة فهم يضربون أنفسهم ويسيلون دماءهم لأنهم قتلوه، قليل أولئك الذين يعرفون الحقيقة بتفصيلاتها حتى ابن كثير يكتب فصلاً، في البداية والنهاية، بعنوان \"صفة مقتل الحسين بن علي(رضي الله عنه) مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب الصريح والبهتان\". ولا يلام ابن كثير الدمشقي على حب قومه من بني أمية، ولا على سبابه للمسلمين الشيعة واتهامه لهم بالكذب الصريح والبهتان. ولكن العجب كل العجب انه لم يخالف حرفاً واحداً مما رواه أئمة التشيع في كتبهم عن مقتل الحسين (عليه السلام) ، ويكذب عدة روايات وردت في هذا الشأن ليست محورية ولا أساسية في القضية وهو يتناقض مع نفسه فيقول: \"ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً وفحشاً من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم...\"(1). ثم يقول ناقضاً ما ذهب إليه: \"وأما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح!!! فإنه قلّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة أو عاهة في الدنيا فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض وأكثرهم أصابهم الجنون\"(2). ثم يناقض نفسه، ويتخبط ويواصل الشتم والسب، ويقول: \"للشيعة والروافض في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة وفي ما ذكرناه كفاية، وفي بعض ما أوردناه نظر، ولو لا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ ذكرو ما سقته وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى، وقد كان مسلماً شيعياً وهو ضعيف الحديث عن الأئمة، ولكنه إخباري حافظ عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره. ثم يقول: \"وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه فكانت الدبادب تضرب بغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء\" إلخ... \"وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا يوم عاشوراء يطبخون ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيداً يصنعون فيه أنواع الأطعمة ويظهرون فيه السرور والفرح يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم\"(3). إذاً الشيخ ابن كثير يقر ويعترف أن أجهزة الدعاية الأموية قلبت الحقائق وحولت يوم الكارثة إلى عيد وسرور، وهو الذي ما زال متداولاً إلى يومنا هذا. ويمضي الرجل يكشف على استحياء دخيلة نفسه فيقول: \"وقد تأول عليه من قتله أنه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها وليخلع من بايعه من الناس واجتمعوا عليه فقدورد في صحيح مسلم الحديث بالزجر عن ذلك والتحذير منه والتوعيد عليه\". عفواً، أيها الشيخ، يبدو أن \"خطأ\" الإمام الحسين (عليه السلام) أنه ولد واستشهد قبل مجيء \"مسلم\" وكتابه، فلم يدر بالحديث المزعوم على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولم يعلم أن الأمة بعد قرنين ستعرف \"صحيح مسلم\" وتجعل \"صحيح الحسين\". عفواً، أيها الشيخ، فقد جهلت الأمة (حديث الثقلين): \"إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به بعدي لن تضلوا أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض\"، وهو حديث رواه \"مسلم\" في صحيحه بعد الحسين بقرنين، لقد جهلت الأمة هذا الحديث يوم كان عليها أن تذكره ثم روته بعد ذلك ولم تفهمه هذه الأمة التي نسيت وتناست ما صحّ نصاً وما جسَّده الإمام الحسين، مارست الدين على الطريقة الأموية ومن حاول المقاومة كان مصيره القتل كما أسلفنا من قبل. ثم يمضي الشيخ في منطقه ويقول بعدما عدّد القتلى ممن عدّهم أفضل من الحسين وأبيه: \"ولم يتخذ أحدٌ يومَ موتهم مأتماً يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم صرع الحسين\"(4). ثم يناقض نفسه كعادته: \"وأحسن ما يقال، عند ذكر هذه المصائب وأمثالها، ما رواه علي بن الحسين، عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله)أنه قال: ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعاً إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب فيها\". إننا نستعرض كلمات ابن كثير لأنها نموذج لحالة التناقض والارتباك التي وقع فيه الكثيرون ممن أذهلهم الحدث وعجزوا عن متابعته وقول كلمة الحق فيه، ومن أولئك الذين أرادوا استتباب الأمر لبني أمية وظنوا أن قضية آل البيت قد طويت وانتهت فلما أعلن الحسين ثورته وخط كلمة الحق بدمائه على الأرض، وفي السماء بل وفي الكون كله، لجأوا مرة أخرى إلى الكتمان والتزييف لعل الناس ينسون، ولكن هيهات هيهات. ____________ 1- البداية والنهاية لابن كثير: 4 / 731. 2- المصدر نفسه: 4 / 731. 3- المصدر نفسه: 4 / 732. 4- المصدر نفسه: 4 / 732. من يُقيل عثرة الأمة المنكوبة؟: وهكذا انقضت هذه الجولة ونال كل طرف ما يستحقه، نال الحسين وآل بيته الشهادة التي أرادوها واستحقوها، فيما نال بنو أمية ومن والاهم اللعنة الدائمة، والخسران المبين. أما هذه الأمة المنكوبة فلا نجد من يصف حالها ومآلها إلا هذه الرواية التي يذكرها الطبري في \"تاريخ الأمم والملوك\" فيقول ما نصّه: \"لما وضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يدي ابن زياد أخذ ينكت بين ثنيتيه ساعة، فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجِمُ عن نكته بالقضيب قال له: أعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين فهو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله(صلى الله عليه وآله) على هاتين الشفتين يقبلهما. ثم انفضخ الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، فو الله لو لا أنك شيخ قد خرفتَ وذهب عقلك لضربت عنقك. قال: فنهض فخرج. فلما خرج سمعت الناس يقولون: والله لقد قال زيد بن أرقم قولاً لو سمعه ابن زياد لقتله، فقلت: ما قال؟ قالوا: مر بنا وهو يقول: ملك عبد عبداً، فاتخذهم تُلدا. أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمَّرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبعداً لمن رضي بالذل\"(1). أي والله، أيها الشيخ، إنها لشهادة حق ولكن بعد فوات الأوان، ولكنها تحكي الواقع الذي احتار الناس في تفسيره، لماذا وكيف صرنا لما نحن عليه الآن عبيد في ديارنا لا نملك من الظالمين دفعاً ولا نفعاً، هذا يحكي لنا عن الحرية في أوروبا! وذاك يحكي لنا عن طبيعة هذا الشعب أو ذاك الذي يحب العبودية ولم يحاول أحد أن يصل إلى الحقيقة. إن ما جرى علينا هو استجابة لدعوة دعاها أبو عبد الله على من قتله أو رضي بذلك أو سمع فلم ينكر. فها هو أبو عبد الله الحسين يدعو عليهم وقد أثخنته الجراح: \"اللهم امسك عنهم قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض، اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائقَ قِددا ولا تُرْض عنهم الولاة أبداً فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا\"(2). ثم هو قبل قتله مباشرة: \"سمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتالَ الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترض العورة ويشد على الخيل وهو يقول: أعلى قتلي تحاثون؟، أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله، الله أسخط عليكم لقتله مني وايم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما والله أن لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم\". وهكذا ضاعت الفرصة تلو الفرصة من هذه الأمة دون أن تستفيد منها وكان أمر الله قدراً مقدوراً. والفرص لا تمنح للأمم مائة مرة، ولا عشرين مرة، ولا عشر مرات، إن الفرص التاريخية لإصلاح الأحوال والسير على نهج مستقيم لا تأتي إلاّ قليلا. وهكذا ضاعت من هذه الأمة فرصة السير على نهج نبيها ثلاث مرات، فرصة الإمام علي، ثم فرصة الإمام الحسن، ثم كانت فرصة الإمام الحسين هي القاصمة التي ما بعدها قاصمة، وكان لابد من انتظار طويل. وأسدل ستار الليل في سماء هذه الأمة وهو ليل لن يجلوه إلا ظهور قائم أهل البيت (عليهم السلام) ، الإمام الثاني عشر محمد المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وهكذا قُدِّر لنا أن ننتظر ذلك الانتظار الطويل وأن نعيش ذلك الصراع المرير بين قوى الحق والباطل داخل هذه الأمة، وأن نرى كل هذه المصاعب والويلات من سفك دماء وطاقات تهدر في صراعات داخلية ورؤوس تطير وسجون تملأ وغزوات خارجية تترية وصليبية وأخيراً صهيونية وقبلها أوروبية وحكومات من كافة الأنواع والأشكال مملوكية وعباسية وأموية وعثمانية، وهل هناك أسوأ من أن يحكم المماليك العبيدُ أمة وهم لا يملكون حق التصرف في ذواتهم، كل هذه الحكومات أكثرت من الظلم، وقلّلت من العدل وادعى الجميع أنهم يطبقون الإسلام، والكل يقتل بالظنة، والكل يستبيح الخمور، وانتهاك الأعراض وأخيراً جاءت إلينا الحكومات العلمانية والقومية والاشتراكية والملكية والشيوعية، جربوا فينا كل شيء إلا العدل، ذلك الممنوع علينا من يوم أن جاء بنو أمية. وهكذا قدر لنا أن نعيش الصراع والانتظار. ____________ 1- تاريخ الأمم والملوك للطبري: 4 / 349 أحداث سنة (61 هـ). 2- المصدر نفسه: 4 / 344 ـ 345.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العلاّمة الشيخ أحمد أمين الأنطاكي الشافعي([1])
الشيعة في عمان
أبو خالد الزُبالي الزيدي
أندونيسيا تشهد دورات قرآنية في التعليم والحفظ
مسجد الإمام الصادق يخلو من المصلّين في صلاة ...
شهداء وجرحى في غارات للعدوان السعودي على صنعاء ...
تونس والدعوة الوهابية
اسماعیل الحسنی الشامی
صائب عبد الحميد ( العراق ـ حنفي )- 1
السيد السيستاني يستقبل الرئيس بري وتأكيد على ...

 
user comment