الاحتفال بذكرى الانبياء و عباد اللّه الصالحين تاليف : السيد مرتضى العسكري (ذلك و من يعظم شعائر اللّه فانها من تقوى القلب ) ((1))
الوحدة حول مائدة الكتاب و السنة
بسم اللّه الرحمن الرحيم الـحـمـد للّه رب الـعـالمين , و الصلاة على محمد و آله الطاهرين ,والسلام على اصحابه البرره الميامين . و بـعـد: تـنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرق اعداء الاسلام من الخارج كـلـمـتنا من حيث لانشعر, وضعفناعن الدفاع عن بلادنا, و سيطر الاعداء علينا, وقد قال سبحانه وتعالى : (واءطيعوا اللّه و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ((2)) و يـنـبـغـي لـنـا اليوم و في كل يوم ان نرجع الى الكتاب و السنة في مااختلفنا فيه و نوحد كلمتنا حولهما, كماقال تعالى : (فان تنازعتم في شي ء فردوه الى اللّه و الرسول ) ((3)) و فـي هذه السلسلة من البحوث نرجع الى الكتاب والسنة ونستنبطمنها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف , فتكون باذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا. راجين من العلماء ان يشاركونا في هذا المجال , ويبعثوا الينابوجهات نظرهم على عنوان : بيروت - ص .ب 124/24 العسكري
الخلاف حول الاحتفال بذكرى الانبياء و عباد اللّه الصالحين
ادلة القائلين باستحباب الاحتفال :
يـسـتدل من يرى استحباب الاحتفال بذكرهم بان جل مناسك الحج احتفال بذكرى الانبياء و الاولياء كما سنذكر امثلة منها فيما ياتي :
ا ـ مقام ابراهيم :
قال سبحانه وتعالى : (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ) ((4)) وفي صحيح البخاري ((5)) ما ملخصه : ان ابـراهيم واسماعيل (ع ) لما كانا يبنيان البيت , جعل اسماعيل ياتي بالحجارة وابراهيم يبني , حتى اذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر,فوضعه له , فقام عليه وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة . وفي رواية بعدها: حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ على نقل الحجارة , فقام على حجرالمقام , فجعل يناوله الحجارة . ### ان اللّه سبحانه امر الناس ـكما هو واضح ـ ان يتبركوا بموطى ء قدمي ابراهيم (ع ) في بيته الحرام ويتخذوا منه مصلى , احياء لذكرى ابراهيم وتخليدا, وليس فيه شي ء من امر الشرك باللّه جل اسمه .
ب ـ الصفا و المروة :
قال اللّه سبحانه : (ان الصفا والمروة من شعائر اللّه فمن حج البيت او اعتمر فلاجناح عليه ان يطوف بهما) ((6)) وروى البخاري ما ملخصه : ان هـاجـر لما تركها ابراهيم (ع ) مع ابنها اسماعيل بمكة و نفد ماؤهاعطشت وعطش ابنها وجعل يتلوى , فانطلقت الى جبل الصفا كراهية ان تنظر اليه , فقامت عليه تنظر هل ترى احدا, فلم تر احدا, فـهـبـطت من الصفا حتى اذا بلغت الوادي , سعت سعي الانسان المجهود حتى جاوزت الوادي , ثم اتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى احدا,فلم تر احدا, فعلت ذلك سبع مرات . قال ابن عباس : قال النبي (ص ): فذلك سعي الناس بينهما...الحديث ((7)) . ### جعل اللّه السعي بين الصفا والمروة من مناسك الحج , احياء لذكرى سعي هاجر بينهما واحتفالا بعملها, واسـتـحـبـاب الـهـرولـة فـي مـحـل الوادي الذي سعت فيه هاجر سعي الانسان المجهود, احياء لذكرى هرولتها هناك .
ج ـ رمي الجمار:
روى احمد والطيالسي في مسنديهما عن رسول اللّه (ص ) انه قال : ان جبريل ذهب بابراهيم (ع ) الى جمرة العقبة , فعرض له الشيطان ,فرماه بسبع حصيات , فساخ . ثم اتـى الـجـمـرة الـوسـطى , فـعـرض لـه الـشـيطان , فرماه بسبع حصيات , فساخ . ثم اتى الجمرة القصوى ,فعرض له الشيطان , فرماه بسبع حصيات , فساخ ... ((8)) هكذا جعل اللّه احياء ذكرى رمي ابراهيم (ع ) الشيطان والاحتفال بذكره من مناسك الحج .
د ـ الفدية :
قال اللّه سبحانه في قصة ابراهيم واسماعيل (ع ): (فبشرناه بغلام حليم ت فلما بلغ معه السعي قال يابني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ماتؤمر ستجدني ان شاء اللّه من الصابرين ت فلما اسلما وتله للجبين ت وناديناه ان يا ابـراهـيـم ت قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين ت ان هذا لهو البلاء المبين ت وفديناه بذبح عظيم ) ((9)) وكـذلـك جعل اللّه احياء ذكرى فداء ابراهيم (ع ) ابنه اسماعيل (ع ) وارسال اللّه الكبش فدية له والاحتفال بها من مناسك الحج , وامرالحجاج بالفدية في منى اقتداء بابراهيم (ع ) و احتفالا بذكرى موقفه من طاعة اللّه . ### في مقام ابراهيم (ع ), انتشرت البركة من قدمي ابراهيم (ع ) الى موطى ء قدميه , وامر اللّه باتخاذه مسجدا في بيته الحرام , وجعله اللّه من مناسك الحج احياءلذكره . وفي ما ياتي نذكر انتشار البركة من آدم (ع ) ابي البشر.
انتشار البركة من آدم (ع ) و الاحتفال بذكره :
وفـي بـعـض الاخـبار ان اللّه جل اسمه تاب على آدم (ع ) عصر التاسع من ذي الحجة بعرفات , ثم افـاض بـه جبرائيل عند المغيب الى المشعرالحرام , وبات فيه ليلة العاشر يدعو اللّه ويشكره على قـبـول تـوبته . ثم افاض منه صباحا الى منى وحلق فيه راسه يوم العاشر امارة لقبول توبته وعتقه من الـذنـوب , فـجـعل اللّه ذلك اليوم عيدا له ولذريته , وجعل كل ما فعله آدم ابد الدهر من مناسك الحج لـذريـتـه , يـقـبـل تـوبتهم عصرالتاسع بعرفات , ويذكرون اللّه ليلا بالمشعر الحرام , ويحلقون رؤوسـهـم يـوم الـعاشر بمنى . ثم اضيف الى هذه المناسك ما فعله بعد ذلك ابراهيم واسماعيل (ع ) وهاجر, وتمت بها مناسك الحج للناس . اذا, فان اعمال الحج كلها تبرك بتلك الازمنة والامكنة التي حل بهاعباد اللّه الصالحون اولئك , وكلها احتفال بذكرهم ابد الدهر. وفي ما ياتي نضرب مثالا لانتشار الشؤم ـايضاـ الى المكان من المكين .
انتشار الشؤم الى المكان من المكين :
روى مـسلم ان رسول اللّه (ص ) عام تبوك نزل بالناس الحجر عندبيوت ثمود, فاستسقى الناس من الابـار الـتـي كان يشرب منها ثمود,فعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم . فامرهم رسول اللّه (ص ) فـاهرقواالقدور وعلفوا العجين الابل . ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئرالتي كانت تشرب منها الـنـاقـة ونـهـاهم ان يدخلوا على القوم الذين عذبوا, قال : اني اخشى ان يصيبكم مثل مااصابهم , فلا تدخلواعليهم ((10)) . وفي لفظ مسلم : و لا تـدخـلوا مساكن الذين ظلموا انفسهم الا ان تكونوا باكين , حذراان يصيبكم مثل ما اصابهم . ثم زجر و اسرع حتى خلفها. وفي لفظ البخاري : ثم قنع راسه واسرع السير حتى اجاز الوادي . و في رواية اخرى بمسند احمد: و تقنع بردائه و هو على الرحل ((11)) .
منشا الشؤم و البركة في المكان :
مـن ايـن نشا شؤم بلاد ثمود وآبار ثمود وانتشر منها الى غيرها عداانه نشامن قوم ثمود, وانتشر مـنهم الى بلادهم وآبارهم , وبقي فيها الى عصر خاتم الانبياء (ص ), والى ما شاء اللّه , ومن اين نشا فـضـل بـئرناقة صالح (ع ) عداما كان من شرب ناقة صالح (ع ) منها, وانتشرالفضل منها الى البئر, وبقي فيها الى عصر خاتم الانبياء (ص ), والى ما شاء اللّه . ولـيست ناقة صالح (ع ) وبئرها باكرم على اللّه من اسماعيل (ع )وبئره زمزم , بل كذلك جعل اللّه البركة في زمزم من بركة اسماعيل (ع ) ابد الدهر. و كـذلـك شـان انتشار البركة مما يفيضه اللّه على عباده الصالحين في ازمنة خاصة مثل بركة يوم الجمعة .
بركة يوم الجمعة :
في صحيح مسلم : ان اللّه خلق آدم يوم الجمعة , وادخله الجنة يوم الجمعة ... ((12)) . هـذا وغـيـره مـما افاضه اللّه على عباده الصالحين في يوم الجمعة , خلدالبركة في يوم الجمعة ابد الدهر.
البركة في شهر رمضان :
وكذلك الشان في بركة شهر رمضان , فقد قال سبحانه : (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) ((13)) وقال سبحانه : (انا انزلناه في ليلة القدر ت وما ادراك ما ليلة القدرت ليلة القدرخير من الف شهر...) ((14)) اذا فـقـد انتشرت البركة من ليلة القدر التي انزل فيها القرآن على خاتم انبياء اللّه (ص ) الى جميع ازمنة شهر رمضان , وتخلدت البركة في ذلك الشهر من تلك الليلة الى ابد الدهر. بـعد انتهائنا من الاشارة الى رجحان الاحتفال بذكرى اصفياء اللّه ,نؤكد اننا نقصد من الاحتفال بذكر اصـفـيـاء اللّه - مثلا -: قراءة سيرة رسول اللّه (ص ) الصحيحة غير المنحرفة في ليلة ميلاده , واطـعام الطعام في سبيل اللّه و اهداء ثوابه لرسول اللّه (ص ), مع الاجتناب من القيام باعمال ابتدعها بعض المتصوفة .
--- هوامش ---
1- الحج / 32.
2- الانفال / 46.
3- النساء / 59.
4- البقرة / 125.
5- صحيح البخاري , كتاب الانبياء, باب يزفون النسلان في المشي 2 / 158 و159.
6- البقرة / 158.
7- صحيح البخاري , كتاب الانبياء, باب يزفون النسلان في المشي 2: 158, وراجع معجم البلدان , مادة : (زمزم ), وذكر تاريخ اسماعيل (ع ) من تاريخ الطبري وابن الاثير.
8- مـسـنـد احـمـد 1 / 306, وقـريـب مـنـه فـي 127. ومـسـنـد الـطـيـالسي , ح 2697.
وراجـع مـادة :(الـكـعـبـة ) مـن مـعـجـم الـبـلـدان , وتـاريخ ابراهيم واسماعيل (ع ) من تاريخ الطبري وابن الاثير.
وساخت قوائمه في الارض : غاصت في الارض .
9- الصافات / 101 ـ 107.
10- اورده مسلم باختصار في صحيحه , كتاب الزهد والرقايق , باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا انـفـسهم , ح 40, واللفظ لمسند احمد 2: 117, و صحيح البخاري , كتاب المغازي , باب نزول النبي (ص ) الحجر. والطبري في خبر ثمود, ط. اوربا 1:250.
11- مسند احمد 2: 66.
12- صحيح مسلم , كتاب الجمعة , باب فضل الجمعة , ح 17 و18.
13- البقرة / 185.
14- القدر / 1 ـ 3.