المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين، المنعم المفضل المجمل المكمل ذي الجلال والإكرام، الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءه العادّون ولا يؤدّي حقه المجتهدون، الأوّل فلا شيء قبله والآخر فلا شيء بعده والظاهر فلا شيء فوقه والباطن فلا شيء دونه، تباركت ربّنا وتعاليت.
والصلاة والسلام على خاتم النبيين وأشرفهم وأفضل الأنام وأكملهم سرّ وجود الكائنات وأوّلها أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين، أمان الأمة عن الاختلاف والضلال سفينة النجاة رمز وحدة الأمة الإسلامية.
وبعد :
فإنّ البحث عن الإمام المهدي- عجّل الله تعالى فرجه الشريف- في الحقيقة بحث عن الإنسان الكامل المعصوم المطّهر المنقذ للبشرية من هاوية الظلم والجور، وإجراء العدالة الاجتماعية العالمية، وتطهير الأرض من الشرك والضلال وإخراج الناس من عبودية الإنسان إلى عبودية الله عزّ وجلّ ومن إطاعة الطواغيت إلى إطاعة الرحمن.
والذي ينتظره كل من لم يخرج من دائرة العقل السليم انتظارا سليما صحيحا، يؤدّي به إلى القيام بدوره الهامّ من المساهمة الواقعية الحقيقية لتحقيق الصلاح والقضاء على الفساد الظاهر في البرّ والبحر تمهيدا لظهور المصلح الكبير، فالمنتظر للصالح المصلح يحاول كل المحاولة أن يربط بينهما نوع من السنخية في أبرز صفات الصلاح.
أما الخارج من دائرة العقل السليم فقد ينتظره انظارا غير سليم وصحيح من الانغماس في الفساد وأخذ مسألة ظهور الحجة بكلّ بساطة وعدم الاهتمام به بل التشكيك فيه.
والكتابة عن المنقذ العالمي ذات شجون وجهات عديدة فيستحيل لمثلي المقصّر الإحاطة بجميعها مع قلة بضاعتي وعدم معرفتي وإتقاني السباحة في بحر عميق قد غرق فيه السبّاحون الماهرون.
فبناء على هذا يتعلق بحثي بغصن من أغصان الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها، ألا وهو » الحكومة العالمية للمخلص و تحقيق الأمن و السلام العالمي- عجّل الله تعالى فرجه الشريف- وقد أودعت البحث ثلاثة أبواب :
الباب الأوّل : الآراء حول المنقذ والمصلح العالمي، الإمام المهدي (عج).
الباب الثاني : أنواع الحكومات المعاصرة.
الباب الثالث : مباني وأهداف الحكومة العالمية للإمام المهدي (عج).
ومن الله أرجو التوفيق فإنه خير ناصر ومعين.
الباب الأول
الآراء حول المنقذ والمصلح العالمي
مسألة انتظار منقذ ومصلح عالمي بلا نظير لا تختصّ بالمسلمين فقط، بل تشمل حتى الذين ليسوا على الدين الإسلامي بالمعنى الخاصّ مثل اليهودية والمسيحية، وإن كانت المسألة عقلية قبل أن تكون دينية، فالعاقل يكون رجاؤه دائما تطوّر الحياة البشرية نحو النظام الأحسن، ولا ينحصر تفكيره في تطوير حياته الشخصية كفرد لكونه مدنيا بالطبع ترتبط حياته بحياة مجتمعه، فلا معنى لحسن حياته الفردية مع فساد وهبوط وانحطاط حياة مجتمعه البشري. كما يرى أن صلاح مجتمعه وبقاء المجتمعات البشرية الأخرى فاسدة ومنحطة وسافلة والتي تحيط بمجتمعه وترتبط به في العلاقات الإنسانية والمعاملات الاجتماعية، كنقطة صغيرة بيضاء في سواد مظلم عظيم يُخشى عليها فيحاول المجتمع الصالح نسبيا تبييض السواد المظلم العظيم شيئا فشيئا بقدر طاقته، وفي هذا السبيل يرجو التقدم في جهده الإصلاحي وجهد مجتمعه كذلك ولا يمنع عقله أن يكون حليفا و مغاثا ومعانا هو ومجتمعه وجميع المجتمعات بمنقذ ومصلح عادل عالمي بلا نظير.
فالعقل نور في الإنسان بل أصل ثروته المعنوية والمادية يقبل ويرجو الخير والصلاح والحياة الفاضلة المبنية على كرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية العالمية لجميع المجتمعات البشرية في جميع أنحاء العالم.
يمكن تقسيم الناس في هذه الدنيا إلى مجموعتين :
المجموعة الأولى تعيش في هذه الدنيا عيشة الحيوان بل هي أضلّ، تعيش على هذه البسيطة لإشباع شهوتها الحيوانية بعيدة عن العقل السليم ولا يرى هدفا آخر للحياة سوى ذلك، قد تناست المبدأ والمقصد ولا تعرف من الأين وفي أين وإلى الأين، بل هي غارقة في الشهوة الحيوانية والجهل والظلمة.
والمجموعة الثانية هي التي تؤمن بوجود خالق للكون وتؤمن بالنبوّة والمعاد، يعني الأصول المشتركة بين الأديان السماوية، فاليهود والنصارى وجميع أتباع الأديان السماوية تشترك مع المسلمين في عقيدة ظهور مصلح ومقيم لحكومة إلهية عادلة تشمل عدالتها جميع أنحاء العالم، ولكن التحريفات الواقعة على التوراة والإنجيل حول البشارة بمجيء خاتم النبيين أدّت بأتباع هاتين الديانتين أن يروا بأنّ المنقذ والمصلح الموعود الإلهي شخص غير الخليفة الثاني عشر المهدي- عجّل الله تعالى فرجه الشريف-
كما يرى النصارى أنه عيسى بن مريم- عليه السلام- كذبا وزورا وتحريفا للكلم.( من هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه...)) النساء/46
(إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ألئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة/ .159 أمّا المسلمون شيعة وسنّة فمتّفقون على عقيدة المهدي المنتظر الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا. وعند الفريقين روايات كثيرة في ظهور الحجّة (عج) وعلامات ظهوره وكيفية حكومته.
المهدي عليه (عج) في روايات أهل السنة
روى إبراهيم الحمويني الشافعي، في فرائد السمطين عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- : إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي. قيل : يا رسول الله ومن أخوك؟ قال- صلى الله عليه وآله وسلم- : عليّ بن أبي طالب. قيل ومن ولدك؟ قال- صلى الله عليه وآله وسلم- : المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه...) (3)
يستفاد من هذه الرواية عدّة أمور أهمّها:
أولا : أنّ الخلفاء بعد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم منصوص عليهم
ثانيا : أنّ الخلفاء من أهل بيته أوّلهم أخوه وآخرهم ولده المهدي (عج).
ثالثا : أنّ الخلفاء الاثني عشر حجج الله على الخلق، فطاعتهم طاعة الله.
رابعا : التأكيد عى خروج المهدي (عج) تأكيدا شديدا.
خامسا : أنّ ظهور المهدي (عج) يكون بعد ما شمل الظلم والجور بقاع الأرض.
سادسا : أنّ المهدي (عج) يأتي بالعدالة الاجتماعية الشاملة جميع أنحاء العالم.
سابعا : أفضلية المهدي (عج) من عيسى بن مريم عليه السلام ونزوله- عليه السلام- عند ظهور المهدي (عج) ومعاونته على أمره- عجّل الله فرجه الشريف-
الرواية الثانية
عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما) قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : إنّ عليّا وصيّي ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بشيرا ونذيرا إنّ الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر، فقام إليه جابر بن عبد الله فقال : يا رسول للقائم من ولدك غيبة؟ قال : إي وربّي ليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، ثمّ قال : يا جابر إنّ هذا من أمر الله وسرّ من سرّ الله فإيّاك والشكّ فإنّ الشكّ في أمر الله عزّ وجلّ كفر. (4)
الرواية الثالثة
عن أبي سعيد الخدري قال : خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال : إنّ في أمّتي المهدي يخرج... (5)
المهدي في رواية علماء الشيعة
الرواية الأولى
قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- : القائم المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا. (6)
الرواية الثانية
قال- صلى الله عليه وآله وسلم- : المهدي من عترتي، من ولد فاطمة، يقاتل على سنّتي كما قاتلت أنا على الوحي. (7)
الرواية الثالثة
عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- : القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنّته سنّتي، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ، من أطاعه أطاعني، ومن عصاه عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذب به فقد كذبني، ومن صدّقه فقد صدّقني، إلى الله أشكو المكذبين في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلين لأمّتي عن طريقه، » سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون»(8)
فالروايات حول المهدي- عجّل الله فرجه الشريف- عند الفريقين بلغت حدّ التواتر وإنكارها مكابرة جليّة وتكذيب للرسول الصادق الأمين- صلى الله عليه وآله وسلم- والعياذ بالله من ذلك.
وأكتفي بهذا القدر.
الباب الثاني
الحكومات المعاصرة
آراء حول نشوء الدولة
1- الدولة نظام اجتماعي يقوم بفرضه على الناس شخص قويّ أو مجموعة غالبة.
2- الإنسان مدني بالطبع يقوم بتشكيل مجتمع ودولة بطبيعته عند تضارب الحجات والمصالح، ليسلم المجتمع الإنساني من ظلم بعض الناس على بعض آخر.
3- الحكومة عقد اجتماعي بين الحاكم والرعيّة من نتاج عقلاء الناس على وضع قوانين خاصّة وقيام قوّة منقذة لها.
وكل النظريات حول كيفية نشوء الدولة تدلّ على أصل ضرورة الحكومة والدولة.
ولا يخفى على أحد أنّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قام بتأسيس الدولة في المدينة المنوّرة بعد هجرته إليها- صلى الله عليه وآله وسلم- عندما تهيّأت أسباب ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى وإن حوّلها الطغاة والظلمة بعد ذلك لإشباع شهواتهم اللاإنسانية.
الحكومات المعاصرة
الأولى : الملكية المطلقة الاستبدادية : بأن يحكم شخص في الناس بهواه كيفما يريد ولا يتقيّد بأيّ قانون وضابطة، من أجل تسلطه عليهم بالقهر والغلبة. وهذا النوع من الحكومة مرفوض عند العقل والفطرة فهو نظام فردي وراثي استبدادي، يكون الفرد فيه مصدرا لكل القرارات والقوانين. (9)
الثانية : الملكية المشروطة الحديثة : تكون فيها الملكية حقا وراثيا ولكن الملك محدود مقيّد، ويكون تدبير الأمور محوّلا إلى القوى الثلاث (القوّة المقنّنة، القوّة المنفّّذة والقوّة القضائية) ويكون الملك عضوا محترما جدّا دون أن يكون على عاتقه أيّة مسؤولية ويتمتع بكلّ ما يريد من أموال الدولة. وهذا النوع ايضا يرفضه العقل والفطرة.
قال الله تعالى عن ملكة سبأ : » قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلة وكذلك يفعلون» النمل/ 34
والله تعالى لم يردّ الكلام من بلقيس ملكة سبأ لأنّه من السنن التاريخيّة السيئة التي تحكم في الحياة البشرية. كما يذكر في آية أخرى من سورة أخرى عن ظلم وفساد ملك أدّى به الطغيان إلى حدّ لا يوصف. قال تعالى عن خضر عليه السلام: » أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبه وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا»(11)
الثالثة : الحكومة الأشرافية وتسمّى "أرستقراطية" : هي لزوم طاعة شخص أو فريق متسلط لمجرّد تفوّقه النسبي أو المالي، عل العلم أنّ مجرّد ذلك لا يكون ملاكا للحكم والولاية على الناس عند العقل والفطرة، فالتفوّق النسبي والروحي والفكري من دون اقتران هذه الأمور بالصلاحيات والمؤهلات، لا يسوّغ الحاكمية والقيادة على الآخرين.
الرابعة : حكومة الأغنياء (الطبقة الغنية): وهي استيلاء طبقة غنية ثريّة على زمام أمور الدولة والحكم على الناس لمجرّد ثرائهم وأموالهم. وهذا النمط أيضا من الحكم يؤدّي إلى الظلم والاستبداد والاستغلال والعيش على حساب الآخرين، فيكون مرفوضا عند العقل البشري السليم.
الخامسة : الاشتراكية القائمة على النظرية الماركسية : هي تصيير الناس كلهم في قالب خاصّ واحد من التفكير ووجهة النظر في الحياة، وتبتني على المادية المحضة وقصر كل النظر والفكر في الماديات، وجعل الصناعات الثقيلة والتجارة الخارجية والتجارات الداخلية المهمة الكبيرة تحت الحكومة، يعني إلغاء رأس المال الكبير وجعله بيد الدولة وإطلاق الصناعات والتجارات البسيطة وتركها للأفراد.
هذا النظام يجعل الإنسان ماديا محضا ويجعل نظره منحصرا في المادة، واستغلال أكثر الناس في خدمة شرذمة قليلة على زمام الأمور في الدولة وهو نظام لا يرتبط بالدين.
السادسة: الشيوعية : هي نظام سياسي اقتصادي على أساس إلغاء الملكية الخاصة، وتكليف كل في العمل بقدر طاقته وجهده، مع توزيع الأموال على مجموعة الناس بقدر حاجة كل منهم، وتسعى الشيوعية إلى إلغاء الدولة والحكومة والنظام بين الناس، عندما تصل العقول البشرية إلى مستوى يفكر كل واحد في مصالح المجموعة، حينئذ لا يحتاج إلى الدولة. وإن عجز أتباع هذه النظرية من تطبيقها في المجتمع الإنساني، فبدؤوا يطبقون الاشتراكية تمهيدا للشيوعية، وهي ترفض الدين رفضا باتّا.
هذا النوع من النظام يخرج الإنسان من طبيعته الإنسانية ويجعل إله هواه فلا يؤمن بعد بمبدأ أخلاقي إنساني.
السابعة : الديمقراطية : هي حكومة الشعب على الشعب، لكل واحد إبداء رأيه في مصيرة الحياة الاجتماعية، والحكومة انتخابية على رأي الأكثرية. وهذا النوع من النظام ما تدّعيه أكثر حكومات العالم اليوم وخاصّة في الغرب.
فالديمقراطية ما في ظاهرها يختلف عمّا في باطنها، بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة يكون الرئيس مطلق العنان وتكون القوانين حبرا على الورقة، وتستغلّ الحكومة الشعب لخدمة جهاز الدولة فقط كما نشاهد في العالم اليوم.
الأنظمة المذكورة لم تستطع بعد التجربة البشرية أن تحلّ مشاكل المجتمع البشري، بل صارت وسيلة لاستغلال الجماعة القليلة جدّا طاقات الناس الفكرية والمادية، وبسببها تزداد مشاكل الناس يوما بعد يوم، فلا تستطيع أن تلبّي الحاجات البشرية.
عالمية حكومة الإمام المهدي- عجّل الله فرجه الشريف-
لا شكّ ولا ريب أن الإسلام المحمدي- صلى الله عليه وآله وسلم- عالمي فهو كان يوجه رسالته السماوية على جميع الناس بدون استثناء، لذلك قام بتوجيه رسالة إلى من استطاع أن يوجّه إليه من الملوك بحسب الظروف في ذلك العصر. وكذلك القرآن الكريم يخبرنا عن عالمية الرسالة المحمدية (ص).
قال تعالى: »وما أرسلناك إلا كافّة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس..» وقال تعالى: » قل يا أيها الناس إنّي رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض» » وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»(14)
فرسالته- صلى الله عليه وآله- إلى كافة الناس، وعدم علم أكثر الناس لذلك من تقصيرهم لا ينفي الموضوع.
كما أنّ رسالته- صلى الله عليه وآله- منشأ البركة والرحمة والخير والسعادة البشرية.
إذا فهمنا هذا بدقة لا يبقى أدنى شكّ في عالمية حكومة الإمام المهدي (عج) لكونه آخر خلفائه وأوصيائه ومورد تحقق الوعود الإلهية في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:
1- » وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون» النور/55
هذا وعد إلهي للذين آمنوا وعملوا الصالحات، أن تكون بيدهم الخلافة في الأرض يعني الحكم والحكومة على جميع أنحاء الأرض، وأن يتمكّن الدّين الإسلاميّ في كلّ بقعة من بقاع الأرض، فيعبدون ربهم الذي لا إله إلا هو، بكل أمن واطمئنان وهذا وعد إلهي يتحقق على يد الإمام المهدي (عج) حين يظهر.
2- » ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون» الأنبياء/105
3- » هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» التوبة/33
فعباد الله الصالحون هم سيملكون الأرض ويحكمون عليها بالدين الإلهي الإسلامي وهذا أيضا وعد إلهي يتحقق عندما يظهر المهدي (عج).
الباب الثالث
مباني وأهداف الحكومة العالمية للإمام المهدي (عج)
للحكومة العالمية للإمام المهدي- عجّل الله فرجه الشريف- مبان وأهداف إلهية إنسانية عالية فاقدة النظيرة.
الأول : التوحيد، هو محور الحكومة للإمام المهدي وتعميم هذه العقيدة الإلهية لجميع بقاع الأرض، وتطهيرها من الشرك والكفر والضلال والنفاق.
عن محمد بن مسلم قال: قلت للباقر- عليه السلام- : ما تأويل قوله تعالى في الأنفال: » وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله»؟
قال عليه السلام: لم يجئ تأويل هذه الآية، فإذا جاء تأويلها، يقتل المشركون حتى يوحّدوا الله- عزّ وجلّ- وحتى لا يكون شرك، وذلك في قيام قائمنا. (12)
عن رفاعة بن موسى قال: سمعت جعفر الصادق عليه السلام يقول في قوله تعالى: » وله أسلم من في السموات والأرض» قال: إذا قام القائم المهدي (عج) لا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة: أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-
إذن الهدف الأول أن يعرف جميع الناس ربّهم معرفة حقيقية ويوحّدوه ويعبدوه ولا يشركوا به شيئا » إيّاك نعبد وإيّاك نستعين»
وأصل شعار الدين الإسلامي كلمة »لا إله إلا الله» نفي أيّ معبود سوى الله سبحانه وتعالى. » واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا» النساء/36
الهدف الثاني: إقامة حكومة إسلامية إلهية واحدة تحكم جميع العالم.
وجعل الأرض في اختيار صالحي العباد » ... أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون» الأنبياء/105
والقضاء على الحكومات المختلفة غير الإلهية كما توجد الآن في العالم.
وكل هذه الحكومات غير الإلهية تكونت لظلم الإنسانية وإبعادها عن ربّها كما نعلم أن أكثر بقاع الأرض لا تكون في اختيار الأمة الإسلامية.
الهدف الثالث: محاربة الظلم والظالمين: هذا من أهم أهداف إقامة الحكومة العالمية للإمام المهدي (عج)، ونستفيد ذلك من روايات كثيرة.
عن الإمام الباقر- عليه السلام- (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس... حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم) ميزان الحكمة ج1 ص186.
قال الإمام علي- عليه السلام- (لا يعطيهم إلا السيف يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة لو كان من ولدها لرحمنا. المصدر نفسه.
ومعلوم في الروايات أنّ كثيرا من الظالمين ينكرونه- عجّل الله فرجه- لكثرة وقوع السيف فيهم. نفس المصدر.
فمحاربة الظلم و الظالمين من أجل الدفاع عن المظلومين المستضعفين حتى يستقر الأمن و السلام لجميع البشر.
الهدف الرابع : إقامة العدل في جميع بقاع الأرض، حتى يتعامل الناس جميعا بالعدالة ولا يظلم أحد أحدا ولا يتعدّى أحد على أحد. ومن أهمّ أهداف ووظائف الأنبياء والرسل إقامة العدل الاجتماعي » ليقوم الناس بالقسط».
كما نقرأ ذلك في الروايات » فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، فلا تمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتها» ميزان الحكمة ج1 ص187.
هذا يعني أنّ العدالة شملت الأرض تكثر فيها الخيرات والبركات السماوية والأرضية.
إذن إقامة العدل من أهم أهداف الحكومة العالمية للإمام المهدي (عج) لأنه بدون العدالة لا يوجد التطور و لا الراحة و الاستقرار، بل يكون شعار العالم هو الحروب الدامية و التخلف و اعتداء القوي على الضعيف.
الهدف الخامس: تطبيق أحكام الإسلام في جميع أبعاد الحياة البشرية: يعني ذلك بهيمنة الأحكام الإسلامية على جميع مسائل حياة البشر، من المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
الهدف السادس: تنعّم الأمة من النعم الإلهية تنعّما واسعا:
تتنعّم الأمّة المحمدية- صلى الله عليه وآله- تحت ظلّ حكومة آخر خلفائه وأوصيائه (الإمام المهدي[عج]) تنعّما واسعا لم تتنعّم مثلها من السابق.
عن أبي سعيد الخدري عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (تتنعّم أمّتي في زمن المهدي- عليه السلام- نعمة لم تتنعم مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته، والمال كدوس يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول: خذ) مستدرك الصحيحين للحافظ/ 4 ص558.
الهدف السابع : نشر الثقافة والعلم إلى جميع سكّان الكرة الأرضية.
الإسلام يحثّ الناس كثيرا وبكلّ تأكيد على طلب العلم والثقافة ومحاربة الجهل والأمّيّة، ومعلوم في القرآن أنّ أول آية من أول سورة منه تحثّ على القراءة وطلب العلم، لأن الإسلام دين العلم و الثقافة لتكامل الإنسان في إطار عبودية ربه عز و جل. لا كثقافة الغربيين لاستغلال حياة الإنسان في مصالح جهة معينة.
عن الإمام الباقر- عليه السلام- في حديثه:
» وتؤتون الحكمة في زمانه (المهدي) حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-. تاريخ الإسلام/ ج4 للمنظمة العالمية للحوزات والمدارس الإسلامية.
الهدف الثامن : تحقيق الأمن لجميع سكّّان الكرة الأرضية. قال الله تبارك وعالى: » ... وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا...» النور/55
معلوم لدى كل إنسان عدم وجود الأمن على وجه الكرة الأرضية في زماننا هذا، يقتل آلاف الناس دائما في كلّ مكان ظلما وسحتا وزورا؛ وبالخصوص في فلسطين وأفغانستان والعراق.
إذن، في حكومة الإمام المهدي (عج) جميع الناس يحصلون على الأمن في جميع مجالات حياتهم المختلفة.
الهدف التاسع: تحقيق المساواة أمام القانون: الناس كلهم أمام القوانين والأحكام الإلهية سواسية كأسنان المشط، فلا فرق في ذلك بين الغني والفقير والراعي والرعيّة والحضري والقروي بل بين البر والفاجر، لا كالحكومات الظالمة المعاصرة التي تفرّق بين رعاياها على أساس التمييز العنصري وتصبّ الويلات منها دائما على رؤوس الفقراء و الشعوب المستضعفة.
مع العلم أنّ المساواة أمام القوانين والأحكام بين الناس من طبيعة الدين الإسلامي الحنيف. » الناس أمام الحق سواء»
وإن كانت المساواة من ثمار العدالة. مع العدالة أمر فطري للإنسان لذلك نجد حتى الأنظمة الجائرة و الظالمة تدّعي العدالة و المساواة بين الناس أمام القوانين البشرية التي تضعها.
الهدف العاشر : التزكية (بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق) هذا أيضا من أهمّ أهداف الحكومة العالمية للإمام المهدي (عج) وهو تزكية الناس بالأخلاق الفاضلة، لأن الإنسان بدون الأخلاق الحسنة يكون بين الناس بصورة إنسان وإلا في الحقيقة والواقع هو حيوان وحشي. والإنسان مفطور على الأخلاق والسجايا النبيلة وأصول التربية والتزكية موجودة في فطرته فالمربّي يستخرج هذه السجايا المكنونة في النفس الإنسانية. » ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّها» الشمس/8- 10.
إنّ جميع هذه الأهداف للحكومة العالمية للإمام المهدي من أجل تحقيق السعادة والكمال المطلوب للإنسان لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليسعد ويتكامل ويستحيل الكمال والسعادة للإنسان في هذه الدنيا الدنية إلا تحت عبودية الله سبحانه وتعالى، فإقامة هذه الحكومة الإلهية من أجل تحقيق السعادة من ناحية وإتمام الحجة من ناحية أخرى.
الختام
إنّ خروج المنقذ في آخر الزمان أمر متفق عليه في الأديان السماوية وهو الإمام المهدي- عجّل الله فرجه الشريف- عند المسلمين وعليه روايات كثيرة سنّة وشيعة. وبسبب التحريفات الواقعة في التوراة والإنجيل، ذهب أهل الكتاب إلى القول بأنه شخص غير المهدي المذكور.
جميع الحكومات المعاصرة غير الإسلامية لا تستطيع أن تعطي شيئا ولو يسيرا للبشر من السعادة، بل تزيد في شقاء وظلم البشر على وجه الأرض.
والسعادة الكاملة تتحقق للبشر تحت ظل الحكومة العالمية للإمام المهدي- عجّل الله فرجه الشريف- وبما أنّ المهدي- عليه السلام- سيظهر- بإذن الله- للإصلاح البشري، على هذا يجب على من ينتظر ظهوره أن يصلح نفسه ويقوم بإصلاح الآخرين تمهيدا لظهوره عليه السلام حتى تتحقق سنخية الصلاح بينه وبين الإمام المعصوم والعبد الصالح، الحجّة ابن الحسن (عج).
ولا شكّ ولا ريب أنّ إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة العالم الرباني الذائب في الإسلام، المتفاني في ربّه سبحانه وتعالى روح الله الموسوي الإمام الخميني (قدس سرّه)، وجهاد الإيرانيين المخلصين، أكبر تمهيد لظهور المهدي (عج). وهي أعادت العزّة والشرف لجميع المسلمين. وأثبتت الجمهورية الإسلامية في إيران للنّاس جميعا أنّ الإسلام قادر- بكل معنى الكلمة- على قيادة الحياة البشرية نحو السعادة وإقامة العدالة الاجتماعية، وتلبية حاجات البشر المختلفة في كل مجالات الحياة، ومعلوم أنّ العقلاء لو عرفوا حقيقة الإسلام لقبلوه بلا شكّ وأنّ الحكومات الجائرة لو تركت الناس أحرارا في أفكارهم لعرفوا كثيرا من حقائق الأمور، ومع ذلك كله فالناس بدؤوا يلتفتون إلى جور وظلم تلك الحكومات.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الجمهورية الإسلامية في إيران إلى ظهور الإمام المهدي- عجّل الله فرجه الشريف-
وأخيرا أشكر جميع المسؤولين العاملين في مؤسسة المستقبل المشرق، وخصوصا أمين المؤتمر العالمي الرابع للنظرية المهدوية، لأنه بواسطة هذه المؤتمرات حول المهدوية، يحصل الناس على ثقافات كثيرة حول الإمام المهدي (عج) ويعرفون كيف يستعدّون لانتظاره- عليه السلام- في هذا العصر، أسأل الله تعالى أن يعجّل فرجه الشريف ويجعلنا من أنصاره. والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
المصادر
1- القرآن الكريم
2- فرائد السمطين طبع استانبول
3- ينابيع المودة للحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، طبع انتشارات الشريف الرضي،قم .
4- صحيح الترمذي
5- البحار للمجلسي
6- إعلام الورى للطبرسي
7- عيون أخبار الرضا
8- إثبات الهداة للمحدث محمد بن الحسن الحر العاملي ط المطبعة العلمية – قم.
9- مفاهيم القرآن للعلامة الشيخ جعفر السبحاني
10- تاريخ الإسلام للمنظمة العالمية للحوزات و المداس الإسلامية.