إن من يتابع ما تضخه آلة الإعلام العربي- و بعض الاعلام العراقي جزء منه- أو ما يكتب على مواقع (الانترنت) لابد و ان يشعر بالاستغراب و الضياع و الحيرة, سواء كان ذلك في فهم و تحليل مقاصد و أهداف هذه الوسائل, او في حجم و نوعية ما يكتب و ما يردد فيها من مفاهيم و مصطلحات و الكثير منها غامضة, و نحن مازلنا نسمع بان ثورات و انتفاضات الربيع العربي , إنما هي حصرا ( ثورات الانترنت) و التواصل السياسي و الثقافي, و التي تغذيها مادياً و معنويا شبكات إعلام عربي, و تقودها دول خليجية نفطية, و تمولها السعودية و قطر و الإمارات تحديدا, و نحن مازلنا نتذكر اليوم فضائح ( ويكي ليكس) و تسريباتها دون أن نتمكن من إدراك حقيقتها, او تصديقها أو تكذيبها و دون ان نعرف غاياتها ..!!
إلا ان ما يجب تأمله و إعادة النظر فيه, و يثير الاستغراب الاكبر هو : الحجم الهائل من المفاهيم و المصطلحات (الثورية) و الإصرار العربي عليها, بالاضافة الى التركيز الشديد على القضايا الطائفية, و التركيز على تحريك الأقليات الدينية و المذهبية و العرقية, و كان هناك هدفاً- أو اهدافاً- في إثارة الفتن الطائفية و العرقية, او ان هناك محاولات لتفكيك الامة ..؟؟
و ربما كانت في بعض تصريحات و توجيهات هنري كيسنجر- خلال السنوات القليلة الماضية- ما يفسر و يوضح هذا الإصرار العربي النفطي, فهذا الرجل ذو الاحلام التوراتية, قال: بأن دول الخليج النفطي لديهم (المال الفائض و الكافي ...) , و نحن نصطلح بالدفاع عنهم و عن أنظمتهم, لذا وجب على هذه الأنظمة أن تدفع من نفطها و ما لها من (فاتورة) .. !
و في حوارات عديدة مع الأستاذ محمد حسين هيكل- في الجزيرة- حاول مقدم البرنامج ان ينتزع من هيكل تصريحاً, او شهادة , او كلمة لصالح أنظمة البترول الخليجي, و خصوصا لصالح دويلة قطرو دورها في الانتفاضات و الثورات العربية, إلا ان هيكل رفض إغراءات المذيع (القطري) , و قلل من هذا الدور القطري و السعودي الخليجي, و وصفها بانها (..مجرد محطات ..) للتجارة و بيع النفط فقط, و أن لا دور لها في الانتفاضات ضد الاستابداد و ان (مجرد التحريض الاعلامي) لن يغير من واقع العالم العربي, و خصوصا في البلدان ذات العمق الحضاري مثل : مصر و سوريا و لبنان و العراق و المغرب العربي... و أشار هيكل بأن هذه البلدان ذات ارث حضاري عريق و لا يمكنها تقبل التدخل القطري- السعودي , الخليجي, و على إثر ذلك قطعت الجزيرة علاقتها مع الاستاذ هيكل و منعت بث تحليلاته السياسية , و هي تحليلات تتقاطع كليا مع تحليلات قطر- السعودية , خصوصا تلك التي تمس القضايا الطائفية و التحريض العرقي- القبلي .
و لتقريب هذا الدور القطري- السعودي , سنشير الى أمثلة محددة- و هي كثيرة جدا- و منها :
1-و أولها هو ما تختاره قنوات الجزيرة و العربية من مجموعات منطمة و مدروسة من المفاهيم و المصطلحات المثيرة, و منها :
الحديث المتواصل عن الثورة و الثورات و الانتفاضة العربية, و الديمقراطية و مفاهيم حقوق الانسان , و التعددية السياسية, و الشفافية , و التداول السلمي للسلطة , و الحريات العامة, و مقاومة (الغزو الامريكي) !! و حرية الإعلام, و الراي و الراي الآخر, و الثورة و الثورات المضادة, و المقاومة المسلحة , و السلمية, و الاتجاه المعاكس, وحق المعارضة السياسية, و الانتخابات الحرة, ...الخ
و قد وصل الأمر بقنوات الجزيرة أن تتحدث عن (الزعيم الأممي) في وصف الشيخ آل ثاني أمير دويلة قطر التي يمكنها ان تهدد روسيا و الصين معا, و حقوق الاقليات العرقية!! بل و أكثر من ذلك إذ وصل الأمر ان الملك عبد الله آل سعود هو الآخر أدلى بدلوه في (حق الشعب السوري) في إسقاط النظام السوري و الحديث عن (العدالة و الحرية)..!!
و قد نظمت كل من دويلة قطر و النظام السعودي العشرات مما تسميه (اللقاءات و الندوات الفكرية) السياسية, والتي إشترك فيها وجوه إعلامية و أعلاميات, دكاترة, و متحدثون باسم (الشعب العربي), و منظمات حقوق الانسان, و جمعيات (ثورية) للشباب.. لترويج أدبيات سياسية (يسارية ويمنية) مما يشكل خرقا لفلسفات النظم الاستبدادية في قطر و السعودية و الإمارات على وجه الخصوص, او يحرك الماء الراكد و المزعج للدكتاتوريات العربية, خصوصاً بعد ما حدث في ليبيا و مصر و تونس و اليمن, بل و أكثر الانظمة العربية, مثل : الجزائر و المغرب و السودان و موريتانيا.. باستثناء دويلة قطر بالنسبة لشبكات (الجزيرة), و باستثناء النظام السعودي بالنسبة لشبكات (العربية) , اذ لا حديث او نقد, او انتفاضة او ثورة, لكلا النظامين الاستبداديين, و كأنهما خارج الجغرافية العربية, و لن تصل إليهما رياح الربيع العربي .. !!
و اما تركيا (أردوغان) الشقيقة !! فإنها و فجاة اصبحت جزءً من الامة العربية , و لم يبقَ إلا ان نقول انها (ذات رسالة خالدة) على طريقة العقلية العفلقية , و هي عضو - غير رسمي و غير عربي - في جامعة الدول العربية , و هي المثل الأعلى و القائد في الشأن العربي, برغم تاريخها الاستبدادي و العنصري في تاريخ إبادة العرب و الكرد, و اضطهاد الأقليات رسميا و علناً !!
و قد أدمنت كل من الجزيرة و العربية و توابعهما الحديث عن (العراق الطائفي و المحتل) و (الحكومة الطائفية) في إشارة الى حق الاغلبية الشيعية, و الى حكومة الأستاذ نوري المالكي باعتباره رئيسا للحكومة المنتخب شرعيا و دستورياً, و كلا القناتين تتحدث بشكل دائم بأن حكومة العراق (إنما صنعها الاحتلال الامريكي) و أن (الانتخابات صنعها الأمريكان) و أن (الدستور العراقي وضعه الأمريكان), كما تصف الإرهاب و القتلة بـ (المقاومة المسلحة) و ان الاخوة من أهل السنة (مهمَشون) ... الخ و كأن دويلة قطر و السعودية و الإمارات ليست قاعدة- أو قواعد- أبدية و ثابتة للقوات الأجنبية او انها خارج النفوذ الأمريكي و الغربي ..! و لم تفسر كلٌ قطر و السعودية و الإمارات (دعوة الناتو و الأمريكان) في ضرب ليبيا, و عملها (الدائب و الحثيث) من أجل ضرب و احتلال سوريا..!
و يلاحظ جميع المتابعين أن قطر و السعودية و الإمارات على وجه الخصوص تلعب دورا سياسياً و عسكرياً تحريضياً واضحاً من خلال المال و التسليح والتدريب و التوجيه لكل اعمال (الإرهاب) في العراق و سوريا, و بقية دول المنطقة, بما فيها اليمن و البحرين و ذلك بهدف إحباط الإنتفاضات و احتوائها.
2-كما يلاحظ ان كلا من قطر و السعودية و الإمارات تركز و تسجع على (إثارة المسائل الطائفية..) في المجتمعات العربية و الاسلامية, اذ أن من المعروف اجتماعياً ان هذه المجتمعات قد تكونت من مجموعة طوائف و مذاهب و اتجاهات دينية إسلامية, كالسنة و الشيعة, و الشيعة الزيدية, و العلوية, و الصوفية, و الإباضية و الخوارج, و الدروز(الموحدين), و البكتاشية و الكيلانية,.... بالاضافة الى المسيحيين و الإيزدية, و عشرات غيرها, و قد أضيف لها خلال القرن الماضي ما يعرف بـ (الوهابية السلفية) كمذهب, أو دين جديد, و الكثير من هؤلاء تعرضوا- و مازالوا يتعرضون- للإضطهاد و التمييز, خصوصا في العهد العثماني و العهد السعودي في شبه جزيرة العرب, و إذا ما تم (نبش) و تحريك هذه الملفات الخطرة و الملتهبة, فإنها يمكن أن تقود الى حروب و إراقة دماء الملايين من المسلمين و غير المسلمين , و ستؤدي الى (تقسيم المقسَم و تجزئة المجزأ) بلا شك, و مثالها الواضح و العملي, تمويل و توجيه (الإرهاب) الوهابي- البعثي و في محاولات بناء جيوب طائفية و قومية (كردية أو غير كردية) و هو ما يجري تكراره في اليمن و سوريا و ليبيا و مصر و السودان و هناك بوادر تفجرات طائفية في لبنان..!
و قد حشدت كلٌ من قطر و السعودية و اللإمارات (جيوشاً) من الإعلاميين و الإعلاميات (نصف العاريات..) من الرقيق الأبيض- كما يصفه الزعيم الوطني الدرزي اللباني كمال جنبلاط- بالإضافة الى إعداد هائلة من انصاف المحللين و الندوات السياسية, و رجال دين للتحريض على (الفتن الطائفية) و التكفير , و التكفير المضادو المتبادل, و دفع الناس الى التقاتل الطائفي, و قد نجحت قطر و السعودية في تشجيع فصل جنوب السودان و تتواصل جهودهم (غير الشريفة) في دارفور, و في جنوب مصر و ليبيا, و عملهم (متواصل) في دفع سوريا الى حروب أهلية, و لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور..؟؟!
و اما الحال في دول المغرب العربي و أجزاء من أفريقيا المسلمة, فإن أنظمة الاستبداد البدوي تحاول استثارة الفتنة الطائفية و العرقية معاً, فبرغم أن السمة العامة في هذه البلدان أنهم من المالكية من أهل السنة فإن هناك قيادات صوفية- طرقية متأصلة, و لا تقبل مطلقاً منهجية (التكفير الوهابي) كمذهب جديد, و محاولة فرض منهجيته على جميع المسلمين هناك و الذي تتبناه الوهابية في المغرب العربي, و يرافق ذلك التحريض (العرقي-القبلي) كالتحريض ضد (او مع) الطوارق, او الافارقة الزنوج- المسلمين , او تحت شعارات (القبلية- الامازيغ) و العرب..الخ و هؤلاء جميعا من المسلمين, و قد وحدهم الإسلام والتاريخ المشترك , و روح الأخوة و التسامح, كأمة واحدة, و يقال أن قطر و السعودية و بعد نجاحهم في جنوب السودان و ليبيا...تحاولان (تجربة) تفكيك الوحدة الاجتماعية في موريتانيا- كمرحلة تجريبية أولى- بين العرب و البربر و الأفارقة ثم تعميم (الفتنة) في كل من الجزائر و المغرب و تونس و ليبيا, و وصولا الى مزيد من (الانشطارات) في السودان- كما تردد قناة الجزيرة- لخلق دويلات قبلية و طائفية, و ربما كانت هذه المسالة بالذات واحدة من أسباب (طرد) محطات قطر من المغرب, و تضييق الخناق عليها في الجزائر و تونس و ليبيا, خصوصا بعد أن لمست دول و شعوب المنطقة الاحداث في ليبيا و السودان من اقتتال, و احتمالات التفجر في سوريا و اليمن, و ربما أدركت دول المغرب العربي ان ما يجري من اقتتال هنا و هناك, إنما هو بتمويل و إعلام قطري- سعودي, و بمشاركة نشطة (عسكريا) من تركيا على وجه التحديد.
3-و اما الذي يجري في سوريا الآن فهو جزءُ لا يتجزأ مما هو مخطط, و ربما يعاد فيه السيناريو الليبية , او اليمن, إذ يتم الآن استدعاء جيوش العالم لاحتلال سوريا, و إثارة الفتن الطائفية و القومية لتفجير سوريا من الداخل و الخارج معاً, و بتمويل سعودي- قطري, و سوريا- بحكم تكوينها الديني و القومي- مزيج من المذاهب و الديانات, و إذا ما تم تحريكها او تفجيرها, فسيؤدي ذلك الى حروب أهلية و تقسيمها إلى دويلات, و تقوم السعودية و قطر بتمويل تركيا و بدور مباشر (عسكري) تمويلا و مساندة و تسليحا, بالاضافة الى الدور الإعلامي, و ربما تختص تركيا و اسرائيل بالغزو العسكري, و تقسيم سوريا الى مذاهب و كيانات كالسنة و العلوية و الشيعة و الكرد...و ربما ستضاف أجزاءٌ من العراق الى هذه الكيانات الافتراضية, والمتناحرة, و ربما سيعلن وفاة (جامعة الدول العربية) بعد أن تضم دويلات الخليج الى الكيان السعودي, و بعد تنفيذ فكرة تكتل دول المغرب العربي ..!
و قد يكون الشيء الأكبر و الأكثر أهمية في هذه السيناريوهات هو ضرب العراق, و تفكيك كيانه السياسي و الاجتماعي, و بالذات ضرب الشيعة باعتبارهم الكتلة البشرية الكبرى و الأكثر خبرة و صلابة, ثم يليه ضرب سوريا وتفكيكها , إلا ان كلا من البلدين أظهرا صلابة كبرى في مواجهة (الهجمات البدوية) و اما مصر و بقية دول المغرب العربي, فإنها بدات تستوعب الدور السعودية وقطر في هذه المخططات الجهنمية.
وفي آخر مواجهة في الأمم المتحدة بين (آل ثاني الوزير), قال هذا الأخير موجها (تحذيره و إنذاره) لمندوب روسيا والصين, أن روسيا ستفقد مصالحها ..!! إذا صوتت بالفيتو ضد المشروع الغربي- العربي الرامي لاحتلال سوريا..! واعقب هذا الوزير (إنذاره) الموجه لروسيا و الصين بعبارة (فوراً..) مما كان من مندوب روسيا الا ان اجابه ان (قطر) ستختفي و تزول من الخارطة ..!! و بذلك تُرك (آل ثاني الوزير) مربوطا من أذنيه في الأمم المتحدة, و اما عبد الله آل سعود فإنه و لأول مرة يتدخل بالسياسة , و يشاركه وزير خارجيته المتهالك, لطلب التدخل العسكري و احتلال سوريا, بمشاركة العرب و الغرب و تركيا .. ! و أن الاموال اللازمة ستدفع من (البترول الخليجي) , لذبح العرب و تفكيك الأمة, وإشعال الحروب الطائفية..!!
واخيرا, هناك سؤالان كبيران يجب على الامة و خصوصا الامة العربية, أن تجد أجوبة واضحة عليهما :الاول, هل يمكن لأنظمة (استبداد بدوي) , لم تعرف أبدا مفاهيم الديمقراطية, و حقوق الانسان, او الايمان بالحريات , و لم تمارس أية عملية انتخابية... هل يمكن لمثل هذه الأنظمة ان تطالب (الآخرين) بالديمقراطية, و احترام حقوق الانسان.. ؟؟؟؟
و السؤال الثاني, هل يمكن لأنظمة الاستبداد البدوي, التي اعتادت و الى حد الإدمان على (التمييز) بين مواطنيها, و خصوصا (تكفير) كل من لا يعتنق الدين (الوهابي) , و العمل بكل اساليب الاذلال و القهر تجاه الآخرين, هل يمكن لهذه الأنظمة الاستبدادية أن تطالب (الآخرين) بالعدل و المساواة بين مواطنيها, و هل يمكن لنظام ابن سعود, و نظام ابن آل ثاني احترام العقيدة, و حرية التمذهب الاسلامي ..؟؟
source : www.abna.ir