ففي مثل هذه الأيام فقدت الأمة الإسلامية أول أئمة المؤمنين وخليفة الله تعالى بعد رسول الله الصادق الأمين محمد بن عبد الله خاتم النبيين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، وهو أخوه وابن عمه ووزيره وصهره على ابنته البتول سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهم، أمير المؤمنين ويعسوب الدين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام.
الشیخ انور محمود
شهيد المحراب...
وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _
تمر على المسلمين في مثل هذه الأيام ذكرى مؤلمة وحزينة، هزت كيان المجتمع الإسلامي من الصميم، وهدت أركانه، وزعزعت أعمدته، وأهلكت أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، وأفسدت الملة، وأضاعت الشريعة، وانتهكت الحُرُمات.
ففي مثل هذه الأيام فقدت الأمة الإسلامية أول أئمة المؤمنين وخليفة الله تعالى بعد رسول الله الصادق الأمين محمد بن عبد الله خاتم النبيين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، وهو أخوه وابن عمه ووزيره وصهره على ابنته البتول سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهم، أمير المؤمنين ويعسوب الدين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام.
من هو علي بن أبي طالب، وما هي مناقبه وفضائله؟
أما المناقب والفضائل فلا تُعدّ ولا تحصى فهو باب مدينة العلم التي من أراد الارتواء من فيض علمها فعليه بالمنبع الصافي علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب، والذي قال فيه رسول الله: (علي بن أبي طالب أعلم أمتي)، وأقضاهم فيما اختلفوا فيه.
ومن غير علي يقول كلمته الخالدة يا معشر الناس (سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثُنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم). فياله من سؤال تعجز البشرية جمعاء عن التصدي له والتفوِّهِ بمثله سوى علي (عليه السلام) وصي النبي (صلى الله عليه وآله) الذي عنده علم الأولين والآخرين فهو القادر على ذلك ارتجالاً من على منبره.
وهو الميزان والصراط والفيصل بين أهل الإيمان وأهل النفاق، فلا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، فعليٌ وشيعته هم الفائزون وإلى الجنان سائرون، وبحبل الله المتين متمسكون، وبشفاعته مشمولون فنور الإيمان مع علي وظلمة الضلال مع أعدائه.
وهو وحده الذي استجاب لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله) حين نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فجمع النبي (صلى الله عليه وآله) أهله وعشيرته وعرض عليهم الإسلام واستنصرهم على أهل الكفر والعدوان، فلم يجبه منهم غير أمير المؤمنين مع صغر سنه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): أنت أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي) فيالها من منقبة جليلة ومنزلة رفيعة لا يستحقها إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) الجامع للفضائل، الطاهر المطهّر وهو من نزل في حقه قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) وذلك عندما اجتمع الملأ من قريش، وقرروا الغدر بالنبي (صلى الله عليه وآله) والفتك به، وإزهاق روحه، وسفك دمه ليضيع بين القبائل فوهب علي بن أبي طالب (عليه السلام) نفسه لله تعالى وشراها منه في طاعته حفظا لنبيه، فبات على فراش النبي (صلى الله عليه وآله) مستتراً بإزاره، وهم يحسبونه النبي (صلى الله عليه وآله) حتى خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من بينهم متوجهاً إلى المدينة سالماً محفوظاً من كيد الأعداء، مبلِّغاً لأمر ربه وإقامة دينه، وإظهار شريعته، فخابت ظنون أهل الكفر والعدوان وسحقت آمالهم وسفهت أحلامهم وخذلهم ربهم، وذل جمعهم، وبان عجزهم.
وهو الفارس بلا نزاع في ميادين الوغى وبين الأسنّة والرماح حتى جدَّل الفرسان الواحد تلو الآخر ولا ننسى موقفه العظيم مع عمرو بن ود العادي الذي كان يعد بألف فارس في حرب الأحزاب وأعلم ليرى مكانه، فتقدم للمسلمين ودعا للبراز والمسلمون خائفون وعن الجواب ساكتون وعن الإقدام واجفون حتى قال عمرو: ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز، فقام له بطل قريش الفتي علي بن أبي طالب (عليه السلام) مستأذناً النبي (صلى الله عليه وآله) في مبارزته فيأمره النبي (صلى الله عليه وآله) بالجلوس لكي يتقدم غيره لكي لا يدعي من يدعي بعد ذلك أن الفرصة لم تأتيه وإلا لتقدّم، ولكن المسلمين كأن على رؤوسهم الطير فلما طال النداء وتتابع القيام وتوالى الإنكسار قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ادن مني يا علي فنزع عمامته من رأسه وأعطاه سيفه وقال له أمضي لشأنه ثم قال اللهم أعنه، فتقدم وبدأ القتال وثارت الغبرة بينهما وسمع المسلمون التكبير فتيقنوا بنصر الله وبقتل عمرو، وقال جابر واصفاً الحال: (فما شبهت قتل عمرو إلا بما قص الله تعالى من قصة داوود وجالوت).
ثم أقبل علي ووجهه يتهلل نحو النبي (صلى الله عليه وآله) فألقى رأس عمرو بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام أبو بكر وعمرو فقبلا رأس علي، ولذلك قال حذيفة والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد قتله: (هؤلاء النفر الآن نغزوهم ولا يغزوننا فكان ابن مسعود يقرأ (وكفى الله المؤمنين القتال بعلي وكان الله قوياً عزيزاً).
ونلاحظ أن الإمام (عليه السلام) مع اقتحامه الأهوال المرعبة إلا أنه عندما قال له عمر ابن الخطاب: هلا سلبته يا علي درعه فإنه ليس في العرب درعٌ مثلها فأجابه (عليه السلام) إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي.
وهذا ما يفسر لنا موقف أخت عمرو عندما نعي عمرو إليها، فإنها قالت: لا رقأت دمعتي عليه قتل الأبطال وبارز الأقران وكانت منيته على يد كفو كريم من قومه، ما سمعت بأفخر من هذا.
وكان في كل غزوة يبثّ الرعب والفزع في قلوب أعداء الإسلام وينزل الهزائم القاسية بهم ويبدي الشجاعة التي لا نظير لها، حتى أعز الإسلام وأهله وأذل الكفار والمنافقين وهو الذي قام مقام النبي في إرهاب أعداء الإسلام، وحراسة دار الهجرة وجعله الخليفة عليها عندما أراد الخروج إلى تبوك، إلا أن المنافقين مع علمهم بالحال بثوا في المجتمع الإسلامي أكاذيبهم المسمومة وقالوا بهتاناً وظلماً لم يستخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إكراماً له وإجلالاً له ومودة، وإنما استخلفه استثقالاً، فبلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) إرجاف المنافقين فأراد تكذيبهم وكشف فضائحهم وسمومهم أمام الملأ فلحق النبي (صلى الله عليه وآله) وقال يا رسول الله إن المنافقين يزعمون أنك إنما خلّـفتني استثقالاً ومقتاً فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) أرجع يا أخي إلى مكانك فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
فانقلبت الآية على المنافقين رأسا على عقب، فقد أرادوا ذمّ وتنقيص الإمام (عليه السلام) ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) مدحه مدحاً عظيماً ونص عليه بالإمامة والخلافة، فأعطاه جميع منازل هارون من موسى سوى النبوة، فهارون كان أخا موسى وشريكه في أمره ووزيره ومن شد الله به أزره، وخليفته على قومه وطاعته فرضٌ عليهم وهو أحب القوم إليه وأفضلهم لديه والقرآن أعظم شاهد على ذلك قال الله تعالى حاكياً عن موسى: (ربِ اشرح لي صدر ويسرّ لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري). فأجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه حيث يقول تعالى: (قد أوتيت سؤلك يا موسى).
وقال تعالى حكايةً عن موسى (عليه السلام): (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي).
والباحث المنصف يجد أن الرواية المتقدمة مذكورة في كتب العامة والخاصة وهي نصُّ جليُّ لا ينكره إلا معاند مجانب للحقيقة متبع للأهواء ومنحرف عن الصراط.
فماذا يريدون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قولاً أصرح وأوضح وأجلى من هذا الكلام في التنصيص على الخلافة والإمامة مع فضائله الجمّة التي لا يقاس بها أحد ولا يصل إلى قمتها مدع ولا يساويه إنسان في خدمة الدين وإعلاء كلمته فهو الذي بذل كل ما يملكه في سبيل الحفاظ عليه وضحّى بأعز وأغلى ما يمكن التضحية به من أجل تبليغه للأمة.
ولكن ماذا كان جزاء خليفة رسول الله في أمته وأقرب الناس لديه وأحبهم إليه؟
جازوه بأن سلبوا حقه وتقمصوا خلافته، وأظهروا له وجوه الحقد والعدوان السوداء وجاؤوا بالحطب لإحراق بيته ثم هجموا على أهل الكساء المعصومين (عليهم السلام) وعلى من في البيت.
فضربوا بنت النبي (صلى الله عليه وآله) وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها ولذلك يقول علي (عليه السلام) رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) في منامي فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأدد واللدد وبكيت.
واستمر ظلمهم حتى جاروا وطغوا وبسيف مسموم قتلوه، وهو في محرابه قائم لربه، بل وصلت الأحقاد إلى منتهاها حتى قالوا إنّ قاتل علي مأجور وهو في الجنة، ولا نقول إلا إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وسلام الله على علي أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيَّا.
source : www.abna.ir