عربي
Thursday 14th of November 2024
0
نفر 0

أدب الإمام الباقر (ع)

أدب الإمام الباقر (ع)

من الحقائق التأريخية المعروفة انه مع الامام الباقر (عليه السلام) يبدأ عصر علمي بالنسبة لاستكمال مبادىء الشريعة الاسلامية، حتى أنه (عليه السلام) ومعه الامام الصادق (عليه السلام) قد توفرا على توصيل المبادىء الاسلامية بنحو نجد ان تلامذتهما يعدون بالالاف، ومن ثم فان النصوص المأثورة عنهما (عليهما السلام) تشكل نسبة ضخمة بالقياس الى سائر النصوص.... ولعل التغيرات الاجتماعية التي واكبت هذا العصر من حيث انتقال السلطة الاموية الى العباسيين، هذه التغيرات التي خبرها العصر، تظل على صلة بوفرة النتاج الذي صدر عنهما (عليهما السلام) حيث ان التوسع الثقافي سمح لكثير من رواد المعرفة بالتوفر على اخذها من مصادرها السليمة في نتاج الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام)...
واياً كان، فإن لقب هذا الامام (عليه السلام) (وهو: الباقر) كاف في التعريف بمدى المعرفة التي افادها الناس منه (عليه السلام)، حيث عرف بهذا اللقب لدى جميع الفئات الثقافية، وفيما اقرت بسعة‌ المعرفة التي توفر عليها، حتى ان المؤرخين يشيرون الى ان اشهر شخصية علمية‌ عندما كانت تجلس الى الامام الباقر (عليه السلام) انما تبدو كانها صبي امام المعلم...
طبيعياً، ان الائمة عليهم السلام مادام الله تعالى قد خصهم بمعرفة متميزة، حينئذ فان التقويم البشري لمعرفتهم لا يعتد به بقدر ما يجسد حجة على الآخرين ممن يحيا بمعزل عن مبادئهم عليهم السلام...
واياً كان، يعنينا ان نقدم نماذج من ادب الامام الباقر (عليه السلام)، لكن بما ان الطابع العلمي هو الذي فرض فاعليته في هذا المناخ أي: توصيل المبادىء الاسلامية في الميدان العقائدي والاخلاقي والفقهي والمعرفي بعامة، حينئذ فان العناية بما هو ثانوي - من حيث الصياغة - لابد ان تضؤل دون ادنى شك، واذا كانت الخطبة او الدعاء تتطلبان قيماً صورية وايقاعية وعاطفية ونحوها، فان التعبير (العلمي) من حقائق الفقه او العقائد او الاخلاق او المعرفة البحتة، لا تسمح ببروز القيم الايقاعية او الصورة او العاطفية كما هو واضح. لكن مع ذلك يمكننا ان نلحظ - وهذا ما يطبع سائر نتاج المعصومين (عليهم السلام)- الجانب البلاغي العام اي: فصاحة العبارة واحكامها، بل يمكننا ان نلحظ حسب متطلبات السياق جوانب فنية متنوعة تتخلل العبارة العلمية او غيرها حتى في صعيد القيم الصورية والايقاعية والعاطفية مع ملاحظة حقيقة - طالما كررناها- بأن الشخصية الشرعية - النبي (صلى الله عليه وآله) أو المعصوم (عليه السلام)- تعنى في الدرجة الاولى بما هو (فكر) وليس بما هو (ترف فني)، وانما يجيء (الفن) موظفاً في سياقات خاصة، لبلورة الفكر... وهذا ما نلحظه عند الامام الباقر (عليه السلام) ذاته، حيث انشده الشاعر المعروف (الكميت) ذات يوم احدى قصائده التي جاء فيها:
اخلص لله لي هواي فما
أغرق نزعاً ولا تطيش سهامي
فقال الامام (عليه السلام):
قل: فقد اغرق نزعاً ولا تطيش سهامي...
وحينئذ اجابه الشاعر: بأن الامام (عليه السلام) هو ابلغ منه فنياً في هذا الميدان.. (۱) اي ان الشاعر اقر بأن الامام (عليه السلام) افضل منه في الامتلاك لناصية الفن،... ومع ذلك فان الامام (عليه السلام) قد انصب اهتمامه على (الدلالة) وليس على قيم الايقاع او الصورة، علماً بان استبدال عبارة (فما) بعبارة (فقد) تنطوي على (قيمة ايقاعياً ايضاً) حيث ان صوت (القاف) في هذه العبارة (يتجانس) مع (القاف) في عبارة (اغرق) بحيث تحسس السامع جمالية العبارة: ايقاعياً... مضافاً لذلك، فان الاستبدال يكسب البيت المذكور جمالية اخرى هي (التقابل) بين (فقد اغرق) وبين (لاتطيش سهامي) اي: بين الايجاب والسلب، بينما كانت عبارة الشاعر خالية من (التقابل) كما هو واضح...
من هذا نستخلص ان الامام (عليه السلام) - في نفس الوقت الذي يعنى فيه بدلالة البيت - قد اكسبه (بعداً فنياً) ايضاً بالنحو الذي لحظناه...
المهم، ان البعد الفني يتجه اليه الامام (عليه السلام) في سياقات خاصة كما كررنا، وهو امر يمكننا ملاحظته في اكثر من نموذج... ومنه:
*******

(۱) المجالس السنية: ج ۲، ص ٤٥۱.

 


source : www.arabic.irib.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

بعض مناظرات الإمام الباقر (عليه السلام)
علم الباقر (عليه السلام) من علم الأنبياء
ولادة الإمام الباقر ( عليه السلام )
من وصايا الامام الباقر عليه السلام
تراث الإمام الباقر ( عليه السلام ) التفسيري
أدب الإمام الباقر (ع)
مدرسة الإمام الباقر ( عليه السلام )
العلم والاقتصاد عند الامام الباقر (ع)
حكم الإمام الباقر عليه السلام ومواعظه
علم الإمام الباقر ( عليه السلام )

 
user comment