مسؤوليّة الدولة في الاقتصاد
2014/04/19 | الکاتب : السيد محمَّد باقر الصدر
1- الضمان الاجتماعي:
أمر فرضه الإسلام على الدولة، بتهيئتها وسائل العمل وفرصه، فإن عجزت عن ذلك أو كان الفرد عاجزاً، فعليها تهيئة المال الكافي لمعيشته.
ويستمد الضمان مبرراته المذهبية من أساسين:
من التكافل العام أوّلاً، إذ يفرض الإسلام على المسلمين كفاية، كفالة بعضهم. وللدولة إلزام الرعايا بذلك فواجب على المؤمن إذا قدر، إشباع حاجة أخيه المؤمن، الشديدة منها خاصّة دون غيرها. وفي ذلك تعبير عملي عن الأخوة العامّة.
والأساس الثاني، هو حقّ الجماعة في موارد الدولة العامّة "وعلى أساس هذا الحقّ، تكون الدولة مسؤولة بصورة مباشرة عن ضمان معيشة المعوزين والعاجزين، بقطع النظر عن الكفالة الواجبة على أفراد المسلمين أنفسهم". وضمان المعيشة يتعلق هنا، لا بالحاجات الشديدة فقط، بل بضمان مستوى الكفاية من المعيشة الذي يحياه أفراد المجتمع الإسلامي.
فمفهوم الكفاية إذن مفهوم مرن، يتّسع مضمونه بازدياد اليسر والرخاء في المجتمع.
والأساس النظري لفكرة الضمان "إيمان الإسلام بحقِّ الجماعة كلّها في موارد الثروة". (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا) (البقرة/ 28). وتؤمن نفقات تنفيذ الضمان، عبر إيجاد بعض القطاعات العامّة التي تتكوّن من موارد الملكية العامّة، وملكية الدولة، إلى صف فريضة الزكاة.
"وقد أفتى بعض الفقهاء: بأنّ ضمان الدولة لا يختص بالمسلم. فالذي يعيش في كنف الدولة الإسلامية إذا كبر وعجز عن الكسب، كانت نفقته من بيت المال".
2- التوازن الاجتماعي:
انطلق الإسلام في علاجه لهذا الأمر من حقيقة تفاوت أفراد النوع البشري في مختلف الخصائص والصفات النفسية والفكرية والجسدية، ومن القاعدة المذهبية للتوزيع التي تجعل العمل أساساً للملكية وما لها من حقوق، مما يسمح بظهور التفاوت بين الأفراد في الثروة، ويجعل من التوازن توازناً "بين أفراد المجتمع في مستوى المعيشة لا في مستوى الدخل "أي" أن يكون المال موجوداً لدى أفراد المجتمع ومتداولاً بينهم، إلى درجة تتيح لكلِّ فرد العيش في المستوى العام.... مع الاحتفاظ بدرجات داخل هذا المستوى".
ولضمان التقارب في المستوى، حرّم الإسلام الإسراف من ناحية، وسعى إلى رفع مستوى المعيشة لذوي الدخل المنخفض، مكلفاً الإمام بتحقيق الهدف الذي هو تعميم الغنى. حتى لقد جعل "الغنى الحد النهائي لتناول الزكاة" ففي الخبر عن الإمام جعفر (ع): "تعطيه من الزكاة حتى تغنيه" وقد وفّر الإسلام الإمكانات اللازمة للدولة في سبيل تأمين ذلك عن طريق:
أ- فرض ضرائب ثابتة: هي الزكاة والخمس شرعتا لمعالجة الفقر، وجعل الفقر بمعنى عدم الالتحاق في المعيشة بمستوى معيشة الناس. فلك أن تعطي الفقير من الزكاة "ما يأكل ويشرب ويكتسي، ويتزوّج ويتصدّق ويحجّ" كما يقول الإمام الصادق (ع). وهذا يعطي الفقر مفهوماً مرناً كمفهوم الطب، تتسع معلوماته تدريجياً ويبقى الطب واحداً.
ب- إيجاد قطاعات عامّة: فجعل الإسلام "الدولة مسؤولة عن الإتفاق في القطاع العام لهذا الغرض".
ت- طبيعة التشريع الإسلامي: الذي ينظم الحياة الاقتصادية في مختلف الحقول؛ فتحريم الرِّبا مثلاً "يقضي على دور المصارف الرأسمالية في إيجاد التناقض والإخلال بالتوازن الاجتماعي"، وأحكام الإرث تفتت الثروات، هذا إلى جانب صلاحيات الدولة في ملء منطقة الفراغ، وإلغاء الاستثمار الرأسمالي للثروات الطبيعية الخام وغير ذلك.
3- مبدأ تدخّل الدولة:
من المبادئ المهمّة في الاقتصاد الإسلامي. لا يقتصر على مجرد تطبيق أحكام الشريعة كمنع الرِّبا وتحقيق الضمان الاجتماعي، بل يمتد إلى ملء منطقة الفراغ.
وقد وضعت منطقة الفراغ لمواكبة التطور الذي يفرضه تطور أساليب الإنتاج (أو علاقات الإنسان بالطبيعة) على مجال التوزيع (أو علاقات الإنسان بأخيه الإنسان) "فإنّ تطور قدرة الإنسان على الطبيعة... يطور وينمي باستمرار خطر الإنسان على الجماعة، ويضع في خدمته باستمرار إمكانات جديدة للتوسع، ولتهديم الصورة المتبناة للعدالة الاجتماعية". فمع تطور الآلات، يمكن لقلّة من الأشخاص أن يمارسوا إحياء مساحة هائلة من الأرض. هنا يأتي دور الإمام للحفاظ على العدالة. فمنطقة الفراغ ليست نقصاً، بل تبين قدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة، وحدودها تضم "كلّ فعل مباح تشريعياً بطبيعته" وليس للإمام إباحة محرم أو الإحلال من واجب.
ومن الأمثلة على ملء منطقة الفراغ، نهي النبيّ (ص) عن منع فضل الماء والكلاء، وعن بيع الثمرة قبل نضجها، ونهيه عن إجارة الأرض، وأوامر الإمام عليّ (ع) لمالك الأشتر بتحديد الأسعار وفقاً لمقتضيات العدالة.
المصدر: كتاب اقتصادنا
source : اقتصادنا صدر